صديدُ الرّوح ـ 1989

 

Sadid_El_Rouh

1989

صديد الروح ـ للقراءة والتنزيل ـ هنا أ

الفهرس

ـ ـ آخرُ أحفادِ البَدْو 1

ـ الإبرةُ 1

ـ الأشياءُ 3

ـ اِبتهال 4

ـ اِحتراقٌ 5

ـ عُبور 6

ـ أزْرار 7

ـ أسماء 8

ـ الأحمرُ على الأبيض 9

ـ المِروحةُ 10

ـ اِستراحةٌ 11

ـ أقزام 12

ـ الاِمبراطور 13

ـ البَدوُ 14

ـ البُرنُسُ * 16

ـ البريد 18

ـ البِنَاءُ 19

ـ البَهلوان 20

ـ التّمثالُ والخليجُ 22

ـ القطار 26

ـ الجَملُ 28

ـ الحَبْلُ 29

ـ باقةُ وردٍ 30

ـ الحبيبُ المَوْصُولُ 31

ـ الحسابُ 32

ـ خِزانةُ الفُندُقِ 33

ـ الدّرسُ 34

ـ الرّأسُ 35

ـ الرّسالةُ 37

ـ الرّيحُ 38

ـ ـ السّماءُ التي تَحتَنا 39

ـ البَوصلةُ 39

ـ الرّحَى 40

ـ السّيجارةُ 41

ـ السّيفُ 43

ـ الشِّطرنجُ 44

ـ مع أوْ بِلاَ 45

ـ الصَّبيُّ 48

ـ العصافيرُ 49

ـ العنوان 51

ـ الفارسُ الصّغيرُ 52

ـ الفُصول 53

ـ القامُوسُ 54

ـ القِطارُ 55

ـ الكراسِي المَقلوبةُ 56

ـ الكلمةُ النّاقصةُ 57

ـ أزهَار 58

ـ المِرودُ 59

ـ المِقبرةُ 60

ـ ربّمَا 62

ـ اِسْتِعرَاضٌ 63

ـ العَسلُ 64

ـ المَوعدُ 65

ـ النّارْجِيلَةُ 66

ـ النُّقطة 69

ـ الوردةُ 70

ـ أُمُّ الرّبيع 71

ـ زَمنُ الأزمِنةِ 72

ـ الدّجاجةُ والبَيضةُ 79

ـ إنْصاتٌ 80

ـ أولادُ الحَلال 81

ـ بَراءَةٌ 84

ـ دُعاء 85

ـ ـ بَسمةٌ على فَم المَيّتِ 86

ـ الصَّباحُ الجديدُ 86

ـ بَيرُوتُ 89

ـ تَهنِئةٌ 90

ـ جَدّتِي 91

ـ حديثُ الفتَى 92

ـ حَصادٌ 94

ـ حَفلُ اِستِقبالٍ 95

ـ رِبَاطُ العُنُقِ 96

ـ زَهرةُ اللّوْز 97

ـ سِباقٌ 98

ـ سَبْقُ لِسَانٍ 99

ـ سَعادةٌ 100

ـ شَهرزادُ 101

ـ شَهريارُ 102

ـ صالح القَرمَادي * 103

ـ عارضةُ الأزياءِ 104

ـ عَروسُ البَحر 105

عَصافيرُ الجنّةِ 106

ـ غاسلُ الموتَى 108

ـ غَرنَاطةُ 109

ـ فَصْلُ العَيْنِ 111

ـ قَرطاجُ 112

ـ قَولٌ قُزَحٍ 113

ـ كابُوسٌ 115

ـ مُحمّد البَقلُوطي 116

ـ مُقابَلةٌ 119

ـ وردةُ الرَّملِ 121

ـ لُزُومُ ما يَلزِمَ

1 ـ آخــــرُ أحــفــادِ الــــبَـــدْوِ

 

 

