اِمرأةُ الفُسيفساء ـ 1984

ImraAtou-fousayfosa

1984

اِمرأة الفسيفساء ـ للقراءة والتنزيل ـ هنا ـ imp

الفهرس

ـــــــــــــــــ أحوالُ يُوسُفِ اليَقْظان

أيّها الشّيخُ
لِمَ لَمْ تُودّعْ عزيزك جيّدًا

ومَضى دُون وصيـّةٍ

هو الحبيبُ ما بَرح بين يديكَ

يَمرَحُ … و ألعابُ

هل أبقَى في لِحيتِكَ بعضَ لَمسةٍ

هكذا دُون وداع

يُفارق الأحبابُ

أيّها الشيخُ
وليدُك قد نأى

وكمْ سيُطوّحه العذابُ

فَضُمَّ إليك قميصَهُ ضمّةً

لا تخشَ أن تكسّر له الضّلوعَ

أمستْ خاويةً من يوسفَ

هي الثّيابُ

وقل
ما يقوى على يوسفَ ذئبٌ
ولكنْ

بعضُ إخوتِه ذئابُ

زمنٌ مضى زمن أتَى
أوُّل الشّهر اليومَ

اِنتظرتُ دوري ساعتين

لأتسلّمَ الرّاتبَ

يا وقتَنا الضّائعْ

يا جيلَنا الخائبْ

وغدًا

عيدُ ميلاد ليلَى

ــ قَيسُها والمتاعبُ ــ

أختارُ هديّة لها

لعبةً لاِبني زياد

رُوتينُ العمل 
ثرثرةُ المقهى
معذرةً يا يُوسف إن تشاغلتُ عنكَ

بالمال والبنينِ 
زينةِ الدّنيا
لكنَّ الذي في القلبِ 
في القلبِ

معذرةً يا يوسفُ
إذ تركتُك في الجُبّ

يُبللّك الماءُ 
أمامَك الحجرُ
والترابُ

وسِتّونَ ذراعًا في الغياهبِ متوالية

كَمْ هيَ الأرضُ الآن فوقك عميقةٌ

وعاليةٌ 
عاليهْ
ترنُو إلى السّماء

فإذا السّحابُ سحابُ

وإذا الأحدَ عشرَ كوكبا

والشّمسُ والقمرُ

كأنّها لك ما سجدتْ

اللّيلةَ أفَلتْ

وركعتَ أنتَ وبَكيْتَ

يُوسفُ … اُسْكُنْ قلبَ الأرض
وأَنصِتْ إلى النّبض

يَدُقّ في اللّيل

يَدقّ للنّهار

هذا الدّلوُ نازلٌ

يًوسفُ اِصعدْ 

تأخذُك السَيّارةُ 
يأخذُني القطارُ

أَدخُلُ العمارةَ…أدُقّ بابَ شُقّتي
تَفتحُ لي كالعادة قُبلتانِ

ــ …اليومَ أيضًا 

ــ …معذرةً

أخلعُ حذائي .. ساعتي
أعلّقُ رأسي على المِشْجبِ

أضعُ مكانه المخدّة

أتجوّل وحدي في خيالاتي السّرية

تبزُغُ عيناي على سَقف الحُجرة

… يوسفُ جمالٌ شبابٌ
اِمرأةٌ العزيز التي أنتَ في بيتها

هِيتَ لكَ 

ومُوصَدةٌ أمامك الأبوابُ

سريرٌ ناعمٌ 
أعنابُ
نسوة المدينة كلّهُنَّ زُليخةُ

يُقَطّعنَ أيديَهنَّ

ليكُنْ ما يكونُ

الأرضُ من الدّم مادتْ

والتّي قَطّعتْ قلبَك غابتْ

ما جاءَ منها جوابُ 
حَرسٌ دُونها وحِرابُ

يُوسفُ الآن
وجهًا لوجهٍ مع السجّان

يَفتح عليه بابا 
ينغلقُ عليه بابُ
السّجنُ أرحبُ من المدينةِ

ما الفرقُ بين الزنزانةِ والعمارةِ

وحيدٌ يوسفُ في الظّلام
يَحتلّك الأسَى

لا تَحمِلك البحارُ 
لا تَسَعُكَ النّساءُ
تَقول للأصدقاء 
:
يا أصدقاءُ 
.. هل نحنُ أصدقاءُ !
ترنُو بعينيْ يوسفَ في الفضاءِ

