أرى ما لا يُرى 25 ـ 3 ـ 2023
******* أرى مـا لا يُرى *******
ــــــــ لوحةُ الكتف ـــــــ
أمّي التي لم تقرأ
ولم تَكتُبْ أبدًا
أفصحُ منّي
تُسَمّي يومَ الأربعاء
– إرْبِحَاء –
مرّةً قلتُ لها
قُولي ـ أَرْبَعاء ـ
قالت
إربِِحَاء…إربِحَاء
إنّه يومُ الرّبح
رَحماكِ يا أمّي
*
كلَّ عام
فِي يَوم ثالثِ عِيدِ أَضْحَي
تأخُذ أمّي لَوحةَ كَتِفِ الشّاةِ الأيْمن
تُقلّبُها…تُمرّرُ عليها أناملَها وكفَّها
تَتأمّل خُطوطَها…تَتَملّاها
كأنّها تَتهجّاها
*
تَصمُتُ بُرهةً
ثمّ تبتسِمُ وتقُول
ثمّةَ في العام المُقبِل ـ إن شاء اللّه ـ
الخيرُ والبَركةُ
وسنَفرحُ مرّتين
أو ثلاثًا
رُبّما بكذا أو كذا
وتَصْدُقُ نُبوءاتُ أمّي
*
آخرُ سَنةٍ
السّنةُ التي فيها أمّي رَحلت
رأيتُ وَجهَها مُكْفَهَِرًّا
كمَا لمْ أرهُ مِنْ قبلُ
لم تَبتسمْ ولمْ تَتكلّم
اِنشَغلنا نحنُ بالشّواء
*
اليومَ
اليومَ فقطْ
بعدمَا مَرّتْ سَنواتٌ …سنوات
فَاتَ مَا فاتَ مِنَ العُمر
تذكّرتُ رأيتُ آنذاك تَجْويفَةً
رأيتُها ولم أدْرِ
أمِّي رأتْها
تَجْويفَةَ القَبْر !
ــــــــ الدّنيا ـــــــ
كانتِ السّماءُ
بِشَمسِها وقَمَرها
ليستْ أعلى مِنْ شَجرةِ تِينٍ أَوْ تُفّاح
أوْ داليةٍ
نقطفُ منها حتّى النّجوم
*
العُيونُ والسّواقي كانت رَقراقةً
زُلالاً
نَسقي في أكفّنا منها العصافير
تُرفرفُ حولنَا
ثمّ تَحُطّ قُربَنا في سُرور وحُبور
*
كان جميعُ النّاس أطفالا
يَعرف بعضُهم بعضًا
حتّى إذا ما تَشاجرُوا
تَشاجروا على كُرة قَشّ
أو دُميةِ خَشبٍ
*
عاش النّاسُ أطفالا
لا تَتجاوز أعمارُهم السّابعةَ أو العاشرة
مَن يَشيخُ منهُم
يُعمّر عاميْن أكثرَ… أو ثلاثةً
ثمّ يُرفرفُ مع الملائكةِ
نحو جنّة السّماء
*
سنةً بعد سنةٍ
جاء على الدّنيا زمنٌ
فطالتْ أعمارُ أولئكَ الأطفال
حتّى برزت لِحاهُم وأظافرُهُم
سنةً بعد سنةٍ
طالتْ تلك الأظافر
صارتْ مخالب
فما عادتِ الأرضُ أرضًا
ولا الدّنيا
دنيا
ـــــــ الغزالة والسّلحفاة والفراشة وعروس البحرــــ
يَا أَبَتِ
أحببتُ عروس البحر
ــ كُنْ سفينةَ الصحراء
كي لا تغرق في موجهاا
*
إنّها تشبه غزالة
ــ إذن
اِقترب منها
بخُطى السّلحفاة
لتلحق بها
*
يا أبتاهُ
أراها تطيرُ عاليا …وبعيدًا
ــ إذن
رفرفْ في سمائها
كالفراشة
النّسيمُ يحملك إليْهَا
وسيلتقي جناحاك
بجناحيْهَا
ــــــــ النظّارة ـــــــــــ
في داخلنا طفلٌ يبكي
لا يرى دُموعَه أحدٌ
*
غُصَصٌ في صُدورنا
تظلّ مَوْؤُودَةً في أعماقِنَا
لا يسمعُها أحدٌ
*
في غَياهِب عُيوننا
إذْ نُغمضُ جُفونَنا
تَتَراءَى لنا رُؤًى
لو كشفناها
لن يُصدّقَها أحدٌ
*
نبتسمُ
رغمَ الدّمعةِ تتلألأ في عُيوننا
نَصمُتُ
الآهةُ في صُدورنا
نضعُ نظاراتٍ سوداء
نمضِي
ولا يعرفُنا أحدٌ
ـــــــ ثرثرة ــــــــ
كُنّا صِغَارًا
نَتباهَى فِي عِيدِ الفِطْر
بِجَدِيدِ ثِيابِنا
وَألعَابِنا
وَنَنْتَظِرُ عِيدَ الأَضْحَى
لِنُفاخِرَ بِالقُرونِ الكبيرةِ لأكْبَاشِنَا
وَبشَدِيدِ نَطْحِهَا
*
كبُرْنا قَليلًا
صِرْنَا نَتَفَاخَرُ بِشُوَيْعِرَاتٍ
فَوْق الشّوَارب
ثُمّ مَرَقَتْ بِنَا السّنواتُ
فِي السّنواتِ
فَلَمْ نَدْرِ كَيْفَ مَضَتْ بِنَا الدّنيا
حتّى رَأيْنَا مَا رَأيْنَا
وغَزانَا الشّيب
فأمْسَيْنا نَفْخَرُ بِأَبْنائِنَا
وعُدْنَا نَتَنَافَسُ فِي السّباق
وَلكنْ
معَ الأحْفادِ
*
عِندمَا نَتْعَبُ
نجلِسُ بينهُم نُثَرْثِرُ…نُثَرثرُ
نُفاخِرُ بآبائنا والأجدادِ
كانُوا وكانُوا
وَكُنّا فِي هَذا اَلْبَلَدْ
رُبّما يَأتِي زمَانٌ
…! وَلَا يَذْكُرُنَا أحَدْ
ـــــــ الرّأس ـــــــ
رَأسِي هَذَا
مُدَوَّرٌُ مُكَوَّرٌ
كُرَةُ قَدَمْ
يَحْمِلُ حُرُوبَ وَمَجَاعَاتِ اَلْعَالَم
وَكُلَّ مَا فِي اَلْعَالَم مِنْ ألَمْ
*
رَأْسِي هَذَا
مُرَبَّعٌ مُسْتَطِيلٌ
صُندُوقٌ قَدِيمٌ
مُلَفَّقُ الْألوَاحْ
بِالْقِصْدِير وَالْمَسَامِير
وَبإكْسِير الْجِرَاحْ
*
رَأسِي هَذا
أسْوَدُ أبْيَضُ
رُقْعَةُ شِطْرَنْج
بَيَادِقُهَا غَارقَةٌ فِي اَلدَّمْ
فُرْسَانُهَا يُسَوِّهَا اَلْهَرَمْ
*
تَعَالَوْا يَا أطْفَالَ الْعَالَم
هَذَا رَأسِي
فَاِلْعَبُوا بهِ
بَيْنَ أرْجُلِكُمْ !
1972
ــــــــ الألوان الأخرى ـــــــ
تلُوحين
تتفتّح أزهارُ اللّوز في الرّبيع
للزّجاج رُؤيةُ بيضاء
تلوحين
ترقُص في نبضي كلّ الأشياء
نلتقي
تتوشّح البيوتُ في شارعنا بظلال رماديّة
الشّمسُ على سُطوحها تمسَح اللّيل
شيخُ المَسجد
يتلو أورادَه الصّباحيّة
وصِبْيَةُ جارنا يُشاكسون الحِِمار
معًا نسير
تبدُو لنا الألوانُ في ألوانها الأخرى
عندما نعُود
تكون حافلة القرية قد عادت
شيخُ المَسجد
تدقّ عَصاه
دَرجاتِ الصّومعة
1973
ـــــــ مقهَى العِنبة ــــــ
من ـ باب البحر ـ نحو ـ جامع الزّيتونة ـ
أسواقٌ تَفتح أسواقًا
مفاتيحُ تَلِجُ وتدُور في أبواب
باتتْ طول اللّيل ساهرةً
على اللّه الأرزاقْ
زُقاقٌ في زقاقْ
وزقزقةٌ صباحيّة
عصفورُ القفص
القفصُ مُعلّق في دكّان
دكّانٌ بابُه أخضر
خضراءُ أوراقُ الدّالية
تتدلّى على جانبيهِ
سماءٌ خضراء
إلا من أشعّة الشّمس
في الدكّان إيقاعُ مِنسَج عتيق
يُراوح خُيوط ـ سَفْسَاري ـ حرير
قَبل أن أصل
يَقصِدُني النّادلُ مُسرعًا
بكأس الشّاي والنّعناع
أرُدُّ بصباح الخير
على صباحاتِ الخير
أجلسُ
لأنسُجَ أنا أيضا
سَوادًا على البياض
ـــــــــ يَوميّاتُ الزّمنِ الضّائعِ ــــــــــــ
المَطَريّةُ السّوداءُ المَطْويّةُ
المُعلَّقةُ خلفَ الباب
تقولُ له كلّ صباح
وهو يتجاوزُ العَتبةَ
ـ خُذْ بيدي سيّدي
واِفتحْ أجنحتِي
أمْ أنّكَ نسيتَ صُحبتِي
وألِفت السّيرَ
وحيدًا
تحتَ الشّمس… ؟
*
عادَ
أمسَى القلبُ خاليًا
خاويًا
كسُوق السَّمك
في ضُحى عيدِ الأَضْحى
*
رَحم اللّهُ عجائزَنا
إذا بدَا لهنّ رَجُلٌ في التّلفزيُون
سَارَعْنَ بتغطيةِ وُجُوهِهِنَّ
فكيف لوْ عِشنَ
ورَأينَ مِزَقَ السّراويل
وتُباعُ جديدةً
*
عَمِّ الطيّب
اليومَ أيضا
مَرّ تحتَ النّافذةِ قائلًا
أينكمْ…أينكُم…؟
دَقّ الجرسَ
وقَبل أن أفتحَ البابَ
وضعَ السلّةَ
فيهَا ما فيهَا
فيها اليومَ من تِينِ وعِنبِِ حديقتهِ
ورجعَ مُسرعًا
عمِّ الطيِّبْ
تَجاوز الثّمانينَ
لكنَّ خُطاهُ أسرعُ
مِنْ فتَى الثّامنةَ عَشْرةَ
وعَمِّ الطيّبْ
كسْبهُ مِن يديه
وما لديهِ… ليس إليهِ
*
كلُّ ما غَنِمَ عمِّ الطيّب من الدّنيا
– ربحٌ –
أمُّنا – ربح – هيَ زوجتُه
أنجبتْ له تسعَةً من البَنينِ و البناتٍ
ضَحِك عمِّ الطيّب مرّة وقال لي
ـ وهيَ في السّبعينَ كالمُهرةِ
ما تزالُ قادرةً وزيادةً
قلتُ
ـ بفضل بَركاتِكَ يا عمِّ الطيّب
*
تَغيّر كلُّ شيءٍ
لا شيءَ كما هًو ولا كمَا يجبُ أن يكونَ
الرّفيقُ القديمُ…وقَدِ اِلْتقَيْنَا
وَقفنَا طويلا
ثمّ اِنصرفَ قائلًا…كالعِتابِ
ــ هنيئًا لكَ القَميصُ الجديدُ
أراكَ غيّرتَ لونَهُ مع تَغيُّر الحَالِ
قلتُ لهُ
ــ ليتْتك حافظتَ أنتَ
! علَى السِّروالِ
*
مِنْ باب تَركِ المرءِ ما لا يَعنيه
السيّدُ الجالسُ أمامي في القِطار
يضعُ ساعتَهُ في مِعصَمهِ الأيمنِ
هَل هُو أدرَى
مِنَ الذين اِخترعُوهَا
ومنَ الذين صنعُوها
وباعُوها
وجعلُوها
لتكون أنسبَ وأصلحَ
في المِعصَم الأيسَرِ ؟
*
رحِمَ اللّه أبِي
كنتُ في العاشرةِ
عندما وضعَ ساعتَه الجديدةَ