ــــــــــــــــــــــــــ الإبرةُ آخر

التي جَلستْ تَخِيطُ
فُستانَها الأبيضَ


الأمطارُ

تَخيطُ التّرابَ والغَمامَ

بالبَرق

الأنهارُ
تَخيط الجِبالَ والسُّهولَ

بالخَريرِ

الأَشْرعةُ
تَخيط السَّمكَ والطّيورَ

بالأزْرقِ

الرّياحُ
تَخِيط الأغصانَ والثّمارَ

باللّقَاحِ

يا صَديدَ الصّباحِ
مَنْ يُطرّزُ حُزنكَ

بالياسَمينِ

والأفْراحِ

ــــــــــــــــــــــ الأشياءُ

ثَمّةَ أشياءُ
لا بُدّ لها من إكسِير الوقتِ

أوراقُ الرُّوح مَثلاً

تَتَسلّقُ حيطانَ القَبر

عندمَا الرّبيعُ يأتِي

ويَمضِي

ثمّةَ أشياءُ
لابدّ لها من مِكنسةِ الوقتِ

كالذي ـ كانَ يامَا كانَ ـ

الخاتَمُ المَسحُورُ

رأسُ الغُولِ

و أنُو شَروانَ

وثَمّةَ أشياءُ
لا بدّ لها من أشياءَ

كالدَّمِ

للحُريّةِ

ــــــــــــــــــــــــ اِبتهال

هَبِينِي الكلمةَ المَجهُورةَ
النقيّةَ

كالشّمسِ

هَبِيني شُموخَ نخيل الجنُوبِ

في زَحفِ الرّمال

هَبيني شَهيّةَ قَصْعةَ الخَشَبِ

وطعمَ الجَمر

هَبينِي سيّارةَ الطّين

وحِصانَ الجريدِ

لألقاكِ

كمَا نزلتُ البحرَ

أوّلَ مَرّةٍ

ـــــــــــــــــــــــــــ اِحتراقٌ

تحتَ مِظلّةِ السَّعَفِ
في الجُبّة البيضاءِ

بالبلغةِ الصّفراءِ الشّاحبةِ

الرّجُل جالسٌ في ظلّ شَجرةٍ

عندما نهضَ

اِقتربَ مِنَ الطّريق

فَتلاشَى تحتَ الشّمسِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ عُبور

صَبِيّةُ الواحةِ
تَعبُر خَريرَ الماءِ

شَمّرتْ قليلا

لَمعَ المَرمرُ

وسَطعَ ظلّ نجمةٍ

مكنونةٍ

مِنْ عَلٍ

ــــــــــــــــــــــــــــ أزْرار

عَلى جَليز الغُرفةِ
الفارغةِ

فَتحتْ أزرارَهُ

واحدًا

واحدًا

ثُمّ
.
لَبَسَتْهُ

ـــــــــــــــــــــــــــ أسماء

الناسُ في قريتِي
يُسَمُّونَ الولدَ

على الجَدِّ

الذي اِسمُهُ

عن جَدّ الجَدّ

فتحيا الأسماءُ

من عُمْرٍ

إلى عُمْرٍ

وهيَ لم تُغادرْ أبدًا

شاهدةَ القَبر

ــــــــــــــــــــــــــــ الأحمرُ على الأبيض

وَجْنَةٌ حمراءُ
شَفةٌ حمراءُ

أناملُ حمراءُ

تُقشّر أسنانَ الثّوم

صَيفُ النّافذةِ

على بيتِ الجيران

وصبيّةُ الجيران

في صَحنِ البيتِ

تُقشّر لوزةَ القَلبِ

ـــــــــــــــــــــــــــ المِروحةُ

صَيفٌ
مِروحتُها تَميلُ شَمَالاً

سَرْولٌ وياسمينُ يميلُ

يَمينًا مروحتُها تَميلُ

قَمرٌ ومَواويلُ

رياحُ شَمالٍ

رياحُ جنوبٍ

ومسافاتُ

بيننا

ـــــــــــــــــــــــــــــ اِستراحةٌ

الرّجُلُ الذِي
يَستيقظ كلّ يوم باكرًا

يَصقُل على عَجل وجهَهُ

يَرمِي الجذعَ والأطرافَ في الثيابِ

على عَجل

يَقذِفُ الفنجانَ في فِيهِ

على عَجل

يَمتطي القطارَ… يَنزل منهُ

على عَجل

الرّجلُ أصبحَ اليومَ على غير عادتِهِ

ينامُ مِلءَ جُفونهِ

ثُمّ يلبَسُ البياضَ

ببُطءٍ

بعد ذلك يَنزلُ التُّرابَ

على مَهل

ــــــــــــــــــــــــــ أقزام

ليتنَا
نُصبحُ من فصيلةِ الأقزام

الزّهرةُ
في قامةِ النّخلة نَتسلقُها

نجري معَ النّمل

يَسْبُقُنَا

السّلحفاةُ تمرّ مُسرعةً

نَمتطي صَهوتَها

أمّا عِمامةُ الحَلزون
ففي تلافيفِها ننامُ

خدًّا على خَدٍّ

ويا دُنيا

عليكِ السّلامُ

ـــــــــــــــــــــــــــــ الاِمبراطور

مُتَربِّعٌ في الوَقَار
أربعًا وعشرين ساعةً

على أربع وعشرينَ جلالاً

والنّاسُ يطوفُون حولهُ ناظرينَ

يُحدّث نفسَهُ 

أنّهمْ

خاشعُونَ

ليتَ صاحبَ الجلالةِ

يرفعُ يدهُ

مرّةً واحدةً

ليَنفُضَ غُبارَ المتحفِ

على أنفهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ البَدوُ

أجدادُنا البدوُ
كانوا إذا وعدُوا … صدقُوا

فالكلمةُ تخرجُ من الحلق

مرّةً واحدةً… قالوا

كالرّوح تمامًا

أجدادُنا البَدوُ
يَطؤُونَ الحِجارةَ

والرّمْضاءَ

اللّهُ زادُهُمْ

وحَفنةُ التّمر

أجدادُنا البدوُ
كانُوا يُؤرّخُون بعام الصّابةِ

أو بعام الوباءِ

ـ مُحمّدٌ ـ عَلِيٌّ ـ عائشةٌ ـ

عندهُم أحسنُ الأسماءِ

وليسَ في الدّنيا أَحَبُّ لديهِم

مِنَ الخَيْلِ
والنّساءِ

أجدادُنا البدوُ
يأكلونَ ما حَضرْ

يَلبسُون ما سَترْ

يَنزلون و يَرحَلون

ولا ينحنُون لأحَدٍ

مِنَ البَشرْ

فَظلّتِ الأرضُ تحتَهم

أضيقَ من خُطاهُم

وَسابعُ السّماواتِ

لم تكنْ مرّةً

أطولَ من أنْفِ

أقْصَرهِم

نحنُ الأحفادُ
نقضي أعمارَنا في صناديقَ

والصّناديقُ

في عِمارهْ

ثمّ نقولُ أهلاً وسهلاً

بالحَضارهْ

ـــــــــــــــــــــــــــــ البُرنُسُ *

أوصيكَ بالبُرنُسِ
فإنّكَ وحيدٌ

ومُقبِلٌ على اِثنين معًا

سَفَرٍ وشِتاءٍ

البُرنُسُ يا وَلَدِي
خفيفٌ جليلٌ

عليكَ منهُ جناحان

مِنَ الرّأس إلى القَدم تَدَّثَرُ

إن شئتَ فراشًا

إن شئتَ غطاء

سَداهُ صُوفٌ

لَحمتُهُ وبَرُ

فلا صقيعٌ ولا أنواءُ

وفي البرنس مُتَّسعٌ

إذ يلوذُ بك الصّديقُ

فَاِمضِ
تَحرُسُكَ عَينُ اللّهِ

وتَشْمَلُكَ العافيةُ

عندمَا لَوَيْتُ طرفَ البُرنُسِ
على العَاتقِ

ورَحلتُ

كانَ نَجعُ الخِيامِ

بالإبل والأغنامِ

في البُرنُس

كانَ

و يَرتحِلُ

* هوالعباءة في بلاد المغرب العربي

ـــــــــــــــــــــــــــــ البريد

رسَالتُها
جَعل منها زورقًا

أسلمَ الزورقَ إلى البحر

وظلّ يقرأ الأزرقَ

فِي الأزرق

رسالتُهُ
طوَتْها طائرةً من ورقْ

أرسلتْها عاليًا وبعيدًا

فِي الأفُقْ

هُناكَ في المَدى
عندَ خَيط الأرضِ والسّماءْ

يَدان

تتلامسَان

في الشّفَقْ

ــــــــــــــــــــــــــــ البِنَاءُ

بعدمَا جلبُوا الحجارةَ
وأكياسَ الإسمنتِ وقُضبانَ الحديدِ

أحضرُوا الأبوابَ والنّوافذَ والسّتائرَ

ثمّ

نظرَ المُهندسُ إلى الرَّسْم

آخرَ نظرةٍ

ثمّ قال للبنّائين 

هَدّمُوا الآنَ

الدّارَ القديمةَ

ـــــــــــــــــــــــــــ البَهلوان

كانَ يا ما كانْ
في قديم الزّمانْ

وَلدٌ بلا أحدٍ
بلا سَندٍ
إلا قَصبةٌ يُراوحُ أصابعَهُ عليهَا

يُحكى أنَّ الولدَ قَدِمَ يومًا السُّوقَ
لم يُنصتْ إليهِ أحدٌ

حاول مرّةً أخرى ومرّةً

نَهرُوهُ

مَرّتِ الأعوامُ تسُوقُ الأيّامَ
فإذا في السّوق جَلبةٌ

واِزدحامٌ

حَوْل بَهلوان يَشُدُّ في البطحاءِ حبلاً

يُوقِفُ على الحبل

سُلّمًا

يَرفعُ على درجتهِ السّابعةِ

عصًا

العصَا عليها جرّةٌ

الجَرّةُ فيها رُمحٌ

على سِنان الرُّمح

أَجْلَسَ كرسيّا

ثُمّ قفزَ قَفزةً

خَطفَ بها العيونَ

وعَلى الكرسيِّ

تربّعَ

واِتّكأ

كأنهُ مَلِكٌ

على العَرشِ اِستَوي

لحظةٌ … لحظتانِ
ثمّ اِستلَّ مِنْ صدرهِ

قَصبةً قديمةً

وأخَذَ يُغنّي

ــــــــــــــــــــــــــ التّمثالُ والخليجُ*

مِثلما يُيَمِّمُ بَاسِقُ النّخلِ
للشطّ سَعفَهُ

إنّك تُولّي للخليج ظهركَ

أيّها الشّاعرُ

شَبَهٌ بينكَ وبين النّخل اِنتصابًا

عندمَا أغمضتْ البَصْرةُ

جريدَها

هَوى في العينِ عُرجُونٌ

وفي الأزرق وراءَكَ

غَرِقَ سِربُ السّمكِ

في الجُذوع نرَى
الرّصاصَ في صَدركَ مضَى

كالنَّشيج

مِن شَناشِيل

اِبنةِ الجَلَبِي

ألا أيّها الواقفُ
اُخرُجْ من التّمثال

و اِخلعْ عنك لباسَ الحديدِ

لتجلسَ قارئًا على الزُوّار

كتابَكَ الذي في الجيبِ

وإذا الأوراقُ تطايرتْ
بأيِّ ذنبٍ

تلك المدرسةُ

هُدّمتْ؟ 
!

هل يا تُرى في المحفظةِ
قطعةُ حلوى ومقلمهْ

أم في المحفظة شَظيّةٌ

من قُنبلهْ؟
!

وُقوفًا
واجمينَ نظلُّ

كاِنحباسِ الكلمةِ

الكلِمةُ شَفَةٌ

شِفاهُنا هواءٌ في خَواءٍ

وشَفتُكَ حديدْ

ألا أيّها الواقفُ
بين الموج والجريدْ

يُبَرقِشُكَ الرّملُ والملحُ

ينُوشُكَ الصّديدُ

لا تَغمِسْ ريشتكَ

في خليج المِحبرةِ

جُثَثٌ موجُهُ

وتحتَ الزّوارق

دمٌ

واقفٌ
يداهُ برغم الصّديدِ
يدانِ
تَجنيان بَلحًا

يداهُ في الحديدِ
يدانِ
تُسابحان طيرًا

تقُولان 

سلامًا

سلامًا

متَى تعودُ للشّرق

شمسُهُ

الآفلهْ

*هو تمثال بدر شاكر السيّاب في البصرة

ـــــــــــــــــــــــــــــــ الجُرح

في صِبايَ
كمْ ركضتُ حافيًا

في البَراري

على جريدةٍ أمتطيها

حصانًا

والعادياتُ ضَبْحًا
بلا ظُفر تعودُ

أو بالشّوكةِ حتّى العظمِ

لا تُبالي بالألم

ولا بالنّوم

دُون عَشاءٍ

فحسبي أنّني فارسٌ يترجّلُ

ثم يتمدّدُ

على الحصير

ــــــــــــــــــــــــــــــ القطار

هيَ أيضًا
هربتْ من النّافذةِ المُهشَّمةِ

ولاذتْ بالرّكن

مُصابةً

بالزّكام

مِثلَهُ

جلستْ أمامَهُ
أخذَ نظارتهُ

قَرأ

تناولتْ مجلّتَها

غطستْ

قطارُ كلّ المحطاتِ
باردٌ

بطيءٌ

أغلقَ كتابهُ
طوَتْ مجلّتَها

تَوقّفَ القطارُ
أفسحَ البابَ

سارَ وراءَها… سارَ

حتّى غَرِقتْ في أمواج الرّصيفِ

ــــــــــــــــــــــــــــ الجَملُ

الحادِي سكتَ
داعبَهُ الكسلُ

لكنّما الجملُ

سِنامُه تحتَ الشّمس

ويداهُ على الرّمضاءِ

سِرْ في القافلةِ

وحدكَ

أيّها الجملُ

الأحمالُ تَنُوءُ بها

ليستْ لكَ

منَ التّمور لكَ

بعضُ النّوَى 

لهُمُ الهوادجُ

و الواحاتُ

ولكَ النّياقُ

والصّحراءُ

 ـــــــــــــــــــــــــــــــ الحَبْلُ

عندما اِستقبلتِ القابلةُ العجوزُ
المولودَ

وقَطعتْ حَبْلَ الحياةِ

خرجتْ الجارةُ إلى الشُّرفةِ

تنشُرُ الثّيابَ

على…حَبْلِ الغَسيلِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــ باقةُ وردٍ

