حارق البحر ـ 2009

harek-el-bahr1

2013

حارق البحر ـ للقراءة والبحث

الإهداءُ

إلى والدِي

رحِمَهُ الـــلّـــــــــــــــهُ

 

الفهرس

الفهرس 3

ـ الفَاتحةُ 1

ـ اَلثَّمَانُونَ وَعَامٌ 2

234 ـ الـخِـزانَــةُ 6

ـ تَطَاوينُ 7

ـ اَلصّورةُ القديمةُ 11

ـ اَلْخَمْسُونَ 14

ـ اَلــزّوْرَقُ اَلْـوَرَقِيُّ 22

ـ اَلْعُـــبُــورُ 31

ـ حارسُ المَنار 36

ـ القَلمُ الذّهَبيُّ 39

ـ عَروسُ البَحـرِ 40

ـ الـجَنـاحُ 44

ـ المَدينةُ الجَديدةُ 45

ـ رَجُــلُ الأمـطَار 46

ـ حُــلـمٌ 48

ـ الـعِـيـدُ 49

ـ مِنْ كتابِ الحَيوانِ 50

ـ اللّذُونَ 52

ـ بِـــخُفَّـــيْ حُـــنَـــيْنٍ 54

ـ خــطّ الوُصـول 55

ـ كـامِـيكازْ 56

ـ الطّريقُ 57

ـ الـوداعُ 58

ـ رَحْــمـَـة اَلْـوَالْـدِيـنْ 59

ـ اَلْقَصِيدَةُ اَلْمُنَوَّرَةُ 67

ـــــــــــــ الفَاتحةُ

 

إذَا كانَ العِطرُ

فَــوّاحًا

لَا يَـهُمُّ

شَكلُ الـزّجاجةِ..!

ـــــــــــ اَلثَّمَانُونَ وَعَامٌ

 

أَبِي

والثَّمانُون وَعَامٌ

شتاءٌ مِنْ نوافذِ القلبِ يَهُبُّ

إنّمَا

حَمامُ تُونسَ

حَوْل مِـئْـذنـةِ جامعِ الزّيتُونة

يَحُومُ عند كُلّ صَلاةٍ

و إلى سَطْحِ مَنزِلنا يُوَلّي أَجنحتَهُ

ليَلْـتَـقِطَ القَمْحَ

مِنْ حَفْنَةِ أُمّي

بــاردٌ…بـــاردٌ…شِتاءُ هذا اَلْعام

حَمِدَ اللّهَ أنّـه مُمْطِـرٌ أبِي

يُـبَـشِّر بِـاَلصَّابةِ

و بِــخِـصْبِ اَلْمَراعِي

هِيَ ذِي عصاهُ تُسابقُ خُطاهُ

يَمْضِي عليها

كَما كان يَمتطِي الخَـيْل…

يَأخُذُ بِـيدي فِـي يدهِ

ما أطيبَ لَمْستَهَا

وَهْيَ تَشُدُّ إِلَيَّ العِنَانَ !

أبِي

و الثّمانونَ و عامٌ

الشّمسُ على الأحياءِ العتيقةِ جَذْلَى

تُطِلُّ حِينًا

وأَحيانًا هُوَ الْمَطرُ يَسَّاقطُ

حـبـَّةً إِثْـرَ حَـبّـةٍ

على وَقْعِ سُبْحَتِهِ !

عندَ الصّباح آتِيهِ فَـأَلْقَاهُ

هَيـَّا… أَبَـتَـاهُ !

تَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ

وَتَوَكّـأْ على الْعَصَا

اِمْضِ بِي نَحْوَ آخِرِ الرّواق

مرّةً… وأُخرَى وشَوْطا ثالثًـا

مِثلمَا كُنّا نُسابقُ غزالاتِ البرَاري

أيّـامَ الجَــنُوب

أبِي

هِـيَ ذِي جَحَافِلُ الأعراسِ والزّغاريدُ و اَلطّـبـُـولُ…

واَلْـفُـرسانُ الصَّناديدُ وبارودُ اَلرّجالْ

أَبِي

والثّمانُونَ و عامٌ

على صَهْوَةِ الأيّام

واقفٌ على السَّرْجِ…مَا انْحَنَى…و لَا مَالْ

مَا يَزَالْ…

لَـيْـتَ أنّه يُـرْدِفُنِي وراءَهُ !

 

 ـــــــــــــ الـخِـزانَــةُ

بعدَ عامينِ

فَتحنَا خِزانةَ أبي

أنا…أخذتُ سُبحتَهُ

أخِي

أخذَ سَاعتَهُ

الّذي بعدَهُ

أخذ صُورتَهُ

أخي الأصغرُ

أخذ نظّارتَهُ

أغلقْنا الخزانةَ

وتركنا الخاتَمَ

لأختِي

ــــــــــــ تَطَاوينُ

قَديـمًا تُســمَّى بِــوادي العُيـونِ * جبـــــالُ الجنوبِ حَمَتْهَا وبِــيـJدُ

ومِنْ شاهقِ الصّخر تَرشَحُ عَيْــنٌ * إذا مَــا شَـربْــتَ أتـاكَ السُّـعـودُ

فوَلْـــهانَ ظمـــآنَ جِئــتُ لَعَـلّي * إلـي الاِنشـراحِ فـُؤادي يــعـــودُ

وتَخْضَرُّ تلك البَـرارِي بِـدَرْبِــي * فَفِي الجدبِ أَمستْ كَسَاهَا الجليدُ

تَطَـاوِينُ! أَحْيِـي مَوَاتَ الجُـذور * عَســـاهَا بِــزرعٍ وغُصنٍ تَمِـيــــدُ

فَــإنّــي أعُــودُ إلـيــكِ حزيـنًــا * وكَمْ جئتُ جذلانَ شَوقي شَديـدُ

كيومِ أَتَـي بِي أَبِي ذاتَ صَيفٍ * ورَحْـمَــاهُ…! إنّـــهُ خِــــــلٌّ وَدُودُ

وأهـدَى إلــيَّ كتــابَ الحُروفِ * وَحَلــوَى كــقَـرنِ الغزالِ يزيـــــدُ

فهـذي الرّبُـوعُ مَيادينُ أُنسِـي * بِغُـمْـرَاسِــنٍ * ذِكريـاتي شُهودُ

علـى بِـئرها العذبِ يَامَـا لعِبنَــا * بِـلَقْفِ الحَــصاةِ ونحــنُ قُـــــعودُ

وكمْ مِنْ خُيولِ الجَريدِ ركَضْـنَا * سَبَـقْـنا بـِـها الرّيحَ طارتْ بُـنُــودُ !

فَـذاكَ صِبَــانَا على كلّ شِبْــرٍ * وفــي كــلِّ أُفْقٍ مَــداهُ البـعيــــدُ

على كُلّ صخرٍ…وفي كلّ قَصرٍ * بـِـعـزمٍ وصــبـرٍ بَــناهُ الــجُـدُودُ

لِصـَدِّ الــغُـزاةِ، كَمِــثلِ الرِّبَـاطِ * بِـحُــمر الدّمــاءِ رَوَاهُ الشّـهيــدُ

فَــقِـفْ مُـكْبِـرًا للبلادِ الّتِــي لم * تُــطَأْطِـئْ ومـا فَـلَّ فيها الحديدُ

ولكنّــنا فــي الزّمــانِ العجيـبِ * نَسِـــينا الإِبَاءَ وعَــمَّ الجُـحـــودُ

تَطَاوِينُ رُدِّي أَصيلَ السَّجَــــايَا * وجَــلِّي المَرايَا غشاها الصّـديدُ

فأنـتِ العُيـونُ إذا مــا نَظــرنَا * وَإِمَّـا نظرتِ…فَـظَـبْيٌ يَـصـيـــدُ

بِمـثلِ سَناكِ إذا ما اِبْـتـسَمتِ * أَصـبْتِ الفـؤادَ وشَــعَّ القصيــــدُ

لَـكَـمْ مِــنْ سِهامٍ تَلقَّى فَوَقَّى * وَلـكنَّ سَهــمَكِ سِـحرٌ فَـريـــــدُ

أَعـادَ الجنُـوبَ لِجنـّاتِ عَـدْنٍ : * فمــاءٌ وخِصبٌ و وردٌ نـضـيـــــدُ

فَـأَنَّى اِلْـتَـفَتُّ رأيـتُ النّـعيـمَ * وَفيـهِ أَنـا اليومَ طِـفلٌ جديـــــــدُ !

