كل مقالات سوف عبيد

حول سوف عبيد

* من مواليد موسم حصاد 1952 وسُجّل في دفتر شيخ المنطقة بتاريخ يوم 7 أوت 1952 ببئر الكرمة في بلد غُمراسن بالجنوب التونسي درس بالمدرسة الاِبتدائية بضاحية ـ مِقرين ـ تونس العاصمة سنة 1958 ـ بالمدرسة الابتدائية بغُمراسن سنة 1960 ـ بالمدرسة الابتدائية بنهج المغرب بتونس سنة1962 ـ بمعهد الصّادقية بتونس سنة 1964 ـ بمعهد اِبن شرف بتونس سنة 1969 * تخرّج من كلية اﻵداب بتونس بشهادة ـ أستاذية الآداب العربية ـ ثمّ في سنة 1976 بشهادة ـ الكفاءة في البحث ـ حول ـ تفسير الإمام اِبن عَرْفَة ـ سنة 1979 * باشر تدريس اللّغة العربية وآدابها بـ ـ معهد اِبن أبي الضّياف بمنّوبة ـ المعهد الثانوي ببوسالم ـ المعهد الثانوي بماطر ـ معهد فرحات حشاد برادس * بدأ النّشر منذ 1970 في الجرائد والمجلات : الصّباح ـ الملحق الثقافي لجريدة العمل ـ الصّدى ـ الفكر ـ ألِف ـ الحياة الثقافية ـ الموقف ـ الشّعب ـ الرأي ـ الأيام ـ الشّرق الأوسط ـ القدس,,,وبمواقع ـ دروب ـ إنانا ـ المثقّف ـ أنفاس ـ أوتار ـ ألف ـ قاب قوسين ـ … * شارك في النّوادي والنّدوات الثقافية بتونس وخارجها : ليبيا ـ الجزائر ـ المغرب ـ مصر ـ العربية السعودية ـ الأردن ـ سوريا ـ العراق ـ إسبانيا ـ فرنسا ـ إيطاليا ـ ألمانيا ـ بلجيكا ـ هولاندا ـ اليونان ـ * من مؤسسي نادي الشّعر بدار الثقافة ـ اِبن خلدون ـ بتونس سنة 1974 واِنضمّ إلى اِتّحاد الكتاب التونسيين سنة 1980 واُنْتُخِبَ في هيئته المديرة في دورة سنة 1990 أمينا عاما ثم في دورة سنة 2000 نائب رئيس فساهم في تنظيم مؤتمر اِتحاد الأدباء العرب ومهرجان الشعر العربي بتونس سنة 1991 وفي إصدار مجلة ـ المسار ـ وفي تأسيس فروعه وفي تنظيم الندوات والمهرجانات الأدبية وشارك في الهيئة الاِستشارية لمجلة الحياة الثقافية وأسّس منتدى أدب التلاميذ سنة 1990 الذي تواصل سنويا في كامل أنحاء البلاد إلى سنة 2010 ونظّم الملتقى الأوّل والثاني لأدباء الأنترنت بتونس سنتي 2009 و 2010 وأسس نادي الشعر ـ أبو القاسم الشابي ـ سنة 2012 وترأس جمعية ـ اِبن عرفة الثقافية ـ سنة 2013 و2014 وأسس جمعية مهرجان الياسمين برادس 2018 * صدر له 1 ـ الأرض عطشى ـ 1980 2 ـ نوّارة الملح ـ 1984 3 ـ اِمرأة الفُسيفساء ـ 1985 4 ـ صديد الرّوح ـ 1989 5 ـ جناح خارج السرب ـ 1991 6 ـ نبعٌُ واحد لضفاف شتّى ـ 1999 7 ـ عُمرٌ واحد لا يكفي ـ 2004 8 ـ حارقُ البحر ـ نشر إلكتروني عن دار إنانا ـ 2008 ثم صدر عن دار اليمامة بتونس ـ 2013 9 ـ AL JAZIA ـ الجازية ـ بترجمة حمادي بالحاج ـ 2008 10 ـ ألوان على كلمات ـ بلوحات عثمان بَبّة وترجمته ـ طبعة خاصة ـ 2008 11 ـ حركات الشّعر الجديد بتونس ـ 2008 12ـ صفحات من كتاب الوجود ـ القصائد النثرية للشّابي ـ2009 13 ـ oxyde L’âme قصائد مختارة ترجمها عبد المجيد يوسف ـ2015 14ـ ديوان سُوف عبيد ـ عن دار الاِتحاد للنشر والتوزيع تونس2017

سنفونية الشّعر التونسي

سنفونية الشعر التونسي

سُوف عبيد

في صباح يوم السبت 4 جانفي 2025 اِستقبل نادي الميعاد بجمعية ابن عرفة بمدينة تونس العتيقة وبالتعاون مع دار الثقافة السليمانية أعضاء نادي الشعر والرّواية بمدينة قرنبالية فكانت مناسبة رائقة التقى فيها عديد الشعراء الذين أنشدوا قصائدهم المتنوعة المواضيع والأساليب مؤكدين أن الحركة الشعرية التونسية تعيش فترة مزدهرة نعتبرها رافدا مُهمّا في خضم الشعر العربي المعاصرالذي ما فتئ يتجدّد ويتطوّر مشرقا ومغربا وباعتزاز يشرفني أن أنقل ما تيسّر من تلك القصائد التي اِستمعنا إليها شاكرا للشعراء تعاونهم وللصديق الشاعر ميلاد ميلاد رئيس نادي الشعر والرواية بقرنبالية جمعها .