في مِعصمي
وذهبتُ بها مُلوّحًا بيدي
إلى المدرسةِ
حتّى المُعلّمُ يومَهَا
سألني مرّتيْن
–كَمِ السّاعةُ الآن ؟
في تَمام مُنتصَف النّهار بالضّبطِ
صَفّر المُديرُ
*
ويرجعُ الحديثُ بنا إلى القِطارِ
قِطارِ الضّواحي الجنُوبيّةِ
اليومَ
اِنطلقَ من إحدى المَحطّاتِ بدُون سائقهِ
نعمْ
بدُون سائقهِ
حَضْرتُه نزلَ لإصلاح أحدِ الأبوابِ
وقد اِستعصَى عنِ الإغلاق
ما كادَ يُغلقُهُ
حتّى اِنطلقَ القطار
مِنْ دُونهِ
*
قَبلَ يَومَيْنِ
لَقِيتُ مَنْ هُو أفصحُ مِنَ الجاحظ
ومِن أبِي الفَتح الإسكندريّ
وحتّى مِن أبِي العَلاءِ
إنّه جَاري الجَديدُ
سَيّدُ الفَصاحةِ… والوَقاحةِ أيضًا
منذُ أسبوع يَركُنُ شاحنتَهُ الكبيرةَ
حِذْوَ نافذتِي
وعندَ باكر كُلِّ صباح
يترُك مُحرّكَها المُزَلزِلَ يُدوّي مُدّةً طويلةً
قبل أنْ يُغادرَ
اليومَ
خرجتُ لهُ
ـ صباحُ الخير
ردّ ـ السّلامُ عليكم ـ
قلتُ ـ يا أخي مِنْ فضلكَ
وأرجُوكَ
أبْعِدْ شاحنتَك قليلا عن نافذتِي
فقال ناصحًا
ـ كان عليكَ أن تَشكُرَني
لتُصليَّ الصُّبحَ حاضرًا
*
في مَوسِم المِشْمِشِ
كنّا نُرصّفُ القُلوبَ أهراماتٍ أهراماتٍ
ثُمّ نَرشُقُها بأكبر قَلبٍ
فَكمْ مِن قلوبٍ ربِحنا
كمْ خَسِرتْنا قُلوبٌ
عند الغُروب
نُهشّمُها بحَجَر الصَوَّان
فمَا ألذَّ حتَّى المُرَّ منها
*
أنا أيضًا
صِرتُ لا أكرّرُ طرَفَ عينِي
نَحْوَ مَن يُطأطِئُ رأسَهُ
حِينَ نلتقِي
كثيرُون حَفِظتُهُم في القلبِ
لكنّهُم
سَقَطوا في طريقي مِنْ جَيبِ الصَّدر
*
زَمنًا
ظلّ يَلتقِيهَا
عِندَ ساعةِ الميدان
ثُمّ يَفترقانِ
ليتَ أنّهُمَا
مِثلَ تَيْنِكَ العَقْربَيْن
بعدَ كلّ ساعةٍ
يَتعانقانِ
*
على غير هُدَى
قادتْه قَدمَاهُ إلى حَيّ ـ بابِ الجديد ـ
صَفْصَافةٌ هُنا…وكانتْ
وسَط البَطحاءِ
رأَى جِذْعَها…لم يَرَ
ظِلَّها…لا
ولا حَنفيّةَ الماءِ تَجري كانتْ
مِنَ الصّباح إلى المَساءِ
والسَّقّاؤُون حولها بعرباتِهم الخَشبيّةِ
أزيزُ عَجلاتِها سِنفُونيّاتٌ
أحيانًا
فِي عِزّ قَيلُولةِ الصّيفِ
يَتزاحمُون يَتشاجَرُون
يَهْرعُ إليهِم شَيخُ المَسجدِ
ـ يا أولادْ…يا أولادْ
فيَصمُتُونَ في خَجَل
وحتّى إذا عادَ أحدُهُم فِي آخر اللّيل
مُتأرجحَ الخَطواتِ
لا يمُرّ أمامَ المَسجد
رَحِم اللّهُ الشّيخَ
لمْ نَسمعْ أذانَهُ العذبَ
رَقراقًا
يَنسابُ سَلْسَبيلًا
مُنذُ يَومِ رَأينَا مُكبّراتِ الصَّوتِ
فِي أعْلَى الصّومعةِ
*
لا يُزاحمُ عندَ صُعُودِهِ القِطارَ
يترُكُ الأولويّة للتّلاميذِ والطّلبة
للعاملين والعاملاتِ
يَفسَحُ المجالَ للمُتعجّلينَ
وللجَميلاتِ طبعًا
لا بأسَ…صار لا يُبالِي إن تأخّرَ القِطارُ
أوْ توقّفَ ولمْ ينطلقْ
أوْ لمْ يأتِ
فهو لمْ يعُدْ يَنتطرُ أحدًا
ولا أحدٌ ينتظرُهُ
لَقدْ فاتتهُ كلُّ المَواعيد
*
عَجبًا
لِقَومِ مدينةِ الإسمنتِ والحديدِ
يَقِفُون
أحيانًا يَتزاحمُون
حَول ثُعبانٍ أخضرَ أو أزرقَ
يَلتهمُهُم هُنا
ويَخرجُون منهُ هناكَ
أحياءَ
*
تقُولُ النّخلةُ
وهُم يحُزُّون رأسَها
ـ سَيطلُعُ جَريدي
فجُذوري
عَميقةٌ
*
كَمَنْ يُجدّفُ ضدّ التيّار
أوْ
كالذي يَهْوِي
مِنْ سَابع سماء
*
حَمِدَ اللّهَ
وأثْنَى عليهِ
حين رأى اليومَ
في قطار الضّواحي
مَنْ هُوَ جالس
وبين يديه كتابٌ
*
مَنْ يُريدُكَ
سيجدُ إليك سَبيلا حتّى
مِنْ شَقِّ الباب
ومَنْ يتجنّبُكَ
يتوارَى مِنكَ حتّى
في ثُقْب المِفتاح
*
جالسُون
تعبُوا من الجلوس
واقفُون
تعِبُوا من الوُقوف
كهرباءُ قطار الضواحي
اِنقطع
قبل الوُصول
*
أهدته باقةً
من نُجوم
وهي القمرُ
*
شمسُ صباحٍ آخرَ
بنسيم عليلْ
يَومٌ مُناسبٌ
لِحَبلِ الغَسيلْ
وعندَ إغلاقهِ البابَ
ألقَى بنظرةٍ نحوَ صُندوق البريدِ
مِنَ الرّسائلِ خالٍ والفواتيرِ
حَسنًا
هذا صباحٌ سعيدٌ
ومُباركٌ
*
نَاولهُ الدّكتورُ وَصْفةَ الدّواء
قال
ـ الضَّغْطُ عَالٍ
والسُّكَّرُ مُرتفِعٌ
لا بأسٌ…قال
ـ دَمِي عَسَلْ
فَلْيَشْربُوا
وعِندَ اللّهِ الأجَلْ
*
سيقولُون كانَ
وكانْ
عندما لا يكونُ
وبعدَ
فَواتِ الأوانْ
*
البارحةَ
أهمل الفُرشاةَ والمَعجون
عَجَن قلبَهُ
في صدره
….ونام
صيف ـ خريف 2018
ـــــــــــ مازلت لم آت ــــــــــ
مَازلتُ لمْ آتِ
لَا الشّمسُ …لا اَلْقَمر
لَا النّجُومُ
أظهَرتْ فِي هَذَا الزّمَن
آيَاتِي
*
مازلتُ لم آتِ
حتّى ضاربُ الرّمل
لا يعلمُ
ولا قارئُ الكفّ
ولا عرّافةٌ
من العرّافاتِ
*
مازلت لم ٱتِ
وَحدَها جنيّةُ النّبع
في جُزُر واقِ الواقِ
تَعْرفُ أوْصَافِي
وَمِيقَاتِي
*
ما زلتُ لم آتِ
عاليًا وبعيدًا
حَرْفًا حَرْفًا
تَحْبُو
مازالت كَلِماتِي
*
مازلتُ لمْ آتِ
حِبْري يُخْضُورٌ
ونَسْغٌ في الجُذُور
قَطرةً
يَرْشَحُ قطرةً فِي دَواتِي
*
وإنّي آتٍ
لستُ على عَجَل من أمْري
بِالخَطوةِ الأولَى
تبدأُ كُلُّ المَسافاتِ
*
إنّي آتٍ
مُرَفْرفًا
خافقَ الجناحين
معَ المَدَى تِلو المَدَى
من كُلّ الجِهاتِ
*
إنّي آت
فِي حَفِيفِ النّسيم
في صَخَب البَحْر
في همْس الصّحرَاء
فِي هَسِيس الغاباتِ
*
آتِ
كالعَواصف مُدَمْدِمًا
كالزّلازل مُهَدّمًا
حَجرًا عَلى حَجَرْ
لَا أُبْقِي ولا أَذَرْ
عَلى كلّ الطّغاةِ
*
آتٍ
نَحْوَ العابرينَ من الأقاصِي
في زوارق المطّاط
فإذا البحرُ هاجَ وماج
أرمِي إليهم
قواربَ النّجاةِ
*
آتِ
كَوَهْج لذيذِ الجَمر
في صَقيع الفَجر
للكَادِحين والكادِحات
يَسْعَوْنَ فِي الظّلُمات
*
آتِ
في القحْطِ.. أنا أخضَرُ
في الصُّخور… أنا أَبْذُرُ
ومن سَحِيق السِّباخ
أحصُدُ صَاباتِي
*
آتِ
من بعيدٍ… بعيدٍ
لا رفيقَ لي
إلا ظِلّي والعَصَا
ومِخلاتِي
*
آتِ
مع شَمسِ الصّباح
للسّوسَن والأقاحِي
للنّسرين والياسمين
أنشرُهُ على الطّرقات
*
آتِ
بالجديد
بِمَواعِيدِي وَأنَاشِيدِي
بِوُعُودِي وَعُهُودِي
وَبُشرَى فُـتُـوحَـاتِي
*
آتِ
مع هوادج الأعراس
مع أفراح الناس
بالطبول والبارود
والزغردات
آت….آت…آت
!…فاِنتظرُوني
ـــــــ أنو شروان ـــــــــــ
في عامه الخمسين
لجلوسه على العرش
اِنتصب أنو شروان في صدر الإيوان
بين يديه الأمراء والوزراء والأعيان
والجواري والغلمان
*
ظلّ أنو شروان صامتا
لم ينبس ببنت شفة
ولا حتّى اِبن لسان
أطرق زمنا
وجم الحاضرون في أماكنهم
لا أحد يجرؤ على الكلام
طال إطراق أنو شروان
فجأة هزّ رأسه كسرى أنو شروان
وقال ـ أتدرون ما ألذّ شيء
في الدنيا ؟
لا أحد عزم أمره أجاب
*
حينذاك قال كسرى أنو شروان
ـ أخذت من الدنيا كلّ شيء
شربت حلو الشّراب
أكلت شهيّ الطعام
لبست فاخر الثياب
أنا الذي سلطانه من هنا
إلى أقاصي البلدان
ونلتُ من كلّ حسن وجمالْ
فلم أجدْ في الدّنيا
ألذَّ
! من مُحادثة الرّجالْ
ــــــــ القُرط القديم ـــــــــ
إلى الشّاعر الميداني بن صالح اِستلهامًا من مسيرته بمناسبة بلوغه السّبعين من عمره
هِيَ ذِي خُطاهُ
تُوصِلُني إلى مَشاهدِهِ القَديمةِ
وَقفتُ أمامَ البوّاباتِ
صَلدةُ ذاتِ الصَّخرِ
على هَيْأةِ الأقواس
مِنْ أعْمِدةِ المَرْمَرِ قُدَّتْ
قرأتُ نَقِيشَتهُ : الاِسمَ والعُنوانَ
حَملتُ زادِي… واصَلتُ الطّريقَ
عِندَ كُلّ فَرْسَخٍ أسألُ عنهُ
نَفْسُ مَا يُقالُ ومَا قيلَ
كانَ قد مَكثَ هُنا قَليلا
ثُمّ شَاقهُ السّفَرُ نَحْوَ البَعيدْ
تُرى أينَ ألقاهُ هُوَ الرّاحِلُ دائمًا
مِنْ بِيدٍ إلَى بِيدْ
(2)