غُمراسن هي مسقط رأس الشّاعر

ـــــــــــــ اَلصّورةُ القديمةُ

نشرتْ جريدةُ ـ الصّباح ـ التونسية صورةً لي قديمةً مع عدد من الشّعراء التونسيين وقد مضى عليها ـ حينها ـ خمسةٌ وعشرون عاما فلم أتبيّن ملامحي عند النّظرة الأولى بل تساءلت من يكون ذلك الشاعر ؟! فقلت:

يا صُورةً…مِنْ شبابِي * ذِكراكِ شوقٌ وغِـبْـــطُ

مِلْءَ الأماني أَرانِــي: * فالوجهُ صافٍ وبَسْـــطُ

عامٌ يُلاحقُ عامًــــــا * لا نُوقفُ الدّهرَ قَـــــطُّ

ساعاتُنا…بالثوانِـــي * يا لَيْتَ قد صَحَّ ضَبْـــطُ

في مثلِ هذا الزّمان * كُلُّ الحساباتِ غلْــــطُ

تلكَ النّجُومُ تَهــاوَتْ * والشّمسُ هَاتِيكَ سَقْـــطُ

شَيْـبٌ وقالوا وَقـــارًا * لكنْ في الرّأسِ وَخْـــــطُ

كالمُهرِ كنّا شبابًـــــــا * ننثالُ والقَدّ سَبْــــــــطُ

بَيْنَ الصّبَايَا دَعَــــــانَا * مِنْهُنَّ جَفْـنٌ وَقُــــــرْطُ

في الصّيفِ والبحر ذُبْنَا *كَمْ أَعْذَبَ العِشقَ شَطُّ

فالعفوُ ! إنْ كان فيـــهِ * رَغْمَ البراءةِ خَبْـــــطُ

كمْ مِنْ رُسومٍ خَطَطنَا * لكنّهُ اَلْمَحْـوُ خَــــــطُّ

أينَ الأَحِبّةُ راحُـــــــوا * دُنيَا شَــتَاتٌ  وفَــــرْط

يا صورةً مِنْ شبــابِي * رَغم الأسَى إِذْ يَحُــطُّ

رغمَ الجراحاتِ كُثْــرٌ * فالقلبُ دَومًا يَنُـــــطُّ

إنّ الجوادَ الجَمُـــوحَ * منذُ البداياتِ شَمْـــطُ

أشواقُهُ العارمـــاتُ * تُدْنِيهِ إِذْ زادَ نَشْــــطُ

تلكَ المسافاتُ نادتْ: * مازالَ في الحُلم.قِسطُ

ــــــــــــــ اَلْخَمْسُونَ

هَــــــلْ لِــمَا فـَــاتَ مَـــــآبُ؟ * عَـبَـثًـــا يُـرْجَــى اَلسَّــــرَابُ!

هَـــذِهِ اَلْخَمْــسُونَ تُــطْــــوَى * مِـثـْــلَـمَا يُـــطْـــوَى الكتـَـابُ

صَـفـَـــحَـاتُ…ذِكْرَيـَــــــــاتٌ * قـَـــدْ تـَــوَالَــتْ وَ اِنْـسِيَـــاب

قَـدْ حَسِـبْـــتُ اَلْعُمْــرَ عَــــدًّا * فَــاِنْتَــهَى صِــفْـرَا حِسَــــابُ

أَيْــــنَ مِــنْ سَــبْقٍ خُـيُــولِـي * إِذْ تَـهَــــادَتْ وَاَلـــرِّكــــــابُ

عِـــنْـدَ أَعْـــرَاسِ اَلْــبَـــوَادِي * وَقَــــدِ اِخْضَرّتْ هِضَـــــــابُ

تـِــلْــكَ أُمِّــي تَـــتَــجَــلَّــى * حـُــــوشُــــنَا ذَاكَ رِحــــــابُ

جَــــــــدّتِي كَــانَتْ هـُــنَــاك * وَ حـِــــكَايـَـــاتٌ عِــــــذَابُ

وَ أَبِـــي عِنـْــدَ المُـــصَــلـَّى * وَ دُعـَــــــاءٌ مـُــسْتَـــجَابُ !

كَــــمْ بِصْــــيْدٍ قَــدْ ظَفِرْنَـا * وَ يَـــمَـــامَـــاتُ كـِــــعَــابُ

خـُـــذْ سـِــلَاحِـي يَــا بُـنــيَّ * ثـُـمّ يَــمْضِي…وَاِغْـتِــــرَابُ

زَمَــــــنٌ ذاكَ تَـــــوَلَّــــى * إنـّــــمَا اَلْآتِـــــي ضَــبَـــابُ

فـَـمَشَــيْتُ اَلْعُمـرَ وَحْـــدِي * فِــي الْمَدَى حُلْمِي شِهَـــابُ

لَـــدْغَةُ اَلْأَفْـــعَى بِــلَـيْـــــلٍ * وَ بِــلَيْــلٍ كَـــــمْ كـِــــــلَابُ

قَـــدْ أَحَاطَتْ بِاَلْـفَـتَـى..يــا * مِــــزَقًــــا صَــارَتْ ثـِـيـَـابُ

آهِ مِــنْ دَرْسٍ لِـــجَــبْــــــرٍ * كَــيْـف يَـأْتِـيـنِـي اَلْـجَــوَابُ

أَحْـــمَدُ الـــلَّـــه نَـجَـحْـــتُ * وَنــجَـا ذَاكَ اَلْـــمُـــصَـــابُ

إِنَّـــــمَا خَـــــطِّــــي رَدِيءٌ * عَــــبَـــثًا كَــانَ اِجْــتِــنَـابُ

كَــــــــمْ أَكُــفًّا قَــدْ مَدَدْنا * لِـــلْعَـصَـــا، هَانَ اَلْـعِقَـابُ

يـَــا عَــصـَـا رُدِّي صِبَـانـــا * أَيْــــنَــهُم رَاحُــــوا تِـرَابُ

يـَــا صَدِيـقِي لَا تَــلُمْــنِـي * إِنَّــمَا اَلـــذِّكْـرَى اِكْـتِـئَـابُ

رُبَّ ذِئْــــبٍ قَــــدْ دَعَــاهُ * اِنْـــــتِـــزَاحٌ أَوْ خَــــــرَابُ

صَـــــارَ أُنْــــسًا أَوْ رَفِــيقًا * لَـيْـــسَ مِنْــــهُ اَلْمُسْتَرَابُ

لَا كَـمَنْ قـُـلْتُ صَــــدِيقِي * وَ هْـــوَ فِي اَلظَّهْرِ حِـرَابُ

سـَـلَّـهَا لِلـطَّـعْـنِ يَـــوْمًـا * وَ اِنْـزَوَى عَنِّي اَلصِّــحَـابُ!

كَــاَلنَّـعَامَـاتِ وَ دَسَّـــــتْ * رَأْسَـــهَا أَخْــفَـى اَلــتُّرَابُ

كـَــــمْ زَرَعْتُ اَلْوَرْدَ فِيهِـمْ * فَــــإِذَا اَلشَّـــــوْكُ ثَــوَابُ

مِـــنْ لَــئِيــمِ أَوْ حَــسُـودٍ * ذَاكَ نَــــــمَّـــامٌ وَ نَــــابُ

أَوْ طَــــوَاوِيـــسُ تباهَـــتْ * فَـهْيَ زَيْــــفٌ أَوْ سِـبَــابُ

فـَــاِنْــبِطَـــاحٌ وَ اِرْتِـــمَاءٌ * وَالتواءٌ واِنقِــــــــــــــلابٌ

هَــمُّــهَا لَحْسُ اَلصُّــحُـونِ * قـَـــدْ سَــرَى مِنْهَا اَلْلُّعَابُ

تَـمْـــسَحُ اَلْأَعْتَــابَ لَحْسًـا! * تـَــنْحَنِــي، هـَـانَــتْ رِقابُ

قـَــلَبَتْ لَــوْنَ اَلْـقَـــمِيـصِ * فَـبِــفِـلـسٍ تـُــسْــتَـطَـابُ

عُـــمْلَـــةُ اَلـزَّيْـفِ وَ عَمَّـتْ * فَــــعَـــلَا اَلْـحـَـقَّ اَلْحُبَـابُ

بـِــيعَـــتِ اَلْأَوْطَــانُ…بَخْسًا * وَيْــحَنَا…! حَتّـــى اَلْإِهَــابُ

كَمْ شُـعُـوبٍ قَـــدْ أُبِــيـدَتْ * رُبَّـــــمَا نَــــحْنُ نُــصَـابُ !

