رسائل ميخائيل نعيمة إلى الأدباء التونسيين

تظل رسائل كبار الأدباء حافلة بمعلومات تاريخية مهمّة إضافة إلى  أنها تشتمل على أبعاد فنية عديدة بحيث تصبح الرسالة وثيقة في غاية من الأهمية بالنسبة لنصوص الأديب نفسه ،لما فيها من إضافات أو شرح لمسيرته ، و كذلك لما يتوفر فيها من معلومات خاصة حول شخصية المرسل إليه ،أو أن تلك الرسائل تتعلق بجوانب دقيقة من المرحلة التاريخية أو السّياق العام الذي كتبت فيه .

وقد تضمنت ـ المجموعةالكاملة ـ للأديب ميخائيل نعيمة الصادرة عن دار العلم للملايين ـ ببيروت ـ سنة 1964 في المجلد الثامن منها عديد الرسائل التي كتبها إلى أدباء و مريدين كثيرين من بلدان مختلفة في العالم من بينهم بعض التونسيين من الأدباء مثل محجوب بن ميلاد وأبي القاسم كرّو و ناجية ثامر وغيرهم.

 وقد وردت في بعض رسائل ميخائيل نعيمة إلى محجوب بن ميلاد معلومات حول المنهج الفكري لكل من الأديبين إضافة إلى تفاصيل حول نشر كتبهما و مقالاتهما،و قد أشارت الرسائل إلى بعض الملابسات التاريخية القريبة منهما ممّا يجعلها ذات قيمة وثائقية إضافة إلى قيمتها الأدبية والفكريةالأخرى.

 فمن أهمّ ما ورد فيها من الناحية الوثائقية معلومات حول بعض الكتب لدى الأديبين من حيث التأليف والنّشر بالإضافة إلى معلومات حول سفرهما إلى الهند ولبنان والعراق وتونس بل إنّ هذه الرّسائل تتضمن كذلك بعض التفاصيل اليوميّة والنواحي العائلية الخاصّة لدى الأديبين.

               أمّا النّواحي الأدبية فهي تؤكد على مبدأ التسامح والدعوة إلى مبدإ التجديد لدى ميخائيل نعيمة ومبدأ العقلانية لدى محجوب بن ميلاد  وهي تشير إلى بعض الوقائع السياسية التي حدثت في تونس ولبنان في مطلع الستينات من القرن العشرين.

               فلهذه الرسائل إذن أهمية كبرى لاِحتوائها على معلومات شاملة

ومختلفة ودقيقة ومهمة وحتى شخصية وهي ـ أخيرا ـ تمثل درسا ثمينا نتعلم منه كيف أن الأديب الحقيقي مهما علا شأنه فإنه يظل ملتزما إزاء قرائه و أحبائه فيرد على رسائلهم مهما كانت منزلة أصحابها ، حتى أن فتى لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره ، إذا راسله ،فإننا نراه يرد عليه بكل اِحترام و تشجيع مثلما سنكتشف ذلك في رسالة لم تنشر في هذه ـ المجموعة الكاملة ـ من رسائل ميخائيل نعيمة

•1-  رسائل إلى محجوب بن ميلاد

  محجوب بن ميلاد وهو أديب ذو نزعة عقلية و روح تجديدية و إصلاحية

وقد ولد في مدينة منزل جميل من ضواحي بنزرت سنة  وتوفي سنة 2000وكان أستاذا متميزا طيلة سنوات عديدة وعرف بدعوته إلى التعليم الحديث بحيث كان مديرا لمدرسة ترشيح المعلمين بتونس ثم التحق بكلية الآداب

لتدريس الفلسفة باللغة العربية فنالني شرف التتلمذ إليه سنة 1975 حيث درسنا تاريخ التفكير الإسلامي وقد ساهم محجوب بن ميلاد في عديد المنابر الثقافية مما جعله أحد أبرز المثقفين التونسيين بعد الاستقلال

أرسل ميخائيل نعيمة إلى محجوب بن ميلاد إثنتي عشرة رسالة كتبت الأولي بتاريخ 14 حزيران 1957 من قرية بسكنتا موطن ميخائيل نعيمة بلبنان  والأخيرة بتاريخ 15 تشرين الأول1964 من نفس المكان ويبدأ ميخائيل رسالته الأولي بقوله: ( عزيزي  الأستاذ محجوب بن ميلاد).

