نبعٌ واحدٌ لضفافٍ شَتّى ـ 1999

Naboon_wahed

1991

نبع واحد ـ للقراءة والتنزيل ـ هنا ـ imp

الفهرس

ـــــــــــــــــــــــــــ الأشياءُ

أوّلُ يومٍ ذهبتُ فيهِ إلى المَدرسةِ
قلتُ 
حَسَنًا
أصبحتُ كبيرًا

أغادِرُ البيتَ 
أعودُ
متى أريدُ

رُويدًا رويدًا أكون رجُلاً

مِثلَ الرّجال

عندمَا نجحتُ في الاِبتدائيّةِ
قلتُ لنفسي وقتئذٍ 

الآن أصبحتُ رجُلاً

يُتقِنُ القراءةَ والكتابةَ والحسابْ

ويَحفَظُ ما تَيسّرَ مِنْ آياتِ الكتابْ

سيُناديهِ القومُ

بأكبر الألقابْ

ذاتَ صباحٍ
اِبتسمتْ لي فتاةُ الحَيِّ

وقتَهَا قلتُ

الآنَ… أنا رجُلٌ حقًّا

جَرّبَ الدّنيا مِنَ الألِفِ إلى الياءِ

القرطاسُ يعرفهُ والقلمُ

وتَعرفُهُ النّساءُ

مَضَيتُ مع الأيّام
مرّةً في الضّحكِ… مرّةً في البُكاءِ

فاِنقضَى مِنَ العُمر ما اِنقضَى

حتَّى فاجأتنِي الشّمسُ فِي المرآةِ

بِبَيَاضِ الثّلجِ

عِندَئذٍ قلتُ
الآنَ رأيتُ كلَّ شَيءٍ

مَررتُ بكلّ شيءٍ

مَرّ عَلَيَّ كلُّ شيءٍ

فلا شيءَ في كلّ شيءٍ

وكلُّ شَيءٍ في لا شيءٍ

ذلكَ مَاعلّمني الزّمانْ
لكنْ

بعدَ فَواتِ الأوانْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــ الجِسْرُ