الوالدان هما العينان والبصرُ

هما الدّروعُ لنا والدِفء والأملُ

هما الأصولُ ونحن الفَرعُ والثمَر

هما القداسةُ والإجلال والمَثَلُ

هما الأمان لنا في عالَم الفِتن

هما المَلاذُ إذا ضاقت بنا السّبلُ

هما السعادة في الدنيا فإن رَحلا

تَغدو الحياة جَحيما ليس يُحتمَلُ

كم مِن ليالٍ قضَوا في الخوف والقلق

لما وُلدنا وما نامَت لهم مُقَلُ

باعوا النفيسَ لكَي يَقضُوا حوائجنا

وأكرمونا وما ملّوا وما بخِلوا

وعلّمونا أُصُول العِزّ والأدب

وكيف نحيا كِراما ما بنا خجَلُ

ضحّوا بصحتهم والمال والعُمُرَ

حتى كبُرنا وهُم وافاهمُ الأجَلُ

مهما مدَحنا ومهما طال شُكرهُمُ

فلن تعبّر عن إحساسنا الجُمَلُ

فمن يبَرُّ ويُرضي والديه نَجا

ونال خيرا فنِعْم الصُنعُ والعمل

ومَن عصاهم ولم يحفَل بنصحِهمِ

يَعِش قرينا لجُرح ليس يَندملُ

فالوالدان هما كل الحياة لنا

وليس يوجدُ في الدنيا لهم بدَلُ

فالشهدُ مُرًّا يصير بعد موتهم

والعَلقمُ المُرّ في أحضانِهم عسَلُ

وليد السبري تونس

تحولات

قمري المرائي يزرع الأشواك ،

في حلقي..يسافر في دمي،

قمرا حزين

يغزو نوافذ وحدتي،

ها أنني أوصدتها..فتحدَّها إن شئت،

لن ترتاح في حلمي،

و لن تستطعمنْ شهد الأنين

أتُراك زُرْتَ مقابر الأحياء،

هل أحرقْت صُفْر كتائب النساك،

أم عرّجْت في وطني على خمارة الحي العتيق

أو هل تراك قد استكنْت إلى كوابيس الحريق

شرّشْتَ في وعي المرافئ كالقدر

فتحجّرتْ سفني..على مرمى حجر

لا..لم تكن قمري و لا حزني الدفين

لن تستبيح دماء حلمي،

لا و لن تستطعمنْ شهد الأنين

إني أضأت شموع قلبي،

فليكن نهَمي البكاءُ،

و أطعمتْني من موائد رحلتي ،

أعنابُ هذا التيه،

فاسترشدْتُ أقمار الضِّياع

و أكلت من خبز الجياع

سِيانِ..مأتم مسجدي و كنيسة الأمر المطاع

و دفاتر الأشجان.. ذاع

سري..تفرق من دمي بين القبائل،

ما يُروّي عشق آلاف الضحايا

ولْتغفرِ الأم الخطايا

سيان..ما هدأ الصراع

كلا..و ما أدفأتُ من جمري،

و لا أشبعت من خبزي الجياع

أبدا..كما لم يهْدِني نجمي..،

و لا قمر الضياع

صفوان بن مراد

وطني العزيز

وطني العزبز ، تراك عيني شامخا

عزفت حروفي من هواك نشيدا

لا يولد العظماء الا مرّة

و اراك تولد كالصّباح جديدا

و أرى العواصم في جوارك أنجما

و أراك بدرا في السماء فريدا

قضّيت عمرا في دروبك هانئا

في كل يوم في ربوعك عيدا

اني بحبك يا الحبيبة تونس

أحببت شعري و ارتجلت قصيدا

اعلى مقامك ما استطعت بأحرفي

و أخط من فنّ القريض مزيدا

فالصدر حبّ غامر متجدد

و الحرف كان من الضلوع وليدا

و الجسم طوفان قوي هادر

و القلب ان لمع الحديد حديدا

انا كسطح الماء يبدو ساكنا

و إذا استشاط الغيض صار شديدا

فإذا تخطاك العدو بجنده

و اراد كيدك عاد منك طريدا

نلقاه أسدا و النيوب قواطع

نحميك بل نسقي الطغاة صديدا

تاريخك العزّ الذي نحيا به

و بدون حصنك قد نصير عبيدا

يا بيرقا يسمو و يخفق شامخا

يعلو بمجدك في السّماء بعيدا

بقلمي

الشاعر التونسي

الحبيب المبروك الزيطاري نابل. تونس

من مجموعتي الشّعريّة السّادسة

وصيّتي هذا البلد

يا أمّه..

هزّي إليك

بجذع بعض غمامةٍ

كيُ تسكبي

بردًا..سلامًا في الكبدْ

وعليكِ..يسّاقط

من الرُّطب الجنيّات

الجلدْ

ليُربّت الوجع الجليلَ

ضميدةً

بُشرى

بعمر الصّابرينَ

وبسمةً

تفترّ عن ألق الحياةِ

بجرحه..

ذاك الولدْ

هذا البلدْ

يا جرحهُ

ياريحَ مسكٍ

في

مسامّ الأرض

في..

عبق التّراتيل الحميمةِ

والصّلاة

وعطر أنفاس الشّهادةِ

والولادةِ

في..

تسابيح المددْ

تهفو

لأذكار الأماني

في مخاضات البلدْ

يا أمّهُ

طوبى لجرحك

خضّب الرّوح النّديّة

واصطفى..

محضيّة الحلم المفدّى

والمُنى..

وسليلة الوجع المعتّقِ

بالإباءِ

وبالحياة

يا جرحها

يا جرحها الحنّاءَ

يا زغرودةً

خضراءَ .. في لون الرّبى

ونديّةً

مثل الغمامةِ ..

ريحها

قد فاح في

كفّ المدائنِ

عنبرًا

مِسْكًا ونَدْ

من طيب أبخرة البلدْ

زفّيه

في ألق القريضِ

قصيدةً

وبلابل الحرف الشّفيف

مطيّةٌ

قد زغردت أنفاسهُ

وتعطّرت

شقّي عليه الحرف

مختال الرّؤى

وتيمّمي

صعَدًا..صعيدًا طيّبا

من نفحة الأرض التي

شقّت

على دمه الأديمَ

معانقًا

نبض الجسدْ

ومسافرًا

فوق المدى

في عمق أوردة البلدْ

ضُمّيه

للقلب الكليمِ

تميمةً

وتنفّسي نفْح الطّهورِ

بجرحه

في

نزْف شريان البلدْ

با أمّه..

يا أمّنا الخضراءَ

يا عبَقَ النّدى

من عطر ألف حضارةٍ..

وحضارةٍ

ها..ها أنا

يمّمت شطرَ الحرف

أسكب مُنيتي

حبّا

خرافيّ السّمات

هوًى

طفوليّ الرّؤى

ورغيف حلمٍٍ

مُشتهَى

أهفو لهُ

ويطوف بالأحلامِ

معتمرًا

إلى وطنٍ

يُساكنني

وقِبلتُه البلدْ

يا أمّهُ..

لا تذرفي ادرّوح الشّفيفةَ

في الحدادِ

وربّتي

رَوْح البلاد الرّاجغة

ردّي إليكِ

وشاحَ أقواس القزح

وتزيّني

وتكحّلي

في عينك الشّلاّلُ

يُغرق حُرقةً

تطفُو

بذكرى الرّاحلينَ

منارةً

ونشيدَ بوصلةٍ

بأوصال البلد

ترجيعةَ النّغم الشّهيدِ:

وصيّتي هذا البلدْ

وصيّتي هذا البلدْ

وصيّتي هذا البلدْ

بسمة الحذيري

مشاركة الشاعرة والكاتبة سليمى السرايري

من كتاب رسائلُ إلى بحّارٍ ورسائلُ أخرى

المشاركة برسالة إلى الأستاذ سوف عبيد

ا…………………ا

أستاذي الشَّاعِر سُوف عبيد،

لَقَدْ أَخَذَتْنَا الحَيَاةُ وَتَقَلُّبَاتُهَا بِمَا فِيهَا مِنْ عَنَاصِرَ خَلَقَهَا اَللَّهُ فَكَانَ لَهَا اَلْأَثَرُ اَلْأَكْبَرُ عَلَى حَيَاتِنَا اَلْبَسِيطَةِ مِثْلَ اَلنَّارِ واَلسَّمَاءِ واَلْقَمَرِ واَلشَّمْسِ واَلْمَاءِ واَلرِّيحِ واَلْمَوْتِ وَالْعِشْقِ، فَوَظَّفَتْ اَلْأَسَاطِيرُ هَذِهِ اَلْمُفْرَدَاتِ وَمَثِيلَاتِهَا، فَكَانَتْ لَهَا دَلَالَاتُهَا وَرُمُوزُهَا اَلْبَيِّنَةُ وَالْخَفِيَّةُ لِتُبْرِزَ أُسْطُورَةَ اَلْمَاءِ اَلَّتِي يُوَظِّفُهَا جُلُّ اَلشُّعَرَاءِ فِي هَمْسِهِمْ لِلْقَلَمِ. فَكَأَنَّهُمْ عَلَى مَوْعِدٍ قَائِمٍ مَعَ (آلِهَةِ المَاءِ) اَلَّتِي تَلُوذُ بِأَفْنَانِ اَلْهَوَى أَيْنَمَا تَتّجِهُ. فَتَرَاهَا قَابِعَةً فِي جَوْفِ كُفُوفِهِمْ تَهْمِسُ:

أَنَا هُنَا خُلِقْتُ مِنْ مَاءِ وَصَدَفٍ مَعْرُوكَةً بِصَلْصَالِ اَلْغُيُومِ.

وَفِي كُلِّ مَرَّةٍ تَعُودُ مِنْ آخِرٍ اَلْأُسْطُورَةِ لِتَلْتَقِينَا عَلَى عَتَبَاتِ اَلشَّوْقِ، تُثِيرُ اَلْعَوَاصِفَ وَالشُّمُــوسَ وَالْأَلْوَانَ اَلْمُتَبَقِّيَةَ عِنْدَ اَلسَّاحِلِ اَلْقَدِيمِ…

اَلْوَقْتُ هُنَاكَ يَرْقُصُ عَلَى أَصَابِعِ اَلْمَوْجِ اَلَّتِي تَحْتَضِنُ اَلْحَنِينَ وَتَقُولُ: لَا تَتَأَخَّرْ حَبِيبِي رُبَّمَا يَغْمُرُنِي اَلطُّوفَانُ…

وَنَحْنُ يَا صَدِيقِي، فِي دَهْشَةٍ مِنْ أَمْرِنَا نَتَسَاءَلُ بِصَوْتٍ خَافِتٍ مَاذَا يَلْزَمُنَا اَلْآنَ؟ أَمَلٌ؟ اِسْتِقْرَارٌ؟ فَرَحٌ؟ لَعَلَّنَا نَقِفُ عَلَى مَا وَرَاءِ هَذِهِ اَلْحَاجَاتِ اَلْمُلِحَّةِ، حِينَ تَضِجُّ تِلْكَ اَلْآلِهَةُ بِالْوَجَعِ.