أمّا الرّسالة الأخيرة فإنّه بدأها بقوله فحسب : (أخي محجوب) وهذا يدّل على تطّور العلاقة بينهما وبلوغها مرحلة عدم الكلفة وتجاوز البروتوكلات.

•l     الرّسالة الأولي : يبدو من خلالها أن محجوب بن ميلاد بادر بإرسال نصّ محاضرة حول ميخائيل نعيمة كان قد نشرها تحت عنوان (ميخائيل نعيمة أو حكمة الشرق تنبعث) ومن أهم ما ورد في هذه الرسالة قوله : سيأتي يوم يا أخي – وهو قريب – يستفيق فيه الشّرق من غفلته فيخجل من نفسه لأنه ، والمعرفة من فضلات روحه، راح يستنجد بها ممّن لا  يعرفون …. سيدعى الشّرق لبناء مدنية جديدة على أنقاض تلك التي تنهار أما ميلاد خصّص دروسا في دار المعلمين العليا بتونس حول كتب ميخائيل نعيمة الآتية : البيادر – النور والديجور – صوت العالم – ونعلم كذلك أنّ محجوب بن ميلاد شارك في مؤتمر ثقافي في الهند وأنّ عددا من الطلبة التونسيين قام بزيارة ميخائيل نعيمة .

•l    الرسالة الثانية : يقول فيها ميخائيل نعيمة خاصة : لقد آن لنا نحن العرب أن نقف من أنفسنا ومن العالم حوالينا موقف المفكر الرصين لا موقف المتفرّد اللامبالي و ليت الذين أقاموا أنفسهم وكلاء على الدين كانوا أكثر اِهتماما بتفهّم روح الدين .

•l   الرسالة الثالثةتضمنت معلومات حول طباعة كتابي (سبعون) و(مرداد) وتضمنت أن نعيمة قام بتسليم مقالة محجوب بن ميلاد حول كتاب (أبعد من موسكو وواشنطن) إلى مجلة ـ الآداب ـ ميخائيل نعيمة الذي كتب في هذه الرّسالة أيضا فقرة حول التسامح في الأديان مذكّرا بسماحة المسيحية والإسلام و البوذية.

•l   الرسالة الرّابعة: نقرأ فيها رأي ميخائيل نعيمة حول كتاب (تحريك السّواكن في شؤون التربية) الذي أرسله إليه محجوب بن ميلاد وقد ورد فيها بأن العرب قد أخذوا يحاسبون أنفسهم محاسبة جدّية واعية عن أسباب تخلفهم الشائن قي أكثر من مضمار من مضامير الحضارة الحديثة …

•l   الرسالة الخامسة: تضمّنت خاصّة تلقي ميخائيل نعيمة بواسطة السفارة التونسية في لبنان دعوة من اللجنة الثقافية لإلقاء محاضرة أو أكثر في تونس وقد كتب في الرّسالة أيضا أنّه مستعد لتلبية الدعوة في الخريف من سنة 1960.

•l   الرسالة السادسة: وقد كتبها ميخائيل نعيمة بتاريخ حزيران 1961 بعد زيارته إلى تونس بصحبة اِبنة أخيه.

•l   الرسالة السابعة: ورد فيها خاصّة أنّه ضمّنها مقدمة لكتاب محجوب بن ميلاد (في سُبل السُّنة وكتب فيها كذلك وقوفه إلى جانب كفاح الشعب التونسي في حرب الجلاء عن بنزرت حيث كتب : (آلمتين محنة تونس الحبيبة وإني  لأرجو أن تنتهي دون إراقة دماء جديدة وإلى حيث يجب أن تنتهي أي إلى استقلال الأرض التونسية من ظلّ آخر جندي أجنبي) .

