إذا كان الشّعر في بعض التعريفات محدودا ـ بالوزن و القافية ـ حينا و بما ـ هزّ النفس وحرّك الطّباع ـ حينا آخر أو ـ هو حُسن التناول للمعاني في جودة اللفظ ـ في تعريف آخر، فإن الجاحظ يؤكد على أنه صياغة و ضَرْب من التصوير مع اِعتبار أنّ مفهوم كلمة التصوير ينبغي أن ندرجه في سياقه اللغوي القديم الذي يدلّ ـ في ما يدلّ ـ على معنى الخلق و الهيئة و الإنشاء و الابتكار.
ثم تمحّضت تعبيرة (الصورة الشعرية) لمعناها الجديد في السياق المعاصر بعد أن اطلعنا على الصورة الفوتوغرافية خلال القرن التاسع عشر ثم على الصورة السينمائية و غيرها في ما طرأ على المجالات البصرية العديدة، ممّا جعل الصورة الشعرية في متون شعرنا المعاصر ما عادت تقوم على العناصر البلاغية القديمة من تشبيه و استعارة و تورية و غيرها من ضروب المُحسنات البلاغية بل أصبحت تستند على كثير من فنّيات الرسم و المسرح والسينما و الكاريكاتور و حتّى السرد و غيرها من التعبيرات بحيث أن الشاعر الحديث ما عاد يكتب متمثّلا الفصاحة والبلاغة في القصائد العصماء وحدها و إنما أضحى يستبطن مجالات عديدة فيوظف أساليبها و أدواتها حتى أضحى النصّ الشعريّ منفتحا على سجّلات متنوعة ومتعددة بعضها من ذاكرته و بعضهامن سليل القصائد و المتون القديمة، بالإضافة إلى إطـلالات الآداب الأخرى وفي بعضهايمكن أن نلاحظ في تلافيفه و في ظلاله أو في شكله و معماره شتّى آثار الفنون !