لَا…هُــــمُ اَلْأَحْرَارُ هَـــبُّـوا * وَ بِـــهِـــمْ سَــالَتْ شِعَـابُ

مِـــنْ شَـــمَالٍ وَ جَـنُــوبٍ * مَـــــــــدَدٌ ذَاكَ رِحَـــــــابُ

قَــــــدْ تَــصَـــدُّوا لِــلْعُـدَاةِ * وَبِــــعَـــزْمٍ قَــــدْ أَجَـابُـوا

صَــــوْتُــهُمْ صَـوْتٌ يُـــدَوِّي * فَـــــإِذَا شَــــــدُّوا أَصَابُـوا

مِــــــنْ قَــدِيمٍ يَـا بِــلَادِي * حـُــــبُّــنَا فِـــيــكِ اَلْمُـذَابُ

وَ كَـــزَيْــتُــونٍ وَ نَــخْـــــلٍ * أَخْـــــضَرٌ دَوْمًــــا عُــبَــابُ

مَا اِنْــــحَــنَــى يَـوْمًا لـِريحٍ * لا رُعُــــودٌ لا سَـــــحَـــابُ

شَــــامِخٌ اَلـــرَّأْسِ أَبِــــيٌّ، * لَا بِـكِبْـــــرٍ ، بـَــلْ مُـهَـابُ

ثَــــابِـــتُ اَلْأَصْـــلِ وَفِـــيٌّ * مُـــــزْهِرُ اَلْقَــلْبِ شَـبَــابُ

لَا جِــــرَاحٌ أَوْ رِمَـــــــــاحٌ * طَاعِـنـَـــــاتٌ أَوْ صِعَــــابُ

مَــــا نَــــفَتْ عَنْهُ اَلْعَــطَاءَ * وَ لَئِـــــنْ سَــادَ اَلْـيَــبَــابُ

فَــــهْـــوَ لِلْأَحْبَابَ رِفْـــــدٌ * لَـيْـسَ يُــبْــقِـيـهِ اِحْتِـسَابُ

إِنَّـــمَا اَلْــــحُبُّ سَجَايـَــــا * لَا عَــــطَايَا وَ اِكْتِسَـــابُ!

ــــــــــــ اَلــزّوْرَقُ اَلْـوَرَقِيُّ

.إلى كمال العيّادي

 

هِي فِي اَلْبَحْرِ…هُو فِي الحِبْرِ

إذنْ :

سَلامًا لِلأزرَقِ فِي المَاء

سلامًا لِلأبيضِ فِي المَوْج

سلامًا زُلالاً

لَا المِلحُ فيه وَ لا حتّى زَبَدٌ !

صَافياتٌ …حَسْبُ التَّحَايَا ـ خَالصَاتٌ

أَوْ لاَ تكُونْ !

و بِمِلْءِ اَلْأحْضَان نَحْو اليمِ

عَبْرَ الأعْماقِ…على مَدَى الْبِحارِ المُحِيطات

أَجِيءُ بَيْنَ الماءِ والهواءِ مُنْسابًا

كالسّمَك الطّائِرِ و كالطّائِر السّابِح

مِنْ رِيحٍ إِلَى رِيحِ

وَ مِن تَيّار إلى تَيّار

بِلاَ جَناح ، بِلاَ شِرَاعٍ ، بِلاَ مِجْداف

وَلا بَوْصَلَة

إلاَّ الْأصْدافُ دَليلِي والدَّلاَفِينُ

هُنالِك … عِنْدَ خَليج نَاءٍ وَصَلْتُ

أَمْلَسَ اَلْحَصَى اِصْطَفَيْتُ

و عند تَلَامُسِِ البَحْر وَاَلسّاحِلِ

وَقفْتُ أنْتَظِرُ

كَالإسْفَنْجَةِ تَحْتَ الشّمْس

تَمُرُّ اَلصّباحَاتُ واَلْعَشَايَا

والشّمسُ تَجْري إلى مُسْتَقَرٍّ لَها وراءَ حِجابِ الأُفق

أَنْتظرُ…

…زَوْرَقِي وَرَقِي

حَمَلْتُ فِيهِ كُلَّ ما كَانَ

وَكُلَّ مَا سَوْفَ يَكُونُ

فَاِقْرَئِي نَقَائشَ بَدْءِ الخَلِيقةِ

على/ في كُهُوفِ اَلْأَوّلينَ القُدامَى مِنْ قَبْلِ الطُّوفَانِ

و تَأمّلِي رُسُومَ الحيَوانِ فِي اَلْمَغَاوِر

مَغَاور الشِّعَابِ وَ أعَالِي الجِبَال

اُنظُرِي… تَرَيْ…هَا قَدْ مَضَى

ذَاكَ الغَزالُ

كَيف يا تُرى قَدْ هلكْ

ذاك السَّمكْ ؟

…زَوْرَقِي وَرَقِي

مِنْ بَرْدِي النّيلِ إلى كاغِذِ الصّينِ

ومن طُومَار أنُو شَرْوَان

إلَى رَقْشِ القَيْروَان

اِقْرَئي

عَلى ريشِ نَعَامِ الصّحراءِ الكُبْرى

وعلى ريشِ الهُنود الحُمْرِ

وَفِي صَمْغِ الهِنْدِ بالمِسْك والزّعْفَرَان

اِقرَئِي

اِقرئي اِسْمِي تَرَيْ رَسْمِي عَلى طِين ألوَاحِ بَابِل

فِي نَقائشِ المِسلّاتِ فِي وَادِي المُلوك

وَفي لُؤلؤةِ خَاتَمِ كِيلُوبَتْرَا

اِقرئِي

…زَوْرقِي وَرَقِي

اِقرئي

خُطوطَ تِدْمَرَ وَحِنّاءَ زَنّوبِيَا

نَقْطَ اَلْمِسْكِ على وَرْدِ خَدِّ هِنْدٍ

تَخَارِيمَ تِيجَانِ المَرْمَرِ فَوْق أعْمِدَةِ قَرطاجةَ

شَبابِيكَ اللُّجَيْنِ على صَرْح بَلْقِيسَ

ثُمّ… و بِعَينيكِ تَـيْـنِـكِ اِقْرَئِي اَلشّاهِدةَ

عَلى قَبرِ جُنديٍّ مَجهُولٍ

أَوْ على لَوْحةِ تِمْثالِ قَبْرٍ جَماعيٍّ

لِمَا مَضَى…أوْ لِمَا هُوَ آتٍ…آتٍ

…إنِّي هُنا…سَأظَلُّ

إذا مَا تَعِبْتُ :

هَدْهَدَةُ البَحْرِ أُرْجُوحَةٌ فِي اِنْسِيَابِ اَلنّسيمْ

يُغْريني اِنكسارُ المَوجةِ الجَذلَى :

أَنْ أنِخْ و أَرِحْ

فَأَغْفُو وَ أُسْلِمُ الأرضَ رأسي

عَلَى حَريرِ اَلرّملِ جَنْبِي

من الأقاصي أَتصنَّتُ وَقعَ خُطاكِ

كأنّي أراكِ :

تَتْبَعُكِ الفراشاتُ نَشْوَى

أَسرابُ القَطَا

واَلْحَمامْ…

…إنّي هُنا…

تَنْسَابُ حَوْلي رَفْرَفَةٌ تَمِيسُ

مِن الْمدَى إِلَى الْمَدَى

والأزرقُ المُمتدُّ والسّماءْ

مَا أَعظَمَهُ مِحْبرةً

أَخُوضُها سطرًا وسطرًا

بِفَيْضِ الكلامْ !