هِي ذِي خُطاهُ
ضاربةٌ في ثَنايَا القَفْر عندَ السّباسبِ
على مَدى البَصَر
خُطاهُ
قارعةٌ رَصيفَ المُدن مِنْ شَرقٍ
إلى غربٍ
مِنْ غُروبٍ إلى شُروقٍ
كلّما شَدّهُ خيطٌ
أَوِ اِنقطعَ وَتَرْ
عَجّل بالرّحيل
إذْ تصغُرُ حَوْلَهُ السّاحاتُ حتّى تَضيقَ
هو الحُرُّ الطّليق
لا يَنامُ على مُستقَرْ
(3)
كَشفْتُ رُؤاهُ
اللّيلُ والأحلامُ… والطّريق
مِنْ أقصَى الواحاتِ
مِنْ آخِرِ نَخلةٍ في الصّحراء
جَاء يَسْعَى
أيُّ آتٍ من الأيّام سَيَلقاهُ الفتَى
وأيُّ قِطافٍ مِنَ السّنواتِ سَيقبِضُهُ
بَدَلَ حَفْنةِ التّمر
والقُرطِ القَديم ؟
هُوَ ذا لِمَنْ يَراهُ
نَحيفٌ كرُمح
خافقٌ كمِثل جَناح
وَهْوَ في السّبعينَ إذْ يحُثُّ خُطاهُ
يَبدُو كطِفل السّابعةِ
يُسَابقُ في مَداهُ
(4)
أتْعَبْتَنا يا سيّدِي
فأنتَ الجَمُوحُ
مُهْرٌ بِلا لِجام ولا سَرْج وَلا رِكابْ
وِهَادٌ قَطَعْتَها أنهارًا وشِعابْ
دُونكَ المَمالكُ وَالمَسالِكُ
لَمْحُ سَرابْ
كُنتُ ثَانيَ إثنينِ مَعَكَ فِي الطّريق
الإسْفَلْتُ
وَالمَسافاتُ
وَهَذا الجَنوبُ
(5)
فِي مَا مَضَى
مِثلَ صِغارِ العَصافير
كُنّا نُزقْزقُ الحُروفَ
نَتهَجَّى سِرْبَ الكلماتِ
عَلى أجْنحةِ اللّغةِ العَذْراء نَنطلِقُ
نَمْتَشِقُ الفَضاءاتِ الجديدةََ
نَطيرُ عَاليًا وبعيدًا
لا نَعبَأ باِحتِراقِ الرّيشِ في الشّمسِ
وَلا بِتَمْزيقِ الوَرق
حَوْلهُ نَجتَمعُ
فَمِنْ أجْل رَبيع الفَراشَاتِ
كُنّا نأتلِقْ
هُوَ الصّقرُ الذي حَلّق قَبْلَنَا
وَطَواهَا مِنْ مَداهَا إلى مَداهَا
أبعادَ الأفُقْ
(6)
مِثلَ نَجم يَأتَلِقْ
مَازلتَ يا سيّدي تَهدِي السَّفائنَ
والقَوافلَ
نحوَ الأقاصِي عَبْرَ التُّخُوم والسَّباسبِ
وبَدَلَ أنْ تَستريحَ وتَتْرُكَنَا في الخلاءِ
عِند مَهَبِّ الرّيح
هَا أنتَ تُمَدِّدُ جَناحَيْكَ مِنْ جَديد
وتأخُذُنَا مَعك
(7)
يا عُروةَ الشُّعراء
دَمِيَتْ يَداكَ مِنَ الشَّوْكِ ولمْ تُخَلِّصِ اَلْحَريرَ
مِنَ العَوْسَج
فَأيُّ جِراح سَتُناوِبُنا إيّاهَا
يا عُروةَ الشّعراء
هِيَ ذي خَيمتُكَ مُشْرَعةٌ للأحبّةِ
الظِلّ والرِّفْدُ فيها والمَاءُ
لِمَنْ ضلّوا إليكَ الطّريقَ
ولِمَنْ ضَاعَ في المَدائن بين الحَوانيتِ
والواجهاتِ
جاءكَ مُرتجفًا يَسْعَى يَطرُق الباب
آمِنًا يدخُل نحوَك عليه السّلام
تَمسحُ الأحزانَ عنه
فتُرفْرفُ حَولهُ حمامةُ الرُّوح
تُناولهُ الزّادَ وعناوينَ الكُتبْ
فَمِنْ أوراقِكَ يا ـ أستاذُ ـ
اِشتعلَ جِيلُ الغَضبْ
(8)
وَاحَرَّ قَلباهُ ـ قُلتَ
آهٍ مِنْ زمنِ العَرَبْ
آهٍ مِن صَحْوي وسُكري
ومُروقي ولِجَاجِي
وسُكوني وظنُوني
واِنطلاقِي وَهِياجِي
أهٍ مِنْ عَقلِي
ـ إذا مَا ثَارَ بُركانًا
عَلى كُلّ الأحَاجِي ـ
(9)
مِثلَ كلّ مُسافرٍ فِي الفَيافِي
ينُوشُهُ الغُبارُ حَتْمًا مِن وَعْثَاءِ الطّريق
لكنّهُ عندمَا يتكدّسُ على الدُّروب
يَمْسحُ بِلا خَجل نَظارتَيْهِ
فَيرَى مَا لمْ نرَ
إذْ يَتَبَيَّنُ الظّلامَ والذّئابَ
غيرَ أنّه في الدّياجِي
يُشْعِلُ بَسْمةً
عندمَا يُطفِئُ شَمعةً
(10)
هُوَ ذَا أشْهَى التّفاصيلِ وأَحْلَى
كلّما تَاهَ فِي مُروج العِنبِ
وراءَ سَانِحةٍ لِذكرَى وتَجلّى
فَإذا أخْطأتِ الكأسُ شَفتيْه
اِبتسمَ وقَال
ـ تُخْطئُ البَوْصلةُ ذاتَ ريح
أوْ ذاتَ حَريق
ولاَ يُخطئُ قلبِي
هُو دَربي
وذاكَ الأفُق
ـ شِعْري لُهاثُ الكادِحينَ على الدُّروب
شَدْوِي أهازيجُ الشّعوب
مَنْ صَارعُوا الأمْواج
والبحرَ الغَضُوبْ
مَنْ غالبُوا الأقدار
واِقتحمُوا الخُطوبْ
مَنْ عبّدُوا الطّرُقَ المَديدةَ
فِي الجِبال ـ
(11)
مَرّةً ونحنُ على الجِسر قال
إنّنا لا نقطعُ النّهرَ مَرّتين
قلتُ: أريدُ أنْ أقِفَ على الضَّفَّتَيْنِ
قال : مُسْتحيل…لا بُدّ أنْ تختارْ
فَإمّا يَمينٌ…وإمّا يَسارْ
قلتُ عَنيدًا : عِندَئذ أَخْتارُ الوسَطْ
قال: إذن سَيَجْرُفُكَ التيّار
ثُمّ في الأمْواج تَضيعْ
فَلا السَّاحلَ أدْرَكْتَ
وَلا سَقَتْكَ الينابيعْ
(12)
مَرّةً عندمَا اللّيلُ سَجَا
سَاءَلتُهُ عَن الأصدقاء
ـ إنّهُم كَمَنْ يُغَربلُ الماء
زِدتُهُ قائلا :
ـ والنّساء ؟
صَمَتَ لَحظتين ثُمّ قال
– أوّلُهُنَّ…آخِرُهُنّ أمّي
فَمَنْ يَبِعْنِي اليَوم
ذلكَ القُرط القَديم
وبَكَى
(13)
هِيَ ذِي نَخلتُهُ مَا تَزال
كم زَحفتْ عليها رمال
كم رياحٌ عليهَا عَصَفتْ
كم رماحٌ فيها رُشِقَت
ويُمْطرُ السَّحابُ
أوْ لا يُمطرُ السَّحابُ
فَقيرةٌ أوْ جائعة
ليستْ ذليلةً أوْ طامعَهْ
يَا نَخلتَهُ الصّامدَهْ
مَا سِرُّ خُضرتِكِ الخَالدهْ ؟
(14)
وَيْلِي مِنْ زَمَنٍ
البَسمةُ فيهِ بالأنيابِ
المُصافحةُ بينَ الأحبّةِ كَفِعْلِ الْمِقَصْ
قلتُ له وقدْ تَجرَّعتُ الغُصَصْ
كَيفَ نُزَاوجُ ألوانَ قَوْسِ قُزَح
وَكيفَ نُوالفُ بينَ الحَمَائمِ والفَضاء
عندَ بابِ القَفصْ
أجابَ : عندمَا نَرسُمُ حبّاتِ المَطر
علَى الشّجرْ
عندمَا نَسْتهْدِي الأمواج
إلى السَّواحل دُونَ أنْ تنكسِرْ
وعندمَا نَنْظُمُ شَتَاتَ اللّآلِي
فِي الخَيْطِ الدّقيق
وقتَها نَبْنِي الفُلكَ
لِنَجْتازَ المَضيق
فَمَا أطولَهُ طريقْ
فَمَا أطولَهُ طريقْ
(15)
تلكَ خُطاهُ
تُوصِلُنِي إلى مَشاهدِهِ القَديمةِ
وَقفْتُ أمامَ البوّاباتِ
صَلدةُ ذَاتِ الصَّخر
على هَيأةِ الأقواس
مِنْ أعمدةِ المَرمر قُدَّتْ
قرأتُ نَقيشتَهُ : الاِسمَ والعُنوان
حَملتُ زَادِي…وَاصلتُ الطّريق
عِندَ كلّ فَرْسَخ أسْألُ عنه
نَفْسُ مَا يُقالُ ومَا قِيل
كانَ قدْ مكثَ هُنا قليلاً
ثُمّ شَاقهُ السّفرُ نَحْوَ البَعيدْ
تُرَى أينَ ألقاهُ
هُوَ الرّاحلُ أبَدًا مِنْ بِيدْ
إلى بِيدْ
وَفِي كلّ عَامٍ تَراهُ
بِعُمْرٍ جَدِيدْ
تونس ـ شتاء 2000 *
ــــــ الشّامُوراي الأخير ـــــــــ
إلى الشّاعر يحي السّماوي
قَدْ يَحُزُّ السّيْفُ الصَّقيلُ غِمدَهُ
ـ أَدْخِلْهُ بلُطفٍ
الحِصَانُ إذا حَمْحَمَ
ـ لا تَلتفِتْ
الرّفيقُ هُو الطّريقُ
إذا دَبَّ البردُ إلى قدميْكَ
اِنهَضْ
أَسْرع ِالخُطَى
*
قبل الفجر
السّامُورَايُ قفز على حِصانِهُ ومَضَى
أخذَ العَتادَ والزّادَ
جَاوزَ النّهرَ
شَقَّ الجَبلَ
عَبَر البحرَ
قَطعَ البيداءْ
وأَثْخَنَ فِي الأعداءْ
*
عندمَا عادَ
عاد بالنّصر
عادَ
ومَا فيه شِبرٌ إلّا وبهِ ضَربةُ سَيفٍ
أو طعنةُ رُمح
أو رَمْيةُ سَهْمٍ
عادَ
علّقوا على صدره كل الأوسمة
وأقامُوا لهُ تِمثالا كبيرًا
في المَيدانِ
*
شَاخَ السّامُورَاي
والتّمثالُ عَلاهُ الصّدِيدُ
أَتَى زَمانٌ
فَإذا البلادُ غيرُ البلادِ
كلُّ شَيءٍ صَار يُباعُ بالمزادِ
مِنَ الحليبِ والثّيابِ
إلى شَهائدِ العِلْمِ
والألقابِِِ
*
شَاهرًا سَيفَهُ
خَرجَ السَّامُورايُ يومًا
مِنْ حَديدِ تِمثَالِهِ
وأوْقفَ حَركةَ المُرور فِي المَيدانِ
وظلّ يُنادي : هذا أنا …هذا أنا
والبلادُ بلادِي
لَمْ يَسْمَعْهُ أحدٌ
وهَلْ أحدٌ اِلْتفَتَ إليهِ
فقطْ
شُرطيُّ المُرور قَصَدهُ مُسرعًا
وهو يصرُخ في وجههِ
! ـ اِرجعْ إلى مكانكَ
! ـ ارجعْ إلى مكانكَ
ـــــــ صفحة من كليلة ودِمنة ــــــــ
كبشُ الغَنمِ
وما أدراكَ مَا كبشُ الغَنم
ليس كلُّ اِبنِ نَعجةٍ جديرٌ أن يكونَ كبشَ غَنم
كبشُ الغَنم منذُ الولادةِ
يُعزَلُ عن أمّه
فتُرضِعُه أنثَى حِمار
يُلازمُها
حتّى يَعتقدَ أنّها أمُّه
يَكبُرُ حتّى يَطولَ قَرناهُ