رداءةٌ وخرابُ 

يوسفُ نـَبّـئـنا بما نَرى 

سنابلُ الأغنياءِ 
تلتهمُ سنابلَ الفقراءِ
تقول 

سيكونُ النّاسُ سواءً سياءً

كسنابل الزّرع

سيكونُ دِيكورُ الدّنيا ليس كالعادةِ

و ربيعٌ بعد الشّتاء

ستأتي التي لا بدّ أن تأتي وستسقُط الأربابُ

يا سائلَ دُروبِ العاشقينَ

دماءُ العُشّاق جوابُ

وسِجنُكَ يا يُوسفُ سجنٌ
حمامةُ أبي فراس قُربك تنوحُ
/ لا أملٌ أمامَك يلوحُ
ضاقتْ بك البيداءُ

نَسِيتَ الخيلَ واللّيلَ

حَضر البكاءُ

تَوسّدْ يُوسفُ يدَك

و نَمْ

أعَدّل ساعتي قبل أن أنامَ
قِطارُ السّابعة لا يرحمُ

تُناول ليلى زيادًا رَضاعتَهُ الأخيرةَ

ثُمّ تأوي إلى صَدري

قِطّةً أليفةً

نَنامُ

مساءَ الخير قلتُ ليُوسفَ بالحُزنِ
صباحَ الخير 
قال يوسفُ
لِرفاقِ السّجنِ

ــــــــــــــــــــــــ النّخلة

التي وهبتْ حَلْيَها للشّاعر
سَلّتْ خاتمَها

قالتْ تَفضّلْ

نزعتْ سِوارها

قالت تفضلْ

فتحتْ عِقدها

قالت تفضل

ثم حلّت شعرها وقالت للطيور 

اُدخلي الآن بيتَ القصيد

أيـّتُها الهيفاء
شامخةٌ أنتِ في جلالك

مُتجذّرةٌ في عَطش الصّحراءِ

فكأنّما أنتِ ضاريةٌ في شَجَنِ القلبِ

ومُنوِّرةٌ قُبّةَ السّماءِ

بالأخضر

مَثَلًكِ مَثلُ الأمَل

إنّكِ أنتِ … أنتِ

برغم القَحطِ

كمْ مِنْ رماحٍ عليكِ اِنكسرتْ

كمْ مِنْ رياحٍ عليكِ زَحفتْ

ويُمطرُ السّحابُ

أو لا يُمطرُ السّحابُ

فقيرةٌ أوْ جائعةٌ

لستِ ذليلةً وطامعةً

أيّتها النّخلةُ الصّامدةُ

ما سِرُّ خُضرتِكِ الخالدة ؟

تَميدُ البوادي 
لا تميدُ
أمامك بِيدُ 
خلفك بيدُ
جريدُك يَيْبَسُ

يحيا الجريدُ

لكِ اللّهُ أيّتُها النّخلةُ
ومَلكوتُ الأرض

والفضاء

الطيورُ المُهاجرةُ

والغرباءُ 

العاشقُ الجريحُ أتَى

وأنتِ اِمرأةٌ … لا مرودٌ ولا حِنّاء

برمُوشك المُذَبـّبة

مَرْوحِي سلامًا

في صَمتك الصّاخبِ

أوحِي كلاما

وجَدائِلك المُظلّـلَـةُ

اِجعلِيها خِياما

لمَجْمَع العُشّاق عند حَضرتك يجتمعُ

أَوَ لَمْ تُسندي جذعَك للعذراء

واِهتززتِ لها

فَاِسّاقَط التّمرُ

أيا حاضنةَ الأنبياء

كمْ قاسٍ هُو الدّهرُ على الشّعراء 
!


