الأرشيفات الشهرية: يناير 2020

دفء الأدب في الشّتاء التّونسي

 

في أيام شتائية عتيّة وبينما محترفُو السياسة يخُوضون غمار تشكيل حكومة البلاد بين أخذ وردّ وبين الاِئتلافات والاِختلافات ظاهرًا وباطنًا اِجتمع شعراء وأدباء يتدفّؤون شجونهم وهمومهم في رحاب دار الثقافة ابن خلدون وهي القلعة العتيدة في العاصمة تونس التي شهدت عديد المناسبات الحافلة في شتى الفنون والمعارف واِستقبلت عددا لا يُحصى ولا يعدّ من أعلام الشعر والأدب والفنون والموسيقى والسياسة أيضا مثل ياسر عرفات ونزار قباني أما الأدباء والمثقفون والمبدعون التونسيون فأغلبهم قد مرّ من هذه الدار العتيدة إمّا محاضرا  أو عارضا أو منصتا أو مشاركا في مناسبة من المناسبات وهاهي اليوم الخميس 16 جانفي 2020 تفتح أبوابها لبادرة جديدة في دورتها الأولى تتمثل في تظاهرة شاعر تونس على مدى ثلاثة أيام وقد دعت إليها جمعية زهرة الشمال التي تترأسها الشاعرة سميرة بنصر ونظمتها بالِاشتراك مع مندوبية الثقافة في ولاية تونس العاصمة التي ينسّق أنشطتها الشاعر منير وسلاتي فاِجتمع في بهو الدار وعلى الأرضية المبلّطة بلوحة فسيفسائية جميلة ترمز إلى الفنون السبعة أكثرُ من خمسين شاعر وأديب جاؤوا من جميع أنحاء تونس الخضراء أيضا بمبدعيها ومن بينهم بعض الشعراء العرب من العراق والأردن فكان لقاء ممتعا يبعث البهحة والأمل في سنوات عجاف من الحروب والانتكاسات والخيبات وذلك هو دور الفكر والشعر والأدب والفن يشحذ العزائم ويشعل الشموع عندما تدلهمّ الدروب وتتراجع الهمم فيدفع نحو الأحلام والأماني

متابعة قراءة دفء الأدب في الشّتاء التّونسي

عبقريّة العاميّة وإبداعها ـ الشّاعر عبد الحكيم زرير ـ نموذجا ـ

ثمّة مسألة مسكوت عنها في تاريخ الأدب العربي وما يزال الصّمت ضاربا من حولها… ألا وهي الأدب الذي يقوله الناس باللّغة العربية ولكن بدون اِحترام نحوها وصرفها وبلاغتها أو كما يُقال باللغة العاميّة أو الشعبية أو اللغة اليوميّة أو اللغة المحكية أو اللّهجة المحليّة…إنه الأدب المنتشر والمنقول بالرواية بين الناس من جيل إلى جيل ولئن بدأ بعض شعراء هذا الصنف من الأدب في نشر ما تيسّر لهم من نصوصهم إلا أن الكثير من مدوّنات ذلك الأدب في الشّعر والحكايات والأخبار والطرائف والحِكم والألغاز وغيرها ـ ما يزال دون نشر ومتابعة ناهيك عن دراسة تلك النصوص والاِعتناء بها ضمن المناهج والبرامج التعليمية في مختلف المستويات من الاِبتدائي إلى الجامعي إذا ما اِستثنينا القليل النادر منها الذي يلقَى الاِهتمام في بعض النشريات المختصّة وفي المناسبات والدراسات الاِجتتماعية والتاريخية الخاصة والحال أن هذا الصنف من الأدب غزير المواضيع والمعاني ثريّ الأساليب والفنّيات وجمّ الدّلالات والإشارات بالإضافة إلى أنّه يُعتبر من أهمّ المصادر والمراجع لبعض الأحداث والأحوال وهو إضافة إلى كل ذلك يُعتبر من الأسس الكبرى للشخصية الوطنيّة ومميّزاتها متابعة قراءة عبقريّة العاميّة وإبداعها ـ الشّاعر عبد الحكيم زرير ـ نموذجا ـ