ولا تُجَزُّ صُوفُهُ
إنّما يُجَزّ ـ شيئُهُ ـ الآخرُ
ويُعلَّقُ بَدَلَ مِنهُ ناقوسٌ كبيرٌ في رَقبتِه
فَإذا دَنْدنَ وجَلْجل
وسَارْ
سَارَ في هَيْبةِ فَحْلٍ ووقارْ
فَيتبعُهُ القطيعُ
والجميعُ
خلفَ الحِمارْ
ــــــــ قصيدة غزّة ــــــــ
دمُ الرٌبيع في غزٌة
السادسةُ صباحا
دُون أن أغسل وجهي
أفتحُ التلفزيون
للصباح حُمرةُ الشفق القادم من الشرق
اليومَ أيضا
تُشرقُ الشمسُ دما
في غزة
إذن
لغزٌة النارُ والحصارُ والدمار
لغزٌة الجوع والعطش
فإسعدوا بغزٌةَ ياعرب
وٱهنؤوا بالمواكب والقوافل
بالمهرجانات والأسفار
بالفنادق والرقص
بالفصاحة والشعر والجوائز
هنيئا لنا بالنفط والزيتون
هنيئا لنا بالعمائم وبالمذاهب والملل
هنيئا بفتوى الرضاعة والمِسيار
وجهاد النّكاح
هنيئا باِقتصاد السّوق و سباق النوق
هنيئا بشقاق ونفاق
هنيئا لك بثورات يا وطن
نفديك بروح ودمْ
من أجل كرة قدمْ
صباحٌ آخرُ من حصار
وموجةٌ أخرى
من… ألمْ
ـــــــــ الوردة ــــــــــ
أهداهَا وردةً
تُرى أينَها الآن في هذا اللّيل ؟
لعلّها ما تزالُ يانعةً في مِزهريّتها
وتُبدّلُ ماءَها كلَّ يومٍ
ربّما تكون أغمَضتْ جُفونَها
ونامتْ باكرًا
وهي الآن في مَنامتها السّابعةِ
أو لعلّها دسّتها تحتَ وسادتِها
قد تكون مطويّةً
بين صفحاتِ كتابٍ
لعلّ …أوْ…عسَى…ربّما
رُبّمَا
هيَ الآن في الطّريق
ذاويةٌ يابسةٌ
وَضاعَ أريجُها
بعدما ألقتها عندَ أوّل مُنعَطَفٍ
ـــــــ ذات الضقائر ـــــــــــــ
ضفائرُها
اِنداحت ذُؤاباتُها
على صدره
فتراءت له على الوهاد والتّلال
بيادرُ قمح
وكثبانٌ… وواحات
وكنوزٌ جُزر واق الواق
*
أَحَبَّ عُذوبتَها
أحَبّ عُنفوانَها
أحبّ السّماءَ في عينيها
صافيةً
ثمّ في لحظةٍ
اِنبثقت لهفةُ الأنامل
بين الرّغبة
والرّهبة
*
لا… نعم
لا… نعم
ثمّ اِنطلقتْ مُهرةُ البَراري
بلا قَيدٍ
بلا لِجام
بلا ركابٍ ولا سَرج
تُحمحِم ضابحةً
مُجَنِّحةً
حتّى تصلَ إلى ذَروةِ الوجد
*
كَمِثل جوادِ جَمُوح
وسَط وَطيسِ الحرب
خاض فارسُه
غِمَارَ المعركةِ
ينتصرُ… أو يموتْ
ففي العشق يحيا
دائما أبدًا… يحيا
برغم الزّمانِ يفُوتْ
ـــــــــــ صفصاف وصفصافة ـــــــــــــ
صَفصاف وصفصافة
مُتقابلان
على جانِبيْ الطّريق
واقِفان
إلى بعضهما ينظران
الجذعُ في الجذع
الأغصانُ في الأغصان
الأوراقُ في الأوراق
وبالجذور يتعانقان
تحت التّرابِ والأحجارِْ
فتتزيّن جنباتُ الطريق
بالأزهارِ
ـــــــ حرثٌ ــــــــ
مِحراثُ حديد
شديدٌ…مديدْ
يشُقّ الأديم
يصل إلى الثّرى
دافقًا
خافقًا
يسقِي الجذور العطشى
حتّى تنتشِي براعمُ الأغصانْ
فتُزقزقُ العصافير
في البُستانْ
ــــــــ حَسناءُ الهَايْكُو ــــــــ
بين الأزرقِ والأزرقِ
بَياضٌ
نَورَسٌ
*
سحابةُ صيفٍ
تَضعُ نظّارةَ شمسٍ
سيّدةٌ
*
سَمكةٌ
على الرَّمل مَشويّةٌ
تتمدّد سيّدةٌ
*
تذُوبُ في الملحِ
قطعةُ سُكّر
سيّدةٌ
*
البحرُ سَراب
تَخرُجُ من البحر
حُوريّةٌ
ــــــــ زَهرةُ اللُّوتس ــــــــ
تجيءُ كشَمسٍ
تُشرقُ من الماء
زهرةُ لُوتُسْ
*
مَفاتيحُ بيانُو
على المَدارج
دقّاتُ كَعبِهَا
*
سِنفُونيةٌ صامتةٌ
الأصابعُ
تَشابكتْ
*
زَخّاتٌ بيضاء
بَتَلاتٌ حمراء
ذكرَى عذراء
ــــــــــ قطار الليل ـــــــــ
الثامنةُ ليلا
اِنطلق قطار الشّرق نحو الغرب
الثامنةُ ليلا
اِنطلق قطار الغرب نحو الشّرق
*
رَجُلٌ جلس في قطار الشّرق
جالسٌ على اليسار
قُرب النافذة
*
اِمراةٌ جلست في قطار الغرب
جالسةٌ على اليسار
قُرب النافذة
*
عند منتصف اللّيل
توقّف القطاران في محطّة منتصف المسافة
القطار حِذْوَ القطار
العربةُ حِذْوَ العربة
النّافذة حِذْوَ النافذة
البلّورُ حِذْوَ البلّور
الخَدُّ حِذْوَ الخدّ
ما بينهُما إلا خيوطُ القمر
*
نظر كِلاهُما إلى الآخر
نظرةً
ثُمّ واصل قطارُ الشّرق نحو الغرب
وواصل قطار الغرب نحو الشّرق
ـــــــــ رَمادُ المِنفضَة ــــــــــــ
أشعلتْ سيجارتَها
لاحَ أحمرُ قُرص الشّمس
من أحمر شفتيها
فاِنعكست على النّافذة
بشائرُ الفرحْ
*
بين أناملِها
راوحتْ سيجارتَها الثانية
فَبَدا مُحيّاها
صافيًا حانيًا
كأنّه في بَهاء القمر
قد سَبِحْ
*
سيجارتُها الثالثة
لا
أعادتها إلى عُلبتها
وأعادت العُلبة إلى حقيبتها
تهيّأتْ للمُغادرة
وضعَت نظّارتيها
سوادًا على السّواد
ثمّ نظرتْ إلى المِنفضةِ
فإذا رمادُها صارَ
قوسَ قُزحْ…. !
ــــــ رَجُل بلا ظلّ ـــــــ
في محطّة ما
في ميناء ما
في مطار ما
في مدينة ما
في شارع ما
في عمارة ما
لا يعرفُ أحدًا
لا يعرفُه أحدٌ
يدخُل البَهْوَ الأظلَمْ
يفتحُ باب شُقّتِه
ترك حتّى ظلّه
الذي وحده معه
يسمعُ
ويتكلّمْ
ـــــــ لاعب الورق ــــــــ
لاعِبُ الورق المَاهِر
ليس ذاكَ الذي
يأتيهِ الحَظّ
بالأوراق الثّمينةِ
دُفعةً واحدةً
أوْ وَاحدةً…تِلْوَ واحدةٍ
المَاهرُ حَقًّا في اللّعبِ
هُو ذاكَ الّذي
يُحْسِنُ تَنسيقَ الأوراق في كفّهِ
كَيْفمَا جَاءتْ
وينتظرُ الورقةَ الحَاسمَهْ
فإذا جاءتْ
هيّأ لها مكانها المناسب
في كفّه
ثمّ
ينظُر نَظرةً
نَظرتيْن
في العُيون المُقابلَهْ
ويَفرُشُ أوراقه
على الطّاولَهْ
ـــــــ سلفي ــــــــــ
عاجَ إلى مُنعطف قَصِيّ في الحديقة
لا صخبٌ ولا زحام
ظل يمشي بين الخمائل
وإذا به يلمح ظلا يسير بجانبه
كأنه هيأة إنسان
حَسِبه فُروعَ الأشجار التي على جانبيْ الممشى
واصل سيره حتى جلس تحت خميلةٍ
أزهارُها دانية
والنّسيم شذاها
خطر له أن يتصوّر – سلفي –
عجبًا !
عندما رأى الصورة
ظهرت فيها امرأة بجانبه
اِمرأة تضع يدها على كتفه
إنها هي تلك التي… والتي
وفي لحظة أحسّ بحفيف لمستها
إنما اللّمسةُ لمستُها
فرَنَتْ يدُه حانيةً إليها
والْتفتَ
فلم ير أحدا…!
ــــــــــــ الأخطبوط ــــــــــــ
بِلَا سَلامٍ
بِلَا كَلامٍ
عَيْنٌ فِي عَيْنٍ
خَدٌّ فِي خَدٍّ
شَفَتانِ فِي شَفَتيْنِ
لِسَانٌ في لِسَانٍ
تَعَانَقَا
وتَوَاهَجَا
وَاِنْدَمَجَا
فَتمَازجَا… وَتَمَازَجَا
حَتّى صَارَا معًا
أُخْطُبُوطًا
بِإثنَيْنِ وَأرْبَعِينَ أُصْبُعً
ـــــــ طائر اللّهب ــــــ
الغابتهُ تحترقُ
ورقةً ورقةً
غُصنًا غُصنًا
جِذعًا جِذعًا
شجرةً شجرةً
عندما لم يبق منها
إلا رمادُ الحطبْ
بعثته بين يديها
طائرًا من لهبْ
ــــــ الصّورة ـــــــ
صُورتُها
لا تُشبهُها في شَيء
لم يَرَ فيها وَمِيضَ عينيها
إذا نظرتْ
ولا رفيفَ شفتيْها
إذا تكلّمتْ
ولا حَفيفَ فُستانِها
ولا نَقراتِ البيانُو
إذا مشتْ
صورتُها
حتّى التي بالألوان
لا تُشبهُها في شيء
فالأحمرُ والأخضرُ والأصفرُ والأزرقُ
والبُرتقالي والبنفسَجي
وحتّى الأبيضُ والرّمادِي
كلّها تلاشتْ
عندما جاءت ذاتَ صباح
ترفُلُ في السّوادِ
ـــــــــ اليد ــــــ
اليدُ التي
اِمتدّت إلى الوردة
ولم تقطِفها
ليتها قُطِعتْ
لأنّها لم تَسقِها…!
ــــــــ أبو الهول ــــــــ
كانت الشّمسُ بُرتقالةً
في ضُحاها
تتدلّى فوق بستان البرتقال
بين أشجارهِ يمشيان
يمشيان
*
جلسَا
بلطف تناولتْ نظّارتَها السّوداء
لاحت له من وراء زجاجها
الأقمارُ والنّجومُ
وجُزرُ واقِ الواقِ
في عينيهَا
*
حديثُها
حَرفٌ تِلوَ حرفٍ
قَطراتُ نَدَى
على زُهُور البراري
في السّباسب البعيدة
تتفتّح على وجنتيهَا
*
ظلّ يُنصتُ صامتًا
كأبي الهُول
يترشّفُ شَهد الحُروف
من شفتيها !