يا أيّتها النّخلةُ

على صدركِ البلحُ يتأرجحُ

ووسَط جِذعِكِ المُمـتـلئ

رحيقٌ عَذبٌ صافٍ

ما أشهاهُ القدحُ

فاِسقينا يا خَليلةُ

وعلّمينا

كيف يَنجلي الحزنُ

متى يَهُبّ الفرحُ ؟

يا نخلةَ الشعراء
لكِ الصّبر 
لنا الجمرُ
يَسّاقطُ التّمرُ

ولنْ

يَسّاقطَ الشّعرُ 
!

ــــــــــــــــــــــــ الأرض

سنجلسُ للأرض
نُسرّح أعشابَها

نسأل ساعةً عن أتعابها

نُزيح الذّباب

عن أهدابها

نُراوح نوّارَها البريَّ بين الأصابع

ثم نصمُت

كصُراخ الأرض 
!

ــــــــــــــــــــــــ البحـر والنـّاس

الحُوتُ نَزح عن البحر
الصّيادُون بِلا سَمك

بِلا شَبكٍ

عادُوا

الحوتُ زَحَفَ على السّواحل
صخرِها ورملِها

الحوت ينتشرُ في البطاح

الحوتُ يتنفّسُ الهواء

يَطير 
!

ذاتَ صباح
بعد الأذان بقليل

اِنفلتَ الموجُ صاخبا

كالبعير الهائج

ألقَى بالمراكب في الشّوارع

تناثرتْ قِطعًا قِطعًا مع السّيارات

والزّجاج والبضائع

قال للنّاس النّيام:
صبـاحُ الخير

ثم عاد البــحرُ… إلى البــحر

ــــــــــــــــــــــــ البُرتقالة

تُقشّرين برتقالةَ المساء
لظفرك شَبَهُ السكّين

للدّنيا مِثْلُ الدّم

ناولتِنِي بُرجًا 
ناولتُكِ بُرجًا
تَرشّفْنا العَصير

حِصْنًا حِصْنًا
فَتحنا أبوابَ الجزيرة

ثم نصّبتُك أميرة

من الماء 
إلى الماء !

ــــــــــــــــــــــــ البَرَكةُ

النّاسُ الطيّبونَ… طيّبون
يَدعُونك إلى فنجان شَاي

تحتَ شجرَةْ

يَقطفُون لك من ثَمَرها

ثَمْرةً

النّاسُ في بلادي طيّبون

مازالتْ فيهم البرَكة

يُساعدون الشّيخَ الضّرير

يُناولونه صَدقَهْ

يُحبّون الأعراسَ والأعيادَ

الحياةَ
.والحركةْ
يَدعُون القادمَ الغريب 
عَمّي
يُنادون المرأةَ المُسنّة 
أمّي
الأطفالُ مَرحُونَ صاخبُونَ

