الأرض عطشى ـ 1980

Ardh_Atcha1
1980

الأرض عطشى ـ للقراءة والتنزيل ـ هنا

الفهرس

البدء 1

ـ الشّمس على جبيني 4

ـ الحذاء 5

ـ رُؤيا 6

ـ المِسرجَة 7

ـ الضِدّ 8

ـ جنيّةُ الرّيح 9

ـ سِنْـفُـونيّة 11

ـ العصافيرُ والماء 12

ـ الطفلُ والسّمَكةُ 14

ـ عُصفُورة 15

ـ بابُ الجنّة 16

ـ صَبيّة 17

ـ لا شيءَ يَستحِقُّ الذّكرَ 18

ـ زرقاءُ اليَمامة 19

ـ الحصانُ الأبيضُ 20

ـ الرّايةُ 21

ـ المجيءُ في اللّيل 22

ـ عِناق 24

ـ النّيل 25

هُناك 26

ـــــــــ البدء

سَريري رَحبٌ اللّيلةَ
يا أفلاكُ اِستريحي بقُربي
دُوري في كفّي كالخُذروفِ
يا سماءُ تَمدّدي على بدنِي
أفصّلُ لك من جِلدي خريطةَ الكونِ
أنتِ
أيّتُها الشّمسُ الغائبةُ خضراءُ
هذا جبيني مَسارٌ لكِ

*

البحرُ يَدخُل الأرضَ من بوّاباتِ السّواحل
أكونُ ساعةَ الوُلوج
القمرُ يحرُثُ صمتَ المقابر
أكونُ زرعَ الضّوء
الليلُ يرُشّ شجرَ الشّوارع
أكون بدءَ الحُلم
أوّلَ الصّحْو في السّاحة

*

أحبّـيني يا موجةَ البحر في العُمق
اِغسليني على السّواحل شريحةً تحت الشّمس
أَحـبّـيني أيّتُها القاراتُ الخمسُ
يا نجومَ السّماواتِ السّبع
صُبّي الضّوءَ في مَسامّ جلدي حتى الذّروة
فالأرضُ عَطشى… الأرضُ عطشى
أَحـبّـيني يا خُضرةَ عُشب المقابر
أحـبّـيني خضراءَ

*

أنا أنتِ أيا أرضُ
بين سِكّة المِحراث وخُطوط الحَرث
أحْيا لحظةَ الدّفق
بدءَ البَذرة تَـنبُت
أنتِ أنا أيا أرضُ
خُضرةُ قمر الليل في النّهر
يصُبّ في حوضي
أنا أنتِ أيا أرضُ
زورقُنا أكبرُ من البحر

*

هذى يدي جناحُ طير
رجلي صخرةُ مِعراج
لحمي
دمي
عروقي
تُربةُ
جذورُ
خضرةُ الشجر
تُـناسلُ عَفَن الأرض

*
أنتِ الخُضرة
أنت الخضرة
أنت الخضرة
أيا أرضُ

لا تسألي عن الخبر
فالسّمعُ
والبصرُ
خُضرة !

ـــــــــ الشّمس على جبيني

تَقطّبتِ الشّمسُ على جبيني
تَمَركزتْ بين عينيّ
حَفرتْ جمجمتي .. تَحفُرُها … تَصقُلها
مِرآ ةُ جبيني
تعكسُ العالم وتذُوب
يا ذوبانَ العالم على جبيني

نشوةُ الحرارة على جبيني
اِعشَوْشبِي
يا طرقاتي اِعْشَوْشبي
يا أخاديدَ جبيني أنبِتِي
أسقيكِ دمى
يا شمسُ
حبةُ قمح أو شعير…ليتَ أني
أو صابةُ زيتون
في وادي غير ذي زرع