*
عندما هَبّ نسيمٌ
رَفرفَ جَناحٌ مِن شَالِها
وهَسْهَسَ ورقُ البُستانِ
فَالتفَّ بعضُه على بعضٍ
فِي اِشتياقٍ
وحنانِ…
ــــــ لُو كانْ ــــــ
لُو كان جَا على كيفِي
ما نفارقك يُومْ
في شتايا وصيفِي
*
راكِ ربيعي
ورداتْ خدودك
مْفتّحة حتّى في خريفي
*
راكِ وليفِي
في جنبي دِيما
مْعَلْقَهْ مع سِيفِي
*
راك لطيفه
وباهية وظريفه
وروحك خفيفه
ومهما تبعدي
لازم تجيبك مخاطيفي
*
راكِ مزيانةْ
القد طويل
واللون كالرمّانةْ
إذا نُوصف
إنتِ أحلى مِن تَوْصِيفي
*** بانُوراما من ثُقب الإبرة ***
ـــــ سُوف عبيد ـــــ
مَثلُهُ مَثَلُ
مَنْ يصطادُ سَمكةً
يكتبُ عليها ما يكتبُ
ثم يُعيدها إلى اليمّ
فإذا أزرقُ الحِبْرِ
في أزرقِ البحْر
ـــــ شباك ــــــ
أسماكٌ
تلتهم أسماكْ
والجميع
في الشّباكْ
ـــــــــ المحبرة ـــــ
سَوادٌ
في سوادٍ
حُروفُها قوسُ قُزح
ــــــ صقيع ــــــــ
الأشواق الباردة
ثلوج رّماد
ــــــ فايسبوك ــــــــ
صداقةٌ زرقاءُ
لا تحمِلُها بِحار
ولا تَسَعَها سَماءُ
ــــــــــ الطريق ـــــــــ
الشّابُ أَسرعُ في خَطوه
ـ ولاشكَّ ـ
لكنَّ الشّيخَ
يعرفُ الطريق
ـــــــــ قاب قوسين ـــــــ
يا نارُ
كوني بردًا وسَلاما
فالفَراشُ قابَ قوسين منكِ
أو أدنَى
ــــــــ اللّوزة ــــــــ
رفقًا بهِ
يا لوزة القلبِ
قَشّريهِ
ولا تُلقي بالنّواةِ
ـــــــ العقد الفريد ـــــــــ
ـ أنتِ دُرّةٌ
قال
ـ وأنتَ… قالت
عِقدُها الفريدُ
ـــــــ اِحتراق ــــــــــ
لا عزاءَ للشّجرةِ
عند الالتهاب
فمن خشبها
عُودُ الثّقابِ
ـــــــــ دروب ــــــــــــ
لا تزرع الأشواكَ
أمامِي
رُبّما
تَلحَقُ خَلْفِي
تَقْتفِي أثَري
_____ موعد ______
مِن حينٍ إلي آخر
ينظرُ في ساعته
ويُحرّك السّكر
حتّى ذابت المِلعقة
في الفِنجان
ـــــــ العاشقان ـــــــ
أروعُ عاشقيْن
سيجارةٌ تحترقُ
من أجل حَبيبٍ
يمُوت عند كل نَفَس
لأجلِهَا
ــــــــــــ أبجدية ــــــــــــــ
شفتاها أبجديّة
سيظل أبكمَ
طول العُمر
ما لم ينطقْ بهما
ـــــــ كبرياء ـــــــ
الوردةُ
في غُصنها عال
لم تصل إليها أصابعك
أنزلْ إليها
من سماء
ــــــ شارع الرّشيد ـــــــ
على صُندوق ماسِح الأحذية
وبالخط الدّيواني
– تمامُ الأناقة لمَعانُ الحِذاء –
ــــــــ أجندا ـــــــ
يومُ الأحد
وحيدٌ
ووحيدةٌ
ضربَا موعدًا
ليوم الإثنين….
ــــــــ قيلولة ــــــــــ
أشهى وألذُّ
من رَشفة كأس الكريستال
شَربةُ الدّلو
من البئر
ــــ سماء ــــــ
تُونسُ ـ ـ بغداد
على القَدمين
ذَهابًا
وإيّابًا
مُضيّفةُ الطّائرة
ـــــــ أمواج ــــــ
تقول الموجةُ لصخرة السّفح
في كل مدّ وجزر
ـ مهلًا … مهلًا
ستذُوبين ذرّةً….ذرّةً
في حلاوةِ الملح
ــــــ صباحية ـــــ
أصبح أبكم
اليوم
لم يقلْ لها
صباحَ الخير
كيف ينطق؟
وحروفُه أبقاها كلها
على شفتيها !
ـــــــ كُورُونا ـــــــــ
لا تَدانِ
لا لمسةُ حنانِ
وَلا قُبَلْ
إذنْ
اِقرؤُوا
قصائد الغزلْ
ـــــــ مسافات ــــــ
من يَقتربْ منكَ
شِبرًا
اِقتربْ منهُ
مِترا
ـــــــــــ الرّصيف ـــــــــــ
الواقفُ عند الرّصيف
يبيعُ المَطريّاتِ شتاءً
الورودَ ربيعًا
المِظلاتِ صيفًا
ليت العام يمرُّ
بلا خريفٍ
ـــــــ شكرا ــــــــــ
شكرًا إلى اللّواتي
لقيتُهنّ قبلك
شكرًا
لأنهُنّ أسْلمنني إليكِ
والقلب خَواءْ
ألفَ شكر لهُنّ
فبفضلهنّ عرفتُ
أنّكِ أحلى النّساءْ
ــــــــ البستان ــــــــــ
يَا قَاطفًا أشْهَى ثِمَارِ البُستانِ
مِنْ أَغَصَانِهِ الدَّانيةِ
حِينَ اِمتطيتَ مُهرتَكَ الجامحةَ
وشَدَدْتَ الرِّكابَ
ثُمّ أَرْخيْتَ لها الْعِنان
كالعَادِياتِ ضَبْحًا
قَدْحًا…قَدْحًا
سَيْفًا ورُمْحًا
حتّى تَعالَى منهَا الأنينٌ
أَهُوَ جُرحٌ أمْ بَوْحٌ
أَمْ شَهيقُ الشّبَقِ
أَهُوَ اَلْحَنينُ إِلَى صَبَواتِ السّنينْ ؟
فَعِنْدَ اِلْتِحَامِ اَلصّدَى بالْمَدَى
صَارتْ جناحيْنِ يَداكَ
فِي مَلَكُوتِ السَّماءْ
وتحوّلت أُرجوحةً قَدماها
فَرَفرتُمَا مَعًا
صَفاءً واِنتِشاءْ
ـــــ العجُوز والبحر ــــــــ
-
إلى إرنست همنغواي
عاد البحّارُ العجوزُ
بيدٍ فارغةٍ
والأخرى القاربُ فيها
سأله الصّبيُّ وهو يرتبكُ
ـ كيف هو البحرُ ؟
أجاب العجوزُ
ـ مات البحر
وسارَ في جَنازنهِ السّمكُ.
ــــــ كبرياء ــــــــ
الوردةُ البهيّةُ الشَذيّةُ
في غٌصنها العَالِي
ذِي الخُيَلاءْ
إن لمْ تَستطعْ إليها صُعُودًا
فأنزلْ إليها
! مِنْ سَماءْ
ــــــــ فَصَاحَةٌ ـــــــــ
أَبْكَمُ وبَكْمَاءْ
جَلَسَا
يَنْظُرُ إِلَيْهَا…تَنْظُرُ إلَيْهِ
تَلَعْثَمَا… هَمْهَمَا
تَكَلَّمَا… مَا تَكَلَّمَا
ثُمَّ أَفْصَحَا… مَا أَفْصَحَا
فِي قُبْلَةٍ عَصْمَاءْ
ــــــــ الآن وهنا ــــــــــ
وهي تغادر
قالت متى وأين
سنلتقي؟
فأسرع بالجواب
الآن وهنا
وأرجعها من الباب
ـــــــــــــ إكرامية ــــــــــــــــ
منذ أربعين عامًا
وأنا أنقُدُ الحلّاقَ
وأزيدُهُ الإكراميةَ أيضًا
لم يشفعْ لي مُشطُهُ ذلك
ففِي كل مرّة
لا يزيدُ شَعري
إلّا ….بياضًا
ـــــــ ربطةُ العنق ــــــــــــ
فَتحتْ رَبْطةَ عُنقهِ
أزرارَ القميص
ورباطَ الحِذاء
كطفل وأُمْ
ثُمّ
لَبِستهُ
مِنَ الرّأس
إلى القَدمْ
ــــــ ثلج على حطب ـــــــ
في حرير كلامها
بساتينُ جَمر
وشوقٌ من لهبِْ
وعند اللقاء
كانت ثلوجًا
على الحطبْ
ــــــ اِنحناء ــــــــ
…نعم
قد تراني أنحني
يا صديقي
فقط
كي أرفع حَجرا
أو شوكا
من طريقي
ــــــــ بياض ـــــــــ
إلى الصّديق الفنان محمد القماطي
حمامة بيضاء
حطّت على الياسمين
ثمّ رفرفتْ نحو غَمامةِ صيف
غَمامةِ صيف بيضاء
راح الأبيضُ في الأبيض
تلاشى في المدى
فكيف يرسُم البياض
على الورقةِ البيضاء ؟
ـــــــــ إعجاز ــــــــ
المعادلة الصّعبة
التي أعجزت أنشتاين
كيف لا يشتكي الرّاعي
ولا يجوع الذئب !
******** ورد وشهد *********
ــــــــ السّلحفاة ــــــــــ
ألا يَا سابقَ الرّيــح * رُويدًا…أين مَنْ فاتُوا
هُنا مَرُّوا بلا ذِكرى * وتَسبُقُ السُّــلحْــفَاةُ
ـــــــــ محكمة ـــــــــ
بحُكمكِ في الحبِّ راضِ * بِصكّ على بيـــاضِ
أجيري !ومنكِ إليــــــكِ * كعدلٍ وظلمٍ لقاضِ
ــــــ وثَغرٍ ــــــــ
وثـَغـرٍ تَبسّم زَهـرًا * شَقائقَ حُمْرٍ وفُــلَّــهْ
فَأغْرَى بِشَهْدِ اللّآلِي * ونَادَى لِرشْفٍ بِقُبلَهْ
ـــــــ شتاء ــــــ
كَانَ يَوْمًا زَمْهَرِيرًا فِيهِ ثَلْجُ * اِلْتَقَيْنا فَاِصْطَلَيْنَا ذَاكَ وَهْـــجُ
شَوقُنا جَمْرٌ فَكنّا نَـتَـلَظَّى * فِي بِحَارٍ عَذْبَةٍ وَاَلْعِشْقُ مَوْجُ
ــــ النخلة القديمة ــــ
هي نخلة باسقة تعترضني عندما كنت أمرّ بجانبها في طريقي إلى ـ النادي الثقافي الطاهر الحدّاد ـ في مدينة تونس العتيقة غير أنّي لاحظت في السّنوات الأخيرة أنها باتت مَوضعًا للنّفايات والفضلات ممّا جعل مرآها يحزّ في النّفس فقلت
وَنَخلةٍ قَامتْ عَلى الهُــزالِ * رأيتُـها تَــنُـوءُ فِي اِنْـعِـــزَالِ
مَا بَالهُمْ قَد أهمَلُوا حِماهَـا * ولا يُبالونَ فلمْ تُـــــــبَـــــالِ
هَانتْ عليهِمْ ما دَرَوْا جمَالًا * ومَا بِهِمْ حِسٌّ إلى الجَـمــالِ
فَلا جريدٌ باسقٌ تدلّــــــى عُــــرجُونهُ يَميلُ في اِنـثِــيَـالِ
ولا حَمامٌ ساجعٌ يُـناجـــي * مُرفْرفًا يَـحِـنُّ لِلـــوصَــــالِ
يا واحةَ الجنُوبِ,اُذكُـريـهَا * بينَ سَــواقِــي مائِـكِ الـزُّلالِ
إلى خَريرِهَا تَحِنُّ شَوْقًــا * بِرغم عَصْفِ الرّيح والرّمــالِ
إنّي الغَريبُ جِئتُها مُعَنّـى * صَبري كصَبرِها على النّــبَـالِ
لمّا رآني جِذْعُها تَــدَانَـى * وضـمَّـنِـي فَـحَالُــهُ كَـحَـالِـي
ــــــــــــ الإسكافي الأعمَى ـــــــــــ
تحيةً إلى الإسكافي الأعمى الذي أصلح لي حذائي عندما زرتُ مدينة صفاقس سنة 1994 حيث كنت أتجوّل في حيّها العتيق وإذا بحذائي يبتسم بل يضحك مٌقهقها ممّا أعاقني في السّير وإذا بي أرى بجانب السّور إسكافيًا فتقدّمت منه وتعجّبت كيف يحمل نظّارة سوداء والحال أنّه يحتاج إلى إمعان النّظر في قيامه بعمله وما كدت أقترب منه حتى رحّب بي سائلا مطلبي فمددت له الفردة الأولى فجعل يجُسّها ثمّ يدقّ فيها المسامير حيث يجب وبعد متابعتي لحركاته تفطّنت أنّه كفيف البصر
كمْ مِنْ طريقٍ بِي مَضَى * كمْ طوَّحَتْني اَلْقــدَمُ
أَهْــلًا وَقــالَ مَــــرحَـبَا * كـيــفَ رَآني أقْــــدِمُ
حَيَّـيْــتُهُ…قلتُ الــــحِذَا * النّــعـلُ مِنهُ يَـبْــسِمُ
تَبَـسُّـمًا مِثلَ البُـــــكَــا * رُبَّ اِبـتِـسـام أَلَــــمُ
يَا صَاحبـي إنّ الْـــوَرَى * فِي حَقكَ قدْ ظــلمُوا
يَا ويحَهم هُـمُ العَـــمَـى * أصَـابِـعُــك الأكْــرَمُ
أصابعٌ هُــــنَّ الضِّــــيَا * لا تَـعَــبٌ لا سََـقَــــمُ
اَلشّمسُ هُـنّ والضُّحَى * في لمْسِـهِـنَّ أَنْـجُـمُ
يَــا مَـثَــلا لــمـــنْ رَأى * عيناكَ عِنـدي تُـلْهِـمُ
ــــ ساقُ الخشب ـــــ
رُوحي فِدَى شيخ بساق الخَشبِ
في الشّمس أو في البرد يقرعُ الحَجرْ
تـراهُ صَلـدًا شامـخًا لا يشتـكِـي
ورافعَ الرّأس عَلى كُــلِّ الـبــشــــرْ
ــــــــ الفطيرة ـــــــــ
تحيّة إلى الكرام أهل ـ غمراسن ـ بالجنوب التونسي الذين عُرفوا منذ القديم بصناعة الفطائر والمخارق والزلابية ونشروها في جميع أرجاء تونس وفي سائر بلدان العالم وقد كانوا رمز الصّدق والشّهامة والوفاء والتّضحية وبكسبهم الشّريف تمكّن أبناؤهم وبناتهم من التقدّم في سُبل العلم والمعرفة وفي مختلف الوظائف والمهن والأعمال.