مِنَ المدارس يَنطلقُونَ

كالنّجمةِ المُؤتلقةْ

مازالتْ في شَعبي البَركهْ
يخرُج هائجًا مائجًا

ينفجرُ…كالقُنبلةْ

لا يستجدي خُبزا

… 
يُعلمنا كيفَ نزرَع السّنبلهْ

ــــــــــــــــــــــــ الجنُوب

الشّمسُ في الجنُوب تطلَعُ من الرّمل
كلّ صباح تَسقيه من حُمرته

صَبيّةٌ صحراويةُ العينين

فيهما نبعان

تخرُج كلّ صباح إلى الكثبان تحلُم

تحلم بغيماتٍ على الرّمل

خفيفٌ ، لطيفٌ لمسُ خُطاها للرّمل
لذيذةٌ ساعةُ الحُلم

أفاقتْ على الشّمس تُوخِز وَجنتيْها

أزاحتْها بيديْها

والرّملُ يزحفُ ، يزحفُ على الجنوب

في الجنوب وَلدٌ أسمرُ الجَبين
تنعكسُ الشّمسُ عليه

يخرُج إلى الصحراء كل صباح

يجري مع الغزلان 
يكاد يسبقها
بعد السّباق يتربّعُ على الرّمل يلهُو بالرّمل

يُهندسُه جداول… أنهارًا

والرّملُ يَزحَفُ
يزحف على الجنوب

شمسُ الغروب

تتَوارى

كالجَمرة تسقُطُ في الرّمل

ـــــــــــــــــــ الشّتاء

الشّتاءْ
يتفتّحُ المطر فوق الرّؤوس سحاباتٍ

حمراءْ

زرقاءْ

خضراءْ

الشّتاءْ
أقدامٌ تَمشي على الزّرابي

وأقدامٌ

….
في الطّين

…….. 
والماءْ

ــــــــــــــــــــــ الكرسيّ

اِجلسْ في كرسيّك بهاءً على بهاءٍ
قد بايعتُك على إمارةِ قلبي

خُذ بمقاليد الدّنيا

رَ خُطوط الألوان لأول مرّة
:

الأحمرُ
لونُ الدّم في الأرض

بعضُنا أنيابه

في رقابِ بعض

الأزرقْ
اِجعل من كرسيّك زورقْ

خُذ مَعك الأطفال

طفلين طفلين

أمّا نحن

فاُدعُ لنا بالطّوفان

ودعنا نَغرَقْ 
!

الأخضرُ
يابسٌ غصنُ الزّيتون

جدبٌ وقَحط

الشّمسُ

بازغةٌ

ذاك شُعاعُها

في العيون

الأسودُ
الآن

أغمضْ عينيك

حرامٌ أن تُلطّخَ رُمُوشَك

ورُموشَ الأطفال

بالأحزان 
!

ـــــــــــــــــــــــ أناقة

أيّها الرّجلُ الأنيقُ
بِقميصِك الأبيضِ

برباط العُنق الأحمر

بحذائك الأسود اللمّاع

ما أنتَ إلاّ

هيكل من فَحم

وفتيلٌ

على صدرك يَشتعلُ

وقَدمٌ حافيةٌ

تسيرُ على شَظايا الزّجاج
!

ــــــــــــــــــــ أنامل الزّهر

اِفتحِي نافذةَ البيتِ
ثمّ أدْلِي بيديكِ إلى العُشبِ

يُطوّقُ البُحيرةَ

أناملك في الماء

كمَنْ وضعَ في القهوة

قطع السّكر 
!

ـــــــــــــــــــــ اِنتظار

الآنَ
السّاعةُ الواحدةُ سَهرًا

وتسعةٌ وخمسُون أرَقًا

نازلٌ بالمظلّة هو القمرُ

على نافذتِي حطّ

رفرفَ جناحًا

وبعض صُور
!

أسمعُ أناملك تنقُر الباب
بالسّلام والمحبّة 
أهلا يومُك سعيد
أفتحُ الباب … أغلِقُ الباب

أهلا وسهوًا

أنتِ
كلاّ
ساعي البريد 
!

ــــــــــــــــــــــ اِنطلاقة

لا تَحبِسِي الشّمسَ
بين عينيكِ 
ألمحُها
يا شمسَ القُضبان 
اِنبثقِي

اِنطلقِي
كالعادياتِ ضبحًا

كالمُغيرات صُبحًا

جامحةً كاسحةً

مُوَلْوِلَةً مُزَلْزِلَةً

هَشّمي الزّجاج

اِرفعِي الأمواج

لا خوفَ مِن الطّوفان

بعد الغرقِ

اِنطلقي
الخيمةُ في الرّيح نُشَرّعُها

على خيوط الشّفقِ

اِنطلقي

نَفتحُ مُدُنا

نرسُم وطنا

والنّسغُ في الورقِ

اِنطلقي
فرحًا على الحُزن

خِصبًا على القَحط

مُباركةٌ أنتِ

فإنّكِ

قربانٌ على الطّبق
!