الصّيفُ والشمسُ.. والجفافُ
عميقًا عميقا… الأشّعةُ تحفُر جبيني بئرا
إلى قراري

يَعشوشِبُ جبيني
يا….. جفافَ إفريقيا وآسيا
أنا غاطسٌ في عَرَقي

ـــــــــــ الحذاء

جاءَ الربيعُ
سيشتري حذاء
جاء الصّيفُ
سيشتري حذاء
جاء الخريفُ
سيشتري حذاء
عندما اِنقضى الشّتاءُ
تعلّم المَشيَ حافيا…

ـــــــــــ رُؤيا

كان يَرى
في مَا يرى النائمُ
أنّهُ يَغطِسُ في البحر
يتنفّسُ الماءَ و يُلاعبُ الحيتانَ

كان يرى
في ما يرى النائمُ
أنه يَسكُن الشّمسَ
يَصطلي ويُصلّي في قُرصِها

كان يرى
في ما يرى النائمُ
أنه يَغرِسُ نخلةً في البَراري
تَحُط عليها الطيورُ المُهاجِرةُ

… كان يرى
ليتَه كان رأى
التي أحبّها… وتَركتهُ يحلُمُ

ـــــــــــ المِسرجَة

تبكي وتضحكُ
مَثَلُها مَثَلُ أضواءِ المُرور
مَسلوخةٌ حُبًّا و حُرية
في أرضنا المَجروحة
بقطرةِ زيتٍ
في المِسرجة
بحبّةِ قمح
في السُّنبلة
نقتبسُ من الشّمس أشِعّتَها
ونُوزّعُها بَسمةً
بسمةً
بسمةً

ـــــــــــ الضِدّ

الشّمسُ… الشّمسُ
تكاد تُلامسُ السّطوحَ
تُجفّف الثيابَ على حبال الغَسيل
يكونُ اليومُ أحمرَ
في شيءٍ من البَرد
يكون اليومُ أخضرَ
في شيءٍ من النّار
أبيضَ بياضًا
كأنّهُ منكِ و منّي
اليومُ بلا ظلّ
كان أنْ سقطتْ الشّمسُ من قُرصها
صَهَرتنا الشّمسُ
حتى غَدتْ جُذُورُنا باسِقةً
باسقةٌ أصابعُنا
إلى الضِدّ

ــــــــــ جنيّةُ الرّيح

مَنشورةٌ على شُرفة الطابق العُلوي
مِن الجنائن المُعَلّقة
جنيةُ الرّيح تَضْفِرُ شَعرَها
تُزغردُ مع الصّبايا
في هَوادج العَشيرة

جنيةُ الرّيح لبِسَتِ الرّيحَ
في عُرسها
وطارتْ

ما عندي موائدُ السّلاطين
أدْعُوها
ما عندي مزارعُ النّبلاء
أحْصُدُها
وتَدّخِرُ جنيةُ الرّيح للعام القَادمِ

عندي مَا عندي
عندي بحرٌ
في مِحبرتي
عندي عَصا مُوسى
في مِقلمتى
أرُشُّ منها على شَفتيها حُروفي
تبتسمُ
فأقبّلُها قُبلتيْن
قُبلةً على الخَدّ
وقُبلةً في الرّيح

ـــــــــ سِنْـفُـونيّة

حتّى يَنبُتَ على جبيني الزّهرُ
ضُمّي رأسي بين نهديْك
حتّى ينبت الزّهرُ
رأسي كُرةٌ أرضيةٌ تَدورُ
وعالَمٌ مُجدبٌ قَفْرُ
ضُمّيهِ
دَثّريهِ
حتَّى يَنبُت على جبيني الزّهرُ

ـــــــــ العصافيرُ والماء

تَمُدّ يَديْها إلى فَوقٍ
تَقْطُفُ نجمةَ العَصر التي ما أفَلتْ
تَوزّعتْ فُسيفُساء المَسبح
وَسَط الماءِ
صارتْ سهلا
صارت بِساطا
أخضرَ

أنتُنّ صَبايا الحيّ أسائِلكنّ عَنْ واحدةٍ
لونُ أناملِها الماءُ
يَحُطّ الطّير ُ على ضَفِيرتيْها
ساعةَ الهَجيرةِ
تَسْتسْقي
ثُمّ تُولّي أجنحَتَها
شَطْرَ الشُّمُوسِ البعيدةِ