فالأمل أن لا ينسى الجيل القديم وأن يحافظ الجيل الجديد على القبم ـ الغمراسنية ـ الإنسانية الأصيلة بما فيها من عرّة وإباء وصبر وحبّ للخير لجميع النّاس
تَوَكَّلْ عَلَى اللّه خُذْ بِالـلُّجَـيْـنِ * أََدِرْهُ بِلَمْسٍ يَصـيرُ فَـطِيـرَهْ
أَنَامِلُكَ السِّـحْـرُ مِنْهَا اَلْحَـــلَالُ * بِِـفَـنٍّ تَـلُوحُ كَتَـاجِ الأمِـيـرَهْ
بِزيْتٍ وَقَمْحٍ وَعَزْمٍ عََـجَــنْــتَ * جِـبَالا وََجُبْــتَ بِلَادًا كَـــثِيـرَهْ
إِلَى الرِّزْقِ تَسْعَى بِشَرْقٍ وَغَرْبٍ * تَطُوفُ بِهَا وَنِعْمَ اَلسَّفِيرَهْ
لَكَمْ جَاءَكَ اَلْجَائِعُ وَاِشْـتَـهَـاهَا * هَنيئًا مَريئًا ـ مَلَاوِي ـ كَبِيــرَهْ
وَشَــهْـدُ اَلْمَخَارقِ مِثلُ الـزَّلَابِي * كَلَمْعِ الكَواكبِ تَبْدُو مُنِيرَهْ
تَرَى اَلنّاسَ فِي كُلّ شَكْلٍ وَلَوْنٍ* وَوَاحِدٌ أَنْـتَ فِي كُلّ سِيـرَهْ
لَـئِنْ طَوَّحََتْـنَا اَلـدُّرُوبُ فَنَحْـنُ * نَحِنُّ جَمِيعًا لِتِلْكَ اَلْـعَشِـيـرَهْ
ـــــــــــ العُــود ــــــــ
تحية مودّة إلى الصديق الفنّان الأستاذ ـ عبّاس مقدّم ـ
بمناسبة مساهمته في ندوة تكريمية للشّاعر وقد أدّى الفنّان
قصيدين للشّاعر من تلحينه وذلك بالمكتبة الجهوية
ببنعروس يوم الأربعاء 3 مارس 2021
عَبّاسُ والْــــعُـودُ * واللّحنُ إذْ يَسْــري
سِحرٌ ويَنسَــاب * مِن لَمسةِ الوَتْـــــرِ
فَالفنّ مِحـرابٌ * بالنُّـور والطُّــــهْـــرِ
واللّحن أحيانِي* كالزّهر في الصَّـخـر
إذْ لاحَتِ الذّكرى * كالنُّور في الفَـجـر
ذكـرَى لأحبابـي * غـابُـــــوا ولا أدري
! يا ليـتَ ألـقـاهُم * في ليلةِ القَــــدْر
ـــــــــ مَعَ صَدِيقٍ نَحْوِيّ ــــــــ
إلى الصّديق حكيم زريّر
لَقِيتُ صَديقًا وَشَقرَاوَتَـيْــنِ * وفِي النَّـحْو إنّـهُ لَا يُقهَرُ
فَقالَ لِتُصْلِحْ مُثـنَّاكَ عَـجِّـــلْ * فقُلتُ أَلا مَـرَّةً تَـغْـفِــرُ
لمَاذا تُلاحِقُ صَرْفِي ونَحْوِي * وتَتْرُكُ حُسْنًا ألَا تُبْـصِـرُ ؟
يَمينُك شَمْسٌ يَسَارُك نَجْمٌ * وبَيْـنهُمَا أنتَ يَـــا قَمَـــرُ
تَرَكْتُ ثَلاثـتَهُم فِي وِئَـــــامٍٍ * وَبعْـدَئِـذٍ نَـزلَ الْـمَـطــرُ
ـــــ مجلس السّكلمان ـــــــ
أَحِـــبَّـــةٌ صَــفْـــوَهْ * تَـوَاعَدُوا ضَـحْـوَهْ
لِــقَـاؤُهُــمْ نَــخْــوَهْ * فِي جَـلْسَـةٍ حُلْوَهْ
بِاَلـشَّايِ وَاَلْـقَـهْــوَهْ * وَأطْرَبَـتْ غِـنْــوَهْ
مَـا أَمْـتَــعَ اَلــنَّـدْوَهْ * حَتَّى إلَى الْعَشْوَهْ
شُكْرًا عَلَى اَلدَّعْوَهْ * فَــإنَّـهَـا نَـشْـــوَهْ
ـــــــ مع الشاعر نورالدين صمّود ــــــــ
علمتُ بتعرّض الصّديق الشاعر الكبير نورالدين صمّود إلى بعض الرّضوض إثر سقوطه في إحدى ردهات منزله ممّا لزم نقله إلى إحدى المِصحّات فأرسلت له هذين البيتين يوم9 جانفي 2020
أبَا النُّورِ هَبْهَا كَسَقْطِ العَرُوضْ
فَقُمْ للبُحُور بِرغْمِ الرُّضُــوضْ
طبيبٌ لِكُلِّ الزّحَافاتِ أنـــتَ
وأنتَ العليمُ بِسَبْكِ القَريضْ !
وبعد أيام قليلة إثر تماثله للشّفاء أرسل لي هذه الأبيات
شكوتُ إلى اللّه شكوَى المريضْ
من الزّمن المُتعدّي البَغيض
رآني طبيبًا لكلّ القوافِـــــــــي
وراسخَ معرفةٍ بالقَريـــــضْ
وأبصرني كالخلبل بصيـــــــــرًا
بكلّ رحافات عِلْم العَـروضْ
إذا ما أردتُ النّهوضَ اِستعنتُ
بطفلٍ صغيرٍ بذاكَ النُّهـوضْ
وناديتُ عزمي: رجوتُك عُدْ لِي
ولا تترُكْنِي ضعيفًا مَهيــــضْ
ــــــ أنجزتْ حُـرّةٌ وَعدَها ـــــــــ
أَنْــجَــزَتْ حُـرَّةٌ * وَعْـدَهَا رَاضِـيَـهْ
وَشَفَتْ شَـوْقَنَا * إِنَّـهَا اَلـشَّافِـيَــهْ
أقْـبَلَـتْ تَـرْفُـلُ * بَــاقَــةً زاهِــيَـهْ
دَقَّــــةً دَقَّـــــــةً * كَـعْـبُــهَا آتِـيَــهْ
سَلَّمَــتْ فَرَنَـتْ * نَـغْــمَةً شَادِيَــهْ
سَلْسَبِـيـلًا جَرَتْ * رَقْرَقَتْ صَافِيَهْ
وَسَـقَتْ فَنَمَـتْ * تِـلْكُمُ اَلـدَّالِــيَـهْ
إِذْ هَفَـا ظِـلُّــهَا * مَـوْجَـةً حَانِــيَــهْ
شَــقَّـهَا زَوْرَقِي * شَامِخُ اَلسَّارِيَـهْ
فَسَبَــحْنَا اَلْهَوَى * لُــجَّـةً حَامِــيَـهْ
ـــــ آية الحسن ـــــ
حُورِيَّةُ اَلْإِنْـسِ جَـاءَتْ * وَوَجْـهُـهَـا مِحْـرَابُ
كَأَنَّهَا اَلشَّمْسُ لَاحَـتْ * نُــورٌ وَفِـيـهِ تُـذَابُ
تَـنْـدَاحُ فَـهْــيَ رَدَاحٌ * رَقْرَاقَـةٌ وَاِنْـسِـيَابُ
تَمْشِي بِوَقْعٍ خُـطَــاهَا * أَلْـحَانُـهُـنَّ ربابُ
كَأَنَّ مِنْ خَطْـوِهَا قَـــدْ اِسْــتَلْـهَـمَ زِرْيَابُ
وَاَلشَّـعْـرُ جَـذْلَانُ رَفَّ * مِثْلُـهُ رَفَّـتْ ثِيَابُ
فَشَالُهَا فِي اِنْـثِـيَالٍ * مُهَفْهَفٌ واِنْسِكَابُ
مُوشّــحٌ كَالـــرَّبِـيــع * وَرَفْرَفَتْ أسرابُ
فَاِخْضَرَّ حَتَّى اَلرَّصِيفُ * وَنَــوَّرَتْ أَعْشَابُ
حَـتَّى اَلْبِحَارُ تَحَـلَّـتْ* أمَّا الضِّفَافُ رُضَابُ
حَتَّى اَلصَّحَارِي رَوَتْـهَا * فَمَادت الأعنابُ
فَـاِزَّيَّـنَـتْ وَاحَــــاتٌ * بَـنَـانُــهَا عُـنَّـــاب
وَاَلصَّابَـةُ قَـدْ جَادَتْ * وَزَالَ ذَاكَ اَلْـيَـبَابُ
آلَاءُ خَـيْرٍ وَعَمَّتْ * مِنْ حُسْنِهِا كَمْ عُجَابُ
آيَـاتُ حُسْنٍ تَــرَاهَا * وَاَلْلُّـطْـفُ وَاَلْآدَابُ
فَــإِنَّــهَـا اَلْإِبْـدَاعُ * لَا يَـحْـتَـوِيــهِ كِـتَـابُ
تَبَارَكَ اَلْـلَّهُ خَـلْقًا * لَا شَيْءَ فِـيهَا يُعَابُ
يَا عَاشِقًا تَتَمَنَّـى * وَاَلْوَصْلُ هَلْ يُسْتَجَابُ
ثَغْرٌ هُوَ اَلْكَوْثَرُ اَلْعَذْبُ لَـيْـتَــهُ أَكْــــوَابُ
! ظَمْآنُ أَنْتَ وَلَكِنْ * هَيْهَاتَ يُرْجَى اَلسَّرَاب
ــــــــــ قدماها ــــــــــــ
وَصَفُوا الحُسنَ بِرسْمٍ وبِشِعْر* كلّها الأوصافُ قالتْ :قَـدَمـاهَــــا
قَدمَاهَا وَهيَ جَذْلَى فِي خُطاهَا * زَهَراتٌ مَائساتٌ فِي رُبَـــاهَــــا
قَدماهَا سِنْفُنِيّاتٌ تَهادتْ * لَحْنُها العذبُ إلى قلبِي تَــــنــاهَـــــــى
قَدمَاهَا مَرمرٌ صافٍ صَقيلٌ * وينابيعُ زُلالٍ قَــــدمَــــــاهَــــــــــــا
قَدَمَاهَا رَشْفُ شَهدٍ…لُطفُ وَردٍ * لَيْتنِي قَبّلتُها…حتّى حِـــذاهَــــا
ـــــــــــ شفتاها ـــــــــــ
شَفتاهَا قَطفُ وَرْدٍ شَـفَتـــاهَا * شَفَتاهَا رَشْحُ شَهدٍ شَفتـاهَا
اَلْحَــلاواتُ جميعًا مِنْ ثِــمَـــارٍ * وغِلالٍ أَعذبُها شَفـتـــاهَـــا
وإذا ما اِبتسمتْ تلكَ شُمُوسٌ * أشرقتْ مِن سَناهَا شَفتاهَا
فإذا الكونُ ســلامٌ وجَـمـــالٌ * وفَراشــاتُ رَبيعٍ شَـفتـاهَــا
ذَاكَ ثغرٌ مِثْلُ رَشْفٍ مِنْ كُرُومٍ * إذْ عَصْرنَا فَشفانَـا وَشَفاهَا
ــــ اِسْقِني ــــــ
اِسْقِني…ورَنَتْ اِسْقِنِي * طَفَحَ السّيلُ لَمّا سَقَا
صَبَّ فَيضًا على ظمًإ * فَاِرتوَى الزّرعُ وائْتلَــــقَا
والْبَـسَاتِــينُ اِزّيَّـنَـتْ * حُسنُها لاحَ إسْـتَـبْــــرَقَـا
ضَمَّها ضمَّةً هَــــزَّهَا * قَـدُّها مَائسٌ مِـنْ نَـــقَــا
وَرْدُها فَتَحَ…واِنتَشَى غُصنُها… بَـعْـدمَــا أوْرَقَـــا
مِثلُهُا شَهْدةٌ رَشَحَتْ * قَطرَةً…قَطـرَةً…شَبَقا
ــــــ بَيْنَ اَلْعَيْنِ وَهُدْبِهَا ــــــ
يَا عَيْنُ دَمْعُكِ صَــعْـبُ * فَاِبْكِي أصَابَـكِ هُـدْبُ