ثَمّةَ اِمرأةٌ في عَينيْهَا
دِفءٌ

في يَوم البَردِ

ثمّةَ اِمرأةٌ في عينيهَا
نسيمٌ

في يوم القيْظِ

اِمرأةُ الجمال القديم
مرّتِ الأيّامُ

فأبقَى الدّهرُ ذابلَ الوردِ

في عينيهَا

ــــــــــــــــــــــــــــ الحبيبُ المَوْصُولُ

الذينَ أحببتهُمْ
الذين أحِبُّهم

الذين سَأحبُّهم

أخبِّئُ تَصَاويرَهُم دائمًا

في غَياهبِ القلبِ

وعندَ الزِّحَامِ

سَقطوا

مِنْ جَيْبِ الصَّدر

ـــــــــــــــــــــــــــــــ الحسابُ

واحدٌ مَع واحدٍ إثنانِ
إثنانِ مع واحدٍ ثلاثةٌ

ثلاثةٌ مع واحدٍ أربعةٌ

أربعةٌ مع واحدِ خمسةٌ

خمسةٌ مع واحدٍ سِتّةٌ

ستةٌ مع واحدٍ سبعةٌ

سبعةٌ مع واحدٍ ثمانيةٌ

ثمانيةٌ مع واحدٍ تِسعةٌ

تسعةٌ

في تسعةٍ

في عَشْرَةٍ

في مائةٍ

في ألف

وألفٍ زائدَهْ

كمْ تُساوي؟

الطفلُ الفلسطينيُّ أجابَ :
لا تُساوي حِجارةً

واحدَهْ

ــــــــــــــــــــــــــــ خِزانةُ الفُندُقِ

يُرتّبُ أشياءَهُ
في خِزانةِ الفُندق 
:
القميصُ الأبيضُ

كفَى به يومًا

إذنْ في الرُّفِّ الأعلَى

الحذاءُ
في الرُّف الأسفل

مع الجريدةِ طبعًا

رباطُ العُنق الحريريُّ
دَسَّهُ في الرّف الأوسطِ

مع البِيجَامَا

أوصدَ بابَ الخزانةِ
رآها في المِرآةِ

تُلملم أشياءَها في الحقيبةِ

ثُمّ

قالت 
:
ـ غدًا هو السّفر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ الدّرسُ

في دَرس البلاغةِ
جلسَا جنبًا إلى جنبِ

رسمَ قلبًا

رسمتْ فيهِ سهمًا

نعم

البلاغةُ إيجازٌ

ـــــــــــــــــــــــــــــــ الرّأسُ

رأسي
أسودُ أبيضُ

رُقعةُ شطرنجٍ

بيادقُها غارقةٌ في الدّمْ

فُرسانُها يُسوّسُها الهَرمْ

رأسي
مُربَّعٌ… مُستطيلٌ

صُندوقٌ قديمٌ

مُكسَّرُ الألواحْ

قِصْدِيرٌ ومَساميرُ

و إكسِيرُ جراحْ

رأسي
مُدَوَّرٌ مُكَوّرٌ

كرةُ قَدمْ

تَحملُ حروبَ

ومجاعاتِ العالمِ

وكلّ مَا في العالم

مِنْ ألمْ

يا أطفالَ الشّوارع…هَيَّا…إليَّا
و اِقذِفُوا رأسِي

بِأرجُلِكُمْ ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــ الرّسالةُ

الجُنديُّ
مِنَ الجَبهةِ

كتبَ 
:
عندما أُغمِضُ عينيَّ

أراكِ يا أمّي

أمامي

كتبتْ إليه سَريعًا 

اِفتحْ عينيكَ يا ولدي

فالعدُوُّ

أمامَكَ

ــــــــــــــــــــــــــــ الرّيحُ

مرحبًا أيّتُها الرّيحُ مرحبًا
بِرَملِكِ

و حَصاكِ

لامِسِي بابِي

بنَقرةٍ واحدةٍ يَنفتحُ

لا رتاجٌ

ولا مِفتاحٌ

إلاّ خشبٌ من جِذع نَخلٍ قديمٍ

سَلختهُ الشّمسُ بِظُفرها

الحَامي

فأضحَى أخاديدَ

مِن أيّ فِجاجٍ بعيدةٍ

وصلتِ

أيّتها الرّيحُ ؟

شَجرًا

مَطرًا

كانتِ الصَّحراءْ

  2 ـ السّـمـاء الـتي تحـتـنا

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــ البَوصلةُ


أخطأتِ البوصلةُ

مرّةً واحدةً

وأشارتْ

إليكِ … هناكَ

في الجنوبِ

ــــــــــــــــــــــــــ الرّحَى

حَفنةً حفنةً
القمحُ ينهمرُ

يَسْحَقُهُ حَجَرُ

حفنةً حفنةً

الدّقيقُ يمضِي

يُسقِطهُ الغِربالُ

الفتَى ناعسٌ

تُهَدْهِدُهُ شَنْشَنةُ الفضّةِ

في مِعصمِ البِلّور يَدُورُ

وأغنياتٌ

للذي في الصَّيفِ

مرةً واحدةً في العام

يعودُ

تَدَحرجتِ الشّمسُ على الحَصير

عندما القمحُ اِنتهَى

أفاقَ الفتَى

بعدما العُمْرُ اِنقضَى

وجدَ نفسَهُ

في قلبِ الرَّحَى

ـــــــــــــــــــــــــــــ السّيجارةُ

ما أطيبَهُ ذلك السَيّدُ !
في أناقتهِ السّوداءِ المُحترَمةِ

يُساعدُ الأطفال والشّيوخَ

على قَطع الطّريق

كأنّما الدّنيا

في سَعادةٍ

….
وسلام

ما أنبلَهُ ذلك السيّدُ
يُفارقَ دفءَ السّرير

قبل مُنتصَف الحُلم

مُتسللا بهدوءٍ

كيْ لا يُزعجَ الزوجةَ الحُبلى

والأبناءَ

السيّدُ سيظل واقفًا
حتّى السّادسةِ صباحًا

يَمُرّ السّاهرونَ

يمرّ السُّكارى

يمرّ عُمّال الفَجر

والقِطط

السيّدُ ذلك
الطيّبُ والنّبيلُ

أخطأ هذهِ المرّةَ

ربّما من التّعبِ

ربّما من السّهَر

أو لعلّه مِنْ رُوتينِ العَمَلِ

فَلم يَضَعْ سِيجارتَهُ

على المنفضةِ

وضَعَهَا

بكل أدبٍ

على صَدري

ثمّ قال مُبتسِمًا
:
ـ الآنَ

نبدأ التّحقيق
!

ــــــــــــــــــــــــــــــ السّيفُ

ذَاتُ جلال كالسّيفِ
لها رقّةٌ مِثلُ حَدِّ السّيفِ

بسمتُها صفاءُ نَصْلِ السّيفِ

ناعمةٌ كأنها قبضةُ السّيفِ

كأنَّ بينِي وبينَهَا ثأرٌ

لا يُشفَى إلاّ

بِضَربةِ السّيفِ

ــــــــــــــــــــــــــ الشِّطرنجُ

ضاعتْ بكَ المسالكُ
ضاقت بك الممالكُ

يا خاسرًا بيادقَهُ

واحدًا

واحدًا

هلكَ الأفيالُ

واحدًا

واحدًا

اِنهارتِ القلاعُ

واحدةً

تِلْوَ

واحدةٍ

يا أيّهَا المَلكُ
المُتوَّجُ بالأحزانِ

أغمِضْ عينيكَ الآن

لا صوتٌ …ولا حركهْ
فالأصابعُ تمتدُّ

نحوَ الملكهْ
!

ـــــــــــــــــــــــــــــ مَعَ أوْ بِلاَ

نحنُ نَحيَا
نبكي نحنُ

أحيانًا نحنُ نبتسمُ

بالصّداقةِ نحيا أو بِلا صداقاتٍ

بالخُبز المُبارَكِ نَحيا

أو بلا قُوتْ

بالحريّةِ نحيَا

وبلا حُريّةٍ نحنُ نَموتْ

معَ البَنِينِ نَحيا وبلا اِبنٍ نحيَا
بالعَقل أو فِي الجَهل نحيا

في الحَربِ نَحيا أو في السّلامْ

والمرءُ تَسحَقُهُ رحَى الأيّامْ

ثقيلةٌ… رَتيبةٌ

والأعوامْ

المرءُ – أمامَ الجَلاّد – قَدْ يجعلُ
مِن الخَنافسِ أصدقاءْ

فليسَ بِوِسْعِهِ أحيانًا

إلا أنْ يَعشقَ العفاريتَ

في الفَضاءْ

مَعَ أو بِلاَ أمَلٍ النّصرِ نحيَا
مع أو بلا خَفَقان القلبِ نحيا

مع أو بلا حِرفَةِ الحِبْرِ نحيَا

فهؤلاءِ السُّعداءُ أصحابُ الألقابْ

مَنحتهُمْ شَهادةٌ اِبتدائيةٌ

بلا حسابْ

أكثرَ مِنْ جائزةِ نُوبِلْ

للآدابْ

بالضَّمير أو بلا سَفَرٍ نَحيا
على خَطأ أو بلا غلطٍ نحيا

والمرءُ يَستنشِقُ شَذَى الفَطائرْ

عائدًا من دَفْنِ الأحبّةِ

في المَقابرْ

معَ شَقائق النُّعمانِ
أو بلا رَيْحانِ نحيَا

بالاِستحسانِ أو بالاِسْتِنكار نحيا

فالمرءُ يعودُ كل يوم إلى بيتهِ

ولمْ يُعبّرْ بِحُريَّةٍ

عن رأيهِ

بالحُبّ أو بلا أحبابٍ
سَنحيَا

في الأفراحِ في الأتْراحِ

سنحيا

بالأمل في الإيّابِ

أو مَعَ طول الغيابِ

سنحيَا

نحنُ نحيَا
نبكي نحنُ

وأحيانًا نحنُ في اللّجامِ نَبتَسِمْ

بِرغمِ المُصيباتِ

والهَرمْ

لنعيشَ الحياةَ على هَوانَا

برغمِ المَمَاتِ

برغم العَدمْ

أصل القصيدة بالفرنسية للأديب الأستاذ صالح القرمادي وهي منشورة في ديوانه ـ اللّحمة الحيّة ـ AVEC OU SANS ـ الصّادر سنة 1970 بتونس


ــــــــــــــــــــــــــــــ الصَّبيُّ

الصّبيُّ غَدَا سَيّدَ الكَونِ
لديهِ الشّمسُ

يَضعُها في جَيبهِ

أو يَركُلُها أنَّى شاءَ

الصّبيُّ لديهِ الأسماكُ…الوحوشُ

والأطيارُ

أقلامٌ مُلوِّنةٌ

وورَقةٌ بيضاءُ

أمامَ الصّبيِّ

ــــــــــــــــــــــــــــ العصافيرُ

بِمُرور العُمر
نَسِيَ تمامًا متى وأين وكيف ؟

أحبَّ العصافيرَ

إلاّ أنّهُ إلى اليوم

عندما يُدخل يدَهُ في جيبهِ

لكأنّه يُلامسُ زَغبَ الفراخِ

صوتُها النّاعمُ

ناعمٌ

إلى حَدّ الصّراخِ

مَناقيرُ القمح يدُهُ
حفيفُ الألوان حولهُ

تَحُومُ… ثمّ تطيرُ

بعضُها نحو الغاباتِ

بعضها عبْر البُحيراتِ

بعضها صَوْبَ الطّلقاتِ

وبعضُها رَفرفَ وزقزقَ

حتّى شاخَ وماتَ

في عُشّ القلبِ

حطّتْ عصافيرُ
طارت عصافيرُ

والولدُ الكبيرُ

مازال يَطرُقُ بابَ قفصٍ

أكبرَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ العنوان

وقفَ المُسافرُ في السّاحةِ
يسألُ عن العُنوان

أجابهُ الأوّل

ـ إلى اليَمين

ثمّ رُويدًا رُويدا نَحوَ اليسار

ـ شُكرًا

أجابه الثّاني

ـ إلى اليَسار

ثمّ رُويدًا رويدا نحو اليمين

ـ شكرًا

حَمل المُسافرُ حقيبتَهُ

ومضَي

إلى الأمام

ــــــــــــــــــــــــــــ الفارسُ الصّغيرُ

لا بأسَ على الفَارسِ
إذا تَرجّلَ

أو تَمدّدَ على الحَصيرِ

أوْ

نامَ بعافيةٍ

وسلامٍ

إنّمَا ويحَهَا تلكَ العَصَا

مِنْ جريدِ نَخلٍ قديمٍ

فِي الصّباح تُحرّكُ جَمراتِ الفُرنِ

وعندَ المساءِ

تُمسِي حِصانًا لاهثًا

طُولَ اللّيلِ يَظلُّ واقفًا

ينظرُ إلى المِخلاةِ

في الزّاويةِ

ــــــــــــــــــــــــــــــــ الفُصول

الخريفُ للحُقولْ
الشّتاءُ للسّيولْ

الصّيفُ للطّبُولْ

الخريفُ للنّخيلْ

الشّتاءُ للبُرتقالْ


للعامِ الثّاني

عَلى التّوالي

ربيعٌ

بِلا

رَبيعْ

ــــــــــــــــــــــــــــــــ القامُوسُ

أ – إسرائيلُ
ب – بترُول

ج – جَماهيرُ

د – دُولار

ه – هَبْ… هَبْ… في الخُطبْ

و – واحَرَّ قَلبَاهُ

على فَصَاحةِ العَربْ 
!

ــــــــــــــــــــــــــــــ القِطارُ

يَنطلقَان فِي نَفْسِ الوقتِ
يعُودَان في الوقتِ نَفسِهِ

مَكانُها

دائمًا جَالسةٌ

في العَربةِ الأولَى

مكانُهُ

دائمًا ـ واقفٌ ـ

في آخر عَرَبةٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــ الكراسِي المَقلوبةُ

إلى رَضوان الكُوني

بابُ المقهَى العاشرةُ صباحًا
يدخُل الدّاخلُ

يدخل الحاضرُ

يدخل الغائبُ

يدخل صاحبُ الأحذيةِ

يدخل صاحبُ ـ صاحبةِ الجلالةِ ـ

يدخل صاحبُ النظارةِ السّوداءِ

يخرُجُ صاحبُ النظارة الخضراءِ

يُبادلهُ التحيّةَ

والكرسيَّ

في المقهَى المُجاورِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــ الكلمةُ النّاقصةُ

عندَ ذَروةِ الحَشرجةِ
سَتَطفُو إلى حَلقِكَ كلِمةٌ

ظلّتْ راسبةً طول العُمر

في قَاعِ المِحْبرهْ

عندمَا هَمستَ حرفَها الأوّلَ

كانُوا يُدلُونكَ في التّرابِ

ثم اِصطفُّوا للعزاءِ

عند بابِ

المِقبَرهْ
!

ــــــــــــــــــــــــــــــــ أزهَار

مِزهريّةُ النّحاس
في الرّكنِ

والعنكبُوتْ

أتُراها تنتظرُ باقةً

تأتِي

أم تَسترجعُ ربيعًا

يَفُوتْ؟
!

ــــــــــــــــــــــــــــــــ المِرودُ

إلى محمود قَفصيّة

التي بُرجُها بالماء
جلستْ

تُكحّل عينيها بالبحر

عندَ الوداع

كان السّمك

يَتلألأ

فِي عينيها

ـــــــــــــــــــــــــــ المِقبرةُ

تَمضِي الفُصولُ
تمضي الأعوامُ

الشُّمُوس تمضِي

تمحُو بياضَ القُبور

والسّحابْ

المقبرةُ المنسِيّةُ
في أعالي الهضابْ

ينهمِرُ الأزرقُ

يَعْشَوْشِبُ الأخضرُ

لا أحدٌ ينزل من النُّجوم

لا أحدٌ يصعدُ مِنَ الشِّعابْ

يقرأ فاتحةَ الكتابْ

حتّى الطيورُ لا تَجِيءُ

تَرْتجِي

حبّةً أو قَطرةً

ليتَها على الرّؤوس تستريحُ

تنقرُ الأحلامَ

وتفتحُ الأهدابْ

المِقبرةُ المَنسيّةُ
في أعَالِي الهِضابْ

يَشتهي المَرءُ فيها يمُوتْ

بلا كفنٍ

بلا جنازةٍ

ولا تابوتْ

ـــــــــــــــــــــــــــــ ربّمَا

قد يَحدُثُ مرّةً
أنّ النّهرَ يَسأمُ عادتَهُ

يَنْبِذُ مَجرَاهُ

ويتراجعُ إلى النّبع

ربّما الشّمسُ هي أيضًا

تصحُو ذاتَ صباح

مُعَصّبةَ العَينينِ

بِثَقيل النُّعاسِ

فتُخطئُ البابَ

وتُشرقُ مِن الغَربِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ اِستعراض

رَجُلٌ
و رَجُلٌ

ورَجُلٌ

كمْ مِنْ رجالٍ

مَرّوا

بَين رِجْلَيْهَا
!

ـــــــــــــــــــــــــــــــ العَسلُ

بعد شَهر العَسل بقليل
الحِنّاء تَتفسّخُ

تميلُ إلى البياض

الأظافرُ المُقلَّمةُ اللمّاعةُ

تعُود إلى المِكنسةِ

و حَبل الغسيلْ

بعد شهر العسل بقليلْ

الدُّوارُ

الغَثيانُ

الثّيابُ تَضيقُ قليلا … قليلاً

و يُصبحُ العسلُ

في مَذاقِ

المَرارةِ 
!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ المَوعدُ

باتتْ لدَى العاشقةِ الفقيرةِ
مُشكلةٌ
:
كيف ستذهبُ غدًا

إلى موعدِ الشّاطِئ

لا يَهُمُّ
سَتغتسِلُ بالماءِ

فقطْ

بِخرقةٍ ستُلمّعُ الحذاءْ

الشَّعرُ

تَضربُهُ خيمةً مُبلَّلةً

تحتَ صافِي السّماءْ

ثمّ راحتْ غدًا
إلى البحرِ

ماءً يَقطُرُ

على

ماءْ

ــــــــــــــــــــــــــــ النّارْجِيلَةُ

صَومَعةٌ
مِئذنتُها الجَمرُ

جيدُها البِلّورُ والنّحاسُ

قَدُّها الماءُ والأنفاسُ

مُنتَصِبةٌ

رَقراقةٌ

والشّذَى

المُتعَبُ مُستَريحٌ

عندَها

كَمَنْ تجلسُ في حَضرتهِ

أحلى النّساءِ

بيضاءُ اِمرأةُ الحَيّ العتيقِ
في لِحافِها الأبيضِ

تَشُقُّ العَتَمَةَ

بيضاءُ سَاريةُ المَرمرِ

عندَ قَوسِ الزُّقَاقِ

بَيضاءُ عِمامةُ الشّيخِ

بِرغم عُكاّز الثّمانينَ

مازالَ يَرفُلُ في الجُبّةِ البيضاءِ

لا يَنحنِي إلاّ لبَلغتِهِ

فَيَشرَعُ صِبيانُ الكُتّابِ

في مَحْوِ الألواحِ

وغِناءِ البَسْملةِ

يا اِمرأةَ بُرج النّار
بُرجِي بالماءِ

ما بَالُ تَاجِكِ أصبحَ رمادًا

ما بالُ صَدري أضحَى بالخَريرِ

هذا الغُلامُ يَهُبُّ بالجَمرِ

والمِرْوحةِ

ـ سيّدِي

تَمُرُّ العَصا البيضاءُ
بِجاهِ الأولياءِ الصّالحينَ

وببَركةِ الجُمُعةِ

تَمُرُّ عَدَسةُ السَّائح

بائعُ السّجائر

عَناوينُ الورَقِ

يَمُرُّ الياسَمينُ

في رحلةِ العَرقِ

شَمسُ البِلّور بينَ القِبابِ
بيضاءُ أناملُ الماءِ

عَلى الحَصيرِ

تَرسُمُ أحلامَهَا

في الزّاويةِ

ظلالاً

على جَبينِ الصّيفِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــ النُّقطة

إلى إدريس بن الطّيب

نُقطةُ الباءِ سوداءُ
في غَياهبِ الجُبِّ

يا يُوسُفُ

نقطة النّونِ سَوداءُ

في بطن الحُوتِ

يا يُونُسُ

نُقطةُ الحَبيبةِ

نارٌ في رسالتِها إلى السَّجينِ


ـــــــــــــــــــــــــــــــ الوردةُ

أنا الرّاحلُ من بَلَدٍ
إلى بَلَدْ

راقَتْنِي فِي طريقِي وَرْدَةٌ

يانعةٌ حَمراءُ تَتّقِدْ

أقْطُفُها قُلتُ

كلاّ

حَرامٌ يَلمَسُهَا أحَدْ

عندمَا وصلتُ إلى المَحطّةِ

لَقِيتُها أمامِي

ذابلةً…

مِنْ يَدِ لِيَدْ!


ـــــــــــــــــــــــــــــــ أُمُّ الرّبيع

الشّمسُ تجري على حَبل الغَسيل
ظِلُّ قِلادةِ النَّعناع يدُبُّ

على الحصير

فناءُ بيتِنا مُشَعْشَعٌ

بالأريج

أمّي تُقَطّر الزّهرَ

تُهديهِ للأهل… للأحبابِ

ولحَفيدِها الجديدِ

هذا العامَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــ زَمنُ الأزمِنةِ

ـ إنَّ أيَّ تَشابُهٍ
بينَ هذا الكلام وبين أيّ كلامٍ آخرَ

أو أيّ شخصٍ آخرَ

أو أيّ مكانٍ آخر

أوْ 
:
آخرِ أيّ زمانٍ

إنّما هو مَحضُ صُدفةٍ

وخيالٍ
.فقطْـ

التي وَهبتْ حَلْيَهَا للشّاعر
خلعتْ قُرطها

قالت 
تفضّلْ
نزعتْ سوارها

قالت 
تفضلْ
سلّت خاتمَها

قالت 
تفضلْ
فتحت عِقدَها

قالت 
تفضلْ
ثمّ حلّتْ شَعرها

وقالتْ للطُّيور 
:
اُدخِلي الآنَ بيتَ القصيد

تُزقزقُ طيورُ بابِ البحر
عندَ المساء

لكلّ طير مِنْ شَجَر بابِ البحر

ما تعوّدَ

وشَجيٌّ صوتُ الشّيخ

عَبدِ الباسط عبدِ الصَّمدِ

دمعةٌ

دمعتانِ

ليتنا بِلا أوزارٍ ولا أحزانْ

لكنّها الأرضُ يا طيورَ باب البحر

زرعناها قمحًا

فحصدنا قَيْحًا

كأنها الدّنيا حُبلى

ليسَ ندري ما تلدُ 

زمنٌ يَبلَى ودهرٌ يتجدّدُ

فَبِمَنْ ألوذُ هذا المساءَ ؟

بساريةِ المسجدِ

لستُ على وُضوء

بطاولةِ المقهى

لا أحتملُ الضّجيجَ

وقوسُ الأحمر في الأزرقِ

عند الغُروب دمٌ

في الشّوارعِ تحتَ الأرجُل

تخثّرَ الدّمُ

فَزقْزقِي يا طيورَ بابِ البحر

زَقزقِي

ثم آوي إلى عُشّ الورقِ

واِحلُمِي ما طابَ لكِ

أن تَحلُمي

في دمِي

مِنْ حُدودِ الماءِ
إلى تُخوم الماءِ

عَطشٌ

مِنَ الصّحراءِ إلى السّماءِ

مَضيقْ

زقزقِيفَلا طريقْ

ذا زمانٌ
تحطّمتْ فيهِ

حدودُ المكانْ

ذا زمانٌ

تداخلتْ فيه حدود الزّمانْ

ذا زمانٌ

قُضبانٌ داخل قضبانْ

فَطيرِي ثُمّ طيرِي

إنَّ الألفَ مِيلٍ

تبدأ بالرّيشةِ الأولى 
!

زمنٌ
طيُورُه مِنْ أبَابِلْ

ترمِي الأطفال

بالقنابلْ


زمنٌ

البدرُ مازال يُشبهُ

وجهَ الحبيبةِ

وقدْ وطأتهُ الأحذيةُ


زمنٌ

اللّسانُ العربيُّ

لا يُسمّي

ما في البيتِ العربيِّ


زمنٌ

عجبًا للفصاحةِ

عجبًا للخطابةِ

تُصرّفان فعل ـ ثار ـ

في المُضارع المَجزومِ


زمنٌ

مَنْ يفتحُ المِلفّاتِ 
:
دَاحسُ والغبراءُ

حُروب الرِدّة

الفتنةُ الكبرَى

زمنٌ

أهلا وسهلا ومرحبًا

بالأحبابِ

صارتْ تتضمّنُ في الضّادِ

ـ كم تدفعُونَ على الحساب ـ


زمنٌ

لا هدوءٌ

لا دِفءٌ

لا حُبْ

فالأعصابُ أسلاكٌ

والمشاعرُ

خَشبْ

زمنٌ
حَاتَمُ الطـــــاغِــــــــــــــــي

وَهَبَ بيتَ المال للمدّاحينَ

ولتُجّار السّلاح

فباعُوه الصّديدَ

ثُمّ أشاعَ في المَدارسِ

كتابَ ـ البُخلاء ـ 


زمنٌ

الأسودُ يُصبح أبيضَ

الأبيضُ يُسبِّحُ أحمرَ

الأحمرُ ينامُ أخضرَ

ويستيقظ أزرقَ


زمنٌ

هيَ الألوانُ لا لونَ لهَا

كالحرباءِ

وتَميلُ مع الرّياح

حيثُ لا تعصفُ

 
زمنٌ

يبتسمُ

كالذّبابِ على وجهِ طفل إفريقيٍّ

في زَمَنِ المجاعةِ


زمنٌ

والعُلبُ بالطّعامِ

جاهزةٌ

الثيابُ… جاهزةٌ

الشُّقَقُ مَفرُوشة

جاهزةٌ

الأدمغةُ بالبرامج جاهزةٌ

الشّعاراتُ لكلّ مرحلةٍ

جاهزةٌ

فمتَى يَضغَطُونَ

على زَِرِّ الدّمارِ الجَاهزِ


زمنٌ

لا شمسٌ ولا قمرٌ

آلهةٌ على يَمينٍ

آلهةٌ على يَسارْ

فأيُّ جهنّمٍ

تَختارْ

زمنٌ
حاكمٌ على ظهر دبّابةٍ

والدبَّابةُ على ظُهور الغَلابة


زمنٌ

الصّورةُ الشعريّةُ

و ـ مُباشرةً ـ على الأقمار الصناعيّة

كالتّالي 

البلاطُ والجَواري والحُرّاسُ

المُتنبّي وسيفُ الدّولةِ

وسيفُ الدّولةِ

في صُدور النّاسْ


صاحَ المُخرجُ 

اِقطعْ… اِقطعْ 

وأَصْلحْ يا مُتنبّي

عيدٌ بأيّةِ حالٍ

عُدتَ

يا رصاصْ ؟

ـ اِنقطاعٌ مُؤقّتٌ للصّوتِ والصّورة ـ

ــــــــــــــــــــــــــــ الدّجاجةُ والبَيضةُ

طفلٌ
في ظلِّ شَجرةٍ على الطّريقِ

يبيعُ دجاجةً

مرّتْ سيّارةٌ

لمْ تتوقّفْ

مرّتْ سيّارةٌ أخرَى

لم تتوقّفْ

مرّتْ درّاجةٌ

لم تتوقّفْ

وشاحنةٌ لم تتوقّفْ

وقفَ المُؤذّنُ في الصّومعةِ

وصاحْ

حَيَّ على الفَلاحْ

أفاقَ الطّفلُ

اِنتفضتْ الدّجاجةُ

لمَحَ الطّفلُ بيضةً

طارَ بها

ورَاحْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــ إنْصاتٌ

قال النّسيمُ 
ـ كُنْ شِراعًا… سَتَحْمِلُنِي

قال البحرُ 

ـ كنْ سَمَكًا… ستُغرقُني

قال الجبلُ 

ـ كن جُذورًا… ستُطاولُنِي

وقالتِ النّار

ـ أشعِلْ شمعةً

ولا تَلعَنِ الظّلامَ

ــــــــــــــــــــــــــــــ أوراق

ورقةُ عِنبٍ
ورقةُ تِينٍ

ورقةُ رُمّانٍ

عَروسُ الغابةِ تَخلعُ ثيابَها

على الرّصيفْ

فتَمشُطُ المِكنسةُ

مَفْرَقَ الخَريفْ

ــــــــــــــــــــــــــــــــ أولادُ الحَلال

عندما كُنَّا صِغارًا
كمْ لعبنا في المَزابلِ

نلاحقُ القطط والدّجاجَ

أو باحثينَ عنْ عُلبِ السَّردينِ والطّماطِمِ

نَجعلُهَا خُيولاً وسيّاراتٍ

نُصادفُ إرَبَ الرّسائِلِ

والصُّوَر

نَتهجّاهَا ونَتَملّاهَا سَاخرينَ

إذا كان اليومُ باردًا

نَجتمعُ حَلْقةً نتدفّأ عليهَا

مَكتُوبٌ عليها النّارُ

قلوبُ العاشقين

ليلةَ العيدِ
أيدينا تنامُ ماسكةً بالأحذيةِ الجديدةِ

تحتَ رؤوسِنا

أرجلُنا لا يَحقُّ لها أن تَكبُرَ

كيْ تُناسبَ دائمًا حذاءَ العيدِ المُقبل

لذلك كثيرا مَا نُصابُ بحُمَّى

كرةِ القَدمِ

تَرانا نتسلّلُ زاحفينَ
في القَيلُولةِ

تحتَ نافذةِ سيّدِي المُؤدِّبِ

نَستلّ منها خيطَ النّعناع الدّقيق المتينِ

ثمّ نمضي تحتَ الشّمس

ننبُشُ القُمامةَ

حتّى نظفَرَ بالخِرق

نَلُفّها في جَوِربٍ مُهتَرئ

بِحَبل المَسَدِ

ولا يأتي المساءُ حتّى تطيرَ الأظافرُ والأصابعُ

والكرةُ

ريشًا في السّماءِ

اِشتعلتْ عينُ سيّدِنَا مرّةً
ويحَنا

زَجرَنا بالعصَا 

ـ يا أولادَ الكلابْ

دُسُّوها في التّرابْ

حَفرنَا في الأرضِ إلى الرُّكبتيْنِ

ووقفنا في الجنازةِ واجمينَ

نَدْفُنُ حيًّا يُرزَقُ

ذلكَ الشّيطانَ الجميلَ

عُدنا
غَسَلنا سَبْعا كلَّ الأصَابع

مِنْ تلكَ المَزابلِ

أنهَضُونَا باكِرًا مِنْ غَدٍ
إلى المدرسةِ

فَرَشَّنَا الحِبْرُ حتّى أمسيْنا نَرى الدّنيا

سَرابًا أسودَ

بعدمَا كنا نَرْتَشِفُهَا بالألوانِ

تحتَ الشّمس

سنواتٌ في سنواتٍ
صارتِ المزابلُ عماراتٍ وساحاتٍ

ذاتَ مَزابلَ أكبرَ

تَمرَحُ فيها مَلائكةٌ أخرَى

وإلى الأبدْ

ــــــــــــــــــــــــــــ بَراءَةٌ

ـ سَأخطُب لكَ اِمرأةً
يا أبي

ـ ويحَكَ… صاحتِ اﻷمُّ بالصَّبِيِّ

ـ كيْ أتَزوّجَكِ

يا أمّاهْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــ دُعاء

شَجرةٌ وحيدةٌ
اِسْتوْحشَتْ مَرّةً

فاِلْتَوتْ على جِذعِهَا

أفعَى

3 ـ بـــــســمــةٌ عــلى فــم الـمــيّــــت

ــــــــــــــــــــــــــــ الصَّباحُ الجديدُ

صَباحُ كسَلِ السّرير
والزّوجةِ النّاعسةِ

صباحُ الجُلوس على الكرسيّ الأبيض

صباحُ الوُقوفِ للسيّدةِ المِرآة

صباح الشّفرةِ العَجلى

صباح الدّمِ

القهوةُ جاهزةٌ والمائدةُ
صباحُ تشابُكِ الملاعقِ

بأنامل السّكّرِ

مِنْ شَقِّ النّافذةِ يَسري بَردٌ

يُدخِلُ فينا صباحًا

آخرَ

بِلّورٌ
صَومعةٌ 
سَحابةٌ فَوقَهَا
شَمسٌ في طريقِ رَوضةِ الأطفَالِ

لابُدَّ مِن تَحيّةِ الكلبِ الجَرمانيِّ الأصِيلِ

يُغافِلني الصّبيُّ

أصِيحُ بهِ أنْ لاَ

لكنَّ الصّبيَّ يَقتربُ

يُداعبُ

ويُقبّلهُ

يَفرحُ جاري

كلّ صباح يُهنّئنِي بالولَدِ

فأهنّئُه بالكلبِ

كلَّ صباح

إنّ الأسئلةَ عندَ الفتَي
لا تَنتهي

يَدُهُ الصُّغرَى

حُروفُهُ الأصغَرُ

تُسابقُ شَجرَ الرّصيفِ

تُطاولُ الظّلالَ

دائمًا هُوَ الأطولُ

وخُرافةُ الملك والصيّادِ
يقتلُهُ 
لا يقتلهُ
عندَ أوْج العُقدةِ

تَنْفتحُ عُقدةُ الحذاءِ

إذنْ

نَتوقّفُ نَربِطُ الخيطَ

يَضربُ بقَدَميهِ

كلاّ… كلاّ

نُكْمِلُ الخُرافةَ أوّلاً

عندَ بابِ مَمْلكةِ الصِّغارِ
ظلاّنِ يتقَاربانِ

يتَداخلان في قُبلةٍ

ثُمّ اليَدان تَنْصَرمانِ 
:
واحدةٌ ذاهبةٌ إلى اللّعِبِ

والأخرى عَائدةٌ

إلى التَّعَبِ

ــــــــــــــــــــــــــــــ بَيرُوتُ

طِفلَةٌ
الطّيُورُ

تُسَمّيهَا طائراتٍ

الحدائقُ

تَرسُمُهَا حرائقَ

الكراريسُ

في مِحْفَظتِهَا مَتاريسُ

ليلةً

خبّأتْ قِطعتيْنِ مِنَ الحَلوَى تحتَ المِخدَّةِ

ثُمّ نامتْ تحلمُ بالبحرِ

عندَ الصّباحِ

وَجدُوهَا في المِيناءِ

بِثلاثِ رصاصاتٍ

في رأسِهِا

ـــــــــــــــــــــــــــــــ تَهنِئةٌ

أيّها البَغلُ
إنّ عائلةَ الفلاّح تبدُو

وراءَ الإسْطبلِ سعيدهْ

فهنيئًا لكَ

بالمحراثِ الجديدِ

وبالعَربةِ الجديدهْ

ــــــــــــــــــــــــــــــــ جَدّتِي

ما أشهَى عصيدةَ المَوْلدِ
بِيَدِ جَدّتِي

بِرغمِ أسمائِنا لا تُنادينَا

إلاّ بأسمائِها

الذي وُلدَ في شَعبان

ـ يا شعبانُ

الذي وُلد في رمَضان

ـ يا رمضانُ

وجَدّتي

كانتْ تَصُومُ الإثنينَ والخَميسَ

وتُحِبُّ دُخولَهَا القبرَ

يومَ الجُمعةِ

رحمَ اللّهُ جَدّتي

تمنّتْ دائمًا

أن ترَى

ليلةَ القَدرِ

ــــــــــــــــــــــــــــــــ حديثُ الفتَى

غابَ الفتَي
أينَ الفتَى

بَحثُوا… حرثُوا… حَصدُوا

ومَا عادَ الفتَى

زمنٌ مضَى

وما أحدٌ رأى ذاكَ الفتَى

صارَ الحديثُ حديثَ الفتى

حدّثتْ أمُّهُ قالتْ 

كإخوتِهِ… غيرَ أنّهُ

قليلُ الطّعامِ

كثيرُ السّؤال

سألنِي مرّةً 

لماذا النّخلةُ أطولُ منّي ؟

عندما ماتتْ أختُهُ

عامَ الرّمَدِ

لم يَبكِهَا

إنّمَا قال 

القبرُ رَحِمُ الأرضِ

عَنْ بعضِ أترابهِ أنّهُ أليفٌ

سريعُ العَدْوِ

يُلاعبُ العقربَ والحيّةَ

سُئل أبوهُ
بعدَ طول الغيابِ

لم يَقُلْ شيئًا

أطرقَ ومَكرَ بهِ الدّمعُ

والفتَى

أوْغَل فِي طريقْ

بلا زادٍ
بلا رفيقْ
دَقَّ عظمُهُ

حتّى أنَّ الشّمسَ لم تَجدْ منهُ

ما تُخلّفُ للظلّ 

ذاتَ مساءْ

على مَشارفِ الحَيّ

لاحَ الفتَى

طارَ كلُّ الحَيّ نحوَ الفتَى

باليًا أغبَرَ عاد الفتَى

على الرّمل هوَى

بَكَى …وبكَى

حتّى صارتْ عيناهُ

كأنّهُمَا الأحْجارُ

والأرضُ مِنْ حَولهِ اِرْتوَتْ

حتّى صارتْ جنّاتٍ

تَجري

مِنْ تحتِهَا الأنهارُ

ــــــــــــــــــــــــــــــــ حَصادٌ

وَيحَهَا السُّنبُلهْ
كلّمَا نَمَتْ أكثرَ

كلمَا اِقتَربتْ

مِنَ المِقْصَلهْ
!

ــــــــــــــــــــــــــــــ حَفلُ اِستِقبالٍ

وردةٌ سَاهرةٌ
في صَالةِ الأفراحْ

والشّوكةُ نائمةٌ

في يَدِ الفلاّحْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ رِبَاطُ العُنُقِ

إلى عَزّوز الجُمْلي

الرَّجُلُ ذُو القَميصِ
الأبيضِ

وعُقدةِ الرّباطِ

الحَريريِّ

يتأمّلُ المِرآةَ كُلَّ صَباحٍ

تَراهُ هل يَرَى

الرَّجُلَ المُقابِلَ

المَشنُوقَ


ــــــــــــــــــــــــــــــ زَهرةُ اللّوْز

البارحةَ
في رَحِم الشّتاءِ

أمسَى زِفَافُ العَناصرِ

بِالرّبيعِ

فَرأيتُ هَذا الصّباحَ 

اللّوزةَ تَنشُرُ

ثَوبَ عُرسِهَا

وتُخفِي في التّلافِيفِ

قَطَراتِ الخجل…!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ سِباقٌ

إلى رَشيد خشانة

بيتُها فَوقَهَا
آمنةٌ مِنَ الأفعَى

و العَنقاءِ

فِي البَرِّ والبَحرِ

رُوَيدًا

رُويدًا

يَجري الذِي يَجري

يَقْفِزُ مَنْ يَقفزُ

وَتَسْبُقُنَا سُلحفاةُ

ــــــــــــــــــــــــــــ سَبْقُ لِسَانٍ

 

كتَبتْ المُعلّمَةُ عَلى السبّورةِ
كلمَا رأيتُ قَفصًا

تذكرتُ العُصفورَ

قَرأ التّلميذُ

كلّما رأيتُ قفصًا

تَذكّرتُ الحُريّةَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــ سَعادةٌ

اِسمُهُ
سعيدٌ

اِسمُها
سعيدةٌ


ساكنانِ في حَيّ السّعاةِ

جَرسُ السّادسةِ

أقدامُ الجيرانِ

وصَوتُ الأذانِ

سَاعتانِ

زِحَامُ المُواصلاتِ

عَشْرُ ساعاتٍ
هُوَ آلةُ خِراطةٍ

هِيَ آلة خياطةٍ

سعيدٌ 
سعيدةٌ
جالسانِ على العَشاءِ

ثُمَّ

ـ تُصبحينَ على خيرٍ 
تُصبحُ على خيرٍ
أسْدَلا الغِطاءَ

ـــــــــــــــــــــــــــــ شَهرزادُ

القصرُ ذُو السّبع قِبابْ
عَتباتُهُ

أيّها المَلكُ السّعيدُ

مِنَ المِسكِ والعَنبرِ

ستائرهُ الحريرُ والدّيباجُ

مِنَ الذّهَبِ كانتِ الأبوابْ

طلعَ الفجرُ

صاحَ الدّيكُ

والملكُ

في الأحلامِ غابْ

عندما سَكتتْ شهرزادُ

أصبحَ القصرُ

خرابْ

ــــــــــــــــــــــــــــــــ شَهريارُ

 

أيّهَا الغارفُ البحرَ
والمُغربِلُ فيهِ عَنِ الحَصاةِ التي تَنِزُّ

بالنّبْعِ العَذب 

إنّ النّساءَ اللّواتِي تَخلّلنَ أصابعَكَ

واِنسَابتْ ذوائبُ ضَفائِرهِنَّ

على صَدركَ

ثُمّ اِنسلخنَ مِنْ قَبضتكَ

كالأمنياتِ في الجَيْبِ المَثقُوبِ

وَيْحَكَ

مَا مَسكتَ منهنّ غيرَ أذنابِ الأفاعِي

وحَراشِفَ جِيَفِ السّمَكِ

تَمرّغتَ عليهَا

في فِجاجِ المِلحِ


اللّيلةَ

سَتَنتظِرُ الدّيكَ

طويلا

شَهرزادُ أمستْ

خَرساءَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــ صالح القَرمَادي *

 

لأنهُ الشّتاءُ
تركتَ المَوقدَ يشتعلُ على مَهَلٍ

لأنهُ الظلامُ

بَاتَتْ غُرفتُكَ تُضِيءُ حتّى الصّباحِ

لأنّهُ الموتُ أعمَى

تركتَ النظارةَ على الصّفحةِ الأخيرةِ

ولأنّهَا قلعةُ النّحاسْ

اِنْسَلَلْتَ فجرًا

كنّا في سَابع نُعاسْ

*هو الأديب والشاعر صالح القرمادي المُتوفّى سنة1982 في حادث أليم وكان من أساتذتي البارزين في كلية الآداب بتونس

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ عارضةُ الأزياءِ

 

بالعَرضِ والطّولِ
عُيونٌ وعَدَساتٌ

ألوانٌ وأضواءُ

إيقاعٌ وخَطَواتٌ

ثَوبٌ للسّهَرِ

ثوبٌ للسَّفرِ

ثوبٌ للشّتاءِ

وثوبٌ… بلا كساءٍ

اِنتهَى الحَفلُ

خلعتْ الأثوابَ الجديدةَ

قبل أن تُرتّبَهَا لمْ تَنسَ أنْ تَنْفِضَهَا

تلكَ عادةٌ قَديمةٌ

مِنْ غُبار القَريةِ

ــــــــــــــــــــــــــــــــ عَروسُ البَحر

جالسٌ
فِي يَدهِ قَصَبةٌ

مِنَ الشَّمسِ إلى الشّمسِ

يُطعمُ مِنْ أصابعهِ إنْ أوعزَ الطُّعمُ

عادتِ الفُلكُ

دارتِ الأفلاكُ

ومَا لامسَ الشِصُّ ـ يا خيطَ العُمر ـ

عَروسَ البحر

ــــــــــــــــــــــــــــــ عَصافيرُ الجنّةِ

بِنْتُ الأخضرِ
اِسمُها خَضراءُ

عينُها خضراءُ

مِنَ الوشاحِ إلى الأسَاور خضراءُ

عُصفورةٌ من عصافير الجنّةِ

دُونَهَا الأسلاكُ

شائكةٌ

ـــــــــــــــــــــــــــــــ عيُون

 

زرقاءُ العينين
توغّلتْ في الغابة

صارتِ الغابةُ بحرًا

الأشجارُ أمواجًا

الأطيارُ أسماكًا

خضراءُ العينين
غاصتْ في البحر

صار البحرُ غابةً

الأمواجُ أشجارًا

الأسماكُ أطيارًا

ذاتُ العصَا البيضاءِ
ليْتَ الشّمسَ وضُحاهَا

والقمرَ إذا تلاهَا

فِي عَينيْها

ــــــــــــــــــــــــــــــ غاسلُ الموتَى

كلَّ صباحٍ
يتفقّدُ غاسلُ الموتَى

الخيطَ الأبيضَ والإبرةَ

ثمّ يُغادر بيتَهُ

مُتوكلا على اللّهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــ غَرنَاطةُ

إلى لوركا

أربعُ رصاصات
خامسُها مُسدَّسٌ

ذلك ما يحتفظ به دائمًا

لذكرى الحربِ الأهليّةِ

الجنرالُ عادَ للمرّةِ الأولى
مِنْ مَكتبهِ

باكرًا

عَلى مَهَلٍ
الرّصاصةُ الأولى

في قلبِ الزّوجةِ

المُخلصةِ

الرّصاصةُ الثّانيةُ
في رأسِ الصّديقِ

العزيزِ

الرّصاصةُ الثّالثةُ

في ظَهر الخادمةِ

الأمينةِ

الرّصاصةُ الرّابعةُ
وصوّبَ نحوَ رأسهِ

كلاّ

فتحَ النّافذةَ على مِصراعيْهَا

بدَا لهُ قِرْميدُ غرناطةَ
أحمرَ

أحمرَ

وَسَطَ الزّياتينِ

إذنْ
غدًا

سَيُطلقُ النّارَ

على المُتظاهرينَ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ فَصْلُ العَيْنِ

عَينُ أوّل الكلامِ
عينُ وسَط الكلمةِ

في آخرها عينٌ

عينُ شجرةٍ

عينُ إبرةٍ

عين خَمّارةِ

عين سيّارةٍ

عينُ نَفْسٍ

عينُ شَمسٍ

عينُ يُنبُوعٍ

عينُ رَمدٍ

عينُ حَسدٍ

عينٌ بلا عينٍ

أصلحَ الرّاوي عِمامتَهُ

ثمُّ شَرعَ فِي العَنْعَنَةِ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ قَرطاجُ

يدُهُ اليُمنَى
تحتَ صدرِهَا

يدهُ اليُسرى

تحتَ ساقِها

أسندَها إليهِ بلطفٍ

حتّى وضعَ الرّأسّ

بين النّهدينِ

حرّكها هُنا حرّكها هناكَ

والمرأةُ العاريةُ لا تُحرّكُ

ساكنًا

رُويدًا رويدًا

أدخلَ العامِلُ تِمثالَ المَرمرِ

إلى المَتْحَفِ

ـــــــــــــــــــــــــــــ قَولٌ قُزَحٍ

بائعُ السّجائرِ
الذي يُدخّنُ

بائعُ الفحمِ

حسابُهُ على الجدار

بالطباشِيرِ

الخيّاطُ

قميصُهُ بلا أزرارٍ

الإسكافِيُّ

حذاؤهُ يبتسمُ

لحذاءِ الحريفِ

الذي يبكِي

النّجارُ

دارهُ بِلا بابٍ

بابُ الحدّادِ

بلا قُفلٍ

حارسُ المقبرةِ

مَيّتُ وحيدٌ

في حياةِ الأمواتِ

السّاعاتِي

ساعاتهُ المُعَطبَّةُ

وقتُها صحيحٌ

في اليوم

مرّتينِ

مُتسوّلٌ

وفي الإصبُع خاتَمٌ

صاحبُ الحمّام

ـ النّظافةُ من الإيمان ـ

ومالهُ من الوَسخ

الحلاّقُ

لسانُه على ما يُرامْ

وشَفرتُهُ

على رَقبةِ

صاحبِ الكلامْ


ـــــــــــــــــــــــــــــــ كابُوسٌ

البارحةَ في المَنامِ
رأيتُني في المِرآةِ 

الرِّجْلُ في الكَتِفِ

الأنفُ في البَطن

الأذنُ على الصَّدرِ

العَينُ على الظّهرِ

بِلاَ يدينِ اليدانْ

مَذعورًا أفقتُ

فوجدتُ الإبرةَ والخيطَ

بينَ الشّفَةِ

واللّسانْ
!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ مُحمّد البَقْلوطِي


الدُّميةُ المُبَعثَرةُ هناكَ

ساهرةٌ على الجَليزِ

فَتَحتْ جفنيها لتَلقَاهُ

إنّه المفتاحُ يَنفتِلُ في البابِ

دَورةً

دَوْرتينِ

الثّالثةُ قَدَمٌ على العتبةِ

ويَدٌ على زِرَّ النُّور

عادةُ الدّخول إلى بيتهِ ليلاً

الدُّميةُ تَهرَعُ إليهِ ثمّ تتراجعُ

تَتَنَحَّي جانبًا

ليتَها تَقفِزُ… تُلامسُ جَفنيهِ

وتُعانقُ

و ـ قاحلةٌ خُطاهٌ ـ
يَمُرُّ أمامَ مِرآةِ الرِّواقِ

عجبًا

تُديرُ وَجههَا

فتعكسُ نورهُ عليها سوادًا

اللّيلُ ظِلُّ النُّجومِ

تَزعمُ لا تراهُ

كذلكَ الأصحابُ

ينتقلونَ حِذوهُ مِنْ رصيفٍ

إلى خريفٍ

حتّى ساعةُ الحائطِ
تباطأتْ دقّاتُها لمَوعدهِ

ثمّ تهالكتْ عقربًا

على لدغةٍ

زمنًا لمْ تَرهُ إليهَا يرنُو

فَيَا مَرارةَ الزّمنِ

في مُقلتيهِ

و يا سُمّ الشّمسِ

مِنْ نوافذَ لا تُضيءُ

يُضيءُ
شارحًا صدرَهُ للأحبابِ

بالأحضانِ يداهُ

يَتملاّنِي

حتّى بَصماتِي

فِي ذَبذبةِ الصّوتِ

بيتُهُ البحريُّ في المدَى
بياضٌ بينَ الزُّرقتينِ

و مَنارةٌ

للعاشقينَ

ــــــــــــــــــــــــــــــــ مُقابَلةٌ

السيّدُ س
يدعُو السيّدَ ع

إلى القهوةِ

اِجلسْ على راحتِكَ قال

إنّني على عَجَل أجابَ
الجَوُّ خانقٌ
والحَرُّ لا يُطاقُ

سارعَ السيّدُ س إلى السّيجارةِ
بادرَ السيّد ع إلى الولاّعةِ

ناٌر… دخانٌ
.صمتٌ

منذُ أعوام لم نلتقِ
الدّنيَا أضاعتنا

السيّدُ س صحيحٌ قال

ثمّ قال السيّدُ ع

بل تَجاهلتَنِي مرّةً

ومرّةً أخرى ناديتُكَ

فلم تَلتفِتْ

هل نَسيتَ القَميصَ الوحيدَ

نلبسُهُ معًا

نَغسِلهُ معًا

نُرَقِّعُهً معًا 

الخيطُ بينَ أصابعِكَ

الإبرةُ فِي كفِّي 

يدُهُ اليُمنَى

في يَدِي اليُسرَى

يدُهُ اليُسرى

في يدِي اليُمنَى

ثمّ نَربط رباطَ العُنقِ

عُنُقِي عُنُقُكَ

وحَبلُ الأعوام


ـــــــــــــــــــــــــــــــــ وردةُ الرَّملِ

أُغنّيكِ للبحر
لِطيُور البحر 

عَلى زَبَدِ البَحر أغنّيكِ 

أغنّيكِ للرّيح

بأنامِلِ الرّيح 

فِي هَمسِ الرّيح أغنّيكِ 

أغنّيكِ للرّمل

بِحريرِ الرّملِ 

نرسُمُ وردةَ الرّملِ 

أغنّيكِ

في العاصفةِ
مَكثتُ أغنّي 

وأغنّي 

حتَّى غَصَصْتُ 

بِأغنيتِي ؟

ــــــــــــــــــــــــــــــ لُزُومُ ما يَلزِمَ

إلى عبد اللّه مالك القاسمي

لَيْسَ بِوسعِ الوردةِ
إلا أن تُصبحَ أجملَ

قَبل أن يُباغتَها المِقَصُّ

أوْ… قبلَ الرّبيعِ

يَفُوتْ

ليسَ بوسع الفَراشةِ
إلا أن تُرفرفَ

قبلَ أن تَقعَ فِي قَبضةِ الصّبيّ

أو
في خُيوط العَنكبوتْ

عُصفورُ القَفصِ
عليهِ أن يُزقزقَ

وأن يُغنّيَ للحريّةِ

قبل أنْ يموتْ