مِجْذافِي قَلمي

وَرَقي زَوْرقي

اَلْأَلِفُ إِلْفِي … عَلَى البياضِ البَاءْ

الجِيمُ اِنْعِطافُ المَوجِ عَلى السّاحلِ

الدّالُ دَليلي إِذْ أَرَى :

شَجرٌ باسقٌ ذَاك فِي المَدى…

فَمَنْ قال : هذا الأزرقُ ماء ؟!

إنّي هُنا …

قريبًا سَتَمُرُّ آخرُ قوافلِ اللّيل

مِنْ نُجومٍ وَامِضاتٍ ومَحاراتٍ سارياتٍ

وَ عِند غَزْلِ الخيطِ الأبيضِ بِالخيطِ الأَسودِ

سَتُطَرِّزُ نجمةُ القُطب بِاَلْيَوَاقِيتِ حُرُوفِي

هِي الّتي أَنامِلُها حَفيفُ الوردِ وَقَطرُ النّدى

و إلى خدِّ الأرضِ أُسْنِدُ خدّي

و أنام…

…أحلم :

بِكْرُ الْينابيعِ الزُّلَالِ

تَجْري مِنْ بَين أصابعي رَقراقةً

أَرْوَت اَلسَّباسِبَ واَلْبِيدَ وكُلَّ وادِي غيرِ ذِي زرعٍ

هِيَ ذِي الظّلالُ والدَّوالي

والعَصافيرُ من جَميعِ الْجهاتِ قادمةٌ خفّاقةٌ

على كلِّ جناحْ

فَلَا أقفاصٌ ولا قناصٌ ولا شِباكْ

…أحلمُ :

أُلَاعِبُ فَرَسَ النّهرِ يَحمِلُني مَرِحًا

إلى القُطب الشّماليِّ …

هُناك …في البياضِ الطّاهرِ

أَتمرّغُ على ناعمِ الثّلج الدّافِئ…

أحلُمُ في ما أحلُمُ :

حُوريّةُ اَلْمَوْجِ تدعُوني إلى الأَعماق

تُخَبِّلُني في شَعرها إلى قَاعِ أَقصى المُحيطات

هُنالك مَرَجُ البَحريْنِ فيه الأَحِبّةُ

رأيتُهم إثنيْن إثنيْن يَلتقيان

يُراقصُهُمْ صِغَارُ السّمكِ

أقول لَهُمْ :سلامًا سلامًا

وَ مِنْ ثَمَّةَ أَصْعَدُ مُجَنِّحًا بِبُراقِ اَلْوَجْدِ

إِلَى أَعْلَى اَلْأَعَالي

فَوْقَ المَجرّات و النّجُوم

فَأُطِلُّ على الكون…

مِنْ هنالك

أَلْتَمِسُ قَبَسًا مِنْ لهَب الْمِشكاة

ثُمّ أَنْزِلُ حانياً عَليْه فِي كفِّي

لِأُضِيءَ الدّنيَا مِن جَديد…

فتعُودُ الحياة

إِلَى الأرضِ الجميلة…!

ـــــــــــــ اَلْعُـــبُــورُ

قُبيْل اَلْفجرِ اِجْتمعُوا

كانوا تسعةً أو عشرةً مِنْ أبناء الشّمسِ

و الدّليلُ قال :

– الدَّفعُ مُسْبَقًا… الآن وهُنا

و إلاّ… فَلاَ…!

و مِنْ غدٍ….السّيْرُ ليلاً والنّومُ نهارًا

و إنْ أوْ إنْ….

فلا أَعرفُ أحدًا

لا يعرفُني أحدٌ!

و اِحمِلُوا ما اِسْتَطعتُم مِن الزّاد

الفَتى الأعرجُ أَصغرُهُم

كادَ يَسْبُقُهم ــ طَبْعًا ــ لَهُ رِجْلٌ ثالثة !

بينَ السَّباسِبِ والأوْديةِ

تَراه ينسابُ كأفعَى

أو يَنُطُّ كالغزالِ

و إذا اِسْتراحُوا في الظّلِ

يَغْفُو كالذّئبِ بعينٍ واحدةٍ

بالأخرى

يحلُم كَما وصفُوا لهُ البحرَ:

صحراءُ زرقاءُ… زرقاءُ… أمّا الكُثبانُ فماءٌ

و الأسماكُ

كَمِثلِ العصَافيرِ

تصطادُها الشّباكُ…

بَعد أعوامٍ…يا أُمّي…سأعودُ

سأعودُ إلى البلادِ

غانمًا كالسّندبادِ

و أُصْبِحُ سيّدًا مع الأسيادِ

ذاتَ فجر، بعد شهرٍ

أصبحَ :

إذنْ هذَا هُوَ البحرُ…عَجبًا مَا أَعْظَمَهُ مِحبرةً

رَآهُ… تَمَلَّاهُ

ناعمٌ لطيفٌ، و له حفيفٌ…

كأنّه بِالأحضانِ يُناديهِ وبشوق يُناجيهِ

مَرحى… مُشتاقٌ مشتاقٌ… يا بحرُ

فَقَطْ…

لَوْ كُنتَ بِلا ملحٍ

بَعْدَمَا اللّيلُ سَجَا

خمسُون أو سِتُّون خرجُوا مِنْ مغارَةٍ

في الْخَليجِ …

واحدًا…وراءَ… واحدٍ…قَصدُوا الزَّورق

بِاَلْكَادِ أَلْحَقَ الفتَى عَصاهُ

يَا اللّهُ !

صُرَّةُ التّمرِ والسَّوِيقِ سَقطتْ،

قبل أن تقعَ… لَقَفَتْهَا يداهُ

ساعةٌ أَوْ ساعتان

و يَمضي الخطرُ

و يرى بلادَ اَلْإفرنجِ تَتَنَعَّمُ في الثَّلْجِ

لكنّما البحرُ فجأةً ثَارْ

فإذا الدُّوارُ والإعصارُ

صاحَ مَنْ صاحَ بَكى مَنْ بكَى و…

فجأةً صاح البحّارُ :

ــ اِغْرِفُوا الماءْ

ــ اِغْرِفُوا الماءْ !

هيَّا تَخَلَّصُوا مِنْ كُلِّ شيءٍ…

… اِرْمُوا الأدباشَ… حتّى تلكَ الأشلاءْ…!

فالماءُ مع الزّورقِ اِسْتَوَى !…

في تلكَ اللّيلةِ اللّيلاءْ

جميعُهُم قد عَبَرُوا

حتَّى العَصَا

أمّا الفتَى…

قال قائلٌ:

ـــ رُبّما سَقطَ مِنَ الزّورقْ

فَفِي العاصفةِ كِدْنَا نَغْرَقْ

قال الآخرُ :

ـــ لعلَّ…عَسَى…أبدًا…لَا…لَا

ثُمَّ قال الجميعُ :

ـــ و هَلْ أَحَدٌ فِي تلكَ اللّيلةِ رأَى ؟!

ـــــــــــــ حارسُ المَنار

سألوهُ عنهَا

ــ لَقِيتُها مرّةً تُرفرفُ في شَبكةٍ

نصفُها سَمكةٌ

نصفُها مَـلِكةٌ

تاجُها مُرَصَّعٌ بالوَرْدِ

مَوَشَّحٌ شَعرُها بالياسمينِ

جيدُها اللُّؤلؤُ والمَرجان

على خِصْرِها مَوجتَان

ــ خَلِّصْنِي…

سَرَّحْتُها

قبل أن تَغُوصَ في اللُّجة اِبتسَمتْ

إليَّ همسَتْ : أعودُ…

مِنْ وقتِها

مابَرِحَ حارسُ المنار يَنتظرُ…

يومًا… يَومين

صيفًا… وشتاءً

رُبّما غَلَبتْها الأمواجُ

ربّما جذَبها الجَزْرُ إلى قاعِ اليَمِّ

ربّما عَلِقَ فُستانُها الأبيضُ الطّويلُ

بِصَخَبِ الزَّبَد

لعلَّها أَضاعَتْ وِجْهَتَهَا

وجَرفَها التيّارُ

فهَامتْ على وَجهِها في الأدغْال

أَدغالِ الجُزر النّائيةِ

ربّما / لعلّ / عسى

سيَظلُّ الحارسُ ينتظرُ إلى مَطلع الفَجر

غدًا إذَا سَألُوهُ

إذا سألوهُ غدًا

سيقولُ مرّةً أخرى بِلا كَلَلٍ ولا مَللٍ:

ــ نعمْ ! رأيتُ عروسَ البحر

مرّةً يقول…حُوريّةَ البحر

ــ نعمْ ! رأيتُها / لَقِيتُهَا / مَسَكْتُهَا

لَنْ تُخلِفَ مَوعدَها ليلةَ عُرسِهَا!