مَنْ قَدْ حَمَاكِ رَمَــــاكِ * فَـلَا يُفِـيـدُكِ عَـــتْـبُ
إِنَّ الْوَدُودَ تَـجَــافَـى * كَمْ كانَ يُسْـلِيـهِ قُــرْبُ
أَصْبَحْتِ ذَاكَ اللَّــــدُودَ * فِيكِ اَلْمَخَالِبُ نَشْبُـ
وَقَالَ : قِـيـلَ وَقَــالُـوا * وَكَمْ تَـحَـدّث صَحْبُ
فِي كُلّ شِعْبٍ مَشَـيْــتِ * رَآكِ دَرْبٌ… وَدَرْبُ
كُلُّ الذّنُوبِ اِدَّعَوْهَا عَــلَيْـــكِ, لَـمْ يَـبْــقَ ذَنْـبُ
هَذِي السُّيُوفُ وَسُلَّتْ * وَاَلسَّهْمُ نَحْوَكِ صَوْبُ
هَيْهَاتَ يُجْدِي الْـوَفَــاءُ * لَا شَيْءَ فِيكِ يُحَـــبُّ
إِلّا شِـوَاءَكِ لَـحْـــــمًا * وَكَأسُ دَمْعِكِ عَـــذْبُ
فَلْيَشْرَبُـوا بِاَلـشِّفَـاءِ * مَرْحَى لَهُمْ ذَاكَ نَخْــبُ
كَـلَّا ! أَيَا عَيْـنُ كُـفِّــي * ربَاطُ جَأْشِكِ صَـلْــبُ
مَا أهْوَنَ الدَّمْعَ مِنْــكِ * عَمَّا يُـجِيشُـهُ قَــلْــبُ
قَلْبٌ شُجُونُـهُ حَطَّـتْ * بِكَـلْـكَلٍ ثُمَّ سُـــحْـبُ
قَلْبٌ وَبَيْنَ اَلْمَحَطّاتِ * ضَــــاعَ مَـا لَـــهُ أَوْبُ
قَلْبٌ حَوَتْهُ اَلْــبِـــلَادُ * ضَاقَتْ بِـهِ وهيَ رَحْبُ
فَلا اِخضِرارٌ بَـهِـيــــجٌ * وَلا زُهُـورٌ وعُـشْــــبُ
وَلَا تَبـــاشِـيـرُ خَــيْــرٍ * إلَّا اَلْجَـنَـازَاتُ رَكْــبُ
أعْوامُ قَحْطٍ تَوالَتْ * عَمَّ الفَــسَـادُ وخَـطْـبُ
فِي كُلِّ يَوْمٍ جَدِيـــدٌ * شَيْءٌ غَريبٌ وَعُجْـــبُ
وتُـونِــسٌ أوْحَـشُـوهَا * وبالشّعَاراتِ صَــخْـبُ
أَبْـنَــاؤُهَـا أَهْـمَلُـوهَـا * فَــمَــا أَشَــدَّهُ كَـــرْبُ
فَــكُـــلُّ سَــاعٍ إلَيْـــهَـا * إلّا وَسَــعْــيُــهُ إرْبُ
مِنْ مَشْرقٍ ذَا يَـكِـيــدُ * وَذاكَ مَكْـرُهُ غَـــرْبُ
كَاَلْكَعْـكَةِ اِقْـتَـسَـمُوهَا * فَأرٌ وأفْـعَـى وَذِئْــبُ
وَيْحِــي أَضَاعُوا اَلْبِـلَادَ * يَا لَوْعَتِي أيْنَهُ شَـعْـبُ؟
! نَادَيْتُ ـ وَاَلصَّوتُ بَـحَّ ـ * وَاحَـرَّ قَلْبَاهُ هُـبُّــوا
ــــــ الحمامة الظامئة ــــــــ
مِثْلُهَا فِـي اَلْحُسْنِ وَرْدَهْ * عَذْبةُ الثَّغْرِ كَشَـهْدَهْ
شَـعْـرُهَا ذاكَ الحَـريـرُ * ليسَ سَهْلًا أنْ تَـصُدَّهْ
إذْ تَهَادَى فِي اِنْسِـيَـابٍ * كَـنَـسِـيمٍ مَـسَّ خَـدَّهْ
مِــثْـلَ رَفٍّ لِلْـحَـمَـــامِ * ظامِـئًـا يَـنْـهَـلُ وِِرْدَهْ
فَـــرَوَاهَـا مِــــنْ زُلالٍ * بِـحَــــنَـــــانٍ وَمَـوَدَّهْ
ثُمّ آواهَا بِِـلُـــطْــــــفٍ * صَدرَهُ لاقَـتْ…وَزِنْـدَه
إنّـمَا الـدُّنــــيَـا أمَـانٍ * كُلُّهَا الدُّنيَا… وَعِــــنْـدَهْ
ــــــــ دُرّة المحفل ـــــ
رُبّ عينٍ رَمت * سحرُها يفعلُ
إذْ أصابت رشًا * حُسنُها أكمـلُ
فالْتوى كعبُها * ثِـقَـلا يـحمـلُ
من كثيبِ النّقا * قدُّها سَرولُ
مائسٌ خطوُها * مَيسُها جدولُ
فــإذا بَسمت * ثـغرُها مَـنهلُ
دُرّةُ المَحفل * لـيـتـها تـحفـلُ
وترى عاشقًا * إنّـها المَأمــلُ
ــــــــ النّجمُ والهِلالُ ــــــ
حَنانـيْكِ طـالَ الــدَّلالُ * فَحَسْبُكِ هَذا الجَمالُ
وسُبحانَ مَنْ قد بَراكِ * أَبَـعْـدَ الكمال كمـال
فَتِيهِي بِعُجْبِ الحِسَان * كمَا جَال ذاكَ الغَزال
وزيدِي شُموخَ الجَلال * فَـما طـاوَلتْكِ الجِبال
فحتّى شديدُ الصُّـخُور * تَرَقْـرقَ مـنـهُ الـزُّلال
وصارَ يُروّي الفَـيافِي * ثِـمـارٌ لــهَا واِنْـثِـيَــال
حَنـانـيْك جُودي بلَمْح *وحـتّـى بِحَـرفٍ يُـقـال
وإمّا دعـاكِ الـغُــرور * حَـذاري فذاكَ الوَبـال
فإنّـي أبِــيٌّ عَــصِـيٌّ * أحِـبُّ الـتَـحدّي أنَــال
إذا كنـتِ نجمًا فَـإنّي * وفَـوقَ النّـجُـوم هِـلال
ـــــــــ كوكبُ الحُسن ـــــــــ
رُبَّ حُـسْـنٍ غَـدَا * مَـثَـلًا يُضْرَبُ
مَا رَأَى شِبْـهَـهَا * مَـشْرِقٌ مَغْرِبُ
فَإلَـيْـهَا اَلْـبَـــهَا * دَائِـمًا يُـنـسب
إِذْ سَنَاهَا بَـدَا * فِي السَّمَا كَوْكَبُ
حُـسْـنُـهَا آيَــــةٌ * بِـدْعَـةٌ عَـجَـبُ
أَقْبَلَتْ تَـرْفُــلُ * مِـثـلُهَا مَـوْكِــبُ
نَشَرَتْ شَعْرَهَا * نَسْمَةً تَلْـعَـــبُ
عَقَدَتْ شَالَهَا * إنْ نَـضَا تَسْـحَبُ
وَالْخُطَى نَغْمَةٌ * كَـعْبُـهَا يُــطْرِبُ
فَاعِلُنْ فَاعِلُنْ * دُمْ وتَــاكْ تُضْرَب
مَـائِـدٌ غُصْـنُـها * رَقَـصَتْ رُطَـبُ
قَدُّهَا هَـيَـفٌ * فِي الْمَدَى مَرْكَبُ
بَـحْـرُهُ زَاخِـــرٌ * هَائِــجٌ يَصْـخَب
مَـــدُّهُ جَــزْرُهُ * سَـاحِـلٌ أرْحَبُ
بِكَثِيـبٍ النّـقَـا * قـد عَـلا كَعْـثَــبُ
قَـدْ حَوَى دُرَّةً * غَوْصُهَـا يَصْعُب
نَظَرَتْ رَشَقَتْ * نَـبْلُـهَا أصْـوَب
مِثْلَ رِيمِ اَلْفَلَا * مَا لَــهَا مَـقْـرَبُ
وَرْدَةٌ خَدُّهَـا * وَالـشَّذَى أَطْـيَـبُ
ثَـغْـرُهَا كَـوْثَـرٌ * عَـسَلٌ يُسْـكَبُ
وَاَلْجَبِـينُ صَـفَا * صَفْحَةً تُحْسَبُيون ضياء…مثله شهبوالجوالجبين شهببين فَكَتَـبْـنَا اَلْهَوَى * وَاَلْهَـوَى يُكتَبُ
أَحْرُفًا مِنْ سَنَا * نَـقْـطُـهَا ذَهَبُ
حُـسْـنُـهُا كَامِلٌ * تَـــمَّــهُ اَلْأدَبُاء…مثله شهب
ــــــ الفُـســتـان ــــــ
فُـستانُها بُـستـانُـها * تَنـاسقتْ ألوانُـها
أزْرَارُهُ أزهَــــارُهُ* كــأنّــهُ جِـــــنَـانُــها
وأيْـنـعَــتْ ثِـمـارُهُ * فـقـدْ بَـدَا زمانُــها
مِـنَ الغِـلالِ كُـلِّــهَا* تَمَايـلتْ أغـصَانُـها
تأرْجَحَتْ تَرَجْرَجَتْ* ومُنـعِـشٌ رَيْـحانُـها
بَعدَ اِنتـظار هِـيـتَ لَكْ * الآن ذَا أوَانُـــها
بِالاِبتِسَام أقْبَـلـتْ * وقَدْ دَعَتْ أحْضانُـها
فَبَعْدَ عُسْر أيْسَرَتْ * وَلَانَ لِـي حَنـانُــها
حَتّى الدَّوالِي رَقَصَتْ * ورَفْرَفَ رُمَّـانُـها
تَـعـسَّـلـتْ تَرَقْرَقتْ * تَـرنَّـمَتْ أفنـانُــها
لِقَـطـفِهَا تَغـنّـجَتْ * وَاِسْتسْلَمَ عِـنَـانُـها
فاِنْطلقتْ كالمُهْرةِ * إِذَا اِسْتـوَى مَيدانُها
وقَدْ عَـــلَا صَـهْوتَها * مُـتَـيّــمٌ وَلْـهَــانُـها
وشَدّ شَـدّا سَرْجَها * تزَعْـزَعَتْ أركاتُـها
فَحَمْحَمَـتْ ضَابِحَـةً * تأجَّـجَتْ نِـيـرَانُـها
حَــامِـيةٌ آهـاتُــــها * حَـالـمِـةٌ أجفَـانُــها
تَــأوّهَـــتْ لَــذَاذَةً * أنَّّـى لَـهَا كِـتْـمَانُـها
واِنتفَضتْ من نَشوةٍ * فِي عَينِها لَمْعَانُها
أَمِـــيــرةً بَـايَـعْـتُـها * قَالتْ أنَا سُلطانُها
٠
ــــــــ كمال الجمال ــــــــ
إلى الصديق محمد علولو
نِصْفُ الجَمال بَياضٌ * ونصفُه قِيلَ طولُ
في وَصفِها يا صديقي * ماذا تَراني أقول
قد أبدع الله حُسنًا * فـليسَ منها مَثيـلُ
فالوَجْـنَــتـان كَـــوَرْدٍ * لا يَـعْـتَـريهِ ذُبول
مُــفَـتَّـحٌ وبَـهِـيـــحٌ * مَهْما تَوالتْ فُصُول
وثـغـرُها لُـؤلـؤاتٌ * بَسْماتُهـا سَلسَبيلُ
في كلّ يـوم تُمنِّـي * ومَـا إليـها وُصُـول
فـإنّـها فِــي بُـرُوج * وحِصنُها مُستَحيـل
فَـلا صُـعُـودٌ إلـيْـها * وَلا إلـيـكَ نُــــزُول
ـــــــ قيل وقالوا ــــــ
تـقُوليـن عنّـي * بِـأنّـي وأنّــي
يطـولُ العتابُ * وزادَ التّـجنّي
لمَاذا الشّكوكُ * ألا فَاِطمَئـنّي
فَـــإنّـي إلـيـكِ * وإنّـكِ مِــنّـي
جناحَان نـحـنُ * وطارَا بـلحْن
بَـعـيـدًا بَـعـيدًا * وفي كلّ فَنّ