جِسرُ القريةِ القديمُ
بَناهُ العمالقةُ قالوا

مِنْ عهدِ عادٍ وثَمُودٍ

مَرّ عليه أسلافُنا الأوائلُ

عَبَرتهُ القوافلُ

وحَطّتْ عليهِ جُيوشُ الحرب

ثُمّ قَصفتهُ بالمَدافع

لم يَتهدّمْ

البارحةَ
بعدَ صَلاةِ المَغربِ

عَبَرَ عليهِ المُؤدّبُ

فتَداعَى للسّقُوطِ

لكنَّ الشّيخَ نجَا مِنَ الهاويهْ

واحَرَّ قلبَاهُ على أقدامِنَا

تلكَ الحَافِيهْ

وضُلوعُنا تلك َالخاويهْ

كمْ تَحمّلتْ عَصاهُ

ولمْ يتَحمَّلْهَا الجِسْرُ

ــــــــــــــــــــــــــــــــ إبداعٌ

أعظمُ مِنْ جَبل أبِي القَرنَيْنِ
أعلَى منْ ناطحةِ سَحابٍ

أعذبُ مِنَ السّنفُونيّة الخامسةِ

أصْبَرُ مِنْ أيّوبٍ

أحلَى مِنْ كلّ النّساءِ

وأبهجُ مِنْ كلّ عِيدْ

زَهرةٌ بينَ الإسْمنتِ والحَصَى

تَتَفتّحُ أمامَ القِطارِ

على سِكّةِ الحديدْ

ــــــــــــــــــــــــــــــ الزّيتُونةُ

بَينَ الأزرقَيْنِ
سَاحِلٌ… وسماءٌ

بينَ الأحمَريْنِ

بُرتقالةُ الشّمسِ وتِبْرُ الصَّحراءِ

بينَ الأبيضَيْنِ

اِمتدادُ السّباسبِ

وعلى هذا المَدى

تلوحُ خَيمتُنا شامخةً

خضراءَ

مِنْ بينِ لُحْمَتِهَا وسَداهَا
لألاءةَ النّجوم

فِي حَالكِ اللّيالي نَراهَا

بينَ الصّخر، فِي المِلح، عَلى الرّملِ

أو فِي الثّرَى

تُزهرُ في بَهَاهَا

تَباركتِ الزّيتُونَةُ

سُبحانَهُ فِي كلامهِ

حَباهَا

تُونسيّةٌ
لا شرقيّةٌ… ولا غربيّةٌ

ضاربةٌ جُذورُها في شرايينِ القلبِ

نحوَ جِهاتِ الرّوحِ

تفتحُ أهدابَهَا عندَ الرّبيعِ

ناعمةٌ، بيضاءُ

هِيَ الياسمينُ في اللّونِ

والمِسكُ شذًى

فَاكتُبِي مِنْ مِشكاةِ اللّهِ

آلاءَكِ الدُرّيّةَ

تحتَ رَيّانِ الظّلال

شَعْشَعَتِ الأنوارُ
علينا منكِ

فِي كلّ غُصنٍ

التّين والزّيتُونُ
لمَذاقِ الخُبز على جَمْرِكِ

سِحْرُ أوّلِ الحُبِّ

إذْ نَغمِسُ الرّغيفَ في رَقْراقِ رُوحِكِ

تَسيلُ مِنَ الخَابيهْ

مُعتَّقَةً مِنْ قديمِ العُصور

كأنّهَا رحيقُ الأرض

حَسناءُ الحَسناواتِ
وَضّاءَةٌ، مُمْتلئةٌ

وعاليهْ

سلامٌ، سلامٌ
في الزّمنِ نَشيخُ

لا تَكبُرينَ

أكلّمَا تاهتْ بأقدامِنَا

شِعابُ الثّنايَا

عُدنا إليكِ بِشَيبِ السّنين

فاِمسَحِي على الأحزان فينَا

والخطايَا

زُجاجُ زَيتِكِ الوهّاج
نُورٌ على نورٌ

فَيَنْبلجُ فِينَا

فَجرٌ جديدْ

ــــــــــــــــــــــــــــــــ الصَيّادُ وحُوريّةُ البَحر

ليلةَ زِفافِهَا
العَروسُ مَحَتْ نَقائشَ الحِنّاءِ

عَلى كفّيْهَا

وسرّحت جداولَ شَعرهَا

فراحَ الياسمينُ مِنْ مِرآتها ورَفرفَ حَولَ الشّرفةِ المَفتُوحةِ على البحر

اِنسابَ مَع نَسيم السّاحِل أبيضَ
كفُستانِ العُرس تَناثرَ عَلى الرَّملِ أبيضَ بياضًا 
|مِثلَ اللُجّة تَحتَ القَمر

عندمَا الفَجرُ لاحْ
والمُؤذّنُ مِنَ الصّومعةِ صاحْ

عادتِ الزّوارقُ

تنُوءُ بِأجودِ الأسْماكِ

عام مضى
قِيلَ إنّ أحدَهُمْ رأى صيّادًا على السّاحل كادَ يصطادُ حُوريّةَ البحر

وقِيل إنّهُ سَرَّحَها مِنْ شِباكهِ

لكنّها خَبّلتْهُ فِي شَعْرهَا

… وزَفّتهُ فِي تلكَ اللّيلةِ إلى المَوجةِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ الطائرةُ الوَرقيّةُ

الأوراقُ التي فَرحتُ بهَا كثيرًا
ورقةُ الشّهادةِ الاِبتدائيّةِ

ورقةُ السّراح مِنَ الجُنديّةِ

أوراق ٌ…أوراقٌ…أوراقٌ

أجملُ أوراقِ العُمر جميعًا

تلكَ التي رسمتُها

بألوان قَوس قُزح

ثُمّ طويتُها جَناحيْ طائرةٍ

تَعالتْ معَ الرّيح

عاليًا… بعيدًا

اِنتظرتُ كلّ العَصافيرِ

عادتْ

إلا تلكَ التي راحتْ… ولم تَعُدْ

البحرُ جفَّ

حَوَيتُه لقَدميْهَا فِي كفّي

الشّمسُ اِنطفأتْ

خبأتُها لعينيْها فِي جَيبِي

اِنتَظرتُ

شِتاءً… ربيعًا… ومَصِيفْ

الأوراقُ

تَخْضَرّ تَخضرُّ

ثُمّ تَسْقُطَ

فِي الخَريفْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــ العَاشِقُ المُتَجوِّل

يا بائعَ الخُبز
أشتهِي رغيفًا وهّاجًا

مِثلَ

مِثلَ وَجنتيْهَا

قال اِذهبْ إلى بائع الوَردِ

يا بائعَ الوَردِ
أحِبُّ وردةً دُريّةً

مِثلَ عينيهَا

قال اِذهبْ إلى بائع اللّؤلؤ

يا بائعَ اللّؤلؤ
هَلْ لامَسْتَ أصابعَ نديّةً

مثلَ كفّيْهَا

قال اِذهبْ إلى بائع الحَرير

يا بائعَ الحرير
هل مرّتْ جنائنُ الياسمينِ

وحَفيفُ ثَوبهَا

عَلى خَصْرها

فِي البحر أغرقَنِي

قال اِذهبْ إلى بائع السّمكِ
يا بائعَ السّمكِ

القلبُ في الشّبَك

الشّبَكُ في المَركب

المركبُ في الميناءِ

والميناءُ تحتَ الشّمسِ

ذابَ صَبري

قال أسْرعْ إلى بائع الثّلج

يا بائعَ الثّلج
أرأيتَ

قال تَراءتْ في السِّباخ

وعليكَ ببائعِ المِلح

عندمَا وقفتُ عندَ بابهِ
وهبَني حَبّتينِ مِنَ المِلحِ

مَدَدتُ يدِي

فذابَ السّكرُ

في الجُرحِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ العَصَا

مُعلّمُونَا الأوائلُ
العصَا عندهُم مِنَ الجّنةِ

فالوَيلُ

لِمِنْ يُهملُ في الصَّرفِ

هاتيكَ المَوانعَ

الوَيلُ

لمَنْ يُخطِئُ فِي الشَّكل

هَمزةً

أوْ عَيْنَ المُضارع

لهُ عَشْرٌ على اليُمنى

عَشرٌ على اليُسرى

والصّبرُ لتلكَ الأصابعِ

رَحِمَ اللّهُ مُعلّمينَا الأوائلَ
صَفّا صفّا جَرُّونَا مُغمَضِينَ

على الصّراطِ المُستقيم

عندمَا

فتحنَا العُيونَ على الدّنيا

أربَكتنا الأضواءُ

على كلّ لونٍ

فضاعتْ أقدامُنا

في مُفترَقِ الشَّوارع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ القِطارُ

إلى الفنّان ـ محمد بن علي ـ لذكرى الجلسات الصباحيّة بمقهى الفلورنس الكائنة بشارع قرطاج بتونس العاصمة

في السّابعةِ
كان يَعْجَبُ من الّذينَ يصعدُون القطارَ

وينزلُونَ منهُ

وهوَ في حَثيثِ السَّيْرِ


فِي السّابعةِ بعدَ العاشرةِ

صارَ يفعلُ مِثلَهُم تمامًا

بَلْ كالبَهْلوانِ

في السّابعةِ بعدَ السّبعينَ
أدركَ أنّ الحِكمةَ والفُروسيّةَ أيضًا

في صُعُودِ القِطارِ

مُتكّئا على رِجْلٍ

ثالثةٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ اللّؤلؤةُ

فِي نَقاءِ
بياضِ نَوّارِ اللَّوزِ

في جَلالِ

تاجِ الأميرةِ

فِي وَهْجِ

جَمرةِ الغَسَقْ

مَا أبهاكِ

على الجَبينِ

يا حَبّةَ العَرقْ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ اللّيلةُ القَمراءُ

لمْ ينمْ ليلتَهُ المَلِكُ
المُهرّجُ ما أضحكَ

الجاريةُ ما أطربتْ

وما أفلحَ الشّعراءُ

لم ينمْ ليلتهُ الملكُ
تعجّبَ الطّبيبُ

عجزَ المُنجّمُ

واِحتار الوزراءُ


جلالةُ الملكِ

قصدَ غُرفتَهُ

ومِنْ بابها السرّيِّ الذي يفتحُ على النّهر

خرجَ من القَصر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ المَتْنُ والحاشيةُ

لماذا
عادَ بخَفّيْ حُنين

والحسرةُ يُخفيهَا

ــ لأنّهُ ذهبَ بيدٍ فارغةٍ

والأخرى

لا شيءَ فيهَا

عُصفورٌ واحدٌ
في اليدِ

خيرٌ من ألفٍ على الشّجرْ

ــ كلاّ

ما لمْ يُرفرفْ ذلكَ العصفورُ

عاليا وبعيدًا

فكلُّ العصافير

في خطرْ

لا تَقُلْ في الحُبّ
سَبقَ السّيفُ العَذَلْ

ــ أبلغُ الكلامِ

يُقالُ بالقُبل


لا تُعطني سَمكًا

بل علّمنِي كيفَ أصطادُ

ــ ويحَكَ 

كيفَ يُختصَرُ البحرُ

في كأسٍ

والموجُ صار يُباعُ

بالمزادْ

لا يُلدَغُ المُؤمنُ مِنْ جُحر مرّتينِ
ــ هيهاتْ

مِنْ أجل الكلمة

نَفْسُ الجَمرةِ نَحمِلُها

مَرّاتْ

قال لي
مَنْ زرعَ حصدْ

قلتُ له

غرسُوا فأكلنَا

ونغرسُ ليأكلُوا

ويظلُّ أخضرَ أخضرَ

هذا البلدْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ المِدفَأةُ

في جليدِ ليل الشّتاءِ
الشّاتِي

مدّتْ يدها نحوَ المِدفأةِ

فحرّكتْ بأناملهَا

جمراتِ القلبِ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ المِرآةُ

المرّةُ الأولى
التي رأيتُ فيها المِرآةَ

لم ترنِي

ربّما لأنّها كانت أطول منِّي

عندما وقفتُ على أطرافِ أصابعِي

مرّاتٍ

لمحتُ عند سَفحِها

هامتِي

ذلكَ اليومُ كانَ

يومَ النّصر المُبين

غيرَ أنِّي لم أكنْ أعلمُ

أنَّها تُنقِصُ لي كلَّ يومٍ

مِنْ حسابِ السّنين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المُصافَحةُ

أربعينَ عامًا…لم نلتقِ
بالأحضانِ عانقنِي

أَمْهرَ رامٍ كانَ في البلدْ

مرّةً …أصابَ عُصفُورينِ

بِحَجَرٍ…أحَدْ

كيفَ أصَدِّقُ
أنّ ذاكَ الولدْ

لعِب يومًا بلعبةٍ من بقايا الحربِ

فصار

يُصافحُ…بلا يَدْ

ـــــــــــــــــــــــــــ المقهى القديم المقهى الجديد *

وداعًا بلا عتاب
وتعودُ

خُطايَ إلى المقهَى القديمِ

كان المَشربُ على اليسارِ

ذكرى لأصحابِي

فصارتِ الكأسُ مَجراهَا اليمينُ

والجالسونَ على اِنتظارِ

قد وقفُوا ثم ارتحلوا

بالأعوامِ على عَجلٍ

أرى…لاأرى
وحدَها المَرايا

لمّاعةٌ

هُنّ سبعٌ وسبعونَ من بياضِ الثّلج

على هامتِي

غير أنّ الشّمسَ في الشّارع

زقزقاتٌ و لوحاتٌ

فتونسُ العصافيرُ ما بَرِحتْ

وما بَحّتْ

وإن قطعُوا شجرَ باب البحر قالتْ 

سأبني أعشاشِي في السُّطوح

وفي زوايا الجُدْران

وعلى الأسلاك قالتْ

وإن هدّمُوا… وإن ردَمُوا قالتْ

أجيءُ بين الحُلم و الحُلم

أسرابًا أسرابًا… فوقَ الجُفون

مُزقزقةً في طيّاتِ المعاطفِ

وإن طال الشّتاءُ

سأنسابُ

وأبني أعشاشِي في القلوبِ

قالت

الخضراءُ خضراءُ

في كل الفُصول

كلُّ نافذةٍ… نافذتِي

كلُّ بابٍ… مَفتوحٍ

لأحبابِي

عندما أدخلتُ يدي في جيبِي
مُنصرفًا

كدتُ ألامِسُ ريشَها

فأسرعَ النّادلُ وتَلقّانِي

ثمّ هَشَّ وبَشَّ وقال 

هو أنتَ…وبالأحضان

قهوتُكَ يا سيّدِي

على حسابِي

* هو مقهى ـ الكون ـ بشارع الحبيب بورقيبة في تونس العاصمة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ النافذة

من وحي شريط شارلي شابلان

الصّبيُّ الذي
يَرجُمُ النّوافذَ

ثمّ سُرعان ما يختفِي

يمرّ أبوهُ بعدئذٍ

مُناديا بالزّجاج في لُقمة العيشِ

الصّبيّ ذلكَ

قد رشقتهُ فتاةُ الحيّ

بسهم من ستائر نافذتِها

ثمّ اختفتْ

يا أبتاهُ

أدرِكْ فتاكَ

لئنْ لديكَ لكل النّوافذ زُجاجٌ

كيفَ لكَ بجبر بلّورةِ

قلبِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ ألوانٌ

كلَّ صباحٍ
أفتحُ خزانتِي

أحَارُ
في أيّ قميص أَدخُلُ
ثم أمرّرُ أصابعي على رباط العُنق

أعْقُدهُ

أعودُ عند المساء مع آخر زَقزقهْ

أسائل نفسٍي

كيف أنجُو كل يوم

مِنْ حَبل المِشنقهْ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ اليومُ الثامنُ

لو كنتُ مُتسَوّلا لوَقفتُ
عندَ المقبرةِ

يومَ الجمعـــــةِ

عند المسرح

يومَ السّــــــبتِ

عندَ الحديقــــــــةِ

يومِ الأحـــــــدِ

عندَ الــــبريدِ

يومَ الاثنـــــــــينِ

عندَ الـــــــسّوقِ

يومَ الثّلاثــــــاءِ

أبكمُ أمامَ عمياءَ

يومَ الأربعـــــاءِ

وعندَ مقابر الأولياءِ

يومَ الخميــــسِ

لو كانَ في الأسبوع يومٌ آخرُ

لمَكثــــتُ أمــــامَ نافذتِـــها

طــــول العُمـــــر

أنتظــــــر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ اِمرأةُ الفُصول

زرقاءُ
نظرتْ إلى الرّمال

صارتِ الكثبانُ أمواجًا

ومِنَ الصّخر

تَرقْرقَ جدولُ الماءِ

خضراءُ
مَشتْ خُطوتين على السَّبخةِ

صارتِ الأملاحُ أشجارًا

حطّتْ على الأغصان العصافيرُ

طارتْ

زَقزقَتْ في الفضاءِ

سَمراءُ
ظِلُّ الشّمسِ و نسيمُ المساءِ

إذا اِبتسمتْ

تَنتشِي

كلُّ الأشياءِ

حَمامَهْ
تَنقُرُ الحَبّ في كفّي

ثمّ تذبحُني مِن الوريدِ

إلى المزيدِ

وتقول لي 

معَ السّلامَهْ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ بالدّمِ الأزرقِ

كلماتِي لوزةٌ
زينةٌ في البَهجةِ

ورَغمَ الجفافِ والدةٌ

فِي مَهبِّ الرّياح صامدةٌ

بينَ شُقوق الصّخرِ

عَلى المِلح

تحتَ الصّقيعِ

تَضربُ جُذورَها

تُنوّرُ أغصانَها

قبلَ الرّبيعِ

كلماتِي مَوجةٌ
إذا اِنكسرتْ على السّواحل

صارت زبدْ

تَنشأ مِنَ البدءِ في العُمق

ثمّ تمتدّ … و تمتدْ

بعثٌ وفَناءٌ

فناءٌ وبعثٌ

إلى الأبدْ

إذا الظّلامُ اِدْلهَمَّ
وعَشّشَ الوَسْواسُ الخنّاسْ

لامَسَ ضَوؤُها

جُفونَ النّاسْ

كلماتِي جَناحٌ
خفّاقٌ… تَوّاقْ

يَحمِلُ شوقَ كلّ العُشّاقْ

وإنْ نَاشَهُ شَائِكُ الأسلاكْ

وأدْمَتهُ الجراحْ

بِآخر ريشةٍ

يَظلّ يُرَفْرفُ

حتَّى يَلوحَ عَلى الدُّنيَا الصَّباحْ

ــــــــــــــــــــــــــــــــ رادسُ

تَنُوءُ النّوارسُ
بينَ أخضرَ وأزرقَ

التّينُ والياسمينُ

بياضُ المِلحِ

نوّارةُ الجُرحِ

رادسُ

مِنْ يَمنٍ جِئنا ومِنْ أندلسٍ
حَسّانُ الفاتحُ يصنعُ الفُلكَ

مِنْ مِصرَ إلى ـ المَلْيَانِ ـ

مَجراها ومَرساهَا

رادسُ
اِمْضِ في البحر حسّانُ

حنّبعلُ يُحاصرُ رُوما

ينتظرُ المَدَدْ

لكنّما ظمَأ هُوَ البحرُ

خرابٌ خرابٌ قرطاجٌ أمامَكَ

لا أحدْ

فكيفَ لا يُهدَرُ دَمُ ـ فَرْحاتِ حَشّادٍ ـ ذاتَ صباح

مَرّتين

كذا أخبارُ ثورةِ العَجينِ

مِنَ الخليج إلى النّيلِ حتّى الأطلسِ

أهمَلهَا الرُّواةُ

رادسُ
في غُربة الحُبِّ وَاحرَّ قلباهُ

أحبابُها أحبابِي

حنّبعلُ

حَسّانُ

حشّادُ

لا صديقٌ و لا سَندْ

رادسُ
شِفاهُ المَرْجانِ

فِضّةُ الموجِ العاتِي مَرايَا

اِنكسرتْ على صُخور الميناءِ

والنّخلُ واحةٌ  يُداهمها الإسمنتُ

رادسُ
بينَ بحرٍ و غابةٍ

رادسُ
قَمرٌ في ليل الأزرقِ

شِباكُ الصّيدِ على كَتِفِ المَلاّحينَ

شَعرُها أناملُ الرّيحِ

أصابعُ بِلا أظافرَ ولا بَصَماتٍ

كيفَ ألامِسُ ؟

رادسُ
الزّوارقُ عُدْنَ

بلا سَمكٍ

رادسُ
الجازيةُ نَسجتْ جدائلها خيمةً

في الهاجرةِ

ونَشرتْ جَدائلها مِرْوحَةً

على فَتاهَا الهِلاليِّ

هَدْهَدَتْهُ 

نَمْ يا بُنيَّ

غدًا سترحلُ معَ القافلهْ

رادسُ
اِرحَلْ
.. اِرحلْ
قد أضاعُوا مفتاحَ المدينةِ

في السِّباخِ الكالحَهْ

و أحْرقُوا

أحلامَ البلادِ

فأمسينَا لا نعرفَ غدًا

مِنَ البارحَهْ

رادسُ
اِرحلْ …اِرحلْ

الطّريقُ طويلةٌ خاليهْ

سِرْ حافيًا على الأشواكِ

و لا تَمشِ بالنّعال الباليهْ

رادسُ
حسّانُ يا حسّانْ

لا سَرايا ولا فُرسانْ

حسّانُ يا أحزانْ

تَداخلتِ الأوراقُ

تَشابهتِ الألوانْ

رادسُ
القهوةُ دَمٌ والرّشفةُ جَمرٌ

نَارجِيلةُ المَساءِ

على رمادِ الأندلسِ

جَمرةُ الخليج فِي مَلعبِ كرةِ القدمِ

رأسِي بينَ الأرجُل

كأسِي شَفتِي

صَخَبٌ ودُخانٌ

لنْ يَسمعَنِي أحدٌ

رادسُ
ماتَ المَلِكْ

عاشَ الملِكْ

نادَى المُنادِي 

رادسُ…رادسُ…رادسُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ شَهْرزادُ

كلّمَا قلتَ النّهاية
لاحتْ بداية

إنّ اللّواتِي جئنَ قَبلكِ

لا يُشْبِهْنَكِ

مِنْ تَحتِ أقدامِهنَّ… لمْ يُزهرْ رَصيفٌ

وعَلى ضَفائرهنّ … ما حَطّ حَمامٌ

لا الشّمسُ تَجلّتْ

ومَا أمطرَ فِي خَريفٍ غمامٌ

منذُ ألفِ عامٍ
تهيّأتُ إليكِ

يا أجملَ الصّبايَا

فِي كلّ ما سَمعتُ و رأيتُ … أو قرأتُ

كنتِ أجملَ حِكايةٍ

فحَدّثينِي عنكِ

عَنِ النّجوم التي أفَلتْ في كفّي

عن أصابعِكِ التي أشعلتِها شُموعا

ولم يرها أحدٌ 

عن المراكبِ التي أبحرتْ إلى الضَّفةِ الأخرى

وعادتْ مِلحًا على زبَدٍ

عن القوافل التي تاهتْ في الرّمال

عن الفارسِ الذي مازال يُحاصر القلعةَ

وينتظرُ المَدَدَ

حدّثيني عنكِ
يا فاكهةَ النّار المُوقَدةِ

في دروب الشّتاءِ

عاريًا

حافيًا

طرقتُ بابكِ اللّيلةَ

كالإبرةِ تَخيط وتَظلُّ بلا كِساءٍ

أنا جئتكِ مُرتجفًا
دَثِّرينِي

حَدّثينِي عنكِ

عن قديم الجراحِ

اِعْزفِيني لحنًا … بلا وترٍ

اِغسِليني بالضّوءِ

ثمّ اُنشُريني في المَطرِ

لألقاكِ أبيضَ… نَقيّا كالياسمينِ

في ضوءِ الصّباح

لا تَسكُتي عَن الكلامِ المُباح
بِشَدْو الطّيور التي ما حواها قفصٌ

بعطر الزّهُور التي

ما جناها مِقصٌّ

اُكتُبيني كلمةً عذراءَ

على الأوراق الحَرَّى

برعشةِ القلمِ

إذ يغشَى الورقةَ

بأحلى كلامٍ
حدّثيني عنكِ

بالحُروف المُرَفرِفةِ حول شفتيكِ

عن الرُّؤى الجَذْلى

عنْ آخر جزيراتٍ في أبعد بِحارٍ

عن أروع أقمارٍ

عن سالفِ الدّهور وقادمِ الزّمانِ

فأنا ما سمعتُ أحدًا

سواكِ
!

… البهاءُ القدسيُّ منكِ ناضحٌ
في اِنسيابِ الجداول

رقراقٌ على أجنحةِ قوس قُزح

خفّاقٌ

للنّبع الصّافِي… للفضاءِ الأعلى

مُشتاق

يا كاملةَ الصّفاتِ
عن الدّنيا الجديدةِ حدّثينِي

فاللّيل فاتْ… والفجرُ آتْ

كلّمَا قلتُ ـ نهايةٌ ـ
لاحتْ بدايةٌ

لا شيءَ يفنَى … لاشيءَ يُعادُ

فما سِرُّ الحكايةِ

يا شهرزادُ…؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــ مدينةُ الألعابِ

إلى اِبني زياد

ألا خُذنِي
إلى مدينةِ الألعابِ

وأرجِحْنِي

في مَهبّ الرّيحِْ

دعنِي

على غيمةٍ أستريحْ

أركِبْنِي قِطارَ الخَطرْ
لا تَترُكنِي

في المحطّاتِ أنتظرْ

ألقِنِي
لأصابع الأخطبُوطْ

صرخةٌ عند الصّعودِ

صرخةٌ عندَ الهُبوطْ

أبحِرْنِي
عَلى السّفينةِ الدَوّامَهْ

وقُلْ لعَروسِ البحر

بالسّلامَهْ

أدخِلنِي
كهفَ الأشباحْ

هيَ الدّنيا

عُواءٌ و نُباحْ

دَحْرِجْنِي
بينَ العَجَلاتْ

عَلِّبْنِي

في عَجينِ الذكرياتْ

في مدينةِ الألعابِ
دَعني معَ التّيهِ

بينَ المرايَا

أبحثُ في الزّوايَا

عنْ صبيٍّ سُرقَتْ مِنْ بَينِ يديهِ

جَميعُ اللّعَب 

حصانُ الطّينِ

سيّارةُ الخَشبِ

طيّارةُ الورقِ

كرةُ الخِرقِ

عروسُ أختهِ

وصندوقُ عَجَبْ

في مدينةِ الألعابِ
لمْ أجدهُ

لم أجدْ تلك اللّعَبْ

اِشْتكيتُ … وبَكيْتُ

فَسَلاّني

الأدب