غـَنّتِ العصافيرُ على راحتيْها
تُوقظها / تُوقظني
ذابت الزُّرقةُ في المِحبرةِ
لَكَمْ صَبَغَهُمَا البحرُ
…ونَـحَـتَهُما الموجُ

تَربّعَ تحتَ المنارةِ
ذاتِ السِتّينَ دَرجةً
فِي السّماءِ
يُداعبُ الحَصَى
جَلستْ هيَ
بين يديهِ…

ــــــــــ الطفلُ والسّمَكةُ

في مَرسَى الخَليج طفلٌ
لم يَصطدْ سَمكةً
حتّى عَلَتِ الشّمسُ كبدَ السّماء
وصارتْ على رأسِهِ
كُرةَ جَمْر

*

حينذاك
أخذَ الطفلُ قِطعةَ خُبز… وَ
فِي اللّحظةِ تلكَ
أحَسّ بالقَصَبةِ تَرفّ

*
فَرِحَ بكَ أنتَ

يا بحرُ
بَعدمَا غَرّقتَ البحّارةَ
وَلفظتَ الحِيتانَ
وضربتَ المَرسَى
بالحديدِ !

ــــــــــ عُصفُورة

 

عُصفورةٌ مِنَ العَصافير
لَمْ تأوِ إلى عُشّها هذا المَساءَ
جَـثَم كابُوسُ الدّنيا على ريشِهَا

مَضتْ
حتى اِنطفأتْ مصابيحُ تونسَ
على السّاعةِ السّادسةِ
صباحًا

بَاتَتْ تَقْفِزُ عَلى أسلاكِ الكَهرُباءِ
حينمَا مَرَّ بائعُ الحَليبِ
وتَـلاهُ الخبّازُ على درّاجتهِ القديمةِ
وتحرّكتْ تَـئـزّ عربةُ بائع الفَحمِ
ومرّتْ تعْوي سيّارةُ الشّرطةِ
طارتْ بعيدا بعيدًا
فَوقَ كُلِّ البناياتِ

ــــــــــ بابُ الجنّة

سَنفتَحُ في الجنّةِ ذراعًا
وذراعًا
وذراعْ
مَثْنَى وثَلاثًا ورُباعْ

سَنزْرَعُ في الجَدبِ صَاعًا
وصَاعًا
وصاعْ

فَيَحْصُدُ كُلُّ الجِياعْ

ــــــــــــ صَبيّة

ليلةَ أجَرنا الشُّهُبَ
تَعَشّيْنَا سَواءَ
كلّمَا نَقَصَ الثّريدُ في الجَفْنةِ
زادَ الثّريدُ
أصبحَ الصّباحْ
كلُّ أحدٍ راحْ
رأينا هُناك صبيّةً
أجملَ صَبيّةٍ
في حُفرةٍ مَلقيّةٍ

ـــــــــــ لا شيءَ يَستحِقُّ الذّكرَ

لا شيءَ يَستحقّ الذّكرَ
جلس الرّاوي واِعتدلَ وبَسْمل وحَمْدلَ
وصلّى وسلّمَ
تَذكّر حُزنَ البلدِ
وضِيقَ الدّنيا
ونقطةً في سُويداء القلبِ

حينمَا أرادَ أنْ يتكلّمَ
صَمتَ بُرهةً
وثالثةً فَعل

ثُمّ أخرجَ لسانَهُ
كما يَخرُج الدَّلوُ الخَاوي
من البئر العميقةِ الفارغةِ
وقَال :
لا شيءَ يَستحِقُّ الذّكرَ