آخرُ ما قرأت ـ أعاجيب في كتاب: قِفا نَعجبْ

http://www.almothaqaf.com/a/b8/942864

 كتب وإصدارات

أعاجيب في كتاب: قفا نَعجبْ

سوف عبيد

1301 صلاح الدين الحمادي

إن اِنطلاق الأصوات قولا وكتابة بعد سنة 2011 في تونس جعل كثيرا من الأقلام تجمع ما تناثر من نصوصها المختلفة وتدفع بها إلى دور النشر مما جعل الحركة الأدبية خاصة تشهد ازدهارا واضحا في شتى أصناف الأجناس وفي هذا السياق ظهر للشاعر والأديب صلاح الدين الحمادي كتاب جديد جعل له عنوانا طريفا هو – قفا نعجبْ – وقد جمع فيه أكثر من ثلاثين مقالة تتراوح من النقد الاجتماعي والسياسي إلى التحليل النفسي لبعض المظاهر والمواقف والأحداث والمناسبات تلك التي رصدها بعين ثاقبة ونقرأ أيضا في بعض الفصول ما يشبه اليوميات والشجون الخاصة فالكتاب إذن متنوع المواضيع شيٌق الأسلوب ولعله يواصل بهذا منهج مقولة أن الأدب هو الأخذ من كل شيء بطرف .

ثمة موضوع كثيرا ما نجد له ظلالا واضحة في هذا الكتاب ألا وهو مسألة المثقفين الذين يتناولهم صلاح الدين الحمادي بكثير من الانتقاد ففي فصل – المثقفون – ينقل لنا حوارات كانت تدور في إحدى الحافلات المكتظة إذ سرعان ما دبّ التآلف بين الركاب وبدأت الحوارات الثنائية والثلاتية تتناول القضايا والأمور التي تدور بعيدا عن العامة ولكنها تشغل بالها أكثر مما تشغل بال رؤوس الساسة والمثقفين حيث سمع أحدهم يقول أنا لا أبكي ولن أبكي على أية دولة من الدول العربية أنا أبكي فقط على فلسطين إنها الوحيدة التي تستحق ذلك فبقية الدول العربية كلها كيانات قائمة ولها جيوشها وثرواتها وما عليها إلا أن  تقوم بواجب حفط كرامة شعوبها والدفاع عن أراضيها أما فلسطين وا أسفي عليها فلا تملك سوى أصوات شرفائها وحجارة قد تكون غير موجودة فقلت في داخلي لله درك أيتها العامة التي ما انفكت الخاصة  تترفع عنها

فيرى صلاح الدين الحمادي وهو القريب من المثقفين بصفته رئيس اِتحاد الكتّاب التونسيين ناهيك عن مسيرته الأدبية والنقابية والسياسية  والتربوية والجامعية يرى أن جماعات المثقفين ليست إلا  – ثقفوت – أحاديثها صخب وتشنج وصراخ وضرب على الطاولات لا غير وفي  فصل آخر بعنوان – عن التضامن وأشياء أخرى – ينقل لنا وقائع ليلة غزيرة الأمطار أدّت إلى محاصرة العمارة بالمياه فتعاون الأجوار جميعا على دفع الخطر المحدق بهم بأن ثقبوا السور المحيط بهم بل وبادروا إلى إزالة الأوحال من محيطهم وكان ذلك في جوّ بهيج من الإخاء والتآزر والتعاون وفي سرده لهذه الحادثة يؤكد الحمادي على أهمية الحراك المجتمعي الذي كثيرا ما يتناساه السياسيون وما شاكلهم ممن يعتبرون أنفسهم نخبة عارفة عالمة وماهم إلا سدنة مصالحهم ومصالح غيرهم

 وللأطفال في هذا الكتاب نصيب من الحكمة أيضا وذلك في فصل بعنوان – درس  المحفوظات – وقد نقل لنا صلاح الدين الحمادي حوارا جرى بين تلاميذ بمناسبة درس المحفوظات وكانت للشاعر سليمان العيسى