إِذَنْ، هِيَ اَلْحُرِّيَّةُ اَلَّتِي يَصْبُو إلَيْهَا كُلُّ كَاتِبٍ، وَنَفْهَمُ هَذَا مِنْ إِشَارَتِهِ إِلَى البَحْرِ، وَاَلشَّجَرِ وَالْعَصَافِيرِ، إِلَى طَرِيقٍ مُمْتَدَّةٍ جَمَالًا، نُقِيمُ فَوْقَهَا أَعْرَاسًا لِلْغَيْمَاتِ الشَّارِدَةِ.

هَلْ هَذَا كُلُّ مَا يَصْبُو إِلَيْهِ اَلشَّاعِرُ؟ إِنَّهُ اَلْوَجْهُ اَلسَّاكِنُ فِي ذَاتِهِ، وَجْهٌ يَنْتَظِرُهُ فِي تَمَوُّجَاتِ اَلضَّوْءِ وَفِي عُزْلَةِ اَلْأَشْيَاءِ.

هَلْ هُوَ اَلْحُلْمُ؟ أَمْ اَلانْتِظَارُ؟ أُمْ تَعْوِيذَةُ اَلْعِشْقِ اَلْمُكَبَّلِ دَائِمًا بِالْخَوْفِ؟

اَلْخَوْفُ اَلسَّاكِنُ فِي قُلُوبٍ عَاشِقَةٍ، خَوْفُ اَلْهَجْرِ وَالرَّحِيلِ غَيْرَ أَنَّهُ عَادَةً مَا يَعُودُ اَلْكَاتِبُ، مِنْ كُلِّ هَذِهِ اَلتَّخَوُّفَاتِ وَهَذِهِ اَلْحَيْرَةِ بِأَمَلٍ يُدَاعِبُ رُوحَهُ اَلْمُتَعَطِّشَةَ إِلَى الجَمَالِ يَزْرَعُهُ اَلطَّرَفُ اَلْآخَرُ عَلَى شَرَاشِفِ اَلْقَصِيدَةِ.

وَأَنَا اَلْمَحُكَ فِي أَوْجِ اَلْأُسْطُورَةِ، تَفُكُّ ضَفَائِرَ الجازيةاَلْفَاتِنَةِ حِينَ وَصَلَتْ تَحْمِلُ فِي عَيْنَيْهَا اَلنَّاعِسَتَيْنِ تِلْكَ اَلْبِحَارَ اَلَّتِي لَمْ تَرَهَا، كُنْتَ تُدْرِكُ حِينَهَا، أَنَّكَ نَسِيتَ اَلرَّشَادَ مُجْتَازًا اَلْأَهْوَالَ تَهَبُ أَحْلَامَكَ لِسَوَادِ شَعْرِهَـا اَلْغَجَـرِيِّ، وَتَسْكُنُ مِائَةَ عَامٍ فِي اَلْعِشْقِ اَلْمُكَبَّلِ بِالضَّفِيرَةِ اَلطَّوِيلَـةِ كَلَيْلِ اَلصَّحْرَاءِ وَأَنْتَ اَلَّذِي لَفَّتْكَ مَوَاوِيلُ اَلْقَوَافِلِ اَلرَّاحِلَةِ نَحْوَ أَرَاضِي اَلْمَاءِ تَقِيسُ تِلْكَ اَلْمَسَافَاتِ وَتَنْتَظِرُ هُنَاكَ مُرُورَ الرَّكْبِ، وَالْجَازِيَةُ اَلْحَسْنَاءُ مَا زَالَتْ تَجْمَعُ نَظَرَاتِكَ اَلْوَلْهَى وَتَحْتَفِظُ بِقَصَائِدِكَ المُشْتَعِلَةِ وَجْدًا وَهُيَامًا بَيْنَ طَيَّاتِ ثَوْبِهَا اَلْمُطَرَّزِ بِالْعَقِيقِ وَالْمَرْجَانِ وَتَعَلِّقُ فِي أَقْرَاطِهَا اَلْفِضِّيَّةِ هَمْسَكَ اَلنَّاعِمَ:

هِيَ الحُسنُ في سِحرِها العَجَبُ

فَلَوْ بَسَمَتْ يُجْرَحُ العـنبُ

ولو حَادثـتْها الفيافي بصوتٍ

جَرى سَلسَبِيلٌ كَما الخببُ

إذا ما مَشَتْ نَوّرَ الغُصْنُ شَوْقًا

وأُحْرِقَ دَرْبِي هِيَ اللَّـهَبُ

يَا لَهُ مِنْ هَمْسٍ اَلَّذِي سَكَنَهَا وَأَسْكَنَهَا فِرَادِيسَ اَلْعُشَّاقِ!! وَقَدْ كَسَاهَا اَلْخَجَلُ فَأَسْبَلَتْ جَفْنَيْهَا حَيَاءً تُزِيحُ عَنْ جَبِينِهَا قِطْعَةً حَرِيرِيَّةً مِنْ شَعْرِهَا اَلْأُسْطُورِيِّ وَقَدْ فَاحَتْ مِنْهُ رَائِحَةُ اَلْأَعْشَابِ اَلْجَبَلِيَّةِ وَالزُّيُوتِ اَلنَّادِرَةِ، تِلْكَ اَلْخَلِيطَةُ اَلْعَجِيبَةُ اَلَّتِي قَالُوا إِّنَّهَا أَطَالَتْ جَدَائِلَهَا فَعَانَقَتْ لَيْلَ اَلصَّحْرَاءِ وَتَجَمَّلَتْ بِهِ اَلْيَافِعَاتُ فِي أَحْلَامِهِنَّ اَلْوَرْدِيَّةِ . . .

اِنْهَضْ فَقْد دَقَّتْ اَلشُّمُوسُ عُيُونَ اَلرُّعَاةِ وَاشْرَأَبَّتْ نَحْوَ قَطِيعِ اَلْأَغْنَامِ تَزِيدُ مِنْ لَمَعَانِ وَبَرِ اَلْمَاعِزِ اَلْغَزَالِيِّ النَّاعِمِ

يَا صَدِيقِي، قَدْ رَحَلَتْ اَلْجَازِيَةُ اَلْفَاتِنَةُ وَأَسْدَلَ اَلْفَرَاغُ جَنَاحَيْهِ اَلثَّقِيلَيْنِ عَلَى تِلْكَ المَرَاعِي، فَحَزِنَتْ الأَعْشَابُ وَالأَطْوَادُ وَظَلَّ اَلنَّخِيلُ وَحِيدًا يَنْتَحِـبُ فِي صَمْتٍ وَخُشُوعٍ.

صَدِيقَتُكَ

لاتلمني

بقلم : نجاة الورغي

لاتلمني إن أخذت الشمس إلفا

ولففت البدر لفا

وتلحفت بنورالكون لحفا

لا تلمني إن جعلت الطائر الشحرور

ضيفا

ولبست السحب والأمطار شالا

تلك أحلامي ثمالا تتسابق تتعالا

نحو مدارات الرؤى

لا تلمني إن كسرت أغلال الركود

وصفقت الباب في وجه الجحود

وزرعت الحب بذرا كي يجود

بالتآخي، بالخلود

لاتلمني إن تساميت بفني

إن سخرت من عشيقات التجني

وأميرات الرياء

إنني يا لائمي أخت الصفاء

وأنا أخت النجوم هاهنا

نرعى بدرا باسما فوق الورى

بدر تم يتهادى والعلا

فاندهش إن شئت

أو قل ما تشاء

إذ أنا بنت السماء !