فأنتِ الأمـاني * ونِعمَ التّمنّـي
ـــــــ والفجر ـــــــــ
رأيتُ الفجرَ إنْ أتَى * مَعَ الغُروب مَاضيَا
ألا هيهاتَ أن تـرَى * لكَ الزّمانَ بَاقِـــيَا
فَودِّعْ يا فتَى الْورَى * وقُلْ أنْ لا تَلاقِــيَا
تُراب اللّحْدِ قد دعَا * فعَفوًا يا إلاهِـــــيَا
ـــــــــ معارضة شكر ــــــــــ
اليوم وقبل أن أدلف إلى بيتي قابلني كتاب في صندوق البريد فإذا هو آخر ما أصدر صديقي الشاعر الأستاذ عبد الرحمان الكبلوطي كتاب بهي في طبعة جميلة أنيقة بعنوان – من شعراء القيروان على مر الزمان – وعندما
فتحتُ الصفحة الأولى وجدت إهداءً باذخا دبّجه في الأبيات التالية
حيـثـما كنتُ بـخضرائي أطوفُ
طالعـتـنـي ذكرياتي مع سُوفُ
فـأنـا كنــتُ ومازلــتُ وأبــقَى
بـصدـيق العمر واللّه شَـغوفُ
ولهذا كـلّـما أكـتُـبُ شِـعْــــرا
نحوهُ يسعَى كلامي والحروفُ
إنّ مثل هذه المبادرة تؤكد لي وفي هذه الظروف الثقافية الصعبة التي نمرّ بها ـ أن الصداقة والوفاء والمحبة ـ قِيم ما تزال موجودة …لذلك لابدّ أن لا نيأس ولابد أن نواصل رغم كل التحديات
شكرا جزيلا صديقي الأديب والشاعر الكبير الأستاذ عبد الرحمان الكبلوطي وكتبت إليه في نفس اليوم ليلا أقول
يَــا صـديقي أنـتَ خِـلٌّ ورَؤُوفُ
وهَــدِيّـاتُــك مِـنهُـنّ الــرُّفـوفُ
فَــدَواويـنُــكَ بَـــاقــــاتُ وُرُود
رُبَّ وَرْدِ مِنهُ كمْ فَاحَتْ حُـرُوفُ
أنـتَ غَـوّاصُ لَآلِيـهَا الـقَوافِــي
يا زَمانًـا مُـلِئتْ زَيْـفًـا كُــفُـوفُ
* تونس 3 ـ 5 ـ 2023
ـــــ السّبعُون…أو في بلاد الدّينصور ــــــ
سَنةٌ فِي سَنةٍ يا سَنواتْ
هذه السّبعونَ لاحَت
كيفَ مرّتْ سنواتْ
ذكرياتِي تَتَوالَى
لحَظاتٍ لحظاتْ
لَكانّي الآنَ طفلٌ
تِلكَ أختِي
بعَرُوس منْ قُماش
أرْكَبَتْهَا هَوْدجًا عُودَ قَصَبْ
بأهازيج الغِناءْ
هَدْهَدَتْنِي
والصّدَى تِلْوَ الصّدى
شَقّ المَدى
زَغْرداتٌ زغرداتْ
***
سَنواتٌ سَنواتْ
غَارُنا والحَوْشُ رَحْبٌ
فِيهِ أُولَى الخَطواتْ
عَثَراتٌ عَثراتْ
كمْ سَقَطْنا
ونَهَضْنا
وَسَقَطْنَا
فَوَقَفْنا
ثمّ سِرْنا
فأمامٌ
وأمامٌ…وأمامْ
وعَلى الشّوْكِ القَدَمْ
أوْ حُفَرْ
لا نُبالي بالخَطرْ
وعَلى حَادِّ الصُخُورْ
كمْ حُفاةً قد جَريْنا
وإذا الأقدَامُ سَالتْ بالدّماءْ
فَبِشِيح وَبِرَمْلٍ نَتَداوَى
مِن أعَال كمْ قَفزْنا
فاِنخَدَشْنا واِنكسَرْنا واِنجَبَرْنا
وأعَدْنا القَفزَ دَوْمًا
بسُرورْ
كمْ قَطَعْناهَا البَرارِي
وسَلَكْنَاهَا البَوادي
في دُروبٍ ودُروب
وتَسلّقنا الجِبال
فَعَجِبْنَا مِنْ رُسُوم
لغَزالٍ
وَلِفِيلٍ
فِي كُهُوفٍ ومَغَاور
وعَجِبْنا
مِنْ خُطُوطِ ونُقُوشٍ
لأيَائِلْ
بقُرُونٍ مِثْلَ أغْصَانِ الشّجَرْ
وَلِصَيّادٍ بِسَهْم وَرِمَاح
بَيْنَ عُشْبٍ يَتَخَفّى
وَعَجِبْنَا مِنْ رِجَالٍ ونِسَاءٍ
كالعُرَاةِ
فَضَحِكْنا
مَا عَلِمْنا وَقْتذَاكَ
أنّ عَصرًا منْ زَمانٍ قد مَضَى
كانَ…قَدْ كانَ اِخْضِرَارًا
وَبِغَابَاتٍ تَوالتْ فِي المَدَى
وشِعَابٍ سَامِقَاتٍ
وسُيُولٍ كَالْعَرَمْرَمْ
ثُمّ جَفّتْ
يَا جَنُوبًا صَار قَفْرًا فِي قِفَار
مَا عَلِمْنَا وَقْتذاكْ
أنّ فِي هَذا الجنُوب
كانَ عاشَ الدّينَصُورْ
مُنذُ أحْقابِ الزّمَانْ
فخُطَانَا ـ يَا عَجَبًا ـ
وَطَأَتْ أو شَابَهتْ مِنهُ الخُطَى
كمْ عُصُورٍ قَدْ تَوالتْ وعُصُورْ
يَا زمانًا قدْ مَضَى
سَنواتٍ سَنواتْ
***
سَنواتٌ سنواتْ
بِئْرُنا والدّلوُ فيهَا
فِي نُزُول وصُعُود
والثّقُوبُ
قَطراتٌ قطراتْ
كَمْ سَقَيْنا مِنْ شِياهٍ في الْحِياضِ
وَحَلَبْنا بالأيَادِي
لَبَنًا مِثلَهُ شَهْدُ
كمْ مَلأنا مِنْ دِلاءٍ للرُّعَاةْ
ثمّ سَارُوا فِي الفَيافِي
بِسَوِيقٍ وتُمُور
في المَخالِي
مِزْوَدُ المَاءِ رفيقٌ والسَّراب
***
سَنواتٌ سَنواتْ
كمْ كِلابٍ نَهشَتْنا
كمْ أفَاعٍ لَدَغتنا
فَشُفِينا ونَسِينا
سَنواتٌ سنواتْ
كَمْ عَجَنّا الطّين خَيْلا صَافِناتْ
عَادياتِ ضَابِحَاتْ
وعَلى الكُثبان راحَتْ
سَابقَاتْ
فَإذا كلّتْ أَرَحْنا
وجَلسْنا في الظّلالِ
لا نُبالِي
كمْ شَدَدْنا من حِبَالٍ
لِلْأراجيحِ صباحًا
أوْ مَساء
فَترَانا فِي الأعَالِي
بينَ أغصانٍ وريحْ
لكَأنّا قَدْ صَعِدْنا بجَناح وجناح
فِي الفَضاءْ
***
سَنواتٌ سنواتْ
كمْ بَنيْنا من صُخُور عَرباتْ
بسُقُوفٍ مِنْ جَريد
مِقْودٌ كانَ خَشبْ
والفَرامِيلُ عُلَبْ
كمْ بِلادٍ وبلادٍ أوْصَلتْنا
طُرقاتٌ طرقاتْ
وتَدُورُ العَجلاتْ
دَوَرانَ السّنواتْ
***
سَنواتٌ سنواتْ
سَنةٌ في سنةٍ حتّى بَلغتُ السّادسة
ذاكَ فَجرٌ
لاحَ نُورًا وجهُ أمّي
مِثلَ شَمسٍ في شُروق
رَجُلًا أصبحتَ قالتْ
كُنْ كذئبٍ عندمَا تلْقَى الذّئابْ
جَمَلًا كُنْ عندمَا تلْقَى الصِّعابْ
وَرَنَتْ لي مِنْ بَعيدْ
في اِلْتِيَاعْ
تلكَ أمّي
دَمَعَاتٍ كَفْكَفَتْهَا
لَمَعتْ مثلَ اللآلي
وأشَارتْ بالوَدَاعْ
لَكأنّي بعدَ أمّي
سِرْتُ وحْدِي في ضَياعْ
***
سَنواتُ سَنواتْ
كَم زَهَوْنا في نَجاح هَانئِينْ
وضَحِكْنا
ضَحَكاتٍ ضَحَكاتْ
كمْ رَسَبْنا في اِمتحان
آهِ من دَرس الحِسابْ
فَمَعَ الصّفْر العقابْ
يا عَصَا رُدّي صِبانا
وأعِيديهِ الزّمان
لا نُبالي
رغمَ وَجْعِ الضّرباتْ
ضَربَاتٍ ضَربَاتْ
***
سَنواتٌ سنواتْ
قدْ مَشَيْنا
طرقاتٍ طرقاتْ
وتَعِبْنا…اِسترحْنا
اِنتصَرْنا…اِنهَزمْنا
وبَكَيْنا الحَسَراتْ
دَمَعَاتٍ دَمعاتْ
ورَسَمْنا
وَمَحَوْنَا
مَا اِرْتكبْنا في الزّوَايا
مِنْ خَطايَا
وطوَيْنا الصّفحاتْ
ذِكرياتٍ ذكريات
***
أبْصَرَتْني صَفحَةُ المِرآةِ ضَاءَتْ
فَاجَأتْني بمَشِيبِي
لا أبَالِي
كُلُّ شَيْباتِي قَصَائد
وحَكايَا
واِنتِظارْ
فَاكتُبِِيهَا واُنشُريهَا يا مَرايَا
فِي مَحَطّات القِطار
فَحَياتِي كَكِتابٍ
بسُطور مِنْ سَحابٍ
هَطلتْ أمطارَ حِبرٍ
صَارَ بَحْرًا
فَكتبْتُ الكلِمَاتْ
دمعاتٍ…دمعاتْ
إنّمَا العُمرُ حِكايهْ
بِبدَايهْ
ونِهَايهْ
هَذهِ السّبعُونَ حَلّتْ
فَبِطُولٍ وبعَرْض قَدْ مَلأنَا الصَّفحاتْ
صَفحاتٍ صَفحاتْ
كيفَ مَرّتْ سَنواتْ ؟
ذِكرياتٌ ذِكرياتْ
وأعُدُّ السّنواتْ
سَنواتٍ
سَنواتِ
سَنواتْ
ــــــــ صباحُ الخير… صباحُ المِشنقة ـــــــــــ
كتبت هذه القصيدة إثر أحداث ثورة الخبز بتونس سنة 1984 التي سقط فيها عشرات الضحايا من بينهم الشاعر فاضل ساسي وحُوكم فيها عديد الشبّان بالإعدام وقد نشرتها بجريدة ـ الطريق الجديد ـ بتونس بتاريخ 16 ـ 6 ـ 1984
أيُّ حُزن !؟
كأنّه إلى الأبد
أيُّ شَعبٍ في هذا البلد
مَضى شتاءُ ثورةِ الخُبز
والجراح
وأتى صيفُ صُفوف المَوز
والتفّاح
هذا الصّباح
لن أقول ـ صباحَ الخير ـ لأحد
لن أمُدَّ لأحدٍ يدِي
لن أجلس مُستريحًا
سأجدُ مِسمارًا هذا الصّباح
في مقعدِي
***
هذا الصّباح
السُّكّر أسودُ مالح
والحليبُ بالبَرص
والقهوةُ كالبَوْل
وخُبزُنا
مُغَمَّسٌ بالدّم
صباحُ الخير
ِصباحُ الويْل
***
هذا الصّباح
لن تُشرقَ الشّمس
لن يتنفّس الصّبح
فهنالكَ
وراء الأسوار
هناك خلف الأبواب
عَشرُ أزهار
مُلقاةٍ على الإسمنتِ
ذابلةٍ مُختنقه
أطيارٌ عَشَرَه
ريشُها حَديد
مَناقيرُها صَديد
فَلا رَفْرفَهْ
ولا زَقزقَه
تنتظر
… ! حَبلَ الْمِشنقَه