أنا ابن النسر مدّ جناحه وحماك يا وطني

أنا ابن النسر حمّلني جناحيه وودّعني

عندئذ تساءلت إحدى التلميذات لماذا ينسب

 هذا الطفل نفسه إلى كسر من الجوارح فإن في ذلك لفظاعة وتنكر للإنسانية ألم يجد ما يتشبه به من جميل الطيور ولطيفها ووديعها سوى هذا الطير

فيدور حوار طريف عندئذ بين

التلاميذ حول رمزية النسر

وفي فصل – هل الثقافة بخير في الجمهورية الثانية؟ – يطلق الكاتب صيحة فزع ويدين بشدة القائمين على الشأن الثقافي في تونس قائلا – لم نر هؤلاء يشركون أهل الثقافة والإبداع في حواراتهم ولم نرهم يستمعون إلى مقترحات المثقفين أو يستعينون بتصوراتهم في صياغة وتنفيذ البرامج الثقافية بل العكس هو الحاصل فقد كُبّل العمل الثقافي في مستويات مختلفة بحزمة من القرارات والإجراءات البيروقراطية حتى وصل الأمر ببعض الجمعيات إلى حلّ نفسهل وببعض الناشطين إلى الانسحاب من المشهد الذي عمّ فيه الفوضى والنفاق والكذب

إن كتاب قفا نعجب للأديب والشاعر صلاح الدين الحمادي شهادة صادقة على معاناة المثقف الملتزم بقضايا الوطن في تفاصيلها الصغيرة وهمومها الكبيرة وهو يصارع التحديات من أجل التقدم نحو الأحسن  والأجمل في جميع المجالات

ففي البدء كانت الكلمة

سُوف عبيد

متابعة قراءة آخرُ ما قرأت ـ أعاجيب في كتاب: قِفا نَعجبْ

سلامات يا أبا النّور….!!

علمتُ بتعرّض الصّديق الشاعر الكبير نورالدين صمّود إلى بعض الرّضوض إثر سفوطه في إحدى ردهات منزله ممّا استلزم نقله إلى إحدى المصحّات فأرجو له الشفاء العاجل والصحّة والعافية…..سلامات يا أبا النّور !

أبَا النُّورِ هَبْهَا كَسَقْطِ العَرُوضِ
فَقُمْ للبُحُور بِرغْمِ الرُّضُــوضِ
 
طبيبٌ لِكُلِّ الزّحَافاتِ أنـــتَ
وأنتَ العليمُ بِسَبْكِ القَريضِ !

 

 

قراءة في قصيدة خارطة رأس السنة لمنير وسلاتي

 قراءات نقدية

قراءة في قصيدة خارطة رأس السنة لمنير وسلاتي

سوف عبيد

سوف عبيدذلك هو عنوان قصيدة الشاعر التونسي ـ منير وسلاتي ـ التي قرأها في خيمة الشعر المنتصبة في وسط تونس العاصمة بجانب خيمة معرض الكتاب التونسي وقد اِسترعت اِنتباهي لِمَا تزخر به من معان وصُور وإشارات عميقة تنمّ عن معاناة وجدانية عارمة بالشجون الإنسانية في خضمّ واقع متأزّم متدهور القيم وقد كانت قراءته تبعث نبرات الصدق ووشائج التفاعل مع مختلف رَدَهات قصيدته لذلك رجوت منه أن يرسل لي نص القصيدة كي أقراها وأتمعّن في أغوارها فلبّى طلبي مشكورا وللشاعر منير وسلاتي عديد المجموعات الشعرية من بينها