داء الهوى

قالت

أحقّا صرفك عشقي عن النّساء

وهل اغتناجي أغناك عن الغواني

قلت:

لمّا عشقتك والفؤاد إليك فاء

من أوّل نظرة ببعض الثّواني

أرديتني أسيرا مالي منك وجاء

أردّد اسمك في لحن الأغاني

أخلصتك حبّا وإن عزّ اللّقاء

ما تحوّلت وإن كنت أعاني

حبيبتي أنت ملكة وهنّ الإماء

أتوق إليك والوجد كواني

يا بؤبؤ العين دونك النساء

ضنّك في البوح قرحا ابكاني

يا جنّة ملؤها الجمال والنقاء

نذرت لك مهجتي ونبع حناني

بفخامة الحوطة حول الضّياء

ذوت من الجوى روحي والنوم جفاني

طاب لي المقام ومعك رمت البقاء

فهل لي وطر فيك يجلي أحزاني

إنّما الكتمان بألم زؤام الدّاء

جودي يا خير من بالوصل داواني

انت ملهمتي وحبيبتي الغنجاء

يا سرّ سحر الوجود يا قمر زماني

جدت لك غزلا من حروف السّنا

كيف لا وأنت الحسناء أحصن الحسان

ميلاد محمود ميلاد(تونس)

جياد النور

لو يصير المرج أخضر

لو يصير الركب أكبر

يستح الاعداء دوما

من صهيل من عويل

من رجا دهر تعثّر

لا تعودوا للمذكّر

لا تخطوا الرقم دفتر

فيه عنوان تنكر

عهدهم يحتاج محضر

دينهم نقْض تبخّر….

إنْ هُمُ جادت مداهم

حطمت قلبا تعطر

والأماني كالهشيم

والمعاني تتبخر

صيّروا الأحلام طين

عطّلوا فكر اليقين

طفلنا اليوم تفتّر

يا حماة العرض هبوا

ما لنا سقف ليستر

من فلسطين نجوع

نذرف الدمع ونستر

من فلسطين نموت

ندفن الاشلاء نُقبر

رأس طفل قلب أمٍّ

بعثرت كلسا تحجّر

والدّماء من عجين

تجري من عين وتقطر

والأيادي من لعين

لطّخت وجها كمقمر

دمرت في الأرض سلما

قطعت وصلا تجسّر

ضيقت أفْقِ الحنين

جمّدت نبضا تحضّر

أرسلت عرق الجبين

مزقت أرضا ومحجر

عاهدت نور اليقين

أخلفت من أرضي منصر

خاب في التّدبير جيل

مات من حقد تنكر

مات من حقد تنكّر

الشاعرة حياة عبد الخالق

هذه الأرض تلعنكم

عودو من حيث أتيتم

أو موتوا بغزة أن غزة إن شئتم

فأديم الأرض يلعنكم

أحياء كنتم أو موتى

الطفل بغزة ينذركم

قسما بالأقصى سنخرجكم

سنظل نغني القدس لنا

و تعود الأرض بحوزتنا

النصر النصر و إما فلا

لا سلاما كان و لا كنتم

الطفل يعانق لعبته

يروي أسراره للقمر

و يصون عرين عروبته

يبني أمجادا بالحجر

و يمد ذراعه مبتهجا

أماه خطي هنا اسمي

إن مت شهيدا ذا لقبي

تجدين الوشم على جسدي

الطفل رماد عروبتنا

في جوفه نار تتقد

ستثور الأرض لنصرتنا

و يعود الطفل و يتحد

ليخط بنود وصيته

قولو لأبي أن لا يبكي

من مات شهيدا طوبى له

من أجل القدس فلا تبك

عودو من حيث أتيتم

أو موتوا بغزة أن غزة إن شئتم

فأديم الأرض يلعنكم

أحياء كنتم أو موتى

شكري الغضاب

حديث الروح

جلست أنا..

و طيفك القريب البعيد

احتسي قهوتي

المعطرة بالشوق

واعتصرت

دمع الحبر الورديِّ

على ضفاف الحنين

فتناثرت صفحات

الذكريات

مع خفقان القلب العليل

جلست احتسي

عصير كل قصائد

العشق الأزليِّ

حملت الرياح الروح اليك

ليتك تقرا نبض الشوق

بعيون قلبك

فقد امتلأت اجزاءي

بتعويذة الوجد

أجابت روحه

يااال تعويذة الوجد

بتبتّل ترتلها

راهبة الحب

من أعماق القلب

بشفيف اللبّ

بالفؤاد الصبّ

فاقت مدايات الودّ

حبيتي

يا ناسكة العشق

يا هالة القمر بالغسق

يا وضّاءة الجبين

بجمال الشفق

يا عاشقة الياسمين

يا عالما غروسه الورد

عشقت فيك

الحِلم والحُلم

النبض وبنات القلم

ورقي الروح بالخضم

عشقت بعشقك القهوة

بلون ومذاق العتم

يستهويني شعرك فأردّ

اما نظرت

طويلا في عيوني

حيث انت تحت جفوني

كما سكنت الشغاف

بالروح بالأوصاف

وانا الولهان الهاف

اما وجدتني لك في الهزل والجدّ

يا مناي انت

أريدك بكلّك كما انت

أصلّيك بجهري وصمتي

أصونك ولا اخونك

دهري حبيبتي انت

يقتلني وجدي إذا غبت

الثواني أعواما في عدّي

هالة بنت خفيز الدامرجي

ياوطن غالي عزيز فيك رجال بالعلم ربيناه احسن جيل واليوم كيف ضياق بيك الحال غلو المعيشة وصار شباب ذليل

شدو القهاوي والخدم بطال ومن هم جيلي صار قلبي عليل

فوق الورق هاو حبري سال شوقت فوق الخد دمعي يسيل

تخبلت و تغزلت في الأقوال ريت القاصيدة و جبتها بتفصيل

و المال ياما غر بيها رجال نيو ناسهم بعدو زمان طويل

ولفقر هدم كثير حبال الله اصبر يا قليل الحيل وسبحان ربي مغير الأحوال لي نقربا نلقاه بيا بخيل

من جيل جدي كاسبين جمال و في جيل نا ما عاد زرع قسيل

و عرفات راتب هل لقوال يماسي على لي سمع كيفية سعر اليل.

الشاعر القوال عرفات التومي

مداخلتي يوم السبت 04 جانفي 2025 في الملتقى الذي جمع بين جمعية ابن عرفة بالسليمانية في دورة الميعاد الخامسة والعشرين

ونادي بيت الشعر والرواية بڨرمبالية في دورته الرابعة:

أقول:

عين على ما مضى

وعين على باقي الخطى

وما بين العين والعين

مسافة شهقة

أيّها النّاس

إشحذوا ذاكرتكم

احتفظوا بطيّبها

واعتبروا من سيّئها

فلا خير في قوم يئدون ذاكرتهم !

يقول الشّهيد الشّاعر الفاضل ساسي :

سويعات قليلة قفزت بنا من تاريخ 03 جانفي إلى هذا الملتقى و03 جانفي يحيلنا حتما على انتفاضة الخبز بتاريخ 03 جانفي 1984 التي سقط فيها أمثر من 300 شهيد من خيرة رجالات تونس وشبّانها.

وأنا بهذه المناسبة إذ أذكر وأسمّي أحد السّهداء الأبرار فليست أبدا مفاضلة بين شهيد وشهيد إنّما بسبب ما يجمعنا أيضاً ونحن تعتلي عرش الكلمة ونتربّع على منبر الشّعربشهيدنا الخالد الفاضل ساسي الذي كان أيضا شاعرا.

أي نعم كان الفاضل ساسي شاعرا فذّا وقد الّف من أشعاره ديوانا كاملا تحت عنوان •••وقدري أن أرحل••• وهو ديوان بقي تحت الحجر ممنوعا من الظّهور منذ الثمانينات ولم يتمّ نشره إلّا بعد ثورة 17ديسمبر-14جانفي من طرف الاتحاد العام التونسي للشغل .

واليوم وإكراما لروح شهيدنا الشّاعر التي ترفرف الآن بيننا فقد آثرت أن أقرأ على مسامعكم بعضا من نصوصه .