ـــــــــــ زرقاءُ اليَمامة

إلى أمل دنقل

لمْ تَعُد تُبصِرُ زرقاءُ اليمامة
ظلامٌ في ظلامٍ
بَلْ غابَ السّمعُ أيضا
صَمتٌ في صمتٍ
لم تُحرّك زرقاءُ اليمامةِ ساكنًا
سُكونٌ في سكونٍ
قُولوا إنّها ماتتْ
وحَطِّمُوا كلَّ المَراصِدِ

ـــــــــــ الحصانُ الأبيضُ

أهدانِي حصانَهُ اﻷبيضَ
بِسَرج مِن الجِلد الأحمرِ
و لجامٍ
وركابٍ مِنْ ذَهبٍ

خَطّ بعصاهُ على الطريقِ
وقال: مِنْ هنا
ومَضى

هَمْهَمتُ
لاحقتُه…ناديتُه… سَيّدي …ياسيّدِي
لم يلتفتْ

في المَدى
تحتَ الشّمس
رُوَيدا رويدًا
تلاشتْ عِمامتُه الخضراء ؟

ـــــــــــ الـرّايةُ

مََن أنتِ
أيّتُها الحاملةُ رايةَ القافلةِ
لأنبِئَكِ باِسمِي
وأقرئَك لَوْحي
وأجعلَكِ دَليلي

*

تَعالِي الليلةَ
إلى خيمتِي
نتقاسمُ حفنةَ تَمر
نجلسُ على الرَمل
فأنا وأنتِ
في سُبحة الشّيخ
في ضياءِ النّجم
في حِداء الّنياقِ

*

أوحِي إليَّ الليلةَ مِنْ لَدُنْكِ
فأنا الليلةَ
قد فَقَدتُ ذاكرتي

ـــــــــــ المجيءُ في اللّيل

الليلةَ
الأماسي يَــبْــيَضّ فيها خيطُ شارعِنا الأسودِ
تَغْرَق طفُولتُنا
في قاع مَنامتِها السّابعةِ
تُتِمّ الأرضُ في عينيك دورتَها
نبقَى جُرحين
مَا نزفا
طائريْن
ما رَحلا
حَطّا على الرّمل

*

الليلةَ
أمْسَيْتِ أرضِي
حَرثي …غَيثي
و وِديانَ سَيلى
منَ العشقِ أزرعُ البراريَ مَشاتلَ فُــلّ

أنتِ غارسةُ الجنائن على بعضِي
ومُنبتةُ الكبريت في بعضي
و حاصدةُ الكلّ

*

الليلةَ
ساعةُ الحائط تدُقُّ طبولَ الغزوِ في عِرقي
ذكرْتُ البارحةَ قميصًا أبيضَ
غَسَلتُه أمّي
نَشرتُ كتاباتي
نثرتُها في الرّيح
وجِئتُكِ الليلةَ
مَع اللّيل !

ـــــــــــ عِناق

ضوءُ بيتٍ اِنطفأ
أُغلِقتْ نافذتانِ
تسلّل إلى المِقبرة شَبحانِ
بدأ الشّبحانِ يلتحمانِ
وتَوسّدا شاهدةَ القبر…

ـــــــــــ النّيل

بحرُ النّيل أخضرُ
فيه الصّيادونَ
فيه الأفلاكُ
فيه الأسماكُ في الشّباكِ

النّساءُ يغسلنَ الثياب بالطّينِ
على الضّفَةِ الأخرى
وقَصبُ النّهر
لم يدرِ
أنّ النّيلَ بالحُزن الأزرقِ يجري

مِنْ زَمن الفَراعنةِ
النيلُ لم يتكلمْ
بحرُ النّيل أبكمْ…

ــــــــــ هناك

هُناكَ

كانت ياسمينةٌ

نَوّارُها

زَيّن الصّيفَ في النّافذةِ

هناك

كانت عجوزٌ تُسبّح في الظلّ

طِفلٌ يَلطمُها بالكرةِ أحيانًا

هُناكَ

كان السَقّاءُ يَربُط حِمارَهُ

يُوزّعُ الماء

فِي حَيّ الفُقراءِ

عُصفورٌ يُزقزقُ في قَفصِ

هُناكَ …