•l   الرسالة الثامنة:نقرأ فيها صدى لوقائع كتابات محجوب بن ميلاد التي أثارتها في تونس أثناء تلك الفترة واِنتصار ميخائيل نعيمة لأفكار محجوب بن ميلاد الواردة في سلسلة كتبه وهي: (أزمة السّنة المحمّدية في العصر الحاضر) .

•l   الرسالة التاسعة:تضمنت معاناة الأدبيين من الواجبات اليومية التي تفرض نفسها عليهما رغم اِختلاف الرجلين من حيث الاِلتزام المهني وورد فيها أيضا تألّم ميخائيل نعيمة من الأحداث الداخلية التي عاشتها لبنان والتي كادت أن تشعل نارها الفتنة حيث أن الرسالة بتاريخ 22 كانون الثاني 1962 .

•l   الرسالة العاشرة : نقرأ فيها خبر صدور كتاب محجوب بن ميلاد (في سُبل السنّة الإسلامية) وفي الرّسالة تأييد ميخائيل نعيمة للأفكار محجوب بن ميلاد ومنهجه.

•l   الرسالة الحاديةعشرة: نعلم فيها باِلتقاء الأديبين في مطار بيروت للسفر نحو بغداد لحضور مهرجاناتها وتضمنت كذلك تأييد ميخائيل نعيمة لكتاب محجوب بن ميلاد الجديد حيث كتب له (لست أشك في أن بعضهم سيتهمك بالتزلف ولكنني أعرف أنك من معدن لا ضلع فيه للتزلف والتملق لأي سلطان غير سلطان الحق.

•l   الرسالة الثانية عشرة:وهي الأخيرة وكانت بتاريخ 15 تشرين الأول 1964 وتضمنت خاصّة تعليق ميخائيل نعيمة على تفسير محجوب بن ميلاد لبعض آيات القرآن واِنتهت الرّسالة بخبر الشروع  في طبع كتاب (هوامش) لميخائيل نعيمة، ومما ورد في هذه الرسالة قوله: (يدهشني نشاطك يا محجوب فأنت تقوم بعدّة أعمال في وقت واحد وكلّها ذو شان ويتطلب من الوقت ومن إجهاد الفكر والجسد الشيء الكثير لكأنك بركان صغير أو دينامو بشري بارك اله في همّتك).

2– رسائل إلى ناجية ثامر

  الأديبة ناجية ثامر تعتبر من أديبات تونس الأوائل في القرن العشرين وهي لبنانية المنشإ حيث ولدت سنة 1926 وبعد دراستها اِستقرت بتونس رفقة زوجهاالطبيب الجزائري

كتبت ناجية ثامر المقالة والقصة القصيرة والمسرحية الإذاعية والراوية، ونشرت إنتاجها في الجرائد والمجلات التونسية والعربية و توفيت سنة 1988

وقد أرسل لها ميخائيل نعيمة إحدى عشرة رسالة منشورة في الجزء الثامن من الأعمال الكاملة ورسالة أخرى سلّمني نسخة منها مصّورة الأستاذ محمد المي مشكورا


. الرسالة الأولى:
 وهي بتاريخ 24 شباط 1952 حيث تعتبر ردا على رسالة ناجية ثامر التي وجهتها إلى ميخائيل نعيمة وهو يبدي اهتمامه بالأدب الذي تكتبه المرأة العربية في قوله: ( وإنه ليهمّني جدا أن يزداد عدد مثيلاتك في العالم العربي لعله يدرك أنه لن يقوم أبدا برجاله  دون نسائه، فلا بدّ للطائر من جناحين وللجسد من عينين وأذنين ومنخرين ورئتين وكليتين ويدين ورجلين) وفي آخر هذه الرّسالة الأولي يعد ميخائيل نعيمة ناجية ثامر بمواصلة المراسلة ولكن على قدر المستطاع حيث قال:

       ( ليس لدّي من الوقت ما يمكنني من القيام بمراسلات طويلة ولكنني أعدك بأن أهتّم بكل رسالة تأتي منك وبالجواب عن كل سؤال تطرحينه عليّ إذا كان الجواب في مستطاعي).