ــــــــــــــــــــ  حُوريّة

في بُهرة الشّمس
أرى الجميلاتِ في لِحَافِهنّ

يَحملنَ قِلال الماءِ

بينَ شمسٍ وظلّ

و يَتّقينَ سَعَف النّخيل

فيُزغردُ في العُرجون البَلحُ

هو الفرحُ… هو الفرحُ

أيّتُها الحوريةُ يا اِبنةَ الواحة
حُبّي هذا الذي

لم تَسَعْهُ السّماواتُ

والأرض

لكنّهُ سَكن

في شِبر واحدٍ من ظلالك

ـــــــــــــــــــــــ رَجُل

رَجلٌ عندَ سَفْح جَبل
يُكسّر حَجرًا

حدّثَ نفسَهُ قال
:
ليتني كنتُ الجبل

كان

مَرّ سحابٌ بَلّلهُ
قال الرّجلُ 
الجبلُ
ليتني كنتُ السّحابَ

كان

هبّتْ ريحٌ
قال الرّجلُ 
الجبلُ السّحابُ
ليتني كنتُ الرّيحَ

طار

عندما هدأتِ الرّيحُ
حطّ

رُويدًا

رُويدًا

عند السَّفح
!

ــــــــــــــــــــــــ سَنةٌ أولى بيروت

علاءُ الدّين… مصباحُه… ما أضاءَ
وما لاحَ الصّباحُ

علاء الدّين على بساط الرّيح

يشُقّ السّماءَ السّابعةَ قُرفُصاءَ

ويُسبّح بالياقوتْ

صلاحُ الدّين
ما أوقفَ حملاتِ الإفرنج

هاهي جحافل

فوجًا بعد فوج

تتفسّحُ من ـ الدّار البيضاء ـ

إلى ـ الدّار الخضراء ـ

ومن سِيناء … إلى بيروتْ

زرقاءُ اليمامة
عينُها الزّرقاء

غَضّت طرفًا عن الأعداء

وبِطَرفٍ غمزَتْ

هيَ تلكَ التي تتمشّى على حافة المَسبح

بشُورتِ الجِينِزْ

والنظارة السوداء

تتمتّعُ بالصّيف قبل أن يفوتْ

الحلاّجُ
جُبّتُه خاويةٌ ما اِحترقتْ

معروضةٌ في الواجهات

مُطرّزةٌ بالخّز و القَزّ

مُوضةُ هذا العام

تتزيّنُ بها السّائحاتُ في السّهراتِ

ثورةُ الزّنج .. هل وقعتْ !
كذِبَ المُؤرّخونَ …وإن صَدقُوا

ألمْ تر العبيدَ والعمّال والفلاّحةَ

يزدحمُون في الطّرقاتِ… في القطاراتِ

ليلحقُوا بالقوتْ

بعضُهم يقتاتُ

بعضهم يمُوتْ
!

طارقُ بنُ زياد …هل فتحَ الأندلسَ !
ها هُو في التّلفزيون

مَزهُوّ بالنّياشين اللمّاعةِ

أمامَهُ الجنودُ في سَلامٍ

يمينٌ شِمال

واحدٌ إثنان 
واحدٌ إثنان
كلّ حَربٍ بخُسران

كلّ حاكم بطغيان

السّجنُ أمامكم والرّصاصُ وراءكم

ويَقرأ 
فبأيّ آلاءِ ربّكُما تُكذّبان

إخوانُ الصّفاءِ … رسائلُهممَا وصلتْ
الطّرُقُ اِنقطعتْ

المدائنُ سَقطتْ

كالبُنيان المَشقُوق

بعضُه يُسقِط بعضَه

زمنَ المِلل والنّحل

زمنَ الطوائف والعشائِر

والجواري والدّولار

فالعنكبوتُ في كل البُيوتْ

مِن غرناطةَ…إلى بيروتْ 
!

