صديقي عبد المجيد يوسف وداعا

مقاربة لقصيدة ـ المقهى الأزرق ـ لعبد المجيد يوسف

  • عبد المجيد يوسف أديب تونسيّ من مواليد 26 جويلية سنة 1954. نشط في الحياة الثّقافيّة التّونسيّة منذ ان كان تلميذا وشارك في العديد من الأندية الأدبية والتّظاهرات الثّقافيّة. متخرّج من كلية الآداب بتونس بالأستاذيّة في الآداب العربيّة وتحصّل على الدّبلوم العالي للّغة والدّراسات الإيطاليّة ثمّ على دبلوم الدّراسات المعمّقة من كلية الآداب بسوسة. يكتب الشّعرو القصّة والرّواية ويهتمّ بنقد السّرد. ونشر عدّة قصص وقصائد ودراسات مترجمة من وإلى اللّغات العربية والفرنسية والإيطالية وأصدر أكثر من ثلاثين كتابا
    توفّي الفقيد يوم السبت 26 أوت 2023 ودفن في مدينة سوسة
    من إصداراته
    = “مقاربات نقديّة“. الناشر: دار سعيدان بسوسة، تونس 1994.
    = “أهداب النّخل” (دراسات عن القاص التونسي بشير خريف). الناشر: دار سيبويه بالمنستير، تونس 2008.
    = “زوايا معتمة” (قصص). الناشر: المجلس الثقافي الليبي، ودار قباء، مصر 2008.
    = “سحب آسنة” (مجموعة شعرية). الناشر: دار البراق، سورية، 2010
    = “وبعد“. مجموعة شعرية للشاعر الإيطالي جوزبي نابوليتانو. ترجمها عن الإيطالية. الناشر: دار البراق، سورية 2010.
    = “تراتيل الترحال” مجموعة شعرية للشاعرة راضية الشهايب نقلها إلى الفرنسية وترجمت للإيطالية وصدرت بنابولي 2010 عن دار لا ستنازا دل بويتا [بيت الشاعر].
    = = ترجمة من العربيّة إلى الفرنسيّة لديوان للشاعر السعودي رائد أنيس الجشي[7]، صدر في فرنسا عن دار هارماتن في بداية 2014.
    كتاب المواجيز ـ شعر
    رواية اللواجست ـ رواية المعصرة ـ
    Les nichons de ma mèreرواية
    المعراج والخيول ـ ديوان مشترك مع سُوف عبيد
    Oxyde de l’ameـ قصائد مترجمة للفرنسية لسُوف عبيد
    شارك في كتاب جماعي بعنوان “المسعدي مبدعا ومفكرا” الصادر عن بيت الحكمة بتونس بمقالة ـ من التخوم إلى الأعماق ـ حدث أبو هريرة ـ المسافر ـ
    ***.
    قراءة في قصيدة ـ المقهى الأزرق ـ لعبد المجيد يوسف
    وهذا نص القصيدة
    أخطأت النادلة
    فأحضرت لنا كأسيْــن
    كأنّ بها حــــــــوَلا
    نحن واحـــد متّحـــد، فكيف رأتنا اثنيْــن؟
    الطرف يأخذ بالطرف
    والنبض مشوب بالنّبض
    والعين تسيـــــــح في العين
    والجزء يذوب في الجزء… والصّوت صدى
    روحان في جسد… جسدٌ في روحيْــــن
    واليوم أعود إلى ذات المقهى
    وأنا غير أنا
    مختلف… منشطر وكسير
    أجلس في ذات الرّكن
    قمرا متهرئا وقديم
    تقف النادلة
    ثمّ تولّي مدبرة حيرى
    تبحث في السلّة عن شيء يشبهني
    كوب مشطور نصفــــــين
    ***
    بأسلوب جديد مبتكر نقرأ – المقهى الأزرق – لعبد المجيد يوسف الّذي نهج فيه أسلوب السّرد لكأنّه ينقل لنا خبرا أو يصف واقعة بعيدا كلّ البعد عن معجم الشّوق وما قاربه من سِجلاّت الحبّ والشّجون حيث نقل لنا حالتين أو واقعتين
    تتمثّل الأولى في جلوسه مع الحبيبة في ركن مقهى وهما في حالة اِنسجام تامّ ثمّ صوّر لنا جلوسه في نفس المكان وحيدا مشتاقا إلى ذكرى الجلسة الأولى وقد بدأ القصيدة قائلا:أخطأت النادلة
    فأحضرت لنا كأسيْــن
    كأنّ بها حــــــــوَلاغير أنّ القصيدة تنزاح انزياحا غريبا عندما نعلم أنّ الشّاعر كان من الاِنسجام والتآلف والتّوحّد مع حبيبته حتّى صار – وهما الإثنان – واحدا:
    نحن واحـــد متّحـــد، فكيف رأتنا اثنيْــن؟الطّرف يأخذ بالطّرف
    والنّبض مشوب بالنّبض
    والعين تسيـــــــح في العين
    والجزء يذوب في الجزء… والصّوت صدى
    روحان في جسد… جسدٌ في روحيْــــنلذلك تعجّب الشّاعر من النّادلة عندما أحضرت لهما كأسين إثنتين! وهنا يكمن الوقع الشّديد في التّعبير بالصّورة والرّمز عن قوّة الاِنصهار بين الحبيبن كقول بِشَارة الخُوري:لو مرّ سيف بيننا لم نكن * نعلمُ هل أجرى دمى أم دمَكْثمّ تعجّب الشّاعر ثانيةً عندما عاد مرّة أخرى وحده في حالة نفسيّة متدهوة عبّر عنها بصورة القمر المهترئ القديم وبتعجّب النّادلة الّتي عوض أن تُقدّم إليه كأسا فإنّها سارعت حيرى تبحث عن كوب مشطور إلى نصفين رمزا للفراق أو كناية عن البُعد بينه وبين حبيبته:تقف النّادلة
