عاليا…بعيدا

عاليا-بعيد-1

2015

عاليا بعيدا ـ للقراءة والتنزيل ـ هنا ـ imp

الفهرس

ـ يَسألونك عن الثّـورة… قُلْ
ـ تُونسُ الآن وهُنا
ـ سِيدي بُوزيد
ـ مِفتاحٌ
زَغاريدُ الجَنازةِ
ـ الطاحُونةُ
ـ رَمضانُ أبي
ـ الوداع
ـ كُراتُ الشّمس
ـ المحفظةُ
ـ غُمْراسِنُ
ـ وائــــــل
ـ الأغنية اليتيمة
ـ الكمنجة
ـ في بلاد الياق ياق
ـ الأحمرُ والأبيضُ
ـ حسناءُ البُحيرة
ـ العاشقُ الأخيرُ
ـ الوردة والشكلاطة
ـ مقام الوجد
ـ الشّجرةُ الدّامعةُ
ـ البُحيرة
شَبَقُ اَلْوَرْد
ـ السَّلَمُون
ـ وراء الشّمس
ـ العنكبوت
ـ في الحفل
ـ زهرة التّوليب
ـ أبجديّة
ـ الكروان
ـ السّلحفاة والغزالة

 

ــــــــــــــــــــــ يَسألونك عن الثّـورة… قُلْ

يَسألونكَ عن الثّورةِ
قُلْ
عندمَا يُرفرفُ العَلمْ
ونَرى الشّهداءَ فيه
واحدًا واحِدًا
ومَا وَهبُوهُ مِنْ دمْ
ويحنَا إنْ نحنُ نَسِيناهُم يومًا
فلنْ ينفعَ النّدمْ
*
يَسألونكَ عن الثّورةِ
قُل
عندمَا نستخلصُ من الماضي الدّرُوسْ
وتمتلئُ بالخير النّفوسْ
سَيّانَ في الحَقّ
الرئيسُ والمَرؤوسْ
*
يسألونك عن الثّورة
قلْ
عِندمَا نختلفُ ونختلفُ
لاَ بُدّ أخيرًا نأتلفُ
في اِحترامٍ ونظامْ
دائمًا
نَمضي إلى الأمامْ
*
يسألونك عن الثّورة
قلْ
عِندما نعترفُ
أنّنا قد نُصيبُ وقد نُخطئُ
وأنّنا لسنا أنبياءَ أو ملائكهْ
فقَد تتمزّقُ ثيابُنا
في الأسلاك الشّائكهْ
*
يسألونكَ عن الثّورة
قُل
عندما يُقلّم كلُّ واحدٍ منَّا
أظافرَ الأنانيّهْ
فيُعطي أكثرَ مِمّا يأخُذُ
بِمَحبّةٍ وعفويّهْ
*
يسألونكَ عن الثّورةِ
قُل
عندما تُصبحُ الصّحافهْ
حَصافةً وثقافةً ولطافهْ
لا نَشرَ غسيل
وسَخافهْ
*
يسألونك عن الثّورة
قل
عندما تُصبحُ المَزارعُ والمصانعْ
بلا اِستغلال أو اِستِذلال
ولا يَبقَى في الشّوارعْ
عاطلٌ أو جائعْ
*
يسألونك عن الثّورة
قُل
عندما يَسودُ الأمنُ والأمانْ
وكل النّاس مُتضامِنُون إخوانْ
مِنْ بنزرتَ إلى بنقردانْ
*
يسألونَك عن الثّورة
قُل
عندمَا تنطلقُ في سَاعتِها المُواصلاتْ
وتَصِلُ في مواعيدِها إلى المحطّات
وعندما نقفُ صَفًّا صفًّا
نكونُ عَشْرةً أو ألْفًا
*
يسألونكَ عن الثّورة
قُل
عندما تزْدَانُ بالزُّهور النّوافِذُ والشُّرفاتْ
وتَكونُ نظيفةً
جميعُ الطرقاتْ
*
آنذاكَ…
إذا سَألوك عن الثّورة
فَقُل
تونسُ الخضراءُ
تُونسُ حُرّهْ
وأنجزتْ ثَورهْ !؟

ـــــــــــــــــــــــ تُونسُ الآن وهُنا

مُحامٍ في سَوادِه والبياضِ
واقفٌ وسَطَ السّاحةِ
يُنظّمُ حركةَ المُرور
التّلاميذُ على الأرصفةِ
يَجمعُون النّفاياتِ
بائعُ غِلال على شَاحنتهِ يُنادِي
ـ مَنْ ليس لهُ ثَمنٌ … بلاشْ
باقةُ وردٍ على مِدفَع دبّابةٍ
مُظاهرةٌ قادمةٌ من الشّارع الكبير
لا عجبَ في تُونسَ الآن
بل عَجيبُ العَجبْ
المُتظاهرُون، هُمْ جماعاتُ الشّرطةِ
وأعجبُ العَجبْ
اِبنُ خلدون واقفٌ في تِمثالهِ
وسَطَ خِضمِّ الجُمُوع
رأيتُه…نَعمْ رأيتُهُ يُخرِجُ دواةً وقَلمًا
ثمّ يكتبُ بيدهِ صفحةً جديدةً
مِنَ ـ المُقَدِّمةِ ـ