يَضْحَكُونَ كَعادَتِهم

يصِفُ لهُم هَمستَها…بَسمتَها

كأنّها أمامَهُ الآنَ… وهُنَا

ــــــــــــ القَلمُ الذّهَبيُّ

أهدتني زوجتِي قلمًا ذَهبيًّا فقلتُ :

قلمُ واللّسانُ ذَهـبْ * ذكرياتِي بتِبْرٍ كَتَـــــــــــــبْ

أينُ منهُ يَراعُ الصِّـبَا * كمْ بَريْتُ دَقيقَ القَــــصـبْ

و رَسَمتُ الحُروفَ على * لوحةٍ مِنْ صَقِيلِ الخَشَبْ

و دواةٍ كَلَيْلٍ سَجَـــى * لونُها البحرُ فِيهِا اِنْسَـــكبْ

و مِنَ الطّينِ قَوَّرتُهَا * حِبْرُهَا سَاطعٌ كالشُّـــــــهُبْ

تَحتَ قِنديل زَيتٍ بَدَا * راقصًا فِي ضِياءِ اللّهَـــــبْ

و دُخانُ الشَّذى عَبِقٌ * مَائِسٌ طيفُهُ كاَلْخَبَـــــــبْ

فِي الشّتاءِ أنيسٌ لنَا * بِخَيالِ حَكايَا العَــجَـــــــبْ

سَنَواتٌ مَضَى عَهدُهَا * مَا ألذَّ دِثَارَ الكُــــتُـــــــبْ

لمْ نَجِدْ فِي الصِّبَا غيرَهُ * فَلبِــــسْــــنَا ردَاءَ الأدَبْ

و بِرغْمِ البِلَى لا نُبَدِّلهُ * لوْ بِأعْلَــــى الرُّتَــــــــبْ

و مَدَى العُمرِ نَذْكُرُهُ * فَلقَــــدْ كانَ أوَّلَ حُــــــبْ

ـــــــــــــ عَروسُ البَحـرِ

إنْ سادَ اللّيل وأسودُه لاَ بُــدَّ اَلشَّــمْسُ تُــبَــــــدِّدُهُ

وتُــنيرُ اَلْـكَـوْنَ أَشِـعُّـتُـها ويَـــجِيءُ اَلْفَــجْـرُ يُجَــدِّدُهُ

فَـتَرَى للأرْضِ وَ قَدْ لَاحَتْ حُـسْـنًـا بِالــنُّـورِتُــنَـضِّـدُهُ

فِي لَوْحاتٍ هِـيَ آيـــاتٌ إِبْــداعُ الـلَّـــهِ تُمــــجِّــــدُهُ

بِــلِسَانِ الطّيْرِ شَــدَا سَحَـرًا سِـرْبًا سِرْبًا يَـتَـهَـجَّـدُهُ

نَــغَمًا وَكَهَمْسِ اَلْبحرِ سَجَا مَا أَرْوَعَ مَـوْجًا هَــدْهَــدَهُ

حُلْمُ الأشواقِ وَقَدْ سَرَحَتْ كَــمْ بَـاتَ اللّيلُ يُــقَيِّـدُهُ

*

وَتُطِلُّ عَرُوسُ البَحْرِ ضُحَى بِـتَمَامِ الحُسْنِ تُجَسِّـدُهُ

سُبْحَانَ اللَّهِ إِذَا أَبْــدَتْ مَــــيَّـاسَ اَلْــقَــدِّ تُـــــؤَوِّدُهُ

فِي ذَاكَ الشَّطِّ وَقَدْ خَطَرَتْ وَالـثَّغْـرُ تـَـبَسَّمَ مَوْرِدُهُ

والشَّـعْرُ تُـعابِــثـُـهُ غَـَنَـجَا طـَــوْرَا يَـْنـحَلُّ فَــتَعْـقِدُهُ

تـَـرْنُـو بِـــجُـفونٍ حَالـمةٍ وَيْــلٌ لِلسَّـهْمِ تُــسَـــدِّدُهُ

نـَحْوَ اَلصَيَّادِ رَمَى شَبَكًا عَـجَبًا لِلصَّيْدِ تَـــــــــصَيَّدَهُ

لمَّا خَصَلاَتٌ قَدْ عَلِقَت مِنْهَا صَاحَتْ تَــتَـنَــــــــجَّدُهُ

لَبَّيْـكِ ! وغاصَ بلا وَجَل وَغِمَـارُ اَلْمَوْجِ يُـجَاهِــــــدُهُ

بِحَنَانٍ أَمْسكَ مِنْ يَدِهَا وَ اَلْجِـيدَ بِـرِفْــقٍ أَسْـــــنَدَهُ

لَكِنْ! تيار البحر عتا بِـهُـبُوبِ رِيـَـاحٍ أَبْــعَــــــــــدَهُ

حـَـتّى بَلَغَـا أَنْـأَى جُـــزُرٍ فـَأَقـــامَ اَلظِـلَّ ومَـــهَّـدَهُ

وَ أَفَاقَتْ مِنْ رَوْعِ فَرَأَتْ لِـفَـتَاهَا وَجْـهَا تَــعْـهَـــــدُهُ

كلُّ الدُّنيا صارتْ جَذْلَى لَـكَأنَّ ربــيـعًا تَشْــهَـــــدُهُ

فَـــهَفَا شَجرٌ و نَمَا ثَــمَرٌ مَـيّـَادُ اَلْغُصْنِ وَ أَمْـلَــــدُهُ

و النّخلُ تَهادَى في سَعَفٍ بِـاَلْعِذْقِ تَدَلَّى عَـــسْجَدُهُ

وَالزّرعُ تَـمَايَـلَ مُمْتَلِـئًا بِاَلْحَبِّ قَــريبٌ مَحْصَــــــدُهُ

وَبِسَاط العُشْبِ جَرَى مَرْحًا بِــزُهُورِ اَلْوَشْيِ تُـزَرِّدُهُ

حَتَّى الْبِيدُ اِخْضَرَّتْ لَهُمَا وَ يَــمَامُ اَلْأَيْــكِ يُــغَـــرِّدُهُ

إِثْـنَانِ وَمِنْ طَــيْرٍ شَــهَدَا وَ العُرْسُ اللّيلةَ مَـوعـدُهُ

وَ بِـوَافِرِ صَــيْدٍ أَمْــهَرَهَا وَكَـبَـــدْرٍ بَاتَـتْ تُـــسْــعِدُهُ

زَمَنا عـاشَا أحلَى حُـلُمٍ إِذْ طابَ اَلْعَيْشُ وَ أَرْغَـــدُه

*

وَ أَتَتْ يَومًا فَبَكَتْ أَسَــفًا لاَبُــــدَّ الدَّهـرُ يـُـنَــكِّـدُهُ

قالت: اليم يناديني فالـمَــرْءُ وَمـَا يَـتَــــــــعَـــوَّدُهُ

سَأَعُودُ قريبًا لا تَحْــــزَنْ لابُـــدَّ العَهْدَ نُــــجَـــدِّدُهُ

وَجَمَ الصَّيَّادُ وَ لَم يَنْبُسْ وهَــوَى صَرْحٌ قد شَــيَّـدَهُ

وَاِحْلَوْلَـكَتِ الدّنيَا حُــزْنًا وَبَـكَى في الـوَرْدِ تَـوَرُّدُهُ

وَمَضَتْ فِي الأَزرقِ سابحةً لحِقَ الصيُّادُ يُعَـــربدُهُ

يَا هذا البَحْرُ أَعِدْ إِلْـــفي فأجابَ بمَوج يُــــــزْبدُهُ

البَحرُ بِـــمَا فيه مُــلْـكِي فَالـلُّـؤْلُـؤُ لِي وَ زَبَرْجَـدُهُ

وَاَلْحُورِيَّـاتُ حَرِيمٌ لِــي مَا مِنْ أَحَدٍ يَـتَـقَــــصَّدُهُ

فإذَا رَعْـدٌ وَ إِذا بـَــرْقٌ وَكلابُ البحرِ تُـــــطَارِدُهُ