    ثمّ تُولّي مدبرة حيرى
    تبحث في السلّة عن شيء يشبهني
    كوب مشطور نصفــــــيْن.فالقصيدة اِتّخذت من السّرد والرّمز والمفاجأة عناصر أساسيّة للتّعبير عن الحالة النّفسيّة للشّاعر في حالتيْ الاِئتلاف والِاختلاف مع حبيبته وقد ركّز على حضور النّادلة وتصرفها العجيب في المناسبة الأولى والثّانية وفي كلّ مرّة يكون ردّ فعلها عاكسا لوجدان الشّاعر
    ***
    وللأزرق القصيدة أبعاد عديدة دالة على الحالة النفسية للشاعر فاللون الأزرق يوحي من حيث التحليل النفسي بالراحة والصفاء والهدوء والسكينة وهذا يتمثل في القسم الأوّل من القصيدة ويوحي اللون الأزرق كذلك في المخيال العام بالحزن والتجهّم وحتى بالشدّة والبأس كقولنا في تونس ـ نهار أزرق وشيبة زرقاء… وكقول امرئ القيسأيقتلني والمشرفيُّ مُضاجعي * ومسنونة زُرقٌ كأنياب أغوالفهذا البعد القاتم للأزرق يمثّل الخلفية للقسم الثاني من القصيدة
    أمّا ـ الحَوَل ـ الذي كأنّ الشاعر  رآه  لدى النّادلة فإنّه يعبّر عن التداخل والاِنصهار الذي شعر به بينه وبين حبيبته في تلك الجلسة الأولى حتّى لكأنّهما صارا شخصا واحدا في ذلك المقهى الأزرقومن دلالات اللّون الأزرق تعبيره عن الرفعة والسّموّ وهو اللون الملكيّ أيضا لكان الشاعر وحبيبته كان يجلسان على عرش الوئام والانسجام….

    يمكن أن نعتبر القصيدة إذن إنجازا شعريّا جديد بما فيها من إضافة وبحث وأبعاد مبتكرة

    بين هذه القصيدة وقصيدة ـ أكواريوم ـ وشائج قربى تتمثل خاصة في حضور   اللون الأزرق وكذلك في اللقاء في المقهى الأزرق بين العاشقين

    • لمّا رأيتك آخر مرّة في المقهى الأزرق
    • بفستانك الأزرق العميق
    • الموشّى الأطراف بالزّبد
    • ووشاحك الرّمليّ المتروك
    • على ذراع الكرسي
    • بخاتمك المرصّع بالياقوت
    • والأيقونة المتراقصة في البرزخ
    • قلت يا الله، ما هذا الأكواريوم!
    • وعدت إلى غرفتي
    • أقلب موسوعة علوم البحار 
    • وأفتّش في الدّواوين
    • ثمّ أغرق في صمت ممتـــــــدّ
    • مثل بحر حبيس
    • هي قصيدة تقوم على المشهديّة الّتي تتوالى فيها عناصر صغيرة قائمة على الأزرق فتشكّل لوحة اِنسيابيّة بما فيها من إيحاءات وشفافيّة فاللّون الأزرق يحيل على العمق والسموّ والصّفاء بداية من اِسم المقهى الأزرق الّذي يحتمل أن يكون أزرق العناصر الّتي فيه أيضا والأزرق غالب على الحسناء الّتي ترتدي فستانا فكأنّها بحر عميق يوشّيها الزّبد وتطرّزها رمال الشّاطئ ويزيدها خاتم الياقوت سحرا على سحر في هدوء وسكينة وشفافيّة يوحي بذلك تشبيهها بالأكواريومهي حسناء فريدة فلا الموسوعات البحريّة تحدّثت عنها ولا القصائد الشعريّة وصفتها كأنّها كائن خارق للعادة في النّساء بين عروس بحر وحواءويبقى الشّاعر في حالة من الذّهول والاِنبهار بما رأى من تلك الصّفات كحال جزر البحر ينتظر المدّ ليستعيد حركته الأزليّة فلن يعود الأزرق إلى البحر وإلى السّماء إلاّ باللّقاء لقاء الشّاعر بتلك الحسناءهذا قصيد يرشّح بمرهف الأحاسيس وقد عبّر عنها بإيحاءات فنّ الرّسم ممّا يجعل القصيدة لوحة يمكن أن نستشفّ فيها المرحلة الزّرقاء لبيكاسو وبعض لوحات الرسّام التّونسي علي بن سالم أيضا وهذا يؤكّد لنا التنوّع المعرفي للشّاعر ونهله من شتّى الفنون ناهيك عن ملامسته الخفيّة لبعض قصائد طاغورإنّها قصيدة متميّزة ترنو إلى آفاقها العالميّة.
    سوف عبيد ـ الضفة الثالثة ـ ص 145
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
  • قراءة في قصيدة المتجمهر
  • المتجمهر
  • في هذا اليوم الثّاني عشر من يناير
  • حيث يمنع التّجمهر لأكثر من ثلاثة أشباح
  • أوقفني العسكر في أحد شوارع تونس
  • وقد كنت أسير وحيدا
  • لقد كانوا على حقّ
  • فإذ فتّشوا معطفي وجدوا أنّني متجمهر
  • كان فيَّ الطّفل الّذي كنتُ
  • والشّبح الّذي أنا
  • ورجل حرّ أريد أن أكونه
  • وطيف حبيبتي
  • أوقفوني
  • وعنّ لهم أن فتّشوا معطفي ثانية
  • لعلّ عدُوّا جديدا به يختبئ
  • آوت فعالإلى ركنها في الدّماغ
  • وكتّمت الدّمعة الخائفة
  • وخبّـأ صنوي هامته بالجريدة
  • وفي الرّكن انزوى الطّفل منّيَ
  • وثبّت رُكبته الرّاجفة
  • …..