. الرسالة الثانية: تضمنت خاصّة الحثّ على مواصلة المطالعة بالإضافة إلى الإشارة إلى الأحداث التي وقعت في تونس (1952) حيث كتب في هذه الرّسالة (أرجو أن لا تكون الأحداث الجارية اليوم في تونس مبعث قلق لك فتصرفك عن دنيا الرّوح والأدب إلى الاهتمام بالقوت والسلامة ومن المؤسف أن يكون القلق الشعور المسيطر على الناس في هذه الأيّام فلا يكاد المرء يهتدي إلى زاوية في العالم عليها مسحة من الاستقرار والطمأنينة).

•                                            lالرسالة الثالثة: نقرأ فيها بعض المعلومات حول السيّرة الذاتية لناجية ثامر حيث كتب إليها ميخائيل نعيمة قائلا:

(أرجو أن تكون أعصابك المكدودة وأفكارك المضطربة قد عادت إلى السويّة من بعد أن كان ما كان من اِنفصالك المؤقت عن زوجك ومن انتقالك إلى منزل جديد بسبب الحوادث المؤسفة الجارية الآن في تونس .

•                                            lالرسالة الرابعة: وكتب فيها خاطرة من أهم ما ورد فيها قوله: ( حسبنا أن نظفر خلال العمر بلمحة واحدة من نور المعرفة حتى نجعل من تلك اللّمحة حافزا للآتين بعد في المثابرة على التفتيش إلى اليقين بأن حياتنا أعمار تتصل بأعمار فلا نهاية لنا كأفراد ولا نهاية لنا كمجموع وهذا اليقين إن لم يأتك مني أو من سواي سيأتيك من صميم نفسك يوما من الأيّام ).

            وفي آخر الرّسالة يخبر ميخائيل نعيمة ناجية ثامر بصدور     كتابه (مرداد).

•                                            lالرسالة الخامسة: وهي من أطول الرّسائل إلى ناجية ثامر الت كتبت إليه (مذكرة اتهام موجّهة إلى الحياة) فرد عليها شارحا بإطناب رأيه حول الخير والشّر وحول الموت وحول فكرة التقمص وبلوغ الطمأنينة الروّحية ومسألة العزلة أو اعتزال النّاس.

•                                            lالرسالة السادسة: يعتذر فيها ميخائيل نعيمة عن تأخره في الرّد ونقرأ فيها صورة عن حياته اليومية في الشتاء قائلا خاصّة: ( الشتاء في حياتي فصل اِنكماش وتقلّص على عكس الصّيف، ذلك لانّ البرد يحتِم عليّ البقاء قريبا من النّار حيث يجتمع أهل البيت وحيث يستقبل كل زائر وطالب حاجة وهكذا تصبح العزلة ضربا من المحال…).

•                                            lالرسالة السابعة: يكتب فيها داعيا ناجية ثامر نشر إنتاجها الإذاعي قائلا: ( لولا الإذاعة لكان الإنتاج الأدبي العربي أكثر ضالة ممّا عليه اليوم وأنت ما لم تقتحمي السّوق بكتاب لن تسجّلي اسمك في عداد الأدبيات العربيّات ).

•                                            lالرسالة الثامنة: هي عبارة عن خاطرة عميقة حول المعرفة وحول المنزلة الإنسانية ربّما أثارتها ناجية ثامر في رسالتها إلى ميخائيل نعيمة فأجاب برأيه في هذه الرسالة .

•                                            lالرسالة التاسعة: تبدو كأنّها مواصلة للمسائل السابقة وتنتهي بقوله : (الحياة بما فيها من لذّة وألم هي المصهر الذي تذوب فيه الذّات المحدودة في الذات الشاملة وليس يغني الإنسان أن يعرف دلك بفكره بل لا بدّ له من أن يتجه إليه بجميع نياته وشهواته وأقواله وأعماله وفي ذلك سرّ تعلقننا بالبقاء على الرّغم من كلّ ما فيه من كفاح ومرارة وألم).