يقول الفاضل ساسي:

سنة تحتضر

عام ينتظر

وحبّي لك مازال لم يزدهر

سنة تقبل

وعام يدبر

والغيم في بلادي

بعد لم يمطر

سنة تقبل

وعام يدبر

والغيم في بلادي

مازال لم يمطر

سنة تقبل

وعام يدبر

والجوع في بلادي

مازال لم يقهر

سنة تحتضر

عام ينتظر

وأنا على حبّك

مازلت مصرّ

أيامي تمضي

أحلامي تذوي

والظلم في بلادي

لا يزال مستقرّ

براعم الزّهر تقصف

تحت الشمس

وسيف الجلّاد في البلاد

لم يعد مستتر

دعوني للموت يلفّني

فالسّنة ينتي

والعام عامي

والشهر شهري

والتّاسع رحيلي

في كلمته يلفّ ظلام

مشعّ كلّ قناديلي

فهل أموت أبدا

وأنا الفينيق الخالد

وليس فيكم مثلي

ويقول الفاضل ساسي في قصيدة أخرى:

أنا حزين أنا ثائر أنا غاضب

حتى أكون المنتصر ، حانق، ثائر

ثائر ، حانق ، غاضب

حزين أيا شعبي متى ينقضي عهد الأنين؟

أيا شعبي متى يولّي الشّعب الحزين؟

أيا شعبي متى تهبّ

وتفؤق من غفلة الأموات؟

متى تصبّ جام غضبك

على من هدر دمك،سلب مالك،داس كرامتك؟

متى تسمع عدوّك الأصوات ؟

من قصائد الفينيق الخالد.

ديوان •وقدري أن أرحل•

للشهيد الشاعر الفاضل ساسي.

* بنت الغجر*

سلام عليك

عليك السلام

و مني اليك

كلام جميل

يفوق الكلام

فمد يديك الي

قبيل وصول السلام

و رد علي التحية

ففي الكف شعر ينام

خيال لقيس

و طيف لعمر

و بعض حنين لاطلال زيد

تهادت أمامي

كهالات ضوء تزيد هيامي

كليل كبدر

كصبح كفجر

كعطر قديم

أحبك لكن أخاف علي

على كلم من عبير الغمام

من الموت قبل وصول التحية

و قبل وصول السلام

أخاف جفاف بغرسي

اذا اغلقت أعين للسماء

سأسقيه شعري و لحني

سأسقيه عطر غناء

فلا تغضبوا

ان سمحت لعيني

ببعض دموع

و بعض بكاء

هو الحب كالموت

لا يعرف الفرق

بين الرجال

و بين النساء

بقلبي قصيدة

روي و قافية من مطر

بقلبي صدا

لبلاد بعيدة

انا سندباده

و بنت الغجر

أسير على وجع

و البراري حريق

فأي الخطى اقتقي يا سبيلي ؟

و اي طريق يطل عليك ؟

طيور الغرام دليلي

جناح سلام يسير اليك

جناح الغرام عليل

و درب المحبين وهم طويل

و شعري مصاب بسهم القبيلة

قصيدي غرام عليل

مريض يلبي النداء

و انك في البعد

فوق السحاب

و فوق النجوم

و فوق السماء

فكن يا غزالي

غزالا رؤوم

هات السلام

و لبي النداء

لألقاك رسما بهي الصفات

جميل التعابير و المفردات

بشعري و حبي

لا تتركوني وحيدة قتيلة

على الصفحات

و ضمني قيس

إلى دفء صدرك

فخارج صدرك

لا يعرف شعري معنى الحياة

الشاعرة * فاتن بالحاج صالح *

قراءة في قصيدة ـ لاعب الورق ـ الأستاذ حاتم حمّادي

مقاربة بُنيوية لقصيدة “لاعب الورق”
للشّاعر العربي التونسي الكبير “سوف عبيد”
****** لاعب الورق ******
لاعبُ الورقِ الماهرُ
ليس ذاكَ الذي
يأتيهِ الحظُّ بالأوراقِ الثمينةِ
دفعةً واحدةً
أو… واحدةً.. تلوَ واحدةٍ
الماهرُ حقاً في اللَّعِب
هو ذاك الذي
يُحسِنُ تنسيقَ الأوراقِ
كيفَما جاءتْ
وينتظرُ الورقةَ الخامسة
فإذا جاءتْ
هُيِّئَ لها مكانُها المناسبُ
ثمَّ
يَنظرُ نظرةً
نظرتينِ
في العيونِ المُقابلةِ
ويفرشُ أوراقَهُ
على الطاولةِ !
سوف عبيد
التحليل البنيوي لقصيدة لاعب الورق يتطلب تفكيك النص إلى عناصره الأساسية وفهم العلاقات بين هذه العناصر، مع التركيز على البنية اللغوية والدلالية والأسلوبية.
سأقدّم تحليلاً بنيويا لهذه القصيدة.
1. عنوان القصيدة:
“لاعب الورق”: العنوان يثير فضول القارئ بتقديم صورة رمزية لشخص يمارس لعبة الورق، وهي نشاط يحمل أبعادًا دلالية عديدة (اللعبة، الحظ، التفكير الاستراتيجي).
يوحي العنوان ببنية قائمة على التلاعب بين المهارة والصدفة، كما يتضمن إيحاءات فلسفية تتعلق بمصير الإنسان وقراراته.
2. بنية القصيدة:
القصيدة تتكون من مقاطع شعرية مترابطة، مقسمة عبر أسطر قصيرة، وهو ما يخلق إيقاعًا خاصًا، يتسم بالبطء والتركيز.
البداية: تبدأ القصيدة بوصف اللاعب الماهر وتمييزه عن اللاعب الذي يعتمد على “الحظ”، مما يشير إلى ثنائية المهارة مقابل المصادفة.
“لاعب الورق الماهر
ليس ذاك الذي
يأتيه الحظ بالأوراق الثمينة”
التحليل البنيوي: النص يُظهر التوتر بين القدر والإرادة البشرية. فاللاعب الماهر يمثل الإنسان الذي يتحكم في أدواته ويتجاوز العشوائية.
الوسط: ينتقل النص إلى التركيز على مهارة التنسيق والتخطيط:
“الماهر حقًا في اللعب
هو ذاك الذي
يُحسن تنسيق الأوراق”
التحليل: هنا تتحول الورق إلى رمز للحياة أو للفرص المتاحة، حيث تتطلب الحياة ترتيبًا دقيقًا واتخاذ قرارات حكيمة. اللاعب الماهر لا ينتظر، بل يرتب و”يُهيئ” كما يشير النص.
الختام: ينتهي النص بتصوير حركي ودقيق للّحظة التي تُكشف فيها الأوراق:
“ثم ينظر نظرة
نظرتين
في العيون المقابلة
ويفرش أوراقه
على الطاولة !”
التحليل: النهاية مفتوحة وتشير إلى ذروة اللعبة أو الحياة: لحظة المواجهة والكشف. التركيز على “العيون المقابلة” يوحي بحالة التوتر والرهان على النتائج.
3. البنية اللغوية والأسلوبية:
التكرار:
تكرار الكلمات مثل “واحدة… تلو واحدة” يُحدث إيقاعًا هادئًا ومتتابعًا يحاكي التدرج في ترتيب الأوراق.
التكرار يعزز المعنى ويبرز دقة الحركة.
الصور الفنية والرمزية:
“الأوراق الثمينة” = الفرص الكبرى في الحياة.
“تنسيق الأوراق” = الحكمة والتخطيط.
“يفرش أوراقه” = لحظة الكشف أو اتخاذ القرار.
التقابل:
تقابل واضح بين الحظ والمهارة، وبين الانتظار والفعل، ما يعزز ثنائية الصدفة والاختيار.
الإيجاز والتركيز:
الأسلوب يتسم بالإيجاز، حيث تُستخدم جمل قصيرة وكلمات محددة تبتعد عن الزخرفة، مما يخلق توترًا يُناسب جو اللعبة.
4. الدلالة والبنية العميقة:
البنية السطحية للقصيدة تُظهر لعبة ورق، لكن البنية العميقة تُعبر عن فلسفة الحياة:
اللاعب هو الإنسان،
الأوراق هي الفرص المتاحة،
التنسيق يُحيل إلى الإرادة والتخطيط،
النظرات تُوحي بالتفاعل مع الآخر والمواجهة المصيرية.
النص يكشف أن التفوق في الحياة (أو اللعبة) لا يعتمد على الحظ بل على المهارة والإدارة الذكية للموارد.
5. الخاتمة:
في قصيدة لاعب الورق، تتجلى الحياة بوصفها لعبة وجودية كبرى، تتقاطع فيها مهارة الإنسان مع عبثية المصادفة. الورق، الذي يُلقى في يد اللاعب، ليس مجرد أدوات، بل هو تمثيل رمزي للفرص والاحتمالات التي تُلقى في درب الإنسان عبر مسارات الزمن. هنا، يتخذ اللاعب الماهر موقعه بوصفه تجليًا للوعي الإنساني اليقظ؛ إنه الكائن الذي يرفض الانصياع للعبة القدر الأعمى، ويواجه الوجود بوعي يتحدى الفوضى، ليخلق نظامًا منسجمًا وسط بعثرة الورق.
في هذا الصراع بين الحظ والإرادة، تتماهى اللعبة مع جوهر الإنسان الوجودي:
هل الإنسان مُسير أم مُخير؟
القصيدة لا تُقدم إجابة حاسمة، لكنها تُبرز أن الكائن الحر هو من يملك “مهارة التنسيق”؛ أي القدرة على إعطاء معنى لما يبدو عبثيًا. فالورق لا يُرتب نفسه، والوجود لا يكشف نفسه دون فعل واعٍ؛ هنا تُصبح “اليد” التي تُهيئ الورقة الخامسة رمزًا لفعل الإرادة البشرية، حين تُعيد تشكيل الفوضى وتحولها إلى قرار ومصير.
وفي اللحظة التي “يفرش فيها اللاعب أوراقه على الطاولة”، يتجسد الوجود الإنساني في ذروته:
إنها لحظة المواجهة، لحظة الكشف التي تعري الإنسان أمام الآخر وأمام نفسه. في هذه اللحظة، تُحطم الذات أقنعة التردد والخوف، وتُعلن ما اختارته وما هيّأته بوعي كامل. لكن، ومع ذلك، يبقى السؤال معلقًا في العيون المقابلة:
هل انتصر اللاعب؟ أم أن اللعبة مستمرة؟
هكذا، تتجاوز القصيدة حدود اللعبة لتُصبح تأملاً في جدلية الوجود:
الإنسان ليس ضحية المصادفة المطلقة، ولا سيدًا مطلقًا على مصيره، بل هو لاعب دائم الترقب، يفاوض الزمن والقدر بحذر ومهارة، ويُعيد تشكيل “أوراقه” وفق وعيه وحدوده.
وفي النهاية، يُوحي النص بأن الحياة هي “طاولة اللعب الكبرى” التي تُفرد عليها الأوراق بلا ضمانات، حيث تبقى كل لعبة رهينة النظر إلى الآخر، إلى المصير، وإلى المجهول؛ تلك النظرة التي تُعبر عن اغتراب الإنسان وسط عالمه، لكنها في الوقت ذاته تؤكد حريته في أن يكون ما يُريد.
حاتم حمّادي.