  • وجدوا أنّني مُفرد
  • أطلقوني
  • ظهرت منذ وقائع الثّورة التّونسيّة عشرات بل مئات القصائد وعدد كبير من الدّواوين تلك الّتي أنشئت بالمناسبة وتنوّعت أشكالها الفنّيّة من عموديّة إلى قصائد تفعيلة وقصائد نثر ومطوّلات إلى قصائد ومضة أيضا ومن فصيحة إلى عامّيّة وحتّى باللّغة الفرنسيّة ولئن كانت الأشعار فيها تحوم حول مواضيع الثّورة وما جاورها فإنّ النّفس الحماسيّ ظلّ هو الصّوت الأعلى فيها ولعلّ المعاني المباشرة كانت على حساب الفنّ في الكثير منها وهذا من سمة الشّعر الّذي يقال في مثل هذه المناسبات الحماسيّة التّاريخيّة في أغلب الأحيانمن بين تلك القصائد الّتي قيلت قصيدة الأديب والشّاعر عبد المجيد يوسف ـ المُتجمهر ـ الّتي يمكن اعتبارها من النّصوص الشّعريّة الخارجة عن سرب ذلك الشّعر بما فيها من بحث وطرافة وإيحاء فهي تعتمد على السّرد حينا وعلى المشهد والحركة حينا وعلى الاِستبطان والإشارة حينا آخر لتشير إلى المناخ الّذي ساد قبل يوم الرّابع عشر من جانفي وكيف كان الشّاعر ـ مثل غيره ـ يجد نفسه في الشّارع عرضة لحملات التّفتيش والتّرهيب فيصوّر كوابيس حالته النّفسيّة ومعاناته ومطلقا العنان لشجونه ولخفايا شخصيتهقصيدة أعتبرها بما فيها من صدق وبحث تؤشّر إلى ابتكارات الشّعر الجديد الّذي نتمنّى أن يكون إضافة أخرى إلى المنجزات الشّعريّة السّابقة في تاريخ الشّعر العربيّ الزّاخر
  • ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
  • قراءة في قصيدة أكواريو
  • لمّا رأيتك آخر مرّة في المقهى الأزرق
  • بفستانك الأزرق العميق
  • الموشّى الأطراف بالزّبد
  • ووشاحك الرّمليّ المتروك
  • على ذراع الكرسي
  • بخاتمك المرصّع بالياقوت
  • والأيقونة المتراقصة في البرزخ
  • قلت يا الله، ما هذا الأكواريوم!
  • وعدت إلى غرفتي
  • أقلب موسوعة علوم البحار 
  • وأفتّش في الدّواوين
  • ثمّ أغرق في صمت ممتـــــــدّ
  • مثل بحر حبيس
  • هي قصيدة تقوم على المشهديّة الّتي تتوالى فيها عناصر صغيرة قائمة على الأزرق فتشكّل لوحة اِنسيابيّة بما فيها من إيحاءات وشفافيّة فاللّون الأزرق يحيل على العمق والسموّ والصّفاء بداية من اِسم المقهى الأزرق الّذي يحتمل أن يكون أزرق العناصر الّتي فيه أيضا والأزرق غالب على الحسناء الّتي ترتدي فستانا فكأنّها بحر عميق يوشّيها الزّبد وتطرّزها رمال الشّاطئ ويزيدها خاتم الياقوت سحرا على سحر في هدوء وسكينة وشفافيّة يوحي بذلك تشبيهها بالأكواريومهي حسناء فريدة فلا الموسوعات البحريّة تحدّثت عنها ولا القصائد الشعريّة وصفتها كأنّها كائن خارق للعادة في النّساء بين عروس بحر وحواءويبقى الشّاعر في حالة من الذّهول والاِنبهار بما رأى من تلك الصّفات كحال جزر البحر ينتظر المدّ ليستعيد حركته الأزليّة فلن يعود الأزرق إلى البحر وإلى السّماء إلاّ باللّقاء لقاء الشّاعر بتلك الحسناءهذا قصيد يرشّح بمرهف الأحاسيس وقد عبّر عنها بإيحاءات فنّ الرّسم ممّا يجعل القصيدة لوحة يمكن أن نستشفّ فيها المرحلة الزّرقاء لبيكاسو وبعض لوحات الرسّام التّونسي علي بن سالم أيضا وهذا يؤكّد لنا التنوّع المعرفي للشّاعر ونهله من شتّى الفنون ناهيك عن ملامسته الخفيّة لبعض قصائد طاغورإنّها قصيدة متميّزة ترنو إلى آفاقها العالميّة.
  • ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
  • موقع الانطولوجيا ـ الأحد 27 أوت 2023
  • عبدالمجيد يوسف الأخذ عند ابن الأثير
  •  تاريخ الإنشاءالأحد في 10:42 مساء
  • أمّا ابن الأثير فقد اهتمّ في المثل السّائر بآليات توليد الأدبيّة في النّصوص ووضع لذلك تصوّرات عدّة، وميّز بين المُبتدِع والمُسترِق. والمُلفت لديه أنّه أدرج في إطار الابتداع قسما يعود فيه صاحبه إلى النّاجز من النّصوص (وأرفعها في نظره القرآن ) للأخذ منها و تحويل سياقاتها. و من هذه السّبل المولّدة للأدبيّة التّضمين الذي هو عنده ضربان : الأوّل هو ما عناه ابن منظور و عناه غيره من الترابط بين البيتين و الثاني هو أن يُضمّن الشّاعرُ شعرَه و النّاثرُ نثره كلامًا لغيره قصد الاستعانة على إتمام المراد و تأكيد معناه، ولو لم يذكر ذلك التّضمين لكان المعنى صحيحا لا يحتاج إلى إتمام” .