نسّاج الضوء –

ـ ذاكرة الجلنّار

ـ تباريح الغصن المكسور

أمثولة الغصن-

ويُعتبر من أهم الشعراء التونسيين الذين ظهروا في سنوات الهزيع الأخير من القرن العشرين وهم الشعراء الذين اِستفادوا من مختلف إنجازات القصيدة الجديدة ومساراتها المختلفة  سواء في تونس أو في غيرها من البلدان العربية بل قد سعى البعض من أولئك الشعراء إلى مواصلة تطويرها نحو آفاق أرحب ويبدو أن منير الوسلاتي من خلال هذه القصيدة قد سار بثبات على درب الإضافة والتميز من خلال استلهام مناسبة رأس السنة  فبثّ همومه ومشاغله وعواطفه مستحضرا  حتى أحاسيسه الأبوية والتزاماته العائلية ناهيك عن اِستحضار القضايا الاِجتماعية والسياسية التي  يرزح تحت كلكلها كل يوم… فالقصيدة إذن تمثل تجربة أخرى تُثري الشعر العربي وما الشعر التونسي إلا رافد  مهمّ من روافده العديدة

وللوقوف على الخصائص التي تميّز هذه القصيدة لا بأس أن نسترجع بعض القصائد التي كُتبت في مناسبة رأس السنة مثل حافظ إبراهيم حيث يقول قي قصيده له بمناسبة رأس السنة الهجرية

أَطَلَّ عَلى الأَكوانِ وَالخَلقُ تَنظُرُ

هِلالٌ رَآهُ المُسلِمونَ فَكَبَّروا

تَجَلّى لَهُم في صورَةٍ زادَ حُسنُها

عَلى الدَهرِ حُسناً أَنَّها تَتَكَرَّرُ

وَبَشَّرَهُم مِن وَجهِهِ وَجَبينِهِ

وَغُرَّتِهِ وَالناظِرينَ مُبَشِّرُ

وَأَذكَرَهُم يَوماً أَغَرَّ مُحَجَّلاً

به تُوِّجَ التاريخُ وَالسَعدُ مُسفِرُ

وللشاعرة ـ لمياء فرعون ـ قصبد في رأس السنة ورد فيه قولها

عـامٌ مضى وأخوه مـنـّأ يـقـتـربْ

وسنين عمري في هدوءٍ تنسحبْ

أتــراه يــأتـي بــاسـمـاً لـلـقـائـنـا

أم عـابساً وكمـثـل شـيـخٍ ٍمكتئب

مــاذا يـخـبـئ فـي ثـنـايـا ثــوبــه

إنَّـا ســئـمـنـا من صراع ٍمضطرب

بـتـنـا نـخـاف من الحروب وشرّها

والكلُّ أصبح في الديـاركمـغـتربْ

بـالخـيـر نـرجـو أن يـتـمَّ لــقـاؤُنــا

لـنبلسم الجرح العـميق الملتهبْ

وفي نفس المناسبة نقرأ لنزار فبّاني قوله مخاطبا حبيبته

أنقل حبي لك من عامٍ إلى عام..

كما ينقل التلميذ فروضه المدرسية إلى دفترٍ جديد

أنقل صوتك.. ورائحتك.. ورسائلك..

ورقم هاتفك.. وصندوق بريدك..

وأعلقها في خزانة العام الجديد..

وأمنحك تذكرة إقامة دائمة في قلبي

غبر انّ الشاعر منير وسلاتي يخرج عن جميع تلك المعاني والصور ويكتب نصا شعريا مخالفا لما سبق من الشعراء يضمنه معاناته اليومية كأنه يسجل سيرته الذاتية بما فيها من أحاسيس وآلام وأحلام وتلك لعَمري هي الإضافة النوعية لهذه القصيدة ـ قصيدة خارطة رأس السنة ـ للشاعر منير وسلاتي ـ تونس

حين تتكـــسّرُ المرايــــــا

ويسكنُ الخوف والمجهولُ محاجر الأيـــّام

ماذا يبقى من سفر الرّوح الى أدغال التجلِّي…

في مسافات الرؤى حلمٌ يصلَبُ على النُّصُبِ…

يتخشّبُ العمرُ..

والنَّــارُ تحتفلُ في ولائم الحطبِ…

..كلُّ ما بقيَ في الـنـَّبـْضِ خبزُ العيالِ..