بُوكاب….أو رحلة إلى جنوب إفريقيا

بُوكاب….أو رحلة إلى جنوب إفريقيا
ـ 1 ـ
قراءة الكتاب بمثابة السّفر فهي رحلة ممتعة ومفيدة خاصة إذا كان بيراع أديبة تملك ناصية اللغة بمختلف مفرداتها وأساليبها وتضميناتها مثل الأديبة – صفية قم بن عبد الجليل – صاحبة كتاب – بوكاب… خربصات في أدب الرحلة – وهو كتاب في نيّف ومائتي صفحة من الحجم المتوسط وفي طبعة حسنة ويبدو العنوان يثير التساؤل حول كلمتي بوكاب وخربصات ممّا حدا بالكاتبة أن تشرحهما حيث أوردت في الصفحة الأولى من التقديم قائلة إن خربص يخربص خربصة كما أورد القاموس بمعنى ميّز الأشياء بعضها من بعض وخربص المال أخذه وذهب واشتقت كلمة خربصات بعدما صاغتها في جمع المؤنث السالم بدلا عن كلمة خربشات تلك التي لم تجد في نفسها قبولا ولا هوى…

سوف عبيد ـ كما كتبه منير فلاح

ككل يوم ثلاثاء تجدون تنبيرة الأنتريتي في جريدة الشارع المغاربي واليوم الثلاثاء 6 جويلية 2024 خصصتها للحديث على صديقنا الشاعر والمنشط الثقافي سوف عبيد وتنجموا تقراوها وتقراوا بقية بطاقاتي السينمائية والتلفزية والثقافية والسياسية بطريقتي الساخرة عبر هذا الرابط المجاني:
سوف عبيد الشاعر والمنشط الثقافي بإمتياز
تنبيرة الأنتريتي لهذا الأسبوع ساخصصها للصديق الشاعر ورجل الفكر سوف عبيد الذي تربطني به علاقة ود منذ منتصف السنوات السبعين من القرن الماضي لم تنقطع الى يوم الناس هذا .

فطيرة الأربع نجوم

فطيرة الأربع نجوم

صادف أن نزلتُ في مناسبة من المناسبات بفندق صنف أربع نجوم وعندما دلفت إلى صالة المطعم الفسيحة لتناول فطور الصباح قابلتني الأطباق على يميني وشمالي من كل لون وصنف ومَذاق ولست أدري كيف وقعت عيناي على إحدى الزّوايا فإذا بي أرى صانع فطائر يُديرها بإتقان ثم يلقيها واحدة تلو واحدة في الطاجن ويتعهّدها بعد ذلك بالسّفود فتقدّمت إليه وبعد التحية والملاطفة سألته هل هو من بلد غمراسن المعروف بصناعة الفطائر والزّلابية والمخارق فقال إنّه حذق أمرها لدى أحد صنائعي غمراسن ثم سألني هل أنا من أهاليها فقلت نعم فزاد في الحديث معي وسألني كالمختبر  قائلا لابدّ أنك تعرف قَلي الفطائر فأجبته باِعتزاز نعم فتعجّب من أمري وأراد أن يمتحنني فقال إذن خُذ هذه العجينة من يدي وأدِرْ فطيرتك بنفسك إن كنت من غمراسن حقا !

لاعب الورق

****** لاعـب الـورق ******
لاعِبُ الورق المَاهِر
ليس ذاكَ الذي
يأتيهِ الحَظّ بالأوراق الثّمينةِ
دُفعةً واحدةً
أوْ… وَاحدةً…تِلْوَ واحدةٍ
المَاهرُ حَقًّا في اللّعبِ
هُو ذاكَ الّذي
يُحْسِنُ تَنسيقَ الأوراق
كَيْفمَا جَاءتْ
وينتظرُ الورقةَ الحَاسمَهْ
فإذا جاءتْ
هيّأ لها مكانها المناسب
في كفّه
ثمّ
ينظُر نَظرةً
نَظرتيْن
في العُيون المُقابلَهْ
ويَفرُشُ أوراقه
على الطّاولَهْ !
* سُوف عبيد

غزل الطفولة

وائل

وائــــــل

على شَوكةِ الاِنتظار وَقفـتُ * مَـع الواقفينَ وبيـنَ الوُفودِ
وفِي قَلق أشْرئِبُّ بعَـيــنـِي * تُرى هل سَألقاهُ حَقّا حفيدي
تُرى هل كمِثل التّصاوير حُسْنًا * أبِي قَدْ رأيتُ ،وفيهِ جُدودي
وفــيهِ بَهــاءُ زيــــــادٍ صَبيّـــا * ببسمتِه تلكَ، تُحْـيِــي عهودي
فيا طائرًا في أعَالي الجِــواء * تَمهّلْ وحاذرْ ففِيكَ وليــــدي
ورَفْرفْ بلطفٍ وحُثُّ الجناحَ * على عجَل رغمَ ريش الحَديـد
وبعـــد اِنتظار أطلّ حفيـدي * فهَشَّ وبَـشَّ بوجه سَــعــيــدِ
إليَّ حبيبي! أشــرْتُ إليــــه * فَهَبّ لِحِضْني كطيـــر غَريـــدِ
وحَطَّ على ساعدي مِثْلَ بَاز * على أيْكهِ قـــادمٍ مِن بعـــيـدِ
فكم مِنْ جبالٍ وبحرٍ تَخطّى *وكم مِن رياحٍ ،وكمْ مِن رُعــود
وعانقتُهُ، كدْتُ أقسُــو عليـهِ * بِضَمٍّ ولثْمٍ وطــوْقٍ شَـــديــد
بشوق أقبّلهُ من يَــــديْــــه * تجُولان في لحيتي كـــالــوُرودِ
يُعابثُ نظّارتي في سُــرور * فِداهُ بعيني، وهَــل مِنْ مَــزيـدِ
يُكفْكِفُ لي دَمعتي ما دَراهُ * بأشجانِها أبحَرتْ في القَـصيـد
فباركْ ليَ اللهُ فيه وأسْعِـدْ * وحَمدًا إلاهِي فَذا يَــومُ عِـيـدي

الخمسون

هَــــــلْ لِــمَا فـَــاتَ مَـــــآبُ؟ * عَـبَـثًـــا يُـرْجَــى اَلسَّــــرَابُ!