    فالملاحظ عند ابن الأثير هو إشارته إلى استجلاب نصّ غائب قصد إيداعه في نصّ ماثل أو لاحق ولم يعتن بالكيفيّة التي يقع بها الإيداع و لا بطبيعة النّصّ المجلوب، لكنّه اعتنى بوجوهٍ من مُمارسة التّعالق بين النّصوص ليست بارزة عند غيره، فهو قد تجاوز جنس الشّعر إلى النّثر وهو ما يقرّب الظّاهرة من الإطلاق دون التّقيّد بالنّظْم كما هو الأمر لدى أصحاب الموازنات والنّقّاد البلاغيّين ممّا ينمّ عن مفهوم موسّع للأدب يشمل الأجناس النّثريّة التي يَلحقها ما يلحق النّظم من أساليب التّنميق والصّنعة…. ويستخلص من الشّاهد أيضا اهتمامُ ابن الأثير بالتّضمين باعتباره فِعلَ كتابة يتحسّس المُنشِئُ بمقتضاه نصيبَ ما كتب من الأدبيّة ويطمح إلى تجاوز الحاصل من ذلك فيستعين بمُنجَز غيره. فمن ناحية تبدو عمليّة التّضمين ناتجة عن فِعلٍ تقييميّ واع بالعمل الذّاتيّ وليس طفرة من طفرات الذّاكرة المتسرّبة من المقروء إلى المكتوب، ومن ناحية ثانية لا يبدو من قول ابن الأثير أيّ تقييم أخلاقيّ مناهض للعمليّة، فالتّنافذ بين النّصوص وأخذُ بعضها عن بعض عملٌ مشروع بل مستحبّ عنده ومنصوح به. ويُستنتج من مَثَلٍ ضربه وتمثيلٍ مَثَّله بنفسه من استشهاده بالقرآن في مكاتباته واقتباسه منه أنّ الكاتب يعمد إلى أمّهات النّصوص المشهود برفعتها وقيمتها البلاغيّة فيستعين بها على الإنشاء. ومن ناحية ثالثة يبيّن منزلة النّصّ المُضمّن وحدودَ اشتغاله وغايته، فهو عمل زائد عن حاجة التّبليغ، فائض على مرتبة المعنى، أيْ عن مرتبة القول الصّحيح، يطلب به المُضمِّن ما يتجاوز هذه المرتبة إلى ما فوقها وهو مرتبة القول البليغ. ولعلّ الشّاهد يسوّغ لنا القولَ بأنّ ابن الأثير يجعل التّضمين الوسيلة الوحيدة لبلوغ القولِ هذه المرتبةَ العليا من البلاغة أو ما نسمّيه اليوم بالأدبيّة مثلما يتجلّى وعيُه بوجود مرتبتيْن للكلام الأدبيّ: ما يحصُل بالإنشاء المجرّد المنسوب إلى المُنشئ وما يحصُل بتضمين المُنشئ قولـَه شيئا من نصوص مشهود بمنزلتها الرّفيعة.
    ولعلّ المعالجة الضّافية والتّناول الواسع للظّاهرة المدروسة هو ما نجده في كتاب العمدة لابن رشيق القيروانيّ حيث أفرد للتّضمين بابا خاصّا ولم يدرسه ضمن السّرقات بل أقصاه منها صراحة. والسّبب فيه أنّ التّضمين عنده معلَن صاحبُه، منسوبٌ إلى كاتبه وأنّه يؤخذ على علاّته دون تصرّف. فالتّضمين عنده مرادف للشّاهد. فتصرّفات المُضمِّن لا تمسّ البنية التّركيبيّة للنّصّ الوافد إلاّ بالاجتزاء كتضمين قسيم من بيت، أو تقديم وتأخير كتقديم العجز على الصّدر. أمّا التّصرّف الأوسع فهو في تحويل السّياق، كنقل البيت من الهجاء إلى الغزل أو من الغزل إلى الهجاء الماجن .
    فهذا شكل من التّضمين لا يتجاوز مفهومه عمليّة الإيداع والاحتواء أيْ أنّه يتوقّف في حدود المدلول المباشر للّفظ ولا يرقى إلى مستوى اصطلاحيّ، وعلى هذا فإنّ التّضمين عند ابن رشيق لا يدخل تحت طائلة المصادرة القائلة بأنّه ملفوظ غير معلن مزروع في ملفوظ آخر.
    لكنّ ما يدخل تحت طائلة هذه المصادرة بدرجة واضحة هو ما أثبته أبن رشيق في العمدة في باب السّرقات ونسبَه إلى أستاذه عبد الكريم النّهشلي تعريفٌ للسّرق مطابقٌ لما نقصده اليوم اصطلاحا بالتّضمين فقال: “قالوا: السّرق في الشّعر ما نُقل معناه دون لفظه و أُبْعِدَ في أخذه فالتّعالق الذي ندعوه تضمينا و عيّنه النهشلي و ابن رشيق بالسّرق ممارسة تتعلّق بالبُنى الدّلاليّة دون اللّفظيّة، وهو أمر يجعلها أقرب إلى النّقد الفيلولوجيّ منه إلى اهتمامات فرع من البلاغة هو
  • ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • من ذكريات عبد المجيد يوسف
  • ـ بقلمه ـ
  • اجتزت امتحان الباكالوريا دورة 1975 بشعبة الآداب بمعهد خزندار(باردو) تلك القلعة المهيبة التي كان ينبغي أن تعد من التراث وتحفظ من التغيير، لكنها اليوم في وضع سيء جدا بفعل وزارة التربية وسوء تقييمها للموروث . وكانت الاختبارات تنجز جميعها في يومين ونصف صباحا ومساء بدون يومين راحة للمترشحين. وكان الحصول على خمسة من عشرين في أي مادة من المواد عددا مقصيا Note éliminatoire أيا كانت المادة رئيسية أم ثانويةفإذا حصلتَ على عشرة من عشرين في الاختبارات الكتابيّة فإنّ الاختبارات الشّفهية تنتظرك وهي تهم ّ اللغة الفرنسية والتفكير الإسلامي والجغرافيافإذا أخفقت في الشفاهي اعتبرتَ من غير الناجحين. وكانت كلّ المواد كالتاريخ والجغرافيا والفلسفةتدرّس بالفرنسية ما عدا العربية طبعا والتّفكير الإسلامي.
  • ومن الطرائف التي حصلت في اختبارات الكتابي أن إدارة المعهد فتحت لنا المبيتات لقسط من الراحة بين اختبارات الصباح واختبارت ما بعد الظهر. بعد حصة الراحة جاء القيم فأمرنا بالتوجه إلى القاعاتوذهب في حال سبيله. لكن أحد المترشحين ظل نائما لم يبلغه النداء وغفل الزملاء عنهفالتحق بالقاعة بعد نصف ساعة يفرك عينيهوكاد مدير مركز الامتحان يرفضهولم يقبله إلا بعد أن بكى وتوسّل.
  • أذكر أن نص الامتحان في مادة التاريخ كان مختزلا وشديد التّركيز:
  • Atatürk a-t-il révolutionné la Turquie ?
  • من الطرائف أن تلك السنة هي الأولى التي يحدث بها تسريب لمواد الامتحان. بعد أسبوع من اجراء الامتحان أعلمونا أنه علينا إعادة جميع الاختباراتوأوقف من أوقف وحرم من حرم من اجتياز الامتحان لمدة خمس سنواتكان ذلك نوعا من التصفية التي لم يصمد أمامها إلا المترشحون المتمكّنون.
  • وأذكر حادثة طريفة أخرى في امتحانات الشفاهي التي جرت بمعهد مونفلوري
  • كان الاتحاد السوفياتي ضمن برامج الجغرافيا … وتقدّمت مترشحة جميلة أنيقة من الأستاذ الممتحن فسألها:
  • Parlez-moi de l’Amour
  • ظنت المسكينة أن الأستاذ يعاكسها أو أنه يهذي…. فارتبكت وذهلت ذهولاولمّا شاهد ارتباكها قال (بالفرنسية) حدثيني عن منبعه ومصبّه والأراضي التي يخترقها ومنسوبه وكيفية استغلاله في الزّراعةلكن البنت لم تفهم شيئاونسيت النهر العظيم الذي منبعه في مونغوليا ومصبّه في بحر أوخوتسك ويفصل بين روسيا والصينفكان نصيبها صفرا في الجغرافياوصار عليها أن تعيد السنة حتى ولو حصلت على أفضل الدرجات في بقية المواد
  • ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
  • القطار الذي فات
  • ، موقع أنباء تونس ـ محمد رضا الكافي
  • في 12 ديسمبر2020
  • يواصل الشاعر والكاتب سوف عبيد نشر سلسلة مقالات سيرته الذاتية وهو في هذا المقال الخامس عشر يروي بعض صداقاته الأدبية و من بين أصدقائه الشاعر الحبيب الزناد والقصاص والناقد عبد المجيد يوسف.
  • بقلم سُوف عبيد
  • 1-
  • ذاتَ عَصر من يوم ربيعيّ منْ تلك الأيّام العاصفة التي تَستثني نسائمَه اللطيفةَ، هو يوم في بعض أيّام الرّبيع كأنّه من بقايا عنفوان الشّتاء، اِلتقينا نحن الثلاثةَ ـ عبد المجيد يوسف والحبيب الزنّاد وأنا ـ أمام المسرح بشارع الحبيب بورقيبة بتونس العاصمة على أمل أن نجدَ خيمة منتصبةً هناك خاصةً بمعرض الكتاب وعلى أمل أن تنتظم فيها أمسيّة شعريّة فكم كنّا مبتهجين بتلك المبادرة التي هبّ إليها الشّاعر الحبيب الزناد من المنستير بمجرّد دعوة عبر الهاتف وجاء يسعى إليها الأديب عبد المجيد يوسف من سوسة أما أنا فقد ركبت القطار من ضاحية رادس واِخترت اللّقاء بهما وببقيّة الشّعراء بَدل أن أحضر بُروتُوكلات الاِفتتاح في قصر المعرض.
  • ـ 2 ـ
  • اِلتقينا أمام المسرح واِبتهجنا عندما قابلتنا الخيمةُ البيضاء الكبيرة ولكن ما لبثنا برهة حتى وصلت إلينا مع صَولات الرّياح العاتية أصوات الموسيقى الصّاخبة فقلنا لعل ذلك من دواعي الاِحتفال واِستجلاب الذين يريدون متابعة الأمسية الشعرية ثمّ اِقتربنا من الخيمة فلمْ نر أحدا من المثقّفينْ ولا أحدا من الوزارة أو الإداريينْ فبقينا واجمينْ حتّى جاءنا الخبر اليقينْ عبر الهاتف أنّ الخيمة قد ضُربتْ أوتادُها ورُفعتْ أطنابُها عند آخر الشّارع بعد السّاحةِ الكبرى والسّاعةِ المُنتصبة في وسطها فاِتّجهنا نَمرُق الرّيح بعزم حاثّين الخُطى كي لا نصل عن موعد اِنطلاق الأمسية متأخّرين، خاصّة وأنّ الصّديق عبد المجيد يوسف هو الذي أوكِل إليه تقديمُ الشّعراء وقد اِستبشرنا عندما لاحت لنا الخيمة البيضاء مُنتصبة ولكن أصِبنا بشيء من التعجّب عندما لم نرَ أيّ شخص أو أيّ حركة من حولها فقُلنا لعل الأمسية قد بدأت وحضرت الجماعة ودخلت قبلنا والجميع فيها ما بين مُنشِدين للشّعر ومُستمعين فدلفنا إلى الخيمة وَجِلينَ، ويا خيبةَ المَسعى عندما قابلتنا الآلاتُ والتّجهيزات المُوسيقية في أحد الأركان كأعجاز نخل هاوية !
  • ـ 3 ـ
  • عديد المكالمات قد جرت حينذاك بين الحبيب الزنّاد وعبدِ المجيد يوسف من جهة وبين المسؤلين والمنسّقين في معرض الكتاب وقد نَقلاها لي وتتلخّص في أنّه علينا أن نلتحق بمعرض الكتاب في ضاحية ـ الكرم ـ بوسائلنا الخاصّة فعَقدنا إذن ـ اجتماعا طارئا وخاصّا لبحث المُستجدات ـ بجانب الخيمة الخاوية التي تُصارع الرّياح العاتيةَ وبعد المداولات السّريعة اِتّخذنا قرارنا الحاسم بالإجماع وهو أن نجلس في أوّل مَقهى ونعتبر ذلك أمسيتنا الشّعرية والسّلام على هذه الدّعوة وما شَابهها طالما لم يُحسن القائمون على معرض الكتاب وغيره من الفضاءات الثقافية تنظيمَ مثل هذه المُبادرات وإيلاءَ ما يليقُ بالشّعراء والأدباء ما هُم جديرون به من تقدير واِحترام ضِمنَ منهج ثقافي جديد وشامل.
  • جلسنا… ومِنَ الشّعر اِنتقلنا إلى القصّة فقد أخرج عبد المجيد يوسف من محفظته مجموعته القصصية الجديدة “وحيدًا… أقطع هذا الدّغل” وأهدانا إيّاها في قطار العودة فتحتُ الكتاب عند القصّة الأخيرة من دُون أن أبدأ بالمقدّمة ولا بالقصة الأولى فتلك عادتي في قراءة الكتب الإبداعية والأديب عبد المجيد يوسف صاحب قلم مِعطاء ومتنوّع فهو شاعر وقصاص وناقدٌ وباحث في اللّغة والأسلوب ومترجمٌ من اللغتين الفرنسية والإيطالية وإليهما ممّا يجعل كتاباتِهِ صادرة عن معرفة ومماحكة.
  • ـ 4 ـ
  • قرأتُ الفهرس فإذا القصّة الأخيرة تحمل عنوان “جَريُ الرّياح” وبما أنه يوم ريح بدأتُ بقراءتها فلم أجد الرّياح في القصة ولا على مَهبّها ولا خطاها إنّما وجدتُ حفيف نسمة حُبّ هبّت من جديد في لحظات عابرة عندما التقَى رجُل باِمراة صُدفةً على قارعة الطريق وهي بصحبة طفلتها فمكثا يتحادثان برهة من الزّمن أثارت فيهما الحنين وعند الفراق فاجأتِ الطفلة الرجل بصفعة عندما همّ بقبلة منها فما كان من المرأة إلا أن اِعتذرتْ بأحسنَ منها وذلك بأن قبّلته على خدّه ثمّ اِفترقا، هي إذن قصة قصيرة بأتمّ معنى الكلمة تتجسّم فيها الدعائم الأساسية من وحدة في الزّمان والمكان والوقائع وحالة الشخصيات ضمن أسلوب التركيز والاِقتضاب والتصوير.
  • ـ 5 ـ
  • قصّة “الحذاء” قرأتها أيضا وأنا في القطار فقد اِستهواني العنوان لأنه عنوان إحدى قصائدي القديمة ولكنْ شَتّان بين حذاء قصّة عبد المجيد يُوسف وحذاءِ قصيدتي، الحذاءُ في هذه القصّة هو ذاك الذي خرج فيه بعد مغادرته المسجد قبل أن يُتمّ صلاة الجمعة فلاحظ أنّه غيرُ حذائه لضيقه أمّا سبب مغادرته المسجدَ فيعودُ إلى تَبرّمهِ منَ الرّوائح الكريهة ومِمَّا زاد الطّين بلّةً أن نَزل على قميصه لعابُ أحدِهم حتّى بلغ منهُ مبلغًا من البَلل لا يُطاقُ عند ذلك هرول خارجًا يريدُ خلع القميص وتنظيفَهُ فالقصّة جمعت بين الواقعية والنّقد في أسلوب السّخرية والسّهل المُمتنع.
  • وفي قصّة ـ الحاجة ـ ثمّة إبراز للحالة المادية البائسة لأحد الأساتذة حيث يضطر لأخذ قُفلين ومقبض من حقيبة ملقاة في مكان النفايات رآها مع تلاميذه في جولة دراسية وبعد الرجوع إلى المعهد لمحه أحدهم يتسلل عائدا إلى ذلك المكان فظن أن أستاذه رجع لمعاينة المكان لإعداد درس آخر ولكنه ما كان في الحقيقة يعلم أنّ الأستاذ إنما عاد كي يأخذ تلك الحقيبة ليصلح ببعض قطعها ما أصابه الدّهر من حقيبته القديمة .