إِيَّــاكَ إذنْ يــومًا مِـــنِّي وَتَـعَالَى اَلْمَـوْجُ يُـصعِّـدُهُ

قَـفَـزَ الصّـــيّادُ على لَـوْح وَ سَــوادُ اللّيلِ يُــغَـمِّدُهُ

حتَّى أَلْـقَـاهُ اَلْمَوْجُ عَــلَى جُـلْمُودِ الـصَّخْرِ يُوَسِّـدُهُ

وَإِذَا اَلْجُلْمُودُ جَرَى دَمْـــعًا لـصدى بـــيت قد ردّدهُ

يَا لَــيْلُ الصَّبُّ مَتَى غَدُهُ أَقِـيَـامُ اَلسَّاعَـةِ مَــوْعِـدُهُ ؟

ــــــــــــــ الجَناح

قَفصٌ…هُنا / عُصفورُ الشَّمال

شِباكٌ…هُناكَ / عُصفُورةُ الجنُوب

زقزقَ/ زقزقَتْ

رفرفَ/ رَفرفَتْ

تناثرتْ ريشةٌ هنا / تطايرتْ ريشةٌ هناكَ

الرّيشتانِ راحَتَا على حَفيفِ الرّياحْ…

عندما طلع الصّباحْ

رَأَوْهُمَا إِلْفيْنِ

يُرفرفَانِ فِي نفسِ الجناحْ !

ــــــــــــــ المَدينةُ الجَديدةُ

حَسنًا…هَا أنّكَ قد وصلتَ إليها

الآن…

ليسَ لديك ما تخشَى عليه في زُحامِها

جـيْــــبُ اليمينِ… خَواء

جيبُ اليسارِ… خَلاء

لا أحبّةٌ… لا أصدقاء

ما فِي جِيبِ الصّدر

إلاّ قلمٌ…

إذنْ…

…اِسْحبْهُ

واُكتُبْ ما رأيتَ في مَنامكَ البارحةَ

فلَمَسْتَ كالحِبْرِ الأحمر السّاخِنِ

يَقطُرُ على الوَرقةِ…

ــــــــــــ رَجُــلُ الأمـطَار

رَجُلٌ تَحْتَ زَخّاتِ المَطر

يَسيرُ بأناةٍ و ثباتٍ

تَوقّفَ المطرُ

الشّمسُ اِنجَلتْ

أَحَدُ المارّةِ كالنّاصِح :

ــ يَا سيّدي…أَيَا سيّدي !

الجوُّ صَحَا….اِطْوِ مِظلّتَكَ

ما عاد مطرٌ !

وهو يَسير :

ــ اُنظرْ في الأُفق… فالسّحاب قادمٌ !

ـــــــــــــ أمام المرآة

تُكحّلُ حوّاءُ عينيْها

كلَّ صَباح :

كيْ ترى كاملَ اليومِِ الصُّورَ البطيئةَ

لأحلامِ البارحةِ !

تَطْلي شَفتيْها :

كيْ تَتذكّرَ في كلّ كلمةٍ تقولُها مَذاقَ التفّاحةِ !

تَنثرُ الوردَ على وجنتيْها

مَرّةً…مرّةً أخرى

تَقتربُ مِنَ المِرآةِ

تَقتنِعُ أنّها مَا تزالُ في الجنّةِ

و تَطمَئنُّ

أنّ آدمَ إذا فتح عينيْه ورآها

لا يَرى الدّنيا…

ـــــــــــــــ حُــلـمٌ

وردةٌ

حمراءُ

يانعةٌ

رَيَّانةٌ

قَطفتُها

أَفَقْتُ

وجدتُ كفّي

تَـقبِضُ

على الشّوكِ !

ــــــــــــــ الـعِـيـدُ

عيدُ الأضاحِي

عيدُ الأسْماكْ :

لا شِصٌّ

لا قَصَبَةٌ

لا صَيّادٌ ولا شِباكْ !

ـــــــــــــ مِنْ كتابِ الحَيوانِ

الزّرافةُ :

فِي سِنين القَحطِ

طالَ عُنُقُهَا

حتّى بلغَ أَعالي الشّجَرِ

الحمامةُ :

إلى إلفِهَا

طالَ شوقُهَا

نَمَا لهَا جَناحانِ

فطارتْ إلى الآفاقْ

لذلكَ قيّدُوا السّمكةَ

كَتمُوا أنفاسَها

فغاصَتْ في يَمِّ الأعْمَاقْ …

طالَ الطّريقُ على السُّلحفاةِ

يَطولُ أو لا يطولُ

سَتكونُ الأولَى في السِّباقْ …

ــــــــــــــ اللّذُونَ

ما سَارُوا يومًا بِلاَ حِذاءٍ

فَمَا تَشقّقتْ أيديهِمْ في شِتاءٍ

أولئك الـلّذُونَ لا ينتظرُونَ سَاعاتٍ وسَاعاتٍ

فِي الطّرقاتِ والمَحطّاتِ

عاشُوا بينَ دِفءٍ وظلِ

بَينَ ياسَمينٍ وفلٍّ

مِنَ الولادةِ إلى المَمَاتِ

أُولئكَ هُمُ اللّذُونَ

لم يَعرفُوا لَحظةً

نَعيمَ الحياةِ !

ــــــــــــــ إن مع اليُسر يُسرا

ما جَدَعَ أنفَ أبِي الهَوْلِ

إلّا عَدَمُ اِنحنائهِ للرّيح

بلَى !

لوْ أنّه نَبَسَ بِبنتِ شَفةٍ واحدةٍ

لَتَدَاعَتِ الأهراماتُ

صَبرًا أيّها النّيلُ

صبرًا

لا تَفِضْ دمعًا !

 

ــــــــــــــ بِخُفَّـيْ حُنَيْـنٍ

 

جَميعُ ما أَعددتُه للسَّفرِ

ضاع منّي قبلَ بدءِ الرّحلةِ :

الرّاحلةُأَرْخيْتُ لها الزِّمامَ

راحتْ تاهَتْ وراء الكُثبان

الزّادُ أصابهُ الرّفيقْ

و بِرُمْحِهِ

سَدَّ الطّريقْ !

ـــــــــــــ خــطّ الوُصـول

مَـــــهلًا…مــــــهلًا…

مِنَ الحكمةِ أحيانًا

أن تَتساقطَ

أو تَكْبُوَ…

قبل خطِّ الوُصول بِخُطوتينِ

لا بأسَ

إنْ تَجاوزتْكَ الأحذيةُ الباليةُ

أو …حتّى داستْ عليكَ

سَتكونُ الفائزَ

في آخِر السّباق

ــــــــــــــ كـامِـيكازْ

بِجَنَاحَيْ فَراشةٍ

و بِشمعةٍ في اليدِ

دخل قلبَ العاصفةِ

ذاكَ رَمادُهُ

إذَا لَاحَ فِي الأفْقِ

قَوسُ قُزح !

ـــــــــــــــ الطّريقُ

لَا تَسِرْ أمامِي

ربّمِا…لا ألحَقُ بك

لَا تَسِرْ وَرائِي

ربّما…لا تلحَقُ بي

سِرْ بجانبي

كُن أنيسِي

فَالطّريقُ طويلةٌ !

يا صَديقِي

ـــــــــــــــ الـوداعُ

وَداعَـــــــا…وزِدْ للــوَداعِ وَداعَــا

فَحَتَّى الصّديقُ جَفاكَ و بَــــاعَـــا

فَويلُ الكَريمِ بِـقَومٍ وَوَيْـــــــــــلٌ

إذَا اللّؤمُ صارَ لَديهُمْ مُشـــاعَــا !

ـــــــــــــ رَحْمَة اَلْـوَالْـدِينْ

 

إلى أمّي مريم وبلغتها

 

اَلشَّــمْسْ قُــدَّامْ عِـيـنِـي طَـالْـعَـــهْ

بِالـــضَّوْ سَاطْـــعَـــــهْ

في لَحْظَةْ…غَابِــتْ…وَلِّــتْ غِيمَــــهْ

تْــوَحَّشْـتِـكْ يَا أُمِّيمَــهْ

مَحْلَاهَا في وَجْهِكْ تَبـْسِيمَهْ

آه…يا أُمِّيمَةْ

تْوَحَّشَّتْ رَنِّـــةْ كْلَامِــكْ

وَ نَغْمِـةْ سْلَامِــكْ

تْـوَحَّشْتْ حَـتَّى مْلَامِكْ

كِــــتْــقُولِـي : لَازِمْ تْجِي حَـتَّى طَـــلَّــهْ

خَـلِّــيــتْــلِــكْ منِ الْــفَالْ شْوَيـَّـة غَــلَّـــهْ

سَايِــسْ يَا وْلـِــيـدِي عْــلَى عْيـُونِـــكْ

اَلـلّهْ م اْلحُسّادْ رَبـّـي يْصُونِـــــكْ

وْيِــزِّيــكْ مِنِ اْلقَرَايـَــة دِيـــمَــهْ

سَـامْحِيـنِـي يَا أُمِّـيمَـهْ

يَـا أُمِّيمَـهْ سَامْحِـينِـي

لَاحَدْ بَعْدْ رْضَاكْ يِـسَلِّينِـي

ظَـنِّـيتْ اَلـزّْمَانْ بَاشْ يْطُولْ وِ وَاِتـينِـي

وِ نْـدَلَّـلِـكْ كِـيـمَا إِنْـتِ دَلِّـلْـتِـينِـى

يَـامَـا كُـنْتِ كْرِيـمَـــهْ

وْ عَارْفَهْ وْ فْهِـيمَهْ !

كْلَامِـكْ يَا أُمِّيمَةْ بَـعْد الِّي ريتُو

لـقِـيـتُو كُـلُّـو صْحِيـحْ

إِلِّـى قْـرِيـتُـو انْسِـيتُـو

إِلِّـي اِكْـِتــبْـتُـو اِمْـحِيـتُو

وَ أَوْرَاقِـي هَزَّهَا الرّيح

يَا مَا نْــزَيَّــنْ وِنْـحَلِّي

وْ نِـكْسِبْ وِ نْخَـلِّي

وْنْسَافِـرْ وِ نْــوَلِّـي

و يَامَا نـبْـنِـي وِنْـعَـلِّي

و يــطُـول الزَّمَانْ وِيطِـيحْ !

تْـوَحِّشْتِكْ يَا أُمِّيمَةْ

توَحِّشْتْ التَّايْ بِاَلنَّعْنَاعْ فِـي بَرَّادِكْ

وْلَـمِّـتْـنَا فِـي دَارْنَـا

معَ بَابا وَعْمَامْنَا وَخْوَالـْنَا

وَ لَـوْلَادْ الْـكُلْ أَوْلَادِكْ

يَا حَسْرَةْ عَلَى مِيعَادِكْ

زِيـنَــةِ النِّسْوَانْ… إِنْـــتِ

بِـيـنْ أَنْـدَادِكْ!

تَـوَحَّشْتْ حتَّى خْـلَالِــك و حْرَامِكْ

كِــتـْجِـيـنِى فَـاوْحَاتْ اَنْـسَامِكْ

يَا لــيـتْــنِـي مازلتْ نِـجري قُدّامِكْ

مرّة نسبِـقِـكْ…. مرّة نْحَاذِيكْ

و مَرّة انْـتَبــَّعْ خْطَاوِيكْ

خْطَاوِيكْ بِـاْلحنّة

وِ وَصّْلُو لِلْجَنّـة

فِي سَـفْسَاريك الأَبيـــضْ…أَبيــــضْ

أَبـيضْ مِنِ اْلفِــلَّة!

أُمّـيمَه يا غـاليـهْ

أُمّ الْـقَـــدّْ طْـويــلْ يا عَـالـــيهْ

مَــثَّـلْـتِـكْ بالدّالِـــــــيهْ

وَعْـنَاقِــيدْها رَاوِيــهْ

مَـثّلــتِكْ بِالنّــخْلَــة

وَعْــرَاجِينْهـَا بِالْمَـخْلَــهْ

مَــثّـلتك يَـاسْمِينــهْ

زاِهـــيـَـه في جْــِنـينَــهْ

زِيْــــتُــونــــــهْ

مــظَـلَّـلَــةْ

مَــصْـــــيـُــونــه

مثّــلتِـكْ تُـــفّاحَــــــه

مِـــتْــهِـنْيـَة مِــرْتَـــاحه

تِــــدْعِــيلي فِـي صْلاتِـــكْ

إِنتِ و بـَـــابـَــــا… طُــــولْ حْــيـَــاتِــــك!

الــلَّــهْ يَرْحَمِكْ واللَّهْ يَرْحَمْ بَــــابَـــا

طُولْ عُمْرَهْ قَايِمْ صَايِم

و كِـلْمْتَهْ مُهَابَــهْ

طُولْ عُمره يِخْدِمْ يِكْرِم

أهْـلَـهْ وَاصْحَابَــهْ

طُولْ عُمره نْـــظِـــيفْ عْـــــفِـــــيــفْ

مَـَـا ألْطَفْ جْـــوَابَــهْ

…وْ جَاهْ اْلمُنَادِي الضِّيفْ

فِي عِــزّْ الصِّيفْ

قالُّو: هـيـَّا…

واللَّــهْ يَرْحَمْ !

قالُّو: حَاضِرْ و تْـبَسِّمْ

وْطْـــوَى كْــتَابـَـــهْ

فِي نْهَارْ اَلجمْـعَـــهْ

و اْلمُؤَذّنْ طالِـــعْ للصُّمْعَـــهْ!

اللّـــــــهْ يـَــــــــرحَمكُمْ

وفي جَـــنّـــــــــــةِ الرّحمانْ ايـقَابِــلْــكُمْ

اللّــــــــــــهْ يـــــــرحــــــمكُمْ

مْـعَ كُـلْ أَذانْ في ليلْ وَ إِلاَّ نهارْ

مع الصّلاةْ على النَّبِي المُخْتارْ

بِـجَاهْ اْلواحِدْ الغفّارْ

اللّـــــــــــــــهْ يَـــرحَمْكمْ

في كُلْ وَرْقـَـه مِنِ الأشْجارْ

في كُلْ قَطْره مِنِ اْلاَبـْــحـاْر

في كُلْ رِيــشَه مِنِ الاَطْـيــَارْ

الــلّـــــــــــــهْ يـَـــرحَمكمْ

على عَــــدّْ السُّــــــوراتْ رَحـْــــــــــــــمَـاتْ

على عَـــــــدّْ الآيــــــــــــاتْ حَـسـْــــــــنَـــــــاتْ

و على عَــــــدّْ الْـــــكِـــلْــــمَــــاتْ دَعْــــــــــوَاتْ

الـلّــــــــــــــهْ يـَــــــــــرحمكُمْ

ويـَـــــرْحـَــــــمْ كُـــــلْ الــــــنّــــاسْ

على مَـهْمَا أَجْنـــــــــاسْ

إِلّـــي صَافِــيـتْـهُمْ و صَافُــــونِــي

أنا فِـــي قَــلْبِـي حَـطِّـــيــــتْـهُمْ…

و هُمْ فِـي عُـــيُـــونُـهُمْ حَطُّونِـي

اللّـــــهْ يَــــرحــــمْ حـــتَّـــى اِلّي ظَـلْمُـــوني

أمَّا إِلّي ظْــلَمْــتْــهُمْ

إِنْ شَاءْ الـلَّـــهْ يـْـــسَـــامْــــحُـــونِــــي !