ــــــــــــــــــ سِيدي بُوزيد

مِن أينَ الوُصولُ إليها ؟
شَمالا،
القيروانُ
أسوارٌ وأبوابُ
جَنوبًا،
الفَيافِي دُونَهُ والسّرابُ
غَربًا،
مُوحشٌ دربُهُ
لا رفيقٌ ،لا صَديقٌ
أينهُمْ…هُمُ الأحبابُ ؟
الشّرقُ
قلبهُ على الشّرق
مِلَلٌ …نِحَلٌ
إماراتٌ…وألقابُ
إذنْ
كيف الطّريقُ إليها ؟
أجابهُ أوّلُ العابرينَ في المُفترَق
ـ على اليمينِ
ثمّ رُويْدا رُويدا نحو اليسار
شُكرًا سيّدي
أجابهُ الثّاني
ـ على اليسار
ثُمّ قليلا قلِيلا نحوَ اليمين
شُكرا سيّدي
الثّالثُ أجابَ مُهَمْهِمًا ببعض الكلامْ
فقال لهُ… عليكَ السّلامْ
ومَضى في طريقِه
حثيثَ الخَطْو يرنُو عاليًا…بعيدًا
إلى الأمامْ
بَوصلةُ القلبِ هي الدليلُ
باردٌ…باردٌ…هذا اليومُ أيضًا
كمَا كانَ
منذُ عامٍ
وعام
شَجرُ رأسِِ السّنةِ يتهيّأ للفوانيس المُلوَّنةِ
بالهدايَا
والمرايَا
تَعِبتْ مِنْ تَمَعُّن الفَساتين
ومُوضةِ التَّسريحة الجديدة للشبّان
والصّبايَا
باردٌ…باردٌ…..هُو اليومُ أيضا
مِثلمَا منذُ عامين كان
حَسنًا…حَسنًا
سيُغادرُ بعضُهُمْ البلادَ
ليرَوْا القُطنَ البَاردَ في بلادِ الإفرنج
وعندَ تَمام مُنتصفِ اللّيل
يَهرعُون إلى الشّوارع والسّاحاتِ
راقصينَ مُتْرَعينَ
مَعاطفُ الفَرو كفيلةٌ بالدّفْءِ
لا بأسَ
لا بأس
دِفءٌ وسلامْ
دفءٌ وسلامْ
و…آمينَ… آمين على مَن بَقِي مِن العبادِ
في البلادِ
فإذا كان ولا بُدَّ
ولا مَناصْ
فالرّصاصْ الرّصاصْ والرّصاصْ
عامٌ مرَّ
وعامٌ
ولا خلاصْ
لا قَصاصْ
والرّصاصُ
ما يزالُ هُو الرّصاصْ
فَسلامٌ على مَن أسلمَ الرّوحَ
واِحترَقْ
عندما اِنسدَّ في لحظةٍ
أمام عينيه الأفُقْ
قالوا اِحترَقْ… قالوا اِحترَقْ
لمْ يَحترقْ
لم يحترقْ
مَنْ أضاءَ في دَياجِينا الطّرُقْ
لَمْ يحترقْ
لم يحترقْ
والذين كانُوا ينعَمُون
في الفِيلّاتِ وفَاخر الشُّقَقْ
اِستلمُوا البلاد
على طبَقْ
لمْ يَحترقْ
لمْ يحترقْ
ذاكَ الشّهيدُ وهو في آخر رمَقْ
أوصَى الجريحَ قُربهُ
قائلا في قلقْ
ـ حَذارِ… أن تُسرقَ الشّمسُ
وهيَ تعلُو
في الأفُقْ
ـ حذار… أن تُسرقَ الشّمسُ
وهي تعلُو
في الأفق

ـــــــــــــــــــــــ مِفتاحٌ

إلى كمَال حَمدِي

بعدَ عشرين عامًا مِنَ الزّنزاناتِ
تَعلّمتْ يدُهُ أدقَّ التّفاصيلْ
من الخِياطةِ…إلى الغسيل
تعلّمت الخَربشاتِ… ورُسوماتِ الجدار
ومُغازلةَ الكتابْ
نَسِيَتْ يدُهُ فقطْ
كيفَ تُديرُ المِفتاحَ
وتفتحُ البابْ

ــــــــــــــــــــــ زَغاريدُ الجَنازةِ

إلى شُكري بِلعيد

أراكِ فتحلُو الحياةُ * ويُزهرُ جَدبُ الغُــــــــصُونْ
فأنتِ الهواءُ وأنتِ السّماءُ ونُورُ العُــــــــيُــــونْ
أخضراءُ أنتِ وُجُودِي * جُدودِي ومَهْدُ البنيــــــنْ
فسُبحانَهُ مَن بَـراكِ * بحُسنِكِ كلُّ الفُـــنُــــــونْ
ولكنّكِ اليومَ ثكــلى * بفقدِك ليْثَ العَــــــــرينْ
مَعَ الصُّبح ودّعَ بِنْـتَيْهِ * ضَمًّا بلُطفِ الحَـنُــــــونْ
وحُبٍّ لِكُلّ البـــلادِ * بصَافِي الهَوى والحَـــــنيـنْ
فَوَاحَـرَّ قلبي عليـهِ * جَسُورٌ ولا يَستــــــكــــينْ
مَشَى ثابتَ الخَطو غيرَ * مُبال بِذاك الكـــــمِينْ
أعَدّوا رصاصاتِ غَدْر * إلى صَدرهِ والــجَـــــبِينْ
سيَحْيَا وإن قَتلــــوهُ * ومَرحَى لهُ مِـنْ دَفــــينْ
وفِي جَنّة الخُلد صَار * إلى سَلسبيل مَـــــــعينْ
سَلامٌ عليه سلام عَــــــــلى كلّ قلبٍ حَـــــزينْ
ولاحَتْ علاماتُ نَصْر * برغْم الأسَى والأنــــــينْ
زغاريدُ فَخر تَعالتْ * فشَقّتْ غُيومَ السُّـــــكونْ
نِساءُ بلادي نساءٌ * وألفٌ وحِصنٌ حَــــــصيـــنْ
ودَوّى نشيدُ حُماةِ الحِـــمـى مِنْ كفاح السّـنيـنْ
بمليُون صَوْتٍ ونصفٍ * تعَالى حَماسُ الشّـجُونْ
هو الشَّعبُ أوْفَى الوَفِيَّ * وخَيّبَ كلَّ خَـــــؤونْ
فَقُلْ للّذي جاءَ يَغزُو البلادَ بفتح مُــــــــبيــــــنْ
فلسطينُ نادتْ فهَلاَّ غزوتَ لقُدْسٍ مَـــهِيـــــنْ
لَديكُمْ هُناك مُلوكٌ * وقَدْ أفسدُوا مِن قُــــرونْ
فَكونُوا دُعاةَ الرَّشادِ * لخَير ونُصْح ثَـــــمِــــيـنْ
هُنا الدّينُ أرسَى الوئَامَ * سَماحًا بِلطفٍ ولـيــنْ
ومَهْمَا اِختلفْنا فَحَتمًا * على بَعضنَا لا نَــــهُــونْ
هَلمّوا جميعًا بحُبّ * فَنُعلِي شِـراعَ الـسّفــيـــــــنْ
ونَرْنُو إلى الشّمسِ لاحتْ * أضاءتْ ظلامَ السّجُونْ
جميعًا سنُرْسِي وفَاقـــا * جميلا ،يَسارًا يَــــميــــنْ
على كل لوْن وشَكل * لأجل البناءِ الــــــمَــتِيــــنْ
فَيَهْنَأُ كلُّ شَهِـــــــــــيدٍ * ويَأمَلُ كلُّ جَـــــــنِــيــنْ
أخضراءُ، صَبْــرًا عَلينا * بدُونِكِ لا…لَـــنْ نَــكُـــون