•                                            lالرسالة العاشرة: تضمنت خاصّة رأيه في فكرة الأستاذ أبي القاسم كرّو بأنه لا يحسن بالناشئة مطالعة مؤلفات نعيمة لأنها لا تفهمها و يرى نعيمة أن الفكرة لا تخلو من الصواب ولكن إلى حد فمن الصعب على الناشئة أن تطالع وتفهم (مرداد) – (وزاد المصاد) مثلا وليس من الصعب عليها أن تطالع (الغربال)

و (المراحل) و (جيران) و (كان ما كان) و (أكابر) و يرى نعيمة أن مطالعة أي كتاب وإن لم يفهم فهو تحد لنا ودعوة لنفهمه ولو بعد حين).

•                                            lالرسالة الحادية عشرة: يتذكر فيها ميخائيل نعيمة زيارته إلى تونس قائلا: (جاءتني النسخة التي تكرمت بها عليّ من مجموعتك الجديدة  (أردنا الحياة) لتجدد في ذهني صور الأيّام الطيبة التي كانت لي في تونس….) و يرجو في آخرها من ناحية ثامر أن ترسل إليه رسائله أو نسخا منها لنشرها بطلب من الناشرين .

•                                            lالرسالة الثانية عشرة: وهي غير منشورة ضمن المجلد الثامن لأعمال ميخائيل نعيمة وقد تفضّل ـ مشكورا ـ الصّديق  محمد المي بتسليمنا نسخة منها خدمة لأدبنا العربي عامة ولأدبنا التونسي المعاصر خاصّة ، ونصّ هذه الرّسالة هو التالي:

ميخائيل نعيمة

بسكنتا – لبنان

14 آذار 1972

عزيزتي السيدة ناجية,                                                        

شكرا على تلطفك بإهداء نسخة إليّ من كتابك الجديد “حكايات جدّتي” ووحسبي من هذه الالتفاتة الكريمة أنّها أثارت في نفسي ذكريات الأيّام الطيبة التي أمضيتها في تونس .

إن المكتبة العربية لتفتقر أشدّ الاِفتقار إلى كتب لأحداث تكون بلغتها ومضمونها في مستوي إدراكهم وكتابك جاء ليسد ثغرة في تلك المكتبة فأهلا به على أنّني كنت أتمني له أن يكون أبسط لغة وأكثر تشويقا وأقل تعقيدا في المشكلات الاِجتماعية التي يرمي إلى معالجتها .

أتمني لكتابك الرّواج ولك المزيد من النشاط والفلاح وأسلّم عليك وعلى تونس أطيب السّلام.

المخلص

ميخائيل نعيمة

3 – رسالة إلى أبي القاسم كرّو

أبو القاسم محمد كرّو  ، من مواليد مدينة قفصة سنة 1924درس بتونس و تخرج من بغداد وهو أديب و باحث في تاريخ الثقافة العربية بتونس و له عشرات الكتب و الدراسات و يعتبر المصدر الأول لتراث أبي القاسم الشابي و قد أرسل له ميخائيل نعيمة رسالة واحدة منشورة في ها المجلد وهي مؤرخة في 10 آذار 1953 من بسكنتا موطن ميخائيل نعيمة في لبنان ولعلّها تكون أوّل رسالة يبعث بها إلى أبي القاسم كرّو  على إثر أهداء أبي القاسم  كتابيه (كفاح وحب )  و(الشابي) إلى ميخائيل نعيمة الذّي علّق عليهما قائلا حول الكتاب الأوّل:

وجدتك في (كفاح محب) متأثرا بأسلوب جبران  إلى حد بعيد وعلى الأخص في مقالك (ذكرى مولدي) فقد قرأته وكأني أقرأ صدى لمقال جبران (يوم مولدي) ولا لوم عليك مادمت في محاكاتك لجبران تستمد من قلبك وخيالك لا من قلبه وخياله فتماشيه من غير أن تضيع فيه) .

أمّا رأي ميخائيل في كتاب أبي القاسم كرّو حول الشابي فهو كما يلي (وأما كتابك عن الشابي فهو في نظري خدمة جليلة للأدب العربي وللمكتبة العربية فهذا الشاعر الفذ الذي طوت السنون صحيفة عمره وهو ما يزال في ريّق الشباب جدير بأن يعرف العرب في كل أقطارهم أين نبت وكيف عاش  بقريحته الجيّاشة بالثورة على الظلم والبشاعة والتّواقة إلى العدل والحرية والجمال فليس يكفينا أن نعرف أنه القائل:

“إذا الشعب يوما أراد الحياة

فلا بدّ أن يستجيب القدر”

ولا أبالغ إذا قلت إنّ أكثر الذين سمعوا بالشابي لا يكادون يذكرونه إلاّ بتلك القصيدة (إرادة الحياة).

فلهذه الرّسالة قيمة الشهادة حول أبي القاسم لست أعرف لميخائيل نعيمة آراء أخرى فيه.

4 – رسائل إلى سالم بن حسين عاشور

لم أتوصل إلى معرفته

وقد أرسل إليه نعيمة خمس رسائل الأولى بتاريخ 29 تموز 1964 والأخيرة بتاريخ 12 نيسان 1975 ويبدو أن سالم بن حسين عاشور كان شابا يهوى الأدب من مدينة ـ حمّام سوسة ـ على الساحل التونسي وهو من المعجبين بميخائيل نعيمة الذي كان حريصا على مراسلته فقد كتب له ميخائيل نعيمة في غضون رسالته الأولى: (وها أنت وفي دمك حرارة الشباب وفي قلبك إيمانه وشوقه تخاطبني من بعيد فتجعلني أشعر كأنها إليّ من حبل الوريد) وقد أهدى إليه نسخة من أحدث رسم وقائمة بمؤلفاته العربية ممّا يدّل على العناية الفائقة التي يوليها ميخائيل نعيمة لقرائه ومريديه رغم حداثة سنهم أحيانا وحرصه على إبداء رأيه حول ما يطرحون من أفكار كما كتب في الرسالة الرّابعة هذا الرأي عند طرح مسألة المفاضلة بين الأديان قائلا: (أعيذك يا ابني من المفاضلة بين الأديان، سماويّة كانت أو غير سماويّة ، فلبّ الدّين ليس في عقائده وشعائره ومراسمه بل في مدى تأثيره على سلوك أتباعه تجاه أنفسهم وتجاه إخوانهم النّاس وسائر المخلوقات فالرّجل الصّالح مهما يكن دينه هو غاية كلّ دين والصّلاح ما كان يوما من الأيّام وقفا على دين دون دين)

أمّا آخر رسالة فنقرأ فيها معلومة حول الحالة الصحية لميخائيل نعيمة التي بدأت تؤثر في قدرته على مسك القلم حيث يقول فيها : (سيأتي يوم ينقطع فيه هذا القلم عن الكتابة فهل سيعني ذلك اِنقطاع الصّلة بيني وبين قرّائي وأصدقائي؟ بل هي أعصاب يدي اليمنى قد أخذت تتمرّد عليّ في الزمان الأخير حتّى إنّني لا أستطيع الكتابة إلاّ بالكثير من الجهد والبطء والنّاس لا يعرفون ذلك فلا يعذرون، وها أنا أخبرك لعلك تعذر).

5 ـ رسائل إلى محمد صالح عاشور

لم أتوصل إلى معرفته

وقد أرسل إليه نعيمة ثلاث رسائل الأولى بتاريخ 7 أيلول 1963 والثانية بتاريخ 7 تشرين الأوّل 1963 والأخيرة كتبت يوم 3 نيسان 1964 وهذه الرّسائل تؤكّد اهتمام ميخائيل نعيمة بمختلف أصناف قرائه و أحبائه  وتعاطفه مع حالاتهم الخاصّة كالتي وردت في الرّسالة الثالثة حيث يعبّر فيها عن مفهومه للحبّ بقوله خاصّة: ( الحبّ يا صاحبي إن لم يعذب لم يهذّب، فهو المهذّب الأكبر إذا نحن عرفنا كيف ننتفع بدروسه وتوجيهاته) وتتضمّن هذه الرّسالة حاشية كتب فيها ميخائيل نعيمة ما يلي: (هل لك أن تردّ إليّ ما لديك من رسائل منّي أو نسخا عنها لأنني أنوي نشر رسائلي في مجلد خاص) .

