الأرشيفات الشهرية: سبتمبر 2016

قراءة في الفن التشكيلي التونسي

سمير البياتي يكتب عن التشكيليين التّونسيين.

بقلم ـ سُوف عبيد.

كلّما نزل الفنان ـ  سمير مجيد البياتي ـ ببلد إلا وكان من المساهمين في حراكه الإبداعيكان ذلك عندما اِستوطن اليمن سنوات حيث أمسى بعد فترة قصيرة من أهم الفاعلين والمبادرين الثقافيين في ذلك البلد وهو عندما حطّ رحاله بتونس سُرعان ما اِنخرط ـ ومنذ أن وطأت قدماه أرض الخضراء ـ في النشاط الثقافي حيث نراه لا يكاد ينتظم معرض أو ندوة أو أمسية أدبية إلا ويكون مشاركا فيها أو مواكبا لها وها هو يصدر كتابا جديدا بعنوان ـ قراءة بصرية في الفنّ التشكيلي التّونسي ـ في طبعة أنيقة جميلة وواضحة الصّور ممّا يجعل هذا الكتاب ـ إضافة إلى قيمته المعرفية ـ ألبُوما ثريّا ومتنوّعا للحركة التشكيلية الحديثة في تونس.

كتاب البياتي

في مقدمة الكتاب إشارات مُهمة عن ظروف تأليفه ومنهجه والغاية منه حيث يقول ـ أجمل للفنان عندما تتحول بوصلة حياته في حلّه وترحاله من مكان إلى آخر أو من دولة إلى أخرى للزيارة أو الاستقرار أن يسأل نفسه عدة أسئلة:كيف له أن ان يكتشف المحيط الجديد ؟ وكيف يتعامل معه ؟ وكيف يمكن ان يكونجزءا من مشهده الثقافي والفني؟

فسمير مجيد البياتي وهو يكتب فصول هذا التأليف إنما يبحث عن تحقيق ذاته من خلال التوثيق لمسيرته الجديدة في تونس التي وجد فيها الفنانة التشكيلية سلافة مبروك خير مرافق حيث أنارت له معرفة الأماكن وسبل الوصول إليها وتولت توثيق لقاءاته ومعارضه وتنقالاته فتسنى بذلك التجول بين أغلب المهرجانات والتظاهرات التي أقامتها الرابطة التونسية للفنون التشكيلية واتحاد الفنانين التشكيليين.

الكتاب إذن كما ورد في المقدمة عرض لبعض التجارب الفنية والتعريف بأصحابها من خلال فصول تحليلية مع صور واضحة لعديد اللوحات بالإضافة إلى تخصيص مقالات للمعارض الجماعية التي أقيمت في بعض الفضاءات أو بمناسبة بعض المهرجانات وقد ضمّ الكتاب في آخره كشّافا خاصة بأسماء الفنانين التشكيليين التونسيين الذين ورد ذكرهم في الكتاب .
عندما يقدّم سمير مجيد البياتي أحد الفنانين التشكيلين نراه مُمعنا في الإحاطة بخصائص ذلك الفنان متوقفا عند أهمّ مميزاته مثل قوله في الفنان الحبيب بيدة : الحبيب بيدة عندما يجزء أشكاله من مساحات صغيرةعلى غاية في العمق ويكبّرها بمُكبّر مكروسكوب مجهري تبرز لنا عوالم بتضاريسها البارزة والغائرة ونرى الأشكال التي يصل لها بصره إلى حدّ رؤية أحلام كأحلام الطفولة الصافية والصادقة وهو كثيرا ما يقارن أعمال الفنان التونسي بغيره من الفنانين في العالم  فيقول مثلا بالنسبة للحبيب بيدة : وهذا يذكرنا بأعمال ـ جورج راك ـ و ـ كادانسكي ـ و ـ خزان ميرو ـ الذين يستذكرون عوالم من خصوبة الذاكرة .
وعندما يقدّم الفنان علي الزنايدي يقارنه أيضا بغيره من الرسامين فيقول غنه يذكرنا بالفنان البلجيكي ت بيتر بروجيل ـ عندما يرسم المدينة والأشخاص لكنه يستدرك بأن الزنايدي يرسم بطريقة واقعية تجريدية بينما الفنان البلجيكي يرسم بطريقة أكاديمية وهي تفاصيل دقيقة ولا شك تلك التي يقف عليها صاحب الكتاب  بين الرسام التونسي والرسام البلجيكي عند رسومهما الواقعية بل ويضيف في نفس السياق مقارنة الأعمال التزويقية ليحي الواسطي من القرن الثالث عشر للميلاد ويضيف معلقا على مسيرة الزنايدي الطويلة والمتنوعة قائلا : أما تجربة ـ الكولاج ـ ما بين قُصاصات الورق والبُقع اللونية والرسم فوقها أعطى أعمالا غاية في الحرفية المتمكنة من إخراج أعمال بمستوى عال ولا ننسى لوحاته الطولية وكأنها معلقات باِستخدام الألوان والأشكال وكأنه شاعر في سوق عكاظ وقد أفرد هذا الرسام بثلاث مقالات على الأقل فتتبع مراحله وشرح البعض من تقنياته وتوقّف عند البعض من لوحاته بينما جمع في مقالات أخرى عديد الرسامين والرسامات  مستعرضا لوحاتهم عرضا عاما ولعل ذلك يعود إلى أنّ هذه المقالات والفصول هي في الأصل قد نُشرت في جريدة يومية تونسية هي جريدة ـ المغرب ـ

2
إنّ كتاب ـ قراءة بصرية في الفنّ التشكيلي التّونسي ـ للفنان الأستاذ سمير مجيد البياتي يُعتبر ـ  بانُوراما ـ للأعمال الفنيّة المعروضة في تونس على مدى السّنوات الأخيرة في فضاءات ومناسبات عديدة سواء تلك التي في العاصمة تونس وضواحيها أو في تلك الفضاءات التي داخل البلاد بحيث شمل الكتاب عددا هائلا من الرسّامين والرسّامات وقد كانت  ـ العين الكاتبة ـ على غاية من الاِطلاع والتعمّق ممّا يجعل هذا الكتاب ذا فوائد جمّة سواء بالنسبة للمختصّين أو بالنسبة لعامة القرّاء الذين يُفيدهم إلى حدّ بعيد في تعلّم أبجديات قراءة الأعمال الفنيّة والوقوف على مكامن إبداعات الفنّ التشكيلي.

1

  • تقديم الكتاب بجمعية ابن عرفة بفضاء السليمانية مساء السبت 24 ـ 9 ـ 2016