ـــــــــــــــــــــــ الطاحُونةُ

أبوابُها مُصَفّحةٌ
حِجارتُها مِنْ صَلْدِ الصَوّان
حِيطانُها تُرسُخانةٌ من إسمنتٍ وحديدٍ
تدورُ بالرّيح
إذا مَا خَفتتْ أو سَكنتْ
تدورُ بالنّفط
إذا اِنتهَى النّفطُ والغازُ
تَدورُ بالكهرباءِ
إذا توقّفَ
تدورُ بالماءِ
إذا جفّتِ اليَنابيعُ والسَّواقي
تدورُ مِنَ الآبار بالدّلاءِ
إذا غارتْ
تَدورُ بالسّيُول والأنهار
إذا عَمَّ الجفافُ ولم يَسقُطِ المطرُ
و لم يبقَ إلا الحَجرُ
تدورُ بأمواج البِحار والمُحيطاتِ
إذا نَزحتْ
تدورُ بمِلح السِّباخ
إذا بلغتِ التّرابَ
الطّاحونةُ تدورُ بالسّواعدِ
سواعدِ العبيدِ
إذا تَحرّروا يومًا
تدورُ بعرق الكادحينَ
إذا أضربُوا
تدورُ بدُولاراتِ أصحابِ المِلياراتِ
إذا أفلسُوا
الطّاحونةُ تَطحَنُهُمْ
و تدورُ بحقائبِ الوُزراءِ
إذا أُقِيلُوا
تدورُ بكراسِي الرّؤساءِ
إذا سَقطُوا في اِنتِخابٍ أوْ فِي اِنقلابٍ
الطّاحونةُ تُطيحُ بعُروشِ الأمراءِ وبتِيجان المُلوك
إذا عَصَفتْ بهم الثّوراتُ
الطّاحونةُ تَطحَنُ الشّعوبَ
تَعصِرُها
تدورُ بدِمائِها
وتقولُ هَلْ مِنْ مَزيدٍ ؟
تطحَنُ القَمحَ و الشّعيرَ
الحِنطةَ / الأرز/ القهوةَ / السّكرَ
تقول هَل مِن مَزيدْ ؟
تَطحَنُ القَصَبَ/ الصبّارَ/ السِّدر / الحَلْفاءَ
هل مِنْ مزيدْ
تَطحنُ التّينَ والزّيتون/ النّخيل/ اللّّيمونَ / اللّوز
والمَوزَ
هل من مزيدْ ؟
تطحنُ الغاباتِ الحدائقَ / الورود/ الزهور
الياسمينَ
هل مِن مزيدْ
تَطحنُ الخيولَ / الخرفان/ الأبقار/ الغِزلان
العصافيرَ
والفَراشاتِ
هل من مزيدْ
الطاحونةُ تطحن الأسوارَ / الأهراماتَ / بُرجَ بابل / بُرج إيفِلْ
جدارَ الصّين
حَنايا قَرطاجَ
أعمدةَ البَتْراءِ
مَنارةَ اﻹسكندرية
كوليزي رُوما
ناطحاتِ السّحابِ
هل مِنْ مزيدْ
الطاحونةُ تَطحنُ الجِبال والبلدانَ
هل مِن مزيدْ
تَطحَنُ الأرضَ والبَشرْ
هل من مزيدْ
تطحنُ القَمرْ
هل من مزيدْ ؟
الأفلاكَ والنّجومَ
الطّاحونةُ مازالتْ تُريدْ
إلى أن تدورَ الدّواليبُ على نَفسِهَا
تَطحَنُ أسنانَها و سَلاسلَها بأسنانِها و سَلاسِلِها
فَتهوِي كأعجازِ نَخلٍ خاويةٍ
هل مِنْ مزيدْ ؟
ويبدأ تاريخٌ جديدْ…

ــــــــــــــــــــ رَمضانُ أبي

عند سَحور أوّل يومٍ في رمضان
يخرُج أبي من بيتِنا
يقفُ عند العتبةِ
تمامًا كما يستقبل الضّيفَ يقول :
ــ أهلا وسهلا
مرحبًا وبالبركة
عند آخر مَغربٍ في رمضان
يخرُج أيضا أبِي كأنّهُ يُودّع أعزّ الضّيوف
ــ بالسّلامةِ و إلى اللّقاء
منذُ عام
ودَّع أبي رمضانَ
مِن عادتهِ يَسيرُ معهُ بعدَ الباب
خَطوتين
أو ثلاثًا
هذه السّنةَ
سار خَطواتٍ أكثرَ
إلى ما بعد الزّقاق
فوقفتُ عند العتبة…أنتظرُ
أبِي … لم يعُدْ

ـــــــــــــــــــــ الوداع

وداعًا…قال إذْ أخفَى * دُموعًا أُذرفَتْ ذَرْفَـــــا
على آيات قـــــــرآن * دعا لي باسِطا كفّــــا
فَمَهْمَا غِبْتُ أو أنأى* رعاني حِضنُه الأدْفَــــــا
شذاهُ المِسكُ بل أزكى* حبيبُ القلب والأصفَى
يقوم الليلَ إذ يغشى * ويدعُو المُصطفى ألفـا
وأمّي بيننا تسعَى * بكأس الشّاي مُسْتَوْفَــــى
معَ النّعناع قد فَاحَ * فمَا أشهَى له رَشفَـــــــا
أنا ذاكَ الفتَى وَلّى * بأعوامِي مَضتْ طيفَــــا
فأينَ الطّينُ أفراسِي * وفُرساني نَضَتْ سيفَـا
وتحتَ الشّمس قد صُفّت *جُيوشا تنشُر الخوفا
كمِثل القائدِ الأعلى * تَراني أُعلنُ الزّحفَـــــــا
هُمُ الأسيافُ لاقتْني * نَعمْ قاربتُه حتفَــــــــــــا
وَ مِنْ دِرْعي قد اِنسلّوا * تواصَوْا ضِدِّيَ العَصفا
لَسَوْفَ الدّهرُ يُنبيهمْ * بأنْ صَافيتُهم سَوْفَــــــا
فليسَ الطّمعُ يُغريني * ولا..لم أضربِ الدُفّــــا
ولا الألقابُ تُغويني * بما عِندي أنا أكفَــــــــــا
أصِيلُ الطّبع في عَصري * غريبٌ ضائعُ المَنفَـى
ولكنَّ الأُلى ظلّوا * بلا زيفٍ ولا زُلفَــــــــــــى
لَهُمْ أَبْقَى على وُدّي * أليفٌ وافقَ الإلفَـــــــــا
حَبَبْتُ الطّيبَ في النّاس * بَلى كانُوا بيَ الأحْفَى
وبالمَعروفِ يَلقَوْنــي* سَجايَا فَاقتِ الوصـفَـــا
جَنوبيُّ الجَوَى قلبِــي * إذا صافَى الهَوى أوفَـى
بعيدٌ في المَدى ظلّي * وأمشِي شَامخًا أنفَـــا

ــــــــــــــــــــــــ كُراتُ الشّمس

في فِناءِ المنزل
قُلنا :
ـ ماذا نغرسُ ؟
غَرسنا بُرتقالةً
سنةً بعدَ سنةٍ
أمْسَينا نجلسُ تحتَها في عَشايا الصّيف
حَول كؤُوس الشّاي
النّعناعُ من حَوضِها
وصار أريجُ زَهرها يَسري كلّ ربيع
إلى كامل الأرجاءِ
في الشّتاءِ
عندما تَدْلَهِِمّ السُّحُبُ
وتُخيّمُ على منزلنا الغُيومُ
نُزيحُ السّتائرَ عن النّوافذ
فتُشرقُ كُرَاتُ الشّمس
مِنْ بين اِخضرارهَا

ـــــــــــــــــــــــــ المحفظةُ

عندما اِستلمتُ رسالة إعلامي بتقاعُدي من التّعليم
نظرتُ إلى محفظتي وقلت:

وداعًـا ! وبعـدَ الـــــــــــوداع وداعُ * وحانَ الفراقُ ولا يُســــــتـــطــاعُ
طوَيْتُ الرّسالةَ بل قد طـــــــوَتْني * إلى سَلّةِ المُهملاتِ الرِّقــــــــــاعُ
فلاحتْ لمِحفظتي دَمَــــــعــــــاتٌ * وصَوتُ نَشِيج لها واِلْـــتِـــــيــــاعُ
وشَدّتْ بعُنفٍ تُجاذبُ كــــــــــــفّي * فحاولتُ نَزعًا، فزادَ الــــنّــــــزاعُ
تقولُ لماذا تُـــــــــفـارقُ خِـــــــلاً * وفيكَ اِشترى الآخرون وبـــــاعُـوا
ألستُ الرّفيقَ ،ألستُ الصّــــديق * ورُوحي صَداكَ ،وإنّي الـــــــــذّراعُ
أَبَعدَ سِنينِ الوفاء أهُـــونُ، بـــــلَى * قد يهُون علينا المَـــــــتَـــــــــــاعُ
وقالـــت بدَلِّ عِتَابِ الـــــحِســـان * بدُونك، وَيْحِي ! دُروبي ضَـيــــــاعُ
أتترُكُني؟ والفَيافِي ورائِـــــــــــي * وبحرًا أرى ليسَ فيـه شِــــــــراعُ
فخُذنِي إليكَ وأنَّى ذهبـــــــــــــتَ * بِـسَهل الطريق وإمّا تِـــــــــــلاعُ
رَمَتْـنِي الدّروبُ ولا مِنْ دَلــــــيــل * لياليَّ طالتْ ،وغابَ الشّـــعـــــاعُ
فقُلتُ: لَأنتِ نُجومُ الليَـــــالــــــي * بِعِلْــمٍ وأدْبٍ، فليـتَ يُـــراعُـــــوا
أَمِحفظةَ العُمر عُذرًا، فَــــفِيـــــكِ * شُجُونُ الفؤادِ وهـذا الــــيَــــراعُ
وفيكِ كراريسُ شِعْري ونَــــثـري * وفيكِ تَصاويرُ مَنْ هُمُ ضــــاعُـوا
وفيكِ هِيَ الضّادُ نقْشٌ بقلــبـــي * فَمِنها سَرى دَمُنا والـــرَّضـــــاعُ
رَشَفتُ هَواهَا على كـــــــــلّ آيٍ * وبيتٍ, فَنبضِي لها والنُّــــخــــاعُ
على العَهدِ نَبقَى لكُلّ وَفِــــــــيٍّ * فَليتَ الوفاءَ لدَينا يُـــــشَـــــاعُ !

ــــــــــــــــــــــ غُمْراسِنُ

كمْ مِنْ بــــــلادٍ كلّها مَــفاتــنْ * لكــنَّ قلبي حُبُّــهُ غُمــراسِـــنْ
فَباِسمِها مَعنى كريم النّــــاسِ * أكرمْ بِهمْ !فكلّهُُم مَــــحاســنْ

سيّارةُ الطين… تلكَ
مَلّسَها مِنْ صَافي الأدِيم
أديمٍ في جَوْف كهفٍ
كهفٍ في أعلى تَلّ
كيْ يَصِل إلى رأس التَلّ
لا بُدّ مِنْ…ومِنْ…
مِنْ شَوكٍ وصَخر مَسْنُون
والويلُ مِن أفعَى أوْ مِن عَقرب
سيّارةُ الطّين…تلكَ
في باحةِ الحُوش…ذلكَ
بِدَلويْن مِنْ ماء ـ بِئر الكرمةِ ـ
عَجَنَ حَديدَها المَصقُولَ
بِلّورَها اللمّاعَ
أضواءَهَا الكاشفةَ
الحمراءَ
والبُرتقاليّةَ
اِستوتْ بينَ يديهِ مَلساءَ هيفاءَ
تَركها تجفُّ
الشّمسُ فوق رأسِهِ كرةُ جَمر
سيّارةُ الطين…تلكَ
جفّت عجلاتُها،يَـبِـسَتْ…
الآن يتسنّى له تركيبُها بيُسْر على مِغزليْن
ثَقّفَهُمَا مِن غُصن زيتونةِ الجِسْر
بِرفق ثَقبَها
واحدةً تِلو واحدةٍ
مَرْحَى….مرحَى
اِستوتْ ودارتْ في كفّهِ
مَثنَى…ثَلاثًا…رُباعًا
بِِرفْق
فَتحَ بابَها ـ كذلك كانَ يَتسلّى ـ
ثُمّ اِستوى خلفَ عَجَلةِ القيادةِ
يدُه اليُمنى أمسكتْ بها بلطفٍ
يدُهُ اليُسرى أدلاهَا مِنَ النّافذةِ
تَمامًا…مِثلمَا يقُودُ المُحَنّكونَ مِنَ السَّائقينَ
بِلمسةٍ واحدةٍ
أدارَ المُحرّكَ
فاِنسابَ اِنسيابًا كأزيز الرّيح
كحفيفِ أجنحةِ الخَطاطيفِ
كخرير الوادي عندَ السّواقي
كرَجْع الشّادِي في مَحافل الأعراس
كصَدى الزّغاريدِ
لم يُودّعْ
لم يودّعْ
الشّوقُ إلى المَسافاتِ البعيدةِ دَعاهُ
ضَغط على دوّاسةِ البِنزينِ
لم تَترُكْ سيّارةُ الطّين وراءَها إلا الغُبار
كمْ مِنْ جبال قَطعتْ
كمْ من وهاد / مُروجٍ / غاباتٍ / سَباسبَ / أنهارْ
سَنواتٌ فِي سَنواتٍ
كمْ مِنْ ريح / ثُلوج / أمطارْ
مَرقَتْ
وأقطارْ
سنواتٌ في سَنواتٍ
سيّارةُ الطين…
مَا تَعِبتْ ما كلّتْ ما تَوقّفتْ
سنواتٌ في سنواتٍ
ضاقتْ به الأماكنُ
سنواتٌ في سنواتٍ
قاراتٌ ومدائنُ
فمَا أوصلتهُ الطرقاتُ
إلاّ
إليها ؟
غُمراسِنُ
بَوصلةٌ القلبِ تُشير إليها جنوبًا
ولوْ أنّ الشّمال مَفاتنُ
غُمراسنُ
البدءُ والمُنتهَى
مَهما توالتْ مَواطنُ
ـ غُمراسنُ ـ
في قاموس لغةِ البَربر ـ سَيّدُ القَوم ـ
إباءٌ…كرمٌ…ومَحاسنُ
غمراسنُ
قديــمًا
كانتِ الأمطارُ مِدرارةً حتّى في الهَواجرِ
الدّيناصوراتُ في غاباتِهَا كانتْ تَجُولُ
كم اِصطادَ من أحفـادِ أحفـادِ أحفـادِها ضَبّا
في المَغاورِ
غُمراسنُ
قديمًا…قديمًا
الأسلافُ الأوائلُ
رَسمُوا في كهُوفِ الشِّعابِ الأفيالَ والزّرافاتِ
والأيائِلْ
غُمراسنُ
فِي ثَنايا وادِيها النّخلُ والتّينُ والزّيتونُ
يا شَذى الشّيح والعَرعَار
مِنْ كل فَجّ عَميق جاءها نجعٌ ورُكبانُ
غُمراسنُ
البُيُوتُ مَنحُوتةٌ والمَعاصرُ فِي الصُّخورْ
ويُتوّجُون رُؤوسَ الجِبال
بالقُصورْ
غُمراسنُ
في السُّوق القديم رَكنَ سيّارتَهُ
سَار مِنْ مَدرستهِ إلى ـ بِئر الكَرمةِ ـ
سَار
مِثلمَا كانَ يَسيرُ والأعوامَ عَبْرَ الوادِي
عَلى الأقْدام

ــــــــــــــــــــــــ وائــــــل

على شَوكةِ الاِنتظـار وَقفـتُ * مَـع الواقفينَ وبيـنَ الوُفــــودِ
وفِي قَلق أشْرئِبُّ بعَــيــنـِـي * تُرى هل سَألقاهُ حَقّا حـفيـدي
تُرى هل كمِثل التّصاوير حُسْنًا * أبِي قَدْ رأيتُ ،وفيهِ جُـدودي
وفــيهِ بَهــاءُ زيــــــادٍ صَبيّـــا * ببسمتِه تلكَ، تُحْـيِــي عهودي
فيا طائرًا في أعَالي الجِــواء * تَمهّلْ وحاذرْ ففِيكَ وليـــــدي
ورَفْرفْ بلطفٍ وحُثُّ الجناحَ * على عجَل رغمَ ريش الحَديـد
وبعـــد اِنتظار أطلّ حفيـدي * فهَشَّ وبَـشَّ بوجه سَــعــيــدِ
إليَّ حبيبي! أشــرْتُ إليــــه * فَهَبّ لِحِضْني كطيـــر غَريـــدِ
وحَطَّ على ساعدي مِثْلَ بَاز * على أيْكهِ قـــادمٍ مِن بعـــيـدِ
فكم مِنْ جبالٍ وبحرٍ تَخطّى *وكم مِن رياحٍ ،وكمْ مِن رُعــود
وعانقتُهُ، كدْتُ أقسُــو عليـهِ * بِضَمٍّ ولثْمٍ وطــوْقٍ شَـــديــد
بشوق أقبّلهُ من يَــــديْــــه * تجُولان في لحيتي كـــالــوُرودِ
يُعابثُ نظّارتي في سُــرور * فِداهُ بعيني، وهَــل مِنْ مَــزيـدِ
يُكفْكِفُ لي دَمعتي ما دَراهُ * بأشجانِها أبحَرتْ في القَـصيـد
فباركْ ليَ اللهُ فيه وأسْعِـدْ * وحَمدًا إلاهِي فَذا يَــومُ عِـيـدي

ــــــــــــــــــــــــ الأغنية اليتيمة

أيْ أنّها فريدةٌ وحيدة
وهي زاخرة بالشّجون منهمرةٌ بالأسى
مُصوّرةٌ حالَ الأحبّةوهم يتأرجحون بين اللقاء والفراق ،وبين الرّجاء
واليأس
فقد عبّرت عن بيئة الجنوب الشرقيّ من البلاد التونسية
تلك المنطقة التي ما فتئت تعاني من الهجرة على مدى العصور والأجيال
وما يترتّب عنها من آثار أليمة في النّفوس
فجاءت في صُور وإلماحات دقيقة
على شكل أبيات متوالية في تناسق وتلاحق ممّا يجعلها نصّا إبداعيا متماسك المعاني
على غاية من الإتقان
لذا حاولتُ نقل هذه الأغنية الشعبيّة إلى الفصحى
تعميما للإمتاع والإبداع
وتأكيدا على أنّ كثيرا من نصوص الأدب الشعبي
غنيّةٌ بالدلالات الفنية الراقية
إضافة إلى أبعادها المتنوّعة الأخرى…
إنّ شعرنا العربي المعاصر
في حاجة إلى الاِستفادة من الأدب الشعبيّ
أيضا
وما زاد الأغنيةَ شجًى وتأثيرا
أداؤُها البليغُ من لدُن شابّة وشابّ
وهُما يُراوحانها في اِنسجام .
1
يا مَنْ عَزمتَ على الرّحيل
صاحَبَتْكَ أشواقِي
فَمَهما طال بينَ الأحبّةِ التّلاقي
لا بدّ يومًا
مِنَ الفِراق
2
صَعّدتُ عَيني بنظرةٍ إلى الجبل
مِن سَفحهِ إلى القمّة
لعَلّي أحضن بمِلءِ الكفّ الوردَ
أوْ أراكِ
فلمْ أقبِضْ إلا على الأشواكِ
3
طال غيابُكَ يا حبيبِي
و آنَ لك أنْ تعودَ
إذْ فَعلتْ ما فعلتْ بيَ الظّنُونُ
وقدْ تعبتُ منَ السّهرْ
معَ الصُّوَرْ
4
يا ذاتَ العين الكحيلةِ
كعين المَهَا
إذا أشَرتِ بحاجبِكِ الرّقيق
فإنّي أعلمُ ما أعلمُ
واللبيبُ بالإشارةِ يفهمُ
5
ـ مُباركٌ ـ عليكَ الزّواجُ
يا بعيدًا مزارُهُ
تَباريكُ عددُها عددُ حَصَى الجَبل
وأحجارُهُ
6
أيا طائرًا مُهاجرًا
كَفَى مَا قد نَزلتَ هناكَ
وعِشْتَ معَ الأغْرابِ
فعُدْ
وآنِسِْ عُشَّكَ مَع الأحبابِِ
7
يا عينُ راودِي النّعاسَ
ونامِي
لعلّ الحبيبَ يَزورنِي
فِي المَنام
8
على اِسم التي أحببتُها
اِبنتِيِ سأسَمّيهَا
لتخطُرَ على بَالي
كلمّا أنادِيهَا
9
ياقلبُ أبشِرْ
فَحَبِيبُك ـ مثلُكَ ـ على الحُبّ باقِ
عَلِمتُ ذلك
عندَ التّلاقي
10
ليلةً
رفعتُ عينِي إلى السّماءِ
فلاحَتْ نجمةٌ تُشبِهُ حبيبتِي
فِي جَدائل شَعرها والحَياءِ
11
يا عينُ لا تبكي
على الذين فارقُوا وماتُوا
بل اِبكي
على أحبّةٍ فرّقَتْهُمُ الحياةُ

النّص الأصليّ للأغنية
1
نْوَصّيك تلقى الخير كانِكْ عازمْ*وكُل مَن صْحَبْ صاحبْ فراقَ لازمْ
2
شَيّعتْ عيني للجبل وَ رْقِيتَه * مْلِيتْ كَمشْتِي بالوَرْدْ شُوك لقيته
3
…رَوّحْ و يزّي مِالغياب و الحِيره * كفانا السهر و شَبحَةِ التصويرة
4
يا عينْ لَرْخَى يا رقِيق الحاجبْ * هِزّيه يَرقَى وحدّريه يِواجِب
5
مبروك عِرسك يا بعيد رْدَادَه * على قد حُصْحاص الجبل و رْشَادَه
6
رَوّح لوكرك يا غريب و جالي * عَمّرت وكر النّاس ووكرك خالي
7
رَوِّمِي منامك و اهجعي يا عيني * بَالِكِشْ رِيدِي في المنام تْجيني
8
سَمّيتْ بِنتي عل مْرَا نُبغيها * تهسّس عْليّا وقتْ مـــــا انّاديها
9
نهنّيك يا قلبي حبيبك ريتَه * وقاعد يحبّك كيف ما حَبّيته
10
شيّعت عيني لفُوق ريت النجمة * خطرت عليّا امّ الخجل والحِشمة
11
يا عين ماتبكيش عَلّي ماتُو * واِبكي على الحَيِّينْ كِيف تْخاطو

ـــــــــــــــــــــــ الكمنجة

–إلى زكرياء القُبّي

دخل زكريّاءُ علينا
يدُهُ في يدِها / يدُها في يدِه
على كرسيّ واحدٍ
جلسَا
بلُطف هَدْهَدها على ساعِدهِ
حتّى نامتْ في أحضانهِ
ومن دُون أن يُزعجَ أحلامَها
رُويدًا…راودَها… رويدًا
حتّى نَضَا عنها المعطفَ
فتح أزرارهُ واحدًا واحدًا
تبارك اللّهُ أحسنُ الخالقينَ
إذْ بَراها كأجمل ما تكونْ
في سُمرةِ الأَبنُوس
رقيقةَ الخِصر
ناعسةَ الجُفون
ومِنْ شَوق إليها
هوَى عليها…تقولُ ذبحًا
كالقُبلْ
فَمِن الحُبّ ما قَتلْ
كدْنا مِنَ الأشواق نفيضْ
وزكرياءُ يُرفرفُ
على أجنحةِ حمائمِهِ البِيضْ…

*الحمائمُ البِيضُ ـ فرقةٌ موسيقيّة تأسّست سنة1984 وقد غنّت بعض قصائدالشّاعر

ــــــــــــــــــــــــ في بلادِ اليَاقْ يَاقْ

في بلاد اليَاقِ ياقْ
القريبةِ من بلاد الواقِ واقْ
اِجتمع أهلُ الحلّ والعَقد
والعقل والنّقد
تدارسُوا أوضاع البلاد
التي عَمَّ فيها الفساد
بعد التّنقيبِ والتّقليبِ والتّمحيصُ والتّنصيص
والتّحاور والتّشاور
في الأسبابِ والمُسبّبات
أجمعُوا على إلقاء القبض على الشّيطان
وحَبْسهِ إلى أبَدِ الآبدين وراءَ القُضبان
لأنّه سببُ الفسادِ في البلاد
تساءلوا كيف يُمسِكون بالشّيطان الرّجِيم اللّئيم
الماكر الشّاطر
أَحْكمُوا الخُططَ
أَفلتَ
اِستنبطوا الحِيَل
راوغَ
نَصبُوا الشّراك
نَجا
قالتْ لهمْ قهرمانةٌ عجوزٌ منَ الغابرين
أنا أُمسكُ بذاك اللّعين
وأمرتْ أن يُنادِيَ المُنادي
في السّاحاتِ وعلى السّطوح
ـ مَن يستطيعُ الدّخول في زُجاجةٍ
أنا رَهنُ إشارتهِ في كل حاجةٍ ـ
سُرعان ما لبّى الشّيطانُ النّداء
وقال فرِحًا مسرورًا
ـ ها أنا ذَا
ودخل الزّجاجةَ
أسرعتِ القهرمانةُ وسَدّتها بالغِطاء
صارَ الشيطانُ في الزّجاجة حَبيسًا تَعيسًا
فمَا وَسْوَسَ ولا غَوَى
تنفّسَ النّاسُ الصُّعداء
مَضى يومٌ… أسبوعٌ… شهرٌ… فَصلٌ..
وعامٌ
أمستِ البلادُ بلا حَراكٍ
النّاسُ كأنّهمْ نيامٌ في سُباتٍ
لا فلاحةٌ،لا مِلاحةٌ،لا سياحةٌ
لا مالٌ ،لا أعمالٌ
لا شوقٌ ،لا توقٌ
لا جمال ،لا ذوقٌ
لا ورودٌ ،لا مواعيدُ
ولا زواجْ…
حَطّ الكسادُ على البلاد…
ذاتَ ليلةٍ ليلاء وفي الظّلام الدّامس
قامتِ العجوزُ تمشِي
على عُكازها
فلمْ تشعُرْ كيف دَحرجتِ الزّجاجةَ
يا ويحَها
تهّشّمتْ فاِشتعلتِ الأضواءُ من النّوافذِ وفي السّاحاتِ
وعندَ الفَجر
عادَ الدّبيبُ إلى الطّرقاتِ
والمُؤذّنُ صاحْ
حَيَّ على الفَلاحْ

ـــــــــــــــــــــــ الأحمرُ والأبيضُ

ذاتَ صيفٍ
اِنداحَتْ ذُؤاباتُ شَعرهَا
على صَدرهِ الوارفِ الظّلال
فَتراءتْ لهُ على الوهَادِ والتّلال
بَيادرَ قَمح وبَساتينَ
وكثبانًا وواحاتٍ
وكُنوزَ جُزُرِ واقِ الواق
مِنْ بعيدٍ تَرنُو إليهِ تَدعُوهُ
أحَبّ الآفاقَ في عينيْها
صافيةً ،حانيةً
في لحظةٍ ،لحظةِ مَا بينَ اِجتياح الأنامل
ولَهفَتِها
وكَبْح جِماح الرّغبةِ
لا / نَعمْ
لا / نَعمْ
اِنطلقتْ كمُهرَةٍ البَراري
بِلا قيدٍ
بِلا لجام
بِلا ركابٍ ولا سَرج
حَمحَمتْ ضابِحةً
مُجَنِّحةً
حتّى وصلَتْ إلى ذَروةِ الوَجدِ
فرَفرفتْ وقالتْ وقد أرختْ لهُ العِنانَ : هِيتَ لَكْ
إنّي لكْ
وعلى جَوادٍ جَمُوح وسَط وَطيسِ الحَربِ
خاضَ غِمَارَهَا
ما بينَ رُمح وتِرسٍ
طال النّزال
حتّى سَال الأبيضُ
على الأحمر…

ـــــــــــــــــــــ حسناءُ البُحيرة

نَغماتُ بيانُو
بيانُو تُراوحُه أناملُ
أناملُ حريرٍ
حريرٍ كالنّسيم
نسيم ينسابُ مِنْ نافذةٍ
نافذةٍ مفتوحةٍ
مفتوحةٍ على بُحيرةِ
بُحيرةٍ تُهدهِدُها موجاتٌ
مَوجةً إثرَ موجةٍ
موجةٍ كمثل طائرٍ يعلُو
يعلُو ثم يَهوي
يَهوي مُرفرفًا مع شِراعٍ
شِراعِ زَورقٍ
زورقٍ وحيدٍ
فيه صيّادٌ
صيّادٌ عائدٌ
عائدٌ بلا سَمكهْ
سمكةٍ تُغنّي بنغَماتٍ
نَغماتِ تلكَ الأغنيةِ
لأنّها لم تكنْ في الشّبكهْ

ــــــــــــــــــــــ العاشقُ الأخيرُ

إنْ كان يَهواهَا
ألفٌ
فهوَ مِن المِائةِ الأوائل
إن كانَ يهواها مائةٌ
فهوَ من العَشْرة الأكثرَ حُبّا لها
وإنْ ظلّ واحدٌ فقط يُحبّها
فإنّه هُو
وإلى الأبدْ
إن لم يَبقَ يُحبّها أحدْ
فلا شكّ
أنّ ذلكَ العاشقَ
قد ماتْ !

ـــــــــــــــــــــــ الوردة والشكلاطة

إلى الحبيب الزنّاد

فِي يدِهِ
وردةٌ وشكلاطةٌ
اِنتظرَ…
تحتَ الشّمس
حتّى ذابتِ الشكلاطةُ
ولم تأتِ !
*
في يدهِ
وردة وشكلاطةٌ
اِنتظر… اِنتظر
تحتَ المطر
حتّى غَرقتِ الوردةُ
ولم تأتِ !
*
في يدهِ
وردةٌ وشكلاطةٌ
اِنتظر… اِنتظر…انتظرَ
تحتَ الشّجرةِ
حتَّى اِستوى الظلُ
ولم تأتِ
*
تناولَ الشّكلاطةَ
قطعةً تِلوَ قطعةٍ
وظلّ يَستنشقُ الوردةَ
مرّةً تلو مرّةٍ
ويَستزيدْ
حتّى أطلّتْ
مِنْ بعيدْ

ــــــــــــــــــــ مقام الوجد

على صَهوةِ صَبواتِ الرّياح اللّواقح
بدَفْقِ أعتَى الأمواج
وبأجنحةٍ مُثقَلاتِ المُزْن
يَعرُج بُراقُ الوَجْد
مُرفرفًا
إليها
كيفَ تراها
تَرسمُه نسيمًا
كيف تراها
تزرعُه مطرًا
ليَخضَوْضِرَ كلُّ سَراب
وينطلقَ كلُّ سِرب
ويَميدَ الدّوحُ
مِنْ بَعْد عِجاف السّنين
قبلَ أن يعودَ الطّرفُ إلى الطّرف
اِنهمَر في أحضانِها بَوحًا
شآبيبَ…شآبيبَ
فَطوّقتْهُ أشواقُها
بالرّحبِ
بعدَ البَوح
أزهرَ الجُرحُ على الجُرح
قوسَ قُزح
فلاحَ في الآفاق
كأنّهُ سِنفُونيةٌ
مِنْ إشراقةِ عينيْها

ـــــــــــــــــــــــ الشّجرةُ الدّامعةُ

إلى ـ اِبنتي ـ إيمان

سارَ وضِفافَ البُحيرةِ
مُعتذِرًا للعُشب
وللأزهَار النَديّة اليانعةِ
فإذَا بهاتفٍ يقُول :
ألا خلعتَ نعليْكَ ومَشيْتَ على الوَشي ؟
مَشَى على اِسْتِحياء
حتّى رأى شجرةً مُنتكِسَةَ الأغصان
مُنْسدِلةَ الأوراق
يَقطُر مِنْها النّدى
كأنّها تَذْرفُ مِن عُيوُنٍ دامعةٍ
فَقال لها وقد صارَ يتكلّم لغةَ العُشب
ـ يا شَجرةُ…
لماذا أنتِ وحيدةٌ فريدةٌ كأنّك باكيةٌ ؟
وبالقُرب مِنكِ الماءُ
والخُضرةُ
فلماذَا الحُزنُ والشّجَنْ ؟
قالتْ وقد اِنداحتْ أوراقُها ومَالتْ
ـ أينَ الوَجهُ الحَسَنْ ؟
أينَ الوجهُ الحَسَنْ !

ــــــــــــــــــــــــ البُحيرة

كأنّ صفحةَ الماءِ
خُطاهَا
وراءَها اِنسِيابُ النّسيم
يَعزفُ أوراقَ الشّجر
شَذاهَا
إذا رَفرفَ الحمامُ
بحَفيفِه
كأنّها عليه تُسلّم
فيرُدُّ السّلامَ سَلامَا
والاِخْضِرارُ والأزرقُ والخُزامَى
في المَدى حريرُ شَالِها
مِثْلُ قوسِ قُزح
يلامسُهُ من بعيدْ

ــــــــــــــــــــ شَبَقُ اَلْوَرْد

ووردةٍ مُخَمَّـــــــلهْ * في رَوضةٍ مُخَضَّلهْ
جَذْلَى بحُسنِها زَهَتْ * مَصُونةٌ مُظلَّـــــلهْ
وتاجُها مُشَعْــــــشَعٌ * وكلّها مُكــــلّــــلهْ
تَوهّجتْ مِنْ شَبَـــق * فَبِالهوَى مُــــلألأهْ
هَبَّ النّسيمُ للشّـذَى* ما ألطفَهْ ماأجمَلهْ
مِنْ لَمْسَهِ تَوهّجــتْ * بحُمْرةٍ مُعَــــسَّلهْ
مَولايَ!نحوهُ رَنَـــتْ * بعَينها المُـــــدَلّلهْ
هِيتَتْ وحانَ قَطْفُـها * رَيّانةً مُبـــــــــلّلهْ
وضَمّها مُنســــــابةً * في شَهْقةٍ مُطوّلهْ
فَرفْرفَتْ وحَلّقتْ * شَوقًا وتوقًا ووَلَـــهْ !

ـــــــــــــــــــ السَّلَمُون

سَمكُ السَّلمُون
كلَّ عام يرحلُ مِن المُحيط نَحو بُحيراتِ الشّمال
عَبْرَ الأوديةِ والغَاباتِ
إنْ نَجا مِنْ قَصباتِ الصيّادين ومَخالبِ الدِّبَبَةِ ومَناقير الطُّيُور
كيفَ يشُقّ ضَحْلَ المِياهِ
كيف يتخطّى الصُّخور التي ما شَرِبَتْ
ولا هيَ أفسَحتِ الطَريقَ
سَمكُ السّلمون
يَمضي بعيدًا بعيدْ
يَصِلُ
ثُمّ يَعُودُ مِنْ جديدْ

ـــــــــــــــــ وراء الشّمس

كنتُ في السّابعة
ألاحقُ فراشاتِ البَراري
أختي في ربيعها الرّابع تجري معي
جميلةٌ كدُمية
ذات حُمّى… ماتتْ
قالت لي أمّي
ـ لا تبكِ
اِبتهجْ لأختك يا ولدي
فقد نزل إليها ملاكُ الفجر
طار بها نحو الجنائن العالية
هي تمرحُ هناك
حينذاك
خرجتُ أعدُو…أعدُو
أُمَدّدُ يديَّ
كي أطيرَ وألحقَ بها وراءَ الشّمس
ليلتَهَا حلمتُ…
يداي أصبحتا جناحيْن
طرتُ
رأتني أختي…نادتني
ـ هيّا بنا…هيّا بنا
وأنا أدنُو منها
…أفقتُ

ــــــــــــــــــــ العنكبوت

مرحَى للعنكبوتْ
خيطا خيطا
يَتَقَصَّى أنثاهُ
حتّى يصل إليها
ثم بعد الوَصل
يموتْ

ــــــــــــــــــــ في الحفل

بينهُما
خطوتان
فقطْ
هي الشّمسُ
لو تقدّم خطوةً واحدة
كان منها اِحترقْ
هو البحرُ
لو تقدّمتْ فيه خطوةً واحدةً
كان الغرقْ
رآها رأتهُ
رأتهُ رآها
وثلاثُ نُقط…

ـــــــــــــــــــــ  زهرةُ التُّوليب

اللّيلةَ
في أوج الرّبيع
زهرةٌ من زَهرات الحديقة
باتتْ تحتَ ضياءِ القمر
يَرُشّها عشقًا وشوقًا
حتّى مطلع الفجر
عندما الشّمسُ وخزتْ وجنتيها
أفاقتْ
فإذا بياضٌ على اِحمرار
يُبلّل تاجَهَا

ــــــــــــــــــ أبجديّة

شفتاها الأبجديّةُ
أبكمَ يظلّ
طولَ العُمر
ما لم ينطقْ به

ــــــــــــــــــ الكروان

لصَيدِ الكرَوان
سألتُ شيخَ الصيّادين قال :
أَتتركُ اليمامَ والسُّمان والحُبارى والقَطا
قلتُ : إمَّا الكروان و إمّا فلا
صَوّب النّظرَ إليّ قال :
ـ الكروانُ
طائرُ البراري النّائية
عُشّه في أعالي الجبال
لا يلتقط رزقه إلا في الفجر
أو عند الليالي المُقمرة
ٍتراهُ يحُط من عَلٍ على السّباسب
بجناحين كمِثل المِروحة في حَفيف واِنسيابٍ
من منقاره الدّقيق يشدُو بصوت
لا هوَ بهديل… لا هو بتغريدٍ ولا زقزقةٍ
إذا اِستمعتَ يوما فأنصِتْ كالمَعين في رَقرقةٍ
إنْ رُمتَ له صيدًا
لا الشِّباكُ ـ هيهاتَ ـ إليها يسعَى
حيثُ لا تُغريه الفُتاتُ
نحوه تُرمى
لا الفخُّ يقع فيه ـ إليه يُنصَبُ ـ
عينُه الصّفراءُ الصافية بَصَرٌ
و بصيرةٌ
لا النَّبلُ يُصيبهُ
قبل أن ينُوشَه يَنعطف بجناحيه
عاليًا و بعيدًا
قلتُ :
ولا حتّى يصيبُه رصاصٌ
قال :
أوَ يهُون عليك الكروانُ
حسِبتُكَ لستَ مِثل النّاس ؟
خَجِلتُ واللّه من الشَّيخ
ولم أسأله عن السِرّ في بَيْض الكَروان
وما قِيل فيه مِنَ الباهِ والبهاء
*
كانت لي ليلةٌ
هيّأتُ جوادي و زادي
بعدما نلتُ غَمضتين اِنسللت من القوم
أوَلّي وجهتي عُشّ الكروان
عبر المسالك والشّعاب أسري
أسبوعٌ مضى
أمسيتُ في الخلاء
حيثُما اِلتفتُّ
لا شجرٌ لا طيرٌ
إلا الغبراءُ والصَّلْداء
قلتُ : هنا أقْضي ليلتي
أستريحُ و يستريح الجوادُ
و إنّ غدًا لناظرهِ قريبٌ
نزعتُ عن جوادي اللّجامَ
علّقتُ له المِخلاةَ
نصيبي حفنةُ تَمر و سَويق
جعلتُ السَّرج وسادةً
بُرنسي فِراشًا وغطاء
*
ما كدتُ أُسْلِم الأرضَ جنبي / نِمتُ
رأيتُني في ما يرى النائم
يحُفّ بي سِربُ الكروان
يُمسك كل طير بمنقارهِ من طَرف البُرنس
و يُقلع بي
سُرعان ما رأيتُني سابحا في الجِواء
بين أجنحةِ الكروان أطير
أرفرفُ
عاليًا عاليا / بعيدا بعيدا
أنساب مع الرّيش و النّسيم
رَقِيتُ الهضاب / الجبال / السّحاب
مَرقتُ بين الرياح و الأنواء
أشرفتُ على المُنتهى
ثمّ رأيتُني رُويدا رويدا أنزل
كأنّما تُهدهدني أرجوحة
إلى أن وطأتْ قدماي كمثل بساط وردٍ و زهر
رأيتُ ما رأيت
رأيت التي بالأحضان عانقتني
في لمستها كمثل كفّيْ أمّي
مسحَتْ رأسي وعلى صدري
في رقّتها و عُذوبتها كمثل قَطر النّدى يَنثال
في لِحافها دثَّرتْني
بكَيتُ…بكيت
حتى رأيتُ الأمطار والأنهار والبحار
تغمرُ بسلام البراريَ و السّباسب و الصّحراء
الأرضُ عادت جنّاتٍ
رأيتُ ما رأيت
رأيت جميعَ خَلقِ العصافير والطّيور
تُرفرف حولها
بعضُها يشدُو
بعضها يُغرّد
بعضُها يُزقزق
رأيتُ ما رأيت
رأيتُ زوجين من الكروان يُحلّقان نحوي
حَامَا حولي سَبعًا
ثم حطّا على كتفيَّ
و طفِقا يَخصفان عليَّّ مِن ريشهما
و يُسمعاني أغنيةً من أعذبِ الألحان
لكأنّي بِهما يُرفرفان بين يديّ
ينسُجان عُشَّهما بين أصابعي
ـ كنت ألامسُ الحرير ـ
وهُما في رقص و حُبور
و وئام واِنسجام
كم مضَى من الوقت ؟
لستُ أدري
عندما أكمِلا العُشّ
طافا حولي سَبعًا
ثمّ طارَا
أَفَقتُ وهَممتُ بالوقوف
فإذا ريشةٌ على رأسي
و بَيضةٌ من ذلك العُشّ
في يدِي

ــــــــــــــــــــ السّلحفاة والغزالة

– يا أبتاهُ
أحببتُ عروسَ البحر
ـ كُنْ سفينةَ الصّحراء
– يا أبتاهُ
ـ إنّها تُشبه غزالة
– إذن اِقتربْ منها
بخُطى السّلحفاة….