الأرشيفات الشهرية: أبريل 2019

ــ أصوات جديدة في الشّعر التّونسي ـ 1 ــ


تمتاز الحركة الشعرية في تونس بالتنوّع سواء في مستوى لغة القصائد أو في الأشكال الفنيّة وكذلك في تعدّد المضامبن وهذا ما يجعل المدوّنة الشعرية التونسية مختلفة المباني ومتعدّدة المعاني وقد لاحظنا ذلك بمناسبة الأمسية الشعرية التي نظّمها نادي الأدب بجمعية اِبن عرفة الثقافية يوم الجمعة 29 مارس 2019 والتي جمعت أصواتا شعرية متنوعة  لعلها تشبه الباقة التي تتشكل فيها شتّى الورود والزهور أو كالسنفونية التي تنضمّ فيها عديد الأصوات والأنغام في تآلف وانسجام وهذا ما يؤكد المسار الذي دأبت عليه الحركة الشعرية في تونس وهو مسار يمتاز يالتعدد والاختلاف بحيث أنّ كل تجربة شعرية تكاد لا تشبه أخرى قالشعر التونسي شجرة محتلفة الأغصان متعددة الثّمار

متابعة قراءة ــ أصوات جديدة في الشّعر التّونسي ـ 1 ــ

جمالية الاِشمئزاز في القصيدة الأخيرة ليحي السّماوي

http://www.almothaqaf.com/a/b3d-2/935809

جمالية الاِشمئزاز في القصبدة الأخيرة ليحي السّماوي

سوف عبيد

القصيدة الأخيرة: بادئ ذي بدء نقرأ عنوان القصيدة وهو ـ القصيدة الأخيرة ـ والقراءة تحتمل أكثر من معنى فيحتمل أن يكون المقصود أن الشّاعر يعرض علينا آخر ماكتب من القصائد ومن الممكن أيضا أن تكون بمعنى أنّها خاتمة القصائد لديه.. إنها على كل حال تبدأ بداية غريبة عجيبة فلكتابة هذه القصيدة يطلب الشاعر عشرين يدًا وورقةً على مدى الغابة الاِستوائية لأنها قصيدة اِستثنائية لا تقدر يدٌ واحدةٌ على كتابتها ولا ورقةٌ عادية أن تتّسع لها ناهيك عن قلم عاديّ ليكتبها فلابدّ للشاعر إذن من قلم بحجم نخلة أمّا الحبر فإنّ محبرة عادية ليس بوسعها أن تكون كافية لكلمات هذه القصيدة لذلك يطلب الشّاعر أن يغمس ذلك القلم الكبير في مِداد غزير لا يمكن أن يكون إلا من بئر .

فيا عجبا لهذه القصيدة التي لا تقدر على نسخها إلا عشرون يدًا ولا يَسَعُ نَصَّها إلا ورقةٌ بمساحة غابة اِستوائية ولا يمكن كتابتُها إلا بقلم كالنّخلة طولا أمّا حبرُها فهو من مَعين بئر فالمحبرة لا تفي بكتابة نصّها .

أريدُ ليْ عشرين يدًا

 وورقة ً باتساع ِ غابة ٍ اسـتوائـية

 وقـَلما ً بحجم ِ نخلة

مع بئر ٍ من حبر ٍ أسود  ..

ـ 2 ـ

القصيدة الأخيرة ليحي السماوي قصيدة ليست كالقصائد فهي تتحدث عن الفقراء والأطفال والأمّهات وعن تجّار الحروب وعن السّاسة والقرويّات والشّعارات بتعابير جديدة صادمة ومن خلال أوصاف مُغايرة لما تعوّدنا عليه من مفردات مستعملة في سِجِلّات لا تخطر على بال القارئ إنّه تعبير صادم ومزعج يريد الشّاعر من خلاله إحداث الزّلزال القوّي وإيقاع الشّرخ الكبير في المتقبّل للقصيدة لعلّ الشّاعر يبلّغ الهَوْل العظيم الذي أصابه والاِشمئزاز الذي صار يشعر به في وطنه حيث يقول:

فأنا أريدُ

 أن أكتبَ قصيدتي الأخيرة َ..