ــــــــــــــــــــ سهرة

زياد
لمْ يَتناولْ من رَضاعةِ البارحةِ

قطرة واحدةً

أعلنَ الصّراخ على اللّيل

هل كانت الرّضعةُ مالحةً

هل كانت الحَلَمَةُ شحيحةً

أوْ جارحةً 
!
أم أنّ الأرض

عليه وضعتْ أوزارَها

وقذفتْ من صدرها

في قلبِهِ

أسرارَها

ثمّ حَطتْ بين يديه

تدورُ

و هيَ تثورُ 

ــــــــــــــــــــــ طيُور اللَيل

الليلةَ
بهيكلي أهوي

أقذفُ رأسي من عَلٍ

َالليلةَ
أُدخِل أحلامِي في حذائي

حذائي الغارق في الوحل

على السّرير الوثير…الأبيض

الليلةَ
الأبوابُ والنوافذ مفتوحةٌ

مفتوحةٌ على القُطبِ الجنوبيّ 
القطبِ الشّماليّ

يا رياحُ هُبّي
تَمزّقي يا ستائرُ

اِرتطمْ يا خَشبْ

و اِنكسِرْ يا زجاجْ 
!

الليلةَ
مصابيحُ البيتِ جميعًا أنَرتُها

لتأويَ إليّ طيور اللّيل

ــــــــــــــــــــ غياب

كلُّ الذين أحببتُهم
أقامُوا صُدورَ مَطِيِّهِمْ

رحَلوا

فَإنْ طال غيابِي مرّة
وجئتُم بيتي في زَوْرةٍ

لا تَصطفّوا على الجَرس

لا تَطرُقوا البابَ

لا تَحشُروا عُيونكم

بين شُقوق النّوافد

جَذبتُ كلّ السّتائر

غلّقتُ عليَّ بسبعةِ مفاتيحَ

جعلتُ بيني وبين العالمينَ سُدّا

فإن طال اِنتظارُكم

لا تَمكُثوا على العتبةِ طويلا

عُودُوا مِن حيثُ جئتمْ

شكرًا

دَعُوني أرجُوكم

على تَعبي

أستريحُ
!

ـــــــــــــــــــــــ فراق

التي أحبَبْتُها
خَبّلتْ شَعرها باللّيل

مَشَطتهُ

بخُيوط القمَر

تَناثرَ الزّهرُ على الرّمل

التّي أحببتُها

وَلَجتْ رُويدا رُويدًا

في البحر

عَقدتْ لها مَوجتَيْن

على الخِصرِ

ثم اِنسابتْ سمكةً

………………………………….
سُوف عبيد شاعر المغامرة من أجل التأسيس والتفرّد… بقدر مساهمته والتصاقه بالحركة الشعرية في تونس – حتى في بعض مُستنقعاتها – فإنّه يترك لديك الاِنطباع بأنّه منفصل عنها… عرف محطّات عديدة… سكن بلاط الطليعة الأدبية واِنخرط في مركبة الرّيح الإبداعية الجديدة لكنّ قارئ أشعاره منذ مجموعته الأولى ـ الأرض عطشى ـ والثانية ـ نوّارة الملح ـ يستشفّ محاولته للهروب من كمّاشة شعراء الضجيج أو الملحون المهذّب…
في ـ اِمرأة الفسيفساء ـ يبدأ سُوف عبيد الرّحلة المتعبة نحو شعر حضاري تمتد جذوره في الأرض وبغوص فيه إلى أعماق التاريخ وترتفع فروعه إلى سماء المستقبل إنها المعانقة لأفق أرحب… يمتد من الموج إلى الموج …
في ـ اِمرأة الفسيفساء ـ يلج سوف عبيد بوابّة الحقيقة التاريخية للشعر العربي في تونس ويطلّق شعبويّة الرّداءة … الطّلاق الذي بدت ملامحه الأول في ـ نوّارة الملح ـ
*
عبد المجيد الجمني
ـ الرياح الأربعة ـ