سُباتُ العشيرة…

مرارة الإنتحار على أسْوَار الـمُعتاد…

..في خانات الظمــإ..

 لم يعد بالإمكان البحثُ عن فتحٍ جديدٍ..

خـــارطَـــةُ الأخيــــــلةِ شتاتٌ لا يلتئمُ..

عَيــنانِ غامضَـــتان..

بِدَدٌ للياســمــيـن حائـــــرَةٌ…

عنـــبَــرٌ من الشَّرق مختـنِــقٌ..

بين الظلوع موجة مائــــرَةٌ..

على الجبين خطوط تائـــهَـــةٌ..

ثلجةٌ للعزيز “بابا نوّال”

تُــرْبِـــكُ رحلة الشِّتاء والصَّيف..

تشوِّشُ مخيلة الصحراء..

*****

هذه رأس السنة تطلُّ من صناديق الدنيا..

ولن نحتفلَ…

لن نحتفل بصبر شهرزاد على جموح مليكها..

ولن نحتفل بسـمـاحة “صلاح الدّين”..

ولن نحفل بنبل الملك النعمان…

ولن نذكر حتى عباءة “عمر” المملوءة بالعدل والاحلام…

السنة تطلّ برأسها من صناديق الدنيا..

“بابا نوّال” يملأ صناديق الدنيا ..ورؤوسَ الأطفال..

حاكِــــمٌ فينا بأمرنا..

ولهُ أمرُ الحلوى..وبريق عبوات الهدايا..

وأسرار فرحة اطفالنا…

تحني له الذّاكرة قامتها..

تنثني في تلابيب ريحه الاحدب…

“فمالك أنت لا تحني قامتك اكراما للحيته؟”

…”عليكَ  أن تكونَ رجلا مُواكِــبًا للعصر”

لكي لا يُحــرَمَ أطفالكَ من قطع حلوى رأس السنة..

ولابأس أن تُضيفَ إلى جيد زوجتك حُليّا جديدا..

كي تجيش لك..بوهج جديد…

وتخضرّ في كفّك بركات رأس السّنة…

***

ألجُ رأس طفلي…وأنا لا رأس لي…

عيناه غارقتان في صندوق الدنيا…

يقفُ الخيَّــالُ الذي يسافرُ في أوردتي..

عاريــــًـا في مربّع الشّغب…

وراء قضبان صخب الأحلام الصغيرة..

أعشاشُ الرؤى تسكنها الخفافيشُ…

أرى خيّالي يغتال في وادي النّمل..

وولدي الذي أزرعُ في قلبه نخلة تاريخي…

 أضاع حرارة عروقي وبوصلة دمي…

ولن يفوح المكان برائحة تبرنا القديم..

-” يا أبي تخلّص من أوهام النخلة الكادحة..

تخلّص من كبرياء الزيتونة الفارعــــــة…

وانس كلّ ما خطّ في الذّاكرة من التواريخ الفارغة..

فالعصر ليس العصر…

ولا نريد لك أن تموت نافقا في زاوية…”

– عليَّ ان أغـــيّـرَ جمجمتي..إذن؟!!!

وأشهَــدَ أنّي رأيتُ بأمّ عينيّ..الفيَــلَــــةَ تطــــــيـــرُ..

وألتقطَ صورة للذكرى مع نعامة تدفن رأسها في الرّمل..

مواكبة لريح العصر…

-” يا أبي عليك ان تترجّلَ عن فرسك المغرور…

وأنْ تعترف أنّ الفرسان تأتي وتمضي…

ونحنُ في زمن فرسان عواصم الثّلج…

…عواصم الثّلج براءة الرؤى..

حضارة الخيال..بهجة العمران الجديد…

اباس ان تحترم النملَ المجاهدَ قليلًا..

ما ضرَّ لو كان الضَّبُعُ أنبَلَ من السَّبُعِ…

ألم تُنجب الإغريقُ أكرم الفرسان…

ولم تنتفض بهم أفئدة الصّحاري؟”

– صار الخفافيش سادة الخارطة…

وملوك الرومان هم خرافة الازمان…

ولو لا بــيـــزنطا ما وصل القمح الى الشَّرق..!

تلك تعاليم السيّد الجديد..تلتهمُ رأس ولدي…

تعاليم من يمحوك.. ويسرقُ مجدك…

بعد قليلٍ..سيضيعُ ولدي لون عيونه..

ستقسّمُ خبزة الحلوى..

سيأكــُلُ أطفالي ويفرحون …

وسآخذ نصيبي..من وجع الأخيلة..

بين يدي ذاكرة تضجُّ بالأسئلة..

ستُقسّمُ خبزة الحلوى..

ستمّحي في كلّ نبض مشارقُ الذّأكرة…

سَيَـنْسَى طفلي كلَّ رُسُومنا الفارطة..

ليعاد تشكيل الخارطة..

سُوف عبيد ـ تونس

متابعة قراءة قراءة في قصيدة خارطة رأس السنة لمنير وسلاتي

عروس البحر

إنْ سادَ اللّيل وأسودُه لاَ بُــدَّ اَلشَّــمْسُ تُــبَــــــدِّدُهُ

وتُــنيرُ اَلْـكَـوْنَ أَشِـعُّـتُـها ويَـــجِيءُ اَلْفَــجْـرُ يُجَــدِّدُهُ

فَـتَرَى للأرْضِ وَ قَدْ لَاحَتْ حُـسْـنًـا بِالــنُّـورِتُــنَـضِّـدُهُ

فِي لَوْحاتٍ هِـيَ آيـــاتٌ إِبْــداعُ الـلَّـــهِ تُمــــجِّــــدُهُ

بِــلِسَانِ الطّيْرِ شَــدَا سَحَـرًا سِـرْبًا سِرْبًا يَـتَـهَـجَّـدُهُ

نَــغَمًا وَكَهَمْسِ اَلْبحرِ سَجَا مَا أَرْوَعَ مَـوْجًا هَــدْهَــدَهُ

حُلْمُ الأشواقِ وَقَدْ سَرَحَتْ كَــمْ بَـاتَ اللّيلُ يُــقَيِّـدُهُ

*

وَتُطِلُّ عَرُوسُ البَحْرِ ضُحَى بِـتَمَامِ الحُسْنِ تُجَسِّـدُهُ

سُبْحَانَ اللَّهِ إِذَا أَبْــدَتْ مَــــيَّـاسَ اَلْــقَــدِّ تُـــــؤَوِّدُهُ

فِي ذَاكَ الشَّطِّ وَقَدْ خَطَرَتْ وَالـثَّغْـرُ تـَـبَسَّمَ مَوْرِدُهُ

والشَّـعْرُ تُـعابِــثـُـهُ غَـَنَـجَا طـَــوْرَا يَـْنـحَلُّ فَــتَعْـقِدُهُ

تـَـرْنُـو بِـــجُـفونٍ حَالـمةٍ وَيْــلٌ لِلسَّـهْمِ تُــسَـــدِّدُهُ

نـَحْوَ اَلصَيَّادِ رَمَى شَبَكًا عَـجَبًا لِلصَّيْدِ تَـــــــــصَيَّدَهُ

لمَّا خَصَلاَتٌ قَدْ عَلِقَت مِنْهَا صَاحَتْ تَــتَـنَــــــــجَّدُهُ

لَبَّيْـكِ وغاصَ بلا وَجَل وَغِمَـارُ اَلْمَوْجِ يُـجَاهِــــــدُهُ

بِحَنَانٍ أَمْسكَ مِنْ يَدِهَا وَ اَلْجِـيدَ بِـرِفْــقٍ أَسْـــــنَدَهُ

لَكِنْتيار البحر عتا بِـهُـبُوبِ رِيـَـاحٍ أَبْــعَــــــــــدَهُ

حـَـتّى بَلَغَـا أَنْـأَى جُـــزُرٍ فـَأَقـــامَ اَلظِـلَّ ومَـــهَّـدَهُ

وَ أَفَاقَتْ مِنْ رَوْعِ فَرَأَتْ لِـفَـتَاهَا وَجْـهَا تَــعْـهَـــــدُهُ

كلُّ الدُّنيا صارتْ جَذْلَى لَـكَأنَّ ربــيـعًا تَشْــهَـــــدُهُ

فَـــهَفَا شَجرٌ و نَمَا ثَــمَرٌ مَـيّـَادُ اَلْغُصْنِ وَ أَمْـلَــــدُهُ

و النّخلُ تَهادَى في سَعَفٍ بِـاَلْعِذْقِ تَدَلَّى عَـــسْجَدُهُ

وَالزّرعُ تَـمَايَـلَ مُمْتَلِـئًا بِاَلْحَبِّ قَــريبٌ مَحْصَــــــدُهُ

وَبِسَاط العُشْبِ جَرَى مَرْحًا بِــزُهُورِ اَلْوَشْيِ تُـزَرِّدُهُ

حَتَّى الْبِيدُ اِخْضَرَّتْ لَهُمَا وَ يَــمَامُ اَلْأَيْــكِ يُــغَـــرِّدُهُ

إِثْـنَانِ وَمِنْ طَــيْرٍ شَــهَدَا وَ العُرْسُ اللّيلةَ مَـوعـدُهُ

وَ بِـوَافِرِ صَــيْدٍ أَمْــهَرَهَا وَكَـبَـــدْرٍ بَاتَـتْ تُـــسْــعِدُهُ

زَمَنا عـاشَا أحلَى حُـلُمٍ إِذْ طابَ اَلْعَيْشُ وَ أَرْغَـــدُه

*

وَ أَتَتْ يَومًا فَبَكَتْ أَسَــفًا لاَبُــــدَّ الدَّهـرُ يـُـنَــكِّـدُهُ

قالتاليم يناديني فالـمَــرْءُ وَمـَا يَـتَــــــــعَـــوَّدُهُ

سَأَعُودُ قريبًا لا تَحْــــزَنْ لابُـــدَّ العَهْدَ نُــــجَـــدِّدُهُ

وَجَمَ الصَّيَّادُ وَ لَم يَنْبُسْ وهَــوَى صَرْحٌ قد شَــيَّـدَهُ

وَاِحْلَوْلَـكَتِ الدّنيَا حُــزْنًا وَبَـكَى في الـوَرْدِ تَـوَرُّدُهُ

وَمَضَتْ فِي الأَزرقِ سابحةً لحِقَ الصيُّادُ يُعَـــربدُهُ

يَا هذا البَحْرُ أَعِدْ إِلْـــفي فأجابَ بمَوج يُــــــزْبدُهُ

البَحرُ بِـــمَا فيه مُــلْـكِي فَالـلُّـؤْلُـؤُ لِي وَ زَبَرْجَـدُهُ

وَاَلْحُورِيَّـاتُ حَرِيمٌ لِــي مَا مِنْ أَحَدٍ يَـتَـقَــــصَّدُهُ

فإذَا رَعْـدٌ وَ إِذا بـَــرْقٌ وَكلابُ البحرِ تُـــــطَارِدُهُ

إِيَّــاكَ إذنْ يــومًا مِـــنِّي وَتَـعَالَى اَلْمَـوْجُ يُـصعِّـدُهُ

قَـفَـزَ الصّـــيّادُ على لَـوْح وَ سَــوادُ اللّيلِ يُــغَـمِّدُهُ

حتَّى أَلْـقَـاهُ اَلْمَوْجُ عَــلَى جُـلْمُودِ الـصَّخْرِ يُوَسِّـدُهُ

وَإِذَا اَلْجُلْمُودُ جَرَى دَمْـــعًا لـصدى بـــيت قد ردّدهُ

يَا لَــيْلُ الصَّبُّ مَتَى غَدُهُ أَقِـيَـامُ اَلسَّاعَـةِ مَــوْعِـدُهُ ؟