 عن فقراء يُزاحمون الكلاب َ

 على ما تجود به ِ

  براميل ُ نِفايات ِ المطاعم  ..

 عن أطفال ٍ استبدلوا آنية َ الشـَحاذة ِ

 بالدُمى   ..

وصناديقَ صبغ ِ الأحذية ِ

بالدفاتر المدرسية ِ..

عن الأمهات اللواتي جفـَّتْ أثداؤهنَّ

فخلطن الحليبَ بالنشـَأ  ..

عن تجّار الحروب

الذين  يخلطون الطحينَ بنشارة ِ الخشب  ..

والتبغَ بروثِ البقر ِ..

عن الساسة الذين تخّشـَّبوا

لفرط تشبُّث ِ” عجيزاتهم ” بكرسيِّ السلطة

متسببينَ

 في إصابة الوطن بالبواسير ..

عن القرويات يبحثن في الحقول عن الروثِ والبَعْـر ِ

للمواقد الطينية ِ

 في وطن ٍ يطفو فوق بحيرة  نفط ..

 عن الشّعارات التي اتـَّـسختْ منها الجدران ..

ـ 3 ـ

فاجعةٌ هذه القصيدة حينًا ومؤلمة حينًا وتثير السّخط أحيانا وتبعث على الاِشمئزاز بل القَرف أيضا فقد كشفت الوجه البائس والتّعيس للأوضاع التي يعيشها الإنسان العربي الذي إلى أيّ حدّ يمكن أن نطلق عليه صفة الإنسان وهو يعيش ولا يحيا أو يحيا ولا يعيش…؟؟؟

الشّاعر رافض بل مشاكس وهو غير منسجم مع المتعارف عليه في سلوكيّات النّاس وحتّى في ممارسات مختلف الشّعراء المتهالكين على المنابر والموائد وتظلّ الحريّة هي الطموح والحلم لدى الشّاعر يحي السماوي الذي لا يمارسها إلا في الكتابة :

إليَّ .. إليَّ بأدوات الكتابة

 لأكتب قصيدتي الأخيرة َ

 فأقرأها  لا من على منبر في مسجد

أو مائدة في حانة ..

إنما

من على قمة جبل نفايات الحروب ..

 فأنا لا أمارسُ حريَّـتي إلآ على الورق ..

ـ 4 ـ

فاجعٌ هذا الزّمن بما فيه من ظلم وألم واِنخرام للقيم الإنسانية حتّى صار الوطن قبرا والقبر وطنا…وتلك قمّة المأساة حيث تنتهي القصيدة بخاتمة مفزعة :

ورجائي ـ لو متُّ :

 أن تتركوا عينيَّ مفتوحتين على اتساعهما ..

فأنا أريدُ أن أعرفَ

 أيهما أكثر ظلاما :

 قبري ؟

 أم

 الوطن ؟

ـ 5 ـ

القصيدة الأخيرة للشّاعر يحي السّماوي  قصيدة صادمة دمّرت أسس الجمالية الشعرية المعروفة وأبدعت جمالية أخرى هي جمالية الغرابة بل نقول ـ الاِشمئزاز ـ لكنه اِشمئزاز بديع !

سُوف عبيد ـ تونس

   https://www.soufabid.com/

تعليقات (3)

 

أخي وصديقي الشاعر الكبير والناقد الفذ أ . سوف عبيد : لجبينك مني قبلة بحجم قلبي ، تشفعها محبة على سعة عمري .

إضاءتك النقدية لقصيدتي المتواضعة لم تضئْ يومي فحسب ـ إنما وأضاءت كهف غربتي ـ بل وأيقظتِ النور في عيني المعصوبة منذ غادرت المشفى قبل بضعة أيام ياسيدي … فما عسى عصفور قلبي أن يقول عن فضل بيدرك !

شكرا وشكرا وشكرا سيدي .

 

صديقي العزيز والأخ الكريم سيدي يحي السماوي
الحمد لله اولا على سلامتك وأرجو ان تكون بصحة وعافية لتواصل عطاءك البديع واهنئك بهذه القصيدة التي اعتبرها إضافة نوعية في تاريخ الشعر العربي بما تزخر به من معاني وأساليب فيها الكثير من الجديد والبحث وذلك ما يثلج صدري وانا المتابع لمسيرة الشعر العربي الذي لا يتطور إلا بمثل هذه الجهود فتحية شكر وتقدير وأرجو أن نواصل جميعا على هذا الدأب في سبيل الإبداع والإشعاع.
مع ألف مرحبا للتواصل
soufabid1@gmail.com

 

الاديب الناقد القدير
شكراً لهذه القراءة المبدعة , في محاولة التفكيك والتحليل لرؤى ورؤية احدى قصائد السماوي الكبير . وخاصة ان الابداع الشعري لعملاق الشعر العراقي والعربي , يملك مساحات ضوئية شاسعة من التأويل والتفسير والمعنى , ان المضامين الدالة بالقصد والمقصود , عميقة في دلالة جوهرها في علم الدلالات والتعبير , بسماتها الجمالية العميقة . ان الخاصية الشعرية للسماوي الكبير , بأنه خلاق ومجدد في ابتكاراته في الصياغة الفنية والتعبيرية بشكل فذ . ويقدم بمهارة الشكل الجمالي بشكل غير مألوف , في كل قصيدة يطمغها بشيء مدهش من الابداع , كأنه لم يشبع من براقة الجمال الشعري واللغوي في تكويات القصيدة في الصياغة , وانما يقدم شيء جديد ومبها الى حد الاندهاش , في الصياغة الشعرية التعبيرية , في عمق دلالتها الدالة . وهذه القصيدة وظفت الجمال التصوير الشعري , في مكوناته المدهشة بالابهار. وسلطت الضوء الكاشف بهذا الافق الدال والفسيح , في محاولة ترجمة محنة ومعاناة الواقع المأزوم والمنكوب , في حالة المأساة العراقية . التي فاقت تصور الخيال والمنطق , فاقت بحجمها وزخمها الكبير في المنة الانسانية , الذي يعجز عن الوصف والتحليل والتشخيص . انها معاناة شعب يرمى في حاويات القمامة وروث القمامة . ان الواقع المزري يحتاج الى مجلدات , والى قلم بكبر النخلة العراقية , ومداد من الحبر , بئر من الحبر الاسود . لذا فأن عناوين ابيات القصيدة , التي نزحت الى التكثيف والتركيز . في سبيل اظهار وابراز المعنى الدال بالقصد والمقصود , لدلالات جحيم الواقع , لمحنة عراق اليوم . بهذا الوجع المؤلم , الذي فاض في سيله العارم ليكشف المعاناة العراقية . ان القصيدة تحمل سمة التنوع , بين الاشمئزاز والجمال , والاشمئزاز من حجم المعاناة الفعلية . لوطن اصابه البواسير بنزيف القيح والدماء , من الثعابين التي هي ايضاً اصابها بواسير الكرسي , في اللهاث على صولجان السلطة والنفوذ وفرهدة الاموال بالحرام , من احزاب علي بابا والف حرامي . التي لبست ثوب الدين , وثاني خاصية القصيدة هي جمالية التناول والتوظيف بالقصد والمقصود في براعة جمالية اصيلة غارقة بالجمال
تحية لكم بهذا التناول المبدع ودمتم في خير وصحة
وتحية الى رمزنا الشعري الاصيل السماوي الكبير . اتمنى له الصحة والعافية والشفاء التام بعد اجراء عملية شبكة قرينة العين اليمنى

متابعة قراءة جمالية الاِشمئزاز في القصيدة الأخيرة ليحي السّماوي