  • أمّا القصّة الأولى فهي “الشّمسُ في يوم قائظ” وهي القصّة القائمة على “الطّرز اللغوي” أقول “الطّرز” لأن الكلماتِ فيها مختارةٌ منتقاة بدِقّة ودِرايةٍ حتّى كلّ جملة فيها تُحيلك على نصّ من عيون اللغة العربيّة سواءً قرآنا أو شِعرًا أو نثرًا للجاحظ أو للمعرّي كان وحتّى لميخائيل نعيمة والبشير خريّف والأغاني الشعبيّة التونسيّة فمجال السّجِلات اللغوية في هذه القصّة مُتنوّع ومتعدّد ولعلّ عبدَ المجيد يُوسف أراد بهذه القصّة الإمتاع بالمباني قبل المعاني فقد رصّعها ببراعة بكثير من التّضمينات.
  • عندما أتممتُ هذه القصّة توقّفَ القطار فوجدتُ نفسي قد تجاوزتُ محطّة رادس… معًا نقطع المسافات…

مداخل لقراءة سُوف عبـيــد

عبد المجيد يوسف

يسرّ صالون الزوراء الأدبيّ أن يستضيف اليوم علما من أعلام الشّعر التونسيّ الحديث اقترن اسمه بالمجهود الحداثي الذي عرفــه الشّعـر التونسيّ منذ تراجع الكلاسيكية الجديدة والرّومنسية المحتشمة ممّا عرفه الشّعـر التونسيّ حتى نهاية الستينات.
ويمكن للناظر في تاريخ الأدب التونسيّ الوقوف على أنّ شاعرنا المحتفى به قد شهد التأثيرات الآتية من المشرق العربيّ وخاصة من العراق ولبنان، وقد ظهرت تلك التأثيرات في نمط كتابة يمكن أن تجد فيه روح السيّاب ونازك الملائكة وعبد الوهاب البيّاتي مع غلبة لتأثير البيّاتي لنزعته الاشتراكية، ممّا كان متلائما والنزعة السّائدة لدى الشباب المثقف طيلة عقديْ السّتينات والسّبعينات.

ولا يلبث أن يظهر تيّار شعر ثالث (الأول هو شعر الطليعة والثاني هو التيار الحداثيّ المعتمد على السّطر الشّعريّ الموزونهذا التيّار الثالث هو قصيدة النثر الذي ظهر قبل ذلك في المشرق العربيّ وخاصّة في الشام، وأصبح له رُوّاد في تونس، هم في اعتباري الشخصيّ محمد أحمد القابسي وعزوز الجملي وفضيلة الشابي وصالح القرمادي وسوف عبيد وآخرون
هذا النوع من الشّعر اشتغل في إطار نظريّ غير إطار شعر الطليعة الذي هو شعر نثريّ، لكنه محمّل بإيديولوجية اشتراكيّة وبنزعة قـُطرية تدعو لتوْنسة الثقافة والفكر وإيلاء الاهتمام للخصوصية الحضارية لتونس المختلفة عن المشرق (مثلما كان دعا إليه طه حسين في مستقبل الثقافة في مصر” حين نادى بفرعونية الثقافة المصرية)، على نقيض قصيدة النثر ذات النزعة الكونية.
إذن فسوف عبيد هو من روّاد قصيدة النثر في تونس بل من المؤسّسين ، وإليه كما لرفاقه يرجع الفضل في هذا سواء بالتنظير أم بالمُمارسة والإنتاج وفرض هذا النمط من الكتابة على ذائقة تعوّدت الإيقاع الجرْسي، بل جعلته واحدا من مقوّمات الشّعر .
تخرّج شاعرنا المحتفى به من كلية اﻵداب بتونس بشهادة ـ أستاذية الآداب العربية ـ ثمّ في سنة 1976 بشهادة ـ الكفاءة للبحث ـ حول ـ تفسير الإمام اِبن عَرْفَة ـ سنة 1979 …ونشر إنتاجه شرقا وغربا في الصحف والملاحق الأدبية وشارك في النّوادي والنّدوات الثقافية بتونس وخارجها وهو من مؤسسي نادي الشّعر بدار الثقافة اِبن خلدون” بتونس سنة 1974 واِنضمّ إلى اِتحاد الكتاب التونسيّين سنة 1980 واُنْتُخِبَ في هيئته المديرة في دورة سنة 1990 أمينا عاما ثم في دورة سنة 2000 نائب رئيس فساهم في تنظيم مؤتمر اتحاد الأدباء العرب ومهرجان الشّعر العربي بتونس سنة 1991 وفي إصدار مجلّته ـ المسار ـ وفي تأسيس فروعه وفي تنظيم الندوات والمهرجانات الأدبية وشارك في الهيئة الاِستشارية لمجلة الحياة الثقافية في فترات مختلفة وأسّس منتدى أدب التلاميذ سنة 1990 الذي تواصل سنويا في كامل أنحاء البلاد إلى سنة 2010 ونظّم الملتقى الأوّل ثم الثاني لأدباء الأنترنت بتونس سنتي 2009 و 2010 وترأس جمعية ـ اِبن عرفة الثقافية ـ سنة 2013
صدر له
ـ الأرض عطشى ـ 1980
ـ نوّارة الملح ـ 1984
ـ اِمرأة الفُسيفساء ـ 1985
ـ صديد الروح ـ 1989
5ـ جناح خارج السرب ـ 1991
6ـ نبعٌ واحد لضفاف شتّى ـ 1999
7ـ عُمر واحد لا يكفي ـ 2004
8ـ حارقُ البحر ـ نشر إلكتروني عن دار إنانا ـ 2008
ثم صدر عن دار الثقافية بتونس ـ 2013
9ـ الجازية ـ بترجمة حمادي بالحاج ـ 2008
10ـ ألوان على كلمات ـ بلوحات عثمان بَبّة وترجمته ـ طبعة خاصة ـ 2008
11ـ حركات الشّعر الجديد بتونس ـ 2008
12ـ صفحات من كتاب الوجود ـ القصائد النثرية للشّابي ـ2009

نظرة سريعة على بعض مجاميعه الشّعرية
الأرض عطشى
هي من المجاميع المبكرة التي صدرت في نظام القصيد النثريمواضيعها تبدو متنافرة أشد التنافر فهي بين المضامين اللصيقة بالواقع ذات التوجه الاشتراكي كالحديث عن الطبقات الفقيرة (الجوعوالإشادة بالحرية مطلبا إنسانيا أو المواضيع الغنائية المتعلقة بالطبيعة والحنين إلى الوطن والحب والتصوف.
امرأة الفسيفساء
تتركز مضامين هذه المجموعة حول أحوال الكائن وتقلباته في المَوْجِدِ وعلاقاته بحيثيات الوجود وهي صنفاناجتماعية كالمواقف إزاء المرافقين والمتقاسمين الفضاء كالزوجة والابن والجار ورفيق القطار والعمارة والمحطة … أو طبيعية كالصحراء والبحر والنخلة والغزالة…. ولم تخل هذه المجموعة من اهتمام بالسياسة خاصة وقد صدرت في فترة ساخنة من حيث التحرّكات الاجتماعية وضجر الشعب من نظام سياسي مهترئ.
نوّارة الملح
قد يمكن القول إن هذه المجموعة دلّت على منحى آخر غير ما اتبع في المجموعتين السابقتين حيث توجه الخطاب نحو رمزية أكثر إحكاما وانحرفت عن الخطاب المباشر الذي لمسناه في المجموعتين السابقتين، وإن لم يكن هناك اختلاف كبير في المضامين مما قد يفسر ببطء التحولات التاريخية في المسار السوسيو– ثقافي وبطء التحول الاجتماعي في ظل نظام سياسي بدأ يأخذ طريقه إلى الانحلال… خاصة وقد صدرت بعد المجموعة امرأة الفسيفساء” بسنة واحدةومما ظل مشتركا طبيعةُ الجملة الشّعرية، فقد ظلت قصيرة بلا امتدادات ولا تفرعات، تختزل الحالة الشّعرية وتقتصر في التصوير على الملمح السريع البسيط الخالي من التركيب.
صديد الروح
لعلّ هذه المجموعة التي حَظِيتُ بترجمتها إلى الفرنسيّة هي التي صادفت هوى في نفسي أكثر من مثيلاتها لما مثّلته من نضج أدبيّ واستمالة للقارئ بمقروئيّتها العالية وما فيها من توجه فاق المجاميع السابقة نحو المضمون الأنطولوجي المُحمّل بتجربة إنسانيّة عميقة ولما فيها من حسن التّصوير واستقصاء للحالة البشريّة المتفرّدة التي تظهر مثل التماعة خاطفة ثم تختفي أبدا.
جناح خارج السرب
تتميز هذه المجموعة في نظري بثلاث ميزات إحداهما شكلية واثنتان متعلقتان بمضامين الكتابةأما الأولى فهي التواتر النسبي للأشكال الوجيزة ذات الموضوع المفرد المختزل الكثيف والصورة المفردة البسيطةوالشكل الوجيز قول قريب من الصمت، كأنه قول مستعجل يلقى إلى قارئ مُتدبّر، شبيه بأقوال الحكماء والكهنة، وأما الخصيصتان الأخريان فهما حضور تيمة الحكمة والقول الرصبن متجانسا مع الشكل الوجيز، يصوغ حقيقة ما من رواسب التجربة الطويلة، والتيمة الثانية هي تيمة الموت تصريحا ورمزا ويمكن أن يحتوي هذا الملف تيمة جزئية أخرى هي اختزال الحياة وتلخيص التجربة الزيارة، السمكة، برقية، حصان الطين…)

نبع واحد لضفاف شتى
صدر هذا الديوان كما ذكرنا سنة 1999 وبه اثنتان وعشرون قصيدة صنفناها حسب المحاور الدلالية التالية :
التذكر واستحضار الماضي والحنين إليه ونقده: (أربع قصائ)
الخرافات المحولة من سياقها إلى سياق فكري حديث: (قصيدتان)
الغنائيةوفيها التغني بالوطن والموطن والحبيبة… (سبع قصائد)
اقتناص اللحظة المكتنزة ذات المشهد البليغ المتوتر مثل رؤية زهرة على سكة القطار حيث نجد ست قصائد في هذا الباب.
التأمل في زمانية الكائن وعبوره الموجز بدرب الوجود (أربع قصائد)
ويجوز لنا الجمع تحت عنوان واحد بين محور اقتناص اللحظة المكتنزة الموتورة وبين التّأمّل في زمنيّة الكائن في علاقته بالموجودات وبأحوال الوجود، ثم إذا اضفنا إلى كل ذلك نصوص التذكار والحنين صار التأمّل في زمنيّة الكائن هو السّمة الدّلالية الغالبة على هذا الدّيوان.

ملاحظة خاتمة
لعلّ ما يميّز سوف عبيد في كتابته قصيدة النّثر هو البساطة في الخطاب وبساطة المعجم وقصر الجملة وقرب التخييل رغم أنّ نصوصه لا تخلو من تعميق للتّيمات المتناولة وتضمينات وإحالات ورموز وأقنعة يتوسّل بها في بلوغ مأرب الدّلالةولعلّ مجاميعه الأخيرة أصبحت أميل إلى مضمونيْ الحكمة النّاتجة عن تراكم التّجاريب الوجودية ووفرة حصاد السّنين والحنين إلى وقائع الماضي وأحواله وفضاءاته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مع الصديقين عبد المجيد يوسف ومحمد الحبيب الزناد