وقد كتب قبلها في رسالته الثانية حبّه وشغفه بالمراسلة والالتقاء بقرائه حيق يقول: (وددت لو لم يكن لديّ ما أعمله إلاّ مراسلة الذين يرغبون في مراسلتي والتحدّث إلى الذين يقصدونني في كلّ يوم تقريبا من أماكن قريبة أو بعيدة ولكنّ القسم الأكبر من وقتي لم يبق تحت تصّرفي والقليل الذي أتصرّف به يكاد لا يكفي للتفكير والمطالعة التألف).

أما بعد

إنّ رسائل ميخائيل نعيمة تمثل أدبا خالصا لما فيها من مضامين مهمّة تتراوح من التفاصيل الصغيرة إلى الهموم الكبيرة ولما في أسلوبها من جمالية أيضا…

إذن يمكن اِعتبارها بحق مصدرا آخر من مصادر أدبه الغزير، أمّا رسائله إلى بعض الأدباء التونسيين وإلى بعض مريديه والمعجبين به فهي تمثّل كذلك وثائق مهمّة حول مسيرتهم الأدبية من ناحية وحول تطّور الحياة الأدبيّة والثقافية بتونس لما فيها من آراء ومعلومات تثري الباحث وتكشف بعض الملابسات التي كانت فاعلة في حركتنا الأدبية والثقافية في النّصف الثاني من القرن العشرين.

لذا وجب جمع تلك الرّسائل ودراستهاولعلّ في نشرها من جديد في تونس يدفع بالحركة الأدبية فيه نحو الأحسن .

6 ـ رسالة نادرة لميخائيل نعيمة

نشر الأديب ميخائيل نعيمة ضمن ـ أعماله الكاملة ـ عددا كبيرا من الرسائل التي كان كتبها لكثير من الأصدقاء والأدباء والأحباء وإلى غيرهم من هواة الأدب وذلك على مدى أطوار حياته المديدة الزّاخرة بالعطاء وهي رسائل ذات قيمة أدبية وتاريخية تهمّ ميخائيل نعيمة نفسه بالإضافة إلى الذين أرسل إليهم تلك الرسائل وقد كان للتونسيين نصيب مهمّ منها ، ويبدو أن إحدى الرسائل الضّائعة قد عثرنا عليها لدى السيد الحبيب عبيد ـ وهو اِبن عم لي ـ كان قد التقى بالأديب ميخائيل نعيمة عند زيارته لتونس في شهر جوان 1961 وقد أطلعني عليها مشكورا ثم أذن لي بنشرها اِعتزازا منه بصداقته للأديب الكبير ، و خدمة للأدب العربي.

نصّ الرسالة

  

ميخائيل نعيمة

بسكنتا –  لبنان – 26/06/1961

عزيزي الحبيب عبيد

كان لرسالتك اللّطيفة أجمل الوقع في نفسي ولم تكن أقلّ وقعا منها وقفتك بباب الفندق في تونس عندما غادرناه إلى المطار صباح العشرين من هذا الشّهر وفي يدك نسخة من كتابي “لقاء” وقد جئت تطلب توقيعي عليها.

لكم وددت يا صديقي الفتيّ لو كان لي أن أتحدّث إليك وإلى الكثير من الشبّان التونسيين أمثالك لا من على منبر المسرح البلدّي بل على شاطئ البحر أو في بستان من الزّيتون أو في سفح “بوقرنين” أو في أيّ مكان يطيب فيه الحديث فيجري طلقا عفويا ودونما أقل كلفة.

إنّ ما لمسته في الشباب التونسي من تحفّز وتفتيح وشوق إلى المعرفة التي تحملنا إلى آفاق أجمل وأرحب من آفاقنا الحالية ممّا أدخل السّرور إلى نفسي بل إنّه عزّز إيماني لا بمستقبل تونس وحدها بل بمستقبل العالم بأسره.

وعليك السّلام وإليك أحنّ التحيات من

  المخلص   ميخائيل نعيمة.