 

ـــــــــــــ اَلْقَصِيدَةُ اَلْمُنَوَّرَةُ

أَيَــــا حَـــادِيَ اَلْعِيسِ أَبْلِغْ سـَــلَامِي

وَ عَــجِّـــلْ رَحِـيلا بِـــدُونِ مَــــــلَامِ

وَ وَدِّعْ ! فَـــقَدْ لَاحَ لَـفْــحُ اَلْفَيَافِـي

وَأَمْـــسِكْ بِعَـــزْم عِـــنـَانَ اَللِّجَــامِ

قُبَــيْلَ اَلْهَــوَاجِــرِ حـُثَّ اَلْمَــطَــايـَا

إِلَــــي اَلشَّـــرْقِ يَمِّمْ وَلَا مِنْ مَقَامِ

وَ حَــدِّثْ رُبُــوعَ اَلْحِجَازِ حَنِـيـنِــــي

وَ سِـــرْبَ اَلطُّيُورِ لِتَـشْــدُو هُـيَامِي

عَلَــى كُــلِّ وَادِي، إِلَي كُلِّ شِعْـــبٍ

وَ فـِـــي كـُـلِّ فَــجٍّ عَمِيقِ اَلْمَرَامِي

مَعَ اَلرّيحِ، رِيحِ اَلصّبَا وَاَلصّبَابَـــــاتِ

يـَـنْـسَابُ عِطْـرًا بِـزَهْرِ اَلْخُـزَامِـي

بِــنَـفْـــحٍ مِــنَ اَلْيَاسَمِـيـنِ وَ فُـــلِّ

كَمِثْلِ اَلشَّذَى ذَاكَ رَفْرِفْ غَرَامِـي

إِلَى نَخْلِ طِيبَةَ أَوْصِلْ شُــجُونِـــي

وَ أَنْـــزِلْ دُمُوعِـي كَمُزْنِ اَلْغَمَــامِ

عَلَــى رَوْضَةٍ مِـنْ رِيَاضِ اَلْجِنَانِ

تَـــرَاهَا تَـــحَلَّـتْ بِخَـيْــرِ اَلْأَنـَـامِ

*

هُنـَاكَ عَلَى بَابِهِ اَلْمُصْطَفَى قِـفْ

وَصَــلِّ وَ سَلِّـــمْ كَسَجْعِ اَلْحَمَـامِ

وَ قُــلْ : يَا نَبِيَّ اَلْهُدَى! قَدْ تَنَاءَتْ

ثَنَــايَا عَلَــى اَلْبُعْـدِ كُثْـرُ اَلزِّحَـامِ

فَــقَرِّبْ وَ يَــسِّرْ إِلَـــيَّ اَلسَّـبِيلَ

فُـؤَادِي مَشُوقٌ وَشَبَّ اِضْطِرَامِي

*

أَهِــيمُ مَـعَ اَلْلَّيْـلِ غَـارَتْ نُجُومِي

وَأَنْـــتَ اَلضِّيـَــاءُ تُجَلِّي ظَـلَامـي

وَ أَنْــتَ اَلصَّبَــاحُ، وَأَنْــتَ اَلْفَلَاحُ

رَمَـتْـنِي اَلرِّمَاحُ وَ لاَ مَنْ يُحَامِـي

وَ لا مِـنْ نَصِيرٍ لِإِسْنَادِ ظَـــهْـرِي

وَ لَا مِـنْ رَفِيـــقٍ يَشُدُّ حُسَامِـي

*

أَيَـا سَيِّدِي أَنْتَ رِفْدِي…أَغِـثْني

فَـأَنْــــتَ اَلْمَلَاذُ مَلَاذُ اَلْمُضَـامِ

وَ كُـلُّ اَلْجِـهَاتِ تَـنَـادَتْ عَلَــيَّ

تَـهَـاوَتْ رُكَامًـا وَ فَوْقَ اَلرُّكَـامِ

فَــسُـدٌّ أَمَـامِي وَ سُدٌّ وَرَائِــي

أَجُــرُّ خـُـطَـايَ كَـسِيـرًا وَ دَامِ

*

فَوَيْـحِي ! أَلَا بِـئـْسَهَا اَلْأُمْنِيَاتُ

إِذَا مَـا تَـدَاعَتْ كَمِثْـلِ اَلْحُطَامِ

لَكَمْ لِي تَرَاءَتْ كِسِرْبِ اَلظِّبَاءِ

وَكَمْ قَدْ رَمَيْتُ فَطَاشَتْ سِهَامِي

وَوَلَّــــتْ عَلَـيَّ نِــصَالًا نِصَـــالًا

وَ فـِـي اَلْفَلَوَاتِ تَلَاشتْ خِيَامِي

*

أَلَا لَـيْـتَـنِي فِي فِجَاجِ اَلْـبرَارِي

مَـكَثْتُ جَــرِيحًا كَمِـثْلِ اَلسّـوَامِ

وَ بَــيْنِ اَلذِّئَـابِ بَـقِيتُ طَرِيـحًا

بَـعِـيدًا عَـنِ اَلنَّـاسِ نَـاسِ اَلْلِّئـَامِ

لَـئِــنْ مُــتُّ يَوْمًا فَطُوبَى لِمَثْوَى

بِـــأَرْضِ اَلْخَــلَاءِ يُرِيـحُ عِظَامِي

كَفَى !قَدْ رَشَفْتُ اَلْحَيَاةَ كُؤُوسًـا

غَوَتْنِي بِسِـحْرٍ تـنَـاسَتْ فِطَامِي

*

لِخَـمْسِينَ عَامًا رَضَعْتُ هَوَاهَــا

أمَـنِّي خَلَاصِي وَ فِـي كُـلِّ عَـامِ

لَكَمْ هَدْهَـدَتْــنِي بِأَيْدِي اَلْحَرِيـرِ

وَ أَغْرَتْ بِـجَـامٍ عَلَى إِثْـرِ جَامِ

أَقُـولُ لِــنَـفْسي :وَدَاعًــا لِدُنْيـَا

وَ لَكِـنْ تَجِـيءُ بِأَشْهَــى مُـدَامِ

وَ تُــغْرِي بِشَهْدٍ وَ وَرْدٍ وَ وَعْــدٍ

أَرُدُّ أَصُـــدُّ تَــزِيـــدُ خِصَامِـي

تَـغِـيـبُ رُوَيْـدًا رُوَيْدًا وَ تَـمْضِي

بِـخَدِّ اَلدُّمُـــوع وَ تُبْدِي اِتِّهَامِـي

*

إِذَا هَـادَنَــتْـنِـي نَـهَارَا تَـهَـادَتْ

بِلَيْـلٍ وَ تَــغْزُو بِـخَيْـلٍ مَنَـامِي

فَوَيْـلِي لِجَيـْشٍ يَمُوجُ وَعَصْـفٍ

يـَهُـوجُ وَ زَحْفٍ مُخِيـفِ اَلْلِّطَامِ

فَـإِمَّـــا أَمُـوتُ بِقَصْـفٍ وَ إِمَّـا

بِحَـتْـفٍ وَ إِمَّا بِسَيْفِ اِبْـتِـسَامِ

*

هِيَ اَلْحُسْنُ فِي كُلِّ وَصْفٍ وَفَاقَتْ

بِلُطْفٍ وَ عُـنْفٍ وَهَـيْفِ اَلْقَـــــوَامِ

فَـسُـبْحَانَــهُ اَلـلَّـهُ لَمَّـــا بَــرَاهَـــا

فَمَــاءٌ وَ نَــارٌ هُمَا فِـي اِنْسِـــجَامِ

تَــجَـلَّتْ تَـحَـلَّتْ تَـدَنَّـتْ وَ رَنَّــــتْ:

إِلَــيَّ وَ هَـيَّــا ! أَمَــاطَتْ لِثـامِـــي

وَ هَمَّتْ ! هَمَمْتُ إِلَاهِي أَجِرْنِــــــي

حِمَاكَ ! وَ إِلَّا اِنْـفِرَاطُ اِعْتِصَـامِـــي

فَـــطَـوْرًا أَشُـدُّ قِـلَاعِـي بِـصَـبْــــرٍ

وَ طَـوْرًا أَلِينُ وَ أُرْخِي زِمَامِــــــي

فَوِزْرِي ثَـقِيلٌ / حِسَابِـي طَوِيـــــلٌ

وَ أَرْجـُو رَحِيمًا وَ أَنْدَى اَلْكِـــــــرَامِ

عَلى اَلْلَّهِ حَسْبِي وَ إِنِّي أُصَلِّــــــي

عَلَى اَلْمُصْطَفَى وَ هْوَ مِسْكُ اَلْخِتَامِ!