تعريف الغَزَل كما ورد في القواميس اللغوية هو فنّ من فنون الشِّعر، يتغنَّى فيه الشَّاعر باِمرأة ويُحمِّله مشاعره
وهو الشِّعْرُ الَّذِي يُقَالُ فِي النِّسَاءِ وَوَصْفِهِنَّ وَالتَّشَبُّبِ بِهِنَّ.
يُقال للظّبي غزال وللظبية غزالة والغزالة في اللغة أيضا هي الشّمس عند الضّحى
وقد شبّه الشعراء القدامى حبيباتهم بالشّمس تعبيرًا عن وضاءتها وحسنها مثل عنترة في قوله :
أَشارَت إِلَيها الشَّمسُ عِندَ غُروبِها * تَقولُ إِذا اسوَدّ الدُّجَى فَاطلِعِي بَعدي
والغزل هو فتل الصّوف خيوطا وقد ورد في القرآن قوله في سورة النحل ـ وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها ـ
وقد جمع المعرّي بين الغزْل والغزَل في أحد أبياته قائلا :
سُقيا لِشَوْهاءَ ما هَمّتْ بفاحشَةٍ * غدتْ على الغزلِ، ليستْ تعرِفُ الغزَلا
هذه مناسبة إذن للوقوف على العلاقة بين الغزَل والغزْل والغزالة فيبدو لي إذن أن غزل الصوف حول المغزل هو مثل غزل الكلام حول المرأة التي تشبه الغزالة في حسنها وفي كثير من طباعها فغزْل الصوف يتطلب اللطف والحذق والمداومة حول المغزل وشعر الغزل يتطلب كذلك المهارة اللغوية ولطف المقاربة كما قيل في قواميس اللغة هو محادثة النساء بِلُطْفٍ وَرِقَّةٍ وَكَلاَمٍ عَذْبٍ وَتَوَدَّدَ إِلَيْهِنَّ وأما التشبيه بين الحبيبة والغزالة فأمر شائع في مدوّنات الغزل كقول قيس بن الملوّج مخاطبا ظبية :
أَيا شِبهَ لَيلى لا تُراعي فَإِنَّني * لَكِ اليَومَ مِن بَينِ الوُحوشِ صَديقُ
فَعَيناكِ عَيناها وَجيدُكِ جيدُها * سِوى أَنَّ عَظمَ السّاقِ مِنكِ دَقيقُ
وهذا الشاعر المنخّل اليشكري هو أيضا يجد شبها وتوافقا آخر ولكنه مع البعير والناقة ليعبّر عن تمام الانسجام وكماله بينه وبين حبيبته حيق قال :
وأحبُّها وتحبّني * ويُحبّ ناقتها بعيري
قيس بن الملوّح يستحضر هو أيضا زمن طفولته مع حبيبته ليلى وهما يرعيان صغار الغنم فيقول :
تعلّقتُ ليلى وهي غرّ صغيرة
ولم يبد للأتراب من ثديها حجمُ
صغيرين نرعى البُهم يا ليت أنّنا
إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البَهمُ
تمثّل الطفولة الصّفاء والنّقاوة والبياض الذي لم تَشُبه شائبة والعاطفة فيه صادقة تنأى عن هواجس الغرائز وحسابات المصالح وقد صوّر الشابي الطفولة فاِعتبرها حلما لذيذا مرفرفا وذلك في أسلوب صيغة التعجّب الذي يرشح بمعاني المحبّة والاِشتياق المَشُوبة بشيء من الحسرة على اِنقضاء عهدها حيث يقول :
للّه ما أحلى الطفولة إنّها حلم الحياة
عـهد كمعسول الرّؤى ما بين أجنحة السُّبات
وعذوبة الطفولة لدى الشّابي جعلته يفتتح بها ـ معلّقته ـ صلوات في هيكل الحب ـ إذ يستهلّها قائلا :
عذبة أنت كالطفولة كالأحلام كاللّحن كالصّباح الجديد
أمّا الشّاعر التونسي ـ حاتم حمّادي ـ وهو من آخر حبّات العنقود في مدوّنة الشعر التونسي فقد نشر أخيرا قصيدا جديدا عاد فيه هو أيضا إلى ألعاب الطفولة خاصّة منها لعبة الغمّيضة لينال قبلة من حبيبته جائزة له بعد عناء البحث والفوز بالرّهان فهذه اللعبة البريئة والمسليّة تُعتبر أكثر صدقا وأبلغ حميميّة من طقوس الحبّ الرّسمية الخاضعة للبروتكولات
قصيدة ـ الغُمَّيْضَةُ ـ للشاعر ـ حاتم حمّادي ـ تونس
إنْ أَقْرُبْكِ
أَغْمِضِي عَيْنَيَّ بِمنديلٍ صغيرٍ
أو وِشَاحٍ
ثُمَّ
تَوَارَيْ قَلِيلاً…قَلِيلاً
وتَسَلَّلِي
ثم تَخَفَّيْ بِتُؤَدَةٍ
وراءَ جدارٍ
أو
وراء ستارٍ
كطفلةٍ تَتَسَلَّى بِي
تحت…
جُنْحِ الظَّلاَمِ
وَإِذَا…
بعْد جَمِيلِ تَعَثُّرٍ
وبعدَ بحثٍ حليمٍ
وَكَدٍّ خفيفٍ ومُزَاحٍ
وَجَدْتُكِ دون عناءٍ
لِيَكُنْ حَظِّي مِنَ الرِّهَانِ
قُبلة برقيّة خاطفة
بِالكَادِ تمسح مسحا خفيفا
على الخدَّيْنِ
مثلما
يفعل جميع الأطفالِ،
سأراها مخاطرة
ومجازفة كبرى
وجزاء
وسترينها مُخَالَفَة
وأحلى عقاب
صَرَاحَةً…صراحةً
أريدُ أن ألْعبَ معكِ
مثلَما يلعب جميع الصِّغارِ
إنّي…
مَلَلْتُ الحُبَّ الرّسْمِيَّ
والقُبُلاَتِ مِنْ نَارٍ !