اِبن خلدون يكتب بالكاميرا
ـ سُوف عبيد ـ
أعتبرُ أن الفِلم الوثائقيّ الذي أنجزه الدكتور خالد عبيد حول مؤامرة 1962 بتونس بدايةَ كتابة التاريخ بالكاميرا فقد سجّل مختلف الآراء حول هذه الواقعة التي ظلت على مدى سنوات متوالية محلّ خلافات عميقة ولكنّ الباحث خالد عبيد أفسح المجال للأطراف الفاعلة والقريبة من الوقائع فأدلت بشهاداتها بوضوح وحريّة ولكنّ ورغم ذلك فما تزال بعض الجوانب في القضيّة تحتاج إلى مزيد من البحث ولا سبيل إلى ذلك إلا بالتمكّن من الوصول إلى الملفات القابعة في أرشيف الأطراف المعنية النافذة بدرجة أولى وهو أمر يبدو أنه اِستعصى على الباحث .
**من خلال بعض الشهادات يمكن أن نتساءل ـ من الناحية القانونية ـ هل أنّ الجزاء القاسي الذي ناله المحكوم عليهم بالإعدام كان متلائما مع أفعالهم والحال أن بعض الشهادات أكدّت أنهم لم يشرعوا في الإنجاز بل إن البعض منهم لم يأخذ الأمر على محمل الجدّ وأكّدت إحدى الشهادات أن البعض قد عدل وتراجع عن مشروع المؤامرة لكنه وجد نفسه في طابور الإعدام وقد تساءل خالد عبيد عن سرّ السّرعة العجيبة التي ألمّت بإجراءات البحث والمحاكمة وتنفيذ الأحكام وقد أشارت إحدى الشهادات إلى مدى مسؤولية بعض الشخصيات القريبة من بورقيبة وقتذاك .
** فالفلم الوثائقي حول مؤامرة 1962 كأنّي به أراد أن يقول قد آن الأوان لنتجاوز الحادثة ونُسلّم ملفاتها إلى المختصّين في التاريخ ولكن لابدّ أن نستخلص منها بعض الدروس لعل أوّلها أن الجيش التونسي يظل هو الحارس الأمين لاِستقلال البلاد وسيادتها والمدافع عن الوطن وأن لا يتدخل في الشأن السياسي والدعوة الثانية التي نستشّفها من الفلم تتمثل في تشهيره بالعنف والتعذيب والمظالم الأخرى التي طالت عائلات الموزّطين والفلم يؤكد من ناحية أخرى ومن خلال بعض الشهادات على ما يتّصف به التونسيّ من روح التسامح.
* *بمثل هذه الأعمال الجدّية التي تصدر عن أهل الاختصاص وبروح البناء والتجاوز يمكننا أن نتقدم بكثير من الملفات التي ما تزال تحتاج إلى البحث والمراجعة كي لا تبقى عواقب كَأداء بين التونسيين ليمضوا نحو المستقبل على أرضية واضحة وصلبة مثلما فعلت الأمم المتقدمة التي تصالحت مع تاريخها رغم مآسيها الكبيرة مثل ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وجنوب إفريقيا وغيرها لذلك كان يجب أن يكون هذا الفلم مدّعما من وزارة الثقافة ومن مؤسسة التلفزة الوطنية وغيرهما من الأطراف المعنية ولكنه قد أنجز بفضل الإرادة الشخصية وتضحية كامل الفريق الذي أنجزه…فتحية شكر وتقدير