هَـــذِهِ اَلْخَمْــسُونَ تُــطْــــوَى * مِـثـْــلَـمَا يُـــطْـــوَى الكتـَـابُ

صَـفـَـــحَـاتُ…ذِكْرَيـَــــــــاتٌ * قـَـــدْ تـَــوَالَــتْ وَ اِنْـسِيَـــاب

قَـدْ حَسِـبْـــتُ اَلْعُمْــرَ عَــــدًّا * فَــاِنْتَــهَى صِــفْـرَا حِسَــــابُ

أَيْــــنَ مِــنْ سَــبْقٍ خُـيُــولِـي * إِذْ تَـهَــــادَتْ وَاَلـــرِّكــــــابُ

عِـــنْـدَ أَعْـــرَاسِ اَلْــبَـــوَادِي * وَقَــــدِ اِخْضَرّتْ هِضَـــــــابُ

تـِــلْــكَ أُمِّــي تَـــتَــجَــلَّــى * حـُــــوشُــــنَا ذَاكَ رِحــــــابُ

جَــــــــدّتِي كَــانَتْ هـُــنَــاك * وَ حـِــــكَايـَـــاتٌ عِــــــذَابُ

وَ أَبِـــي عِنـْــدَ المُـــصَــلـَّى * وَ دُعـَــــــاءٌ مـُــسْتَـــجَابُ !

كَــــمْ بِصْــــيْدٍ قَــدْ ظَفِرْنَـا * وَ يَـــمَـــامَـــاتُ كـِــــعَــابُ

خـُـــذْ سـِــلَاحِـي يَــا بُـنــيَّ * ثـُـمّ يَــمْضِي…وَاِغْـتِــــرَابُ

زَمَــــــنٌ ذاكَ تَـــــوَلَّــــى * إنـّــــمَا اَلْآتِـــــي ضَــبَـــابُ

فـَـمَشَــيْتُ اَلْعُمـرَ وَحْـــدِي * فِــي الْمَدَى حُلْمِي شِهَـــابُ

لَـــدْغَةُ اَلْأَفْـــعَى بِــلَـيْـــــلٍ * وَ بِــلَيْــلٍ كَـــــمْ كـِــــــلَابُ

قَـــدْ أَحَاطَتْ بِاَلْـفَـتَـى..يــا * مِــــزَقًــــا صَــارَتْ ثـِـيـَـابُ

آهِ مِــنْ دَرْسٍ لِـــجَــبْــــــرٍ * كَــيْـف يَـأْتِـيـنِـي اَلْـجَــوَابُ

أَحْـــمَدُ الـــلَّـــه نَـجَـحْـــتُ * وَنــجَـا ذَاكَ اَلْـــمُـــصَـــابُ

إِنَّـــــمَا خَـــــطِّــــي رَدِيءٌ * عَــــبَـــثًا كَــانَ اِجْــتِــنَـابُ

كَــــــــمْ أَكُــفًّا قَــدْ مَدَدْنا * لِـــلْعَـصَـــا، هَانَ اَلْـعِقَـابُ

يـَــا عَــصـَـا رُدِّي صِبَـانـــا * أَيْــــنَــهُم رَاحُــــوا تِـرَابُ

يـَــا صَدِيـقِي لَا تَــلُمْــنِـي * إِنَّــمَا اَلـــذِّكْـرَى اِكْـتِـئَـابُ

رُبَّ ذِئْــــبٍ قَــــدْ دَعَــاهُ * اِنْـــــتِـــزَاحٌ أَوْ خَــــــرَابُ

صَـــــارَ أُنْــــسًا أَوْ رَفِــيقًا * لَـيْـــسَ مِنْــــهُ اَلْمُسْتَرَابُ

لَا كَـمَنْ قـُـلْتُ صَــــدِيقِي * وَ هْـــوَ فِي اَلظَّهْرِ حِـرَابُ

سـَـلَّـهَا لِلـطَّـعْـنِ يَـــوْمًـا * وَ اِنْـزَوَى عَنِّي اَلصِّــحَـابُ!

كَــاَلنَّـعَامَـاتِ وَ دَسَّـــــتْ * رَأْسَـــهَا أَخْــفَـى اَلــتُّرَابُ

كـَــــمْ زَرَعْتُ اَلْوَرْدَ فِيهِـمْ * فَــــإِذَا اَلشَّـــــوْكُ ثَــوَابُ

مِـــنْ لَــئِيــمِ أَوْ حَــسُـودٍ * ذَاكَ نَــــــمَّـــامٌ وَ نَــــابُ

أَوْ طَــــوَاوِيـــسُ تباهَـــتْ * فَـهْيَ زَيْــــفٌ أَوْ سِـبَــابُ

فـَــاِنْــبِطَـــاحٌ وَ اِرْتِـــمَاءٌ * وَالتواءٌ واِنقِــــــــــــــلابٌ

هَــمُّــهَا لَحْسُ اَلصُّــحُـونِ * قـَـــدْ سَــرَى مِنْهَا اَلْلُّعَابُ

تَـمْـــسَحُ اَلْأَعْتَــابَ لَحْسًـا! * تـَــنْحَنِــي، هـَـانَــتْ رِقابُ

قـَــلَبَتْ لَــوْنَ اَلْـقَـــمِيـصِ * فَـبِــفِـلـسٍ تـُــسْــتَـطَـابُ

عُـــمْلَـــةُ اَلـزَّيْـفِ وَ عَمَّـتْ * فَــــعَـــلَا اَلْـحـَـقَّ اَلْحُبَـابُ

بـِــيعَـــتِ اَلْأَوْطَــانُ…بَخْسًا * وَيْــحَنَا…! حَتّـــى اَلْإِهَــابُ

كَمْ شُـعُـوبٍ قَـــدْ أُبِــيـدَتْ * رُبَّـــــمَا نَــــحْنُ نُــصَـابُ !

لَا…هُــــمُ اَلْأَحْرَارُ هَـــبُّـوا * وَ بِـــهِـــمْ سَــالَتْ شِعَـابُ

مِـــنْ شَـــمَالٍ وَ جَـنُــوبٍ * مَـــــــــدَدٌ ذَاكَ رِحَـــــــابُ

قَــــــدْ تَــصَـــدُّوا لِــلْعُـدَاةِ * وَبِــــعَـــزْمٍ قَــــدْ أَجَـابُـوا

صَــــوْتُــهُمْ صَـوْتٌ يُـــدَوِّي * فَـــــإِذَا شَــــــدُّوا أَصَابُـوا

مِــــــنْ قَــدِيمٍ يَـا بِــلَادِي * حـُــــبُّــنَا فِـــيــكِ اَلْمُـذَابُ

وَ كَـــزَيْــتُــونٍ وَ نَــخْـــــلٍ * أَخْـــــضَرٌ دَوْمًــــا عُــبَــابُ

مَا اِنْــــحَــنَــى يَـوْمًا لـِريحٍ * لا رُعُــــودٌ لا سَـــــحَـــابُ

شَــــامِخٌ اَلـــرَّأْسِ أَبِــــيٌّ، * لَا بِـكِبْـــــرٍ ، بـَــلْ مُـهَـابُ

ثَــــابِـــتُ اَلْأَصْـــلِ وَفِـــيٌّ * مُـــــزْهِرُ اَلْقَــلْبِ شَـبَــابُ

لَا جِــــرَاحٌ أَوْ رِمَـــــــــاحٌ * طَاعِـنـَـــــاتٌ أَوْ صِعَــــابُ

مَــــا نَــــفَتْ عَنْهُ اَلْعَــطَاءَ * وَ لَئِـــــنْ سَــادَ اَلْـيَــبَــابُ

فَــــهْـــوَ لِلْأَحْبَابَ رِفْـــــدٌ * لَـيْـسَ يُــبْــقِـيـهِ اِحْتِـسَابُ

إِنَّـــمَا اَلْــــحُبُّ سَجَايـَــــا * لَا عَــــطَايَا وَ اِكْتِسَـــابُ!

متابعة قراءة الخمسون

كاتب في التسعين

لست أدري أين قرأت قول أحد خلفاء بني أميّ ولعله معاوية اِبن أبي سفيان ـ ما شيّبني إلا اِنتظار المواعيد ـ فغفر الله لكل الذين بقيت أنتظرهم في مناسبات عديدة وعندما يصلون متأخرين يجدون كلّ الأعذار فأبقى متحسّرا على هدر وقتي فمن النادر جدّا الالتزام بالمواعيد لدينا معشر التونسيين إلا بعض اِستثناءات نادرة تشفي غليلي وآخرها ما كان مع الصّديق الأديب مصطفى يحي الذي وصل إلى الموعد قبل ساعة أو أكثر وذلك بمناسبة الاِحتفاء به في نادي الأدب بجمعية اِبن عرفة الذي تديره الأديبة سُونيا عبد اللطيف وأظنه تفاجأ عندما وجدني في اِنتظاره لعله اِعتاد مثلي الاِنتظار في المواعيد

باسمًا طَلقَ المُحيّا يصعد المدارج نشيطًا أنيقَا في كسوته الرّمادية فتراه ممشوقًا كرُمح كأنه في العشرين وهو في عقد التاسع فما شاء الله تبارك الله ومتّعه بالصّحة والعافية صديقي القادم في تلك القيلولة من مدينة قابس على مسافة أربع مائة كيلومتر من العاصمة تونس

الأديب مصطفى يحي بدأ الكتابة الأدبية بعد أن تجاوز الستين عاما وهذه مسألة مهمّة للغاية لأنه يؤكد أن الولوج إلى عالم الأدب لا يمكن أن نحدّه بسنّ معيّنة فهو متاح لكل من يروم معانقة الحرف والكلمة أما المسألة الثانية التي نعتبرها من صديقنا أبي جمال فإنها تؤكد أيضا أنّ الشهادة العلمية ليست ضرورية ولا كافية أيضا ولا شافعة كذلك لكسب صفة الأديب ذلك أن مصطفى يحي لم ينل حظه من التحصيل المدرسي إلا سنوات قليلة من التعليم الاِبتدائي وسبقه الجلوس إلى المؤدّب في الكتّاب ولكنه ثابر على التحصيل والمطالعة بعدهما فقد تمكّن من قواعد اللغة العربية والفرنسية عن كثب وحذق أسرارهما فكتب الشّعر والقصة بفصاحة الجاحظ وفُولتير معا لذلك فقد حلّق في سماء الأدب بجناحين معًا وقد زادته تجربته الطويلة والمتنوعة في الحياة من الاِستفادة من معاناته في الحياة فهو من مواليد سنة 1935 بقابس التي تجمع بين الواحة والبحر والصحراء وقد عمل سنوات في سلك الأمن الوطني إبّان السنوات الأولى من الاِستقلال وكان من المتطوعين في حرب بنزرت سنة 1961 ثم هاجر إلى فرنسا وعاش هناك سنوات طويلة متقلّبا في أطوار مختلفة فكل هذه المراحل أفادته في مواضيع كتبه باِعتبارها منهلا لا ينضب وقد أوجزت الأديبة سُونيا عبد اللطيف مسيرته في هذه الفقرة قائلة عند تقديمه :

أوّل كتاب له هو “ذكريات من المستقبل” سنة 2001 وهو مجموعة شعري) مزدوجة بين العربية والفرنسي، عبّر فيها عن اِنبهاره بمدينة الأنوار باريس.. وحنينه للوطن

المجموعة الشعرية الثانية “شظايا” 2007 بالعربية رثا في قصائده مآسي الأمة العربية…

في سنة 2008 فاجأ ابو جمال الساحة الثقافية بإصداره للجزء الأول من سيرته الروائية بالفرنسية passent les jours.. وتحدث فيه عن حرب بنزرت والمجزرة التي حصلت.. ولم يكشفها التاريخ..

و ـ الأمل لا يموت ـ هو عنوان مجموعته الشعرية الثالثة سنة 2009 وهي قصائد مزدوجة بين اللغتين..

في سنة 2013 أصدر روايته “لظى بنزرت” التي هي ترجمة للجزء الأوّل من من سيرته الذاتية passent les jourS فيها فضح المستور وعرّى المطمور..

في سنة 2015 أصدر مجموعته القصصية الأولى “أخشى النسيان” وهي مزيج بين الواقع والخيال، ومن خلالها نلاحظ فيها اِسترجاعا للذكريات واِستحضارها وكأنه يعيش على حنينها… وكأنه يتعجّل تدوينها خشية التلف والضياع…

ونشطت الذاكرة بعد الاضطراب فأتت المجموعة القصصية الثانية ـ قطوف الخريف ـ سنة 2018 وهي مزيج بين الماضي والحاضر.. وكان الأهداء فيها لروح زوجته التي فارقته..

وخريف أبو جمال ليس ذلك العراء وذلك الذبول بل هو بداية موسم جديد.. بداية دورة الحياة…

وكانت المجموعة القصصية الثالثة “حين يزهر الخريف ” وهو الكتاب التاسع في حصيلته..

(خريف أبو جمال خصب ومازالت أشجاره تزهر …

والأديب مصطفى يجي أبو جمال متيّم بمدينته قابس الفيحاء وعاشق لواحتها التي قضّى فيها طفولته وتمتع بجمالها وصفائها قبل أن تصاب الواحة والمدينة بالتلوّث وقد كتب قصيدة بديعة يتغنى فيها بالواحة والنخلة مستحضرا فيها سنواته العذبة في أرجائها ومتحسّرا على ماضيها بما كان فيه من هدوء ومرح وهناء ثم في آخر القصيدة يُبدي غضبه ونقمته على ما آلت إليه تلك الربوع حيث نالت منها أيدي العبث بالطبيعة نتيجة لطغيان المادة والجشع… وله قصائد أخرى من بينها قصيدة ـ شموخ ـ وقد رسم فيها مبادئه في الحياة لكأنها دستوره الخاص أو كأنها خلاصة حياته حيث يقول:

لا وجه منيّتي أخشاه

لا طول حياتي يغويني

*

في عقدي التاسع هذا

لا شيء عاد يغريني

*

ما المال كان مرادي

فنزر النزر يكفيني

*

شربت الحب أكوابا

من ذابلات الجفون

*

بعزم ذدت عن وطني

ما مال للغازي جبيني

*

وللتمجيد ما سعت قدمي

ولا فخم القصور يعنيني

*

فصديقة في الود صادقة

عن كل الغواني تغنيني

*

وخلّ إذا العواصف هبّت

هبّ في الحين يحميني

ومن قصائد أبي جمال بالفرنسية هذه القصيدة التي يمجّد فيها الرّفق بالحيوانات وهي لعَمري أرقى درجات الإنسانية التي تتجاوز الإنسان إلى الحيوان والطبيعة جمعاء حيث يقول:

MES AMIS LES ANIMAUX

Jamais je ne monte un cheval

Ni le faire courir à en crever

Jamais je ne chasse un animal

Ni priver un oiseau de liberté

Je ne tue point vipère ni crotale

Si je ne suis en grand danger

Le lion, le loup ou le chacal

Ne chassent que par nécessité

Le superbe tigre du Bengale

Ne traque le cerf que pour manger

La viande je mange car c’est vital

Mais n’use jamais de cruauté

Le toréro ce sanguinaire médiéval

Torture la bête pour des « Olé »

ومن مآثر أقوال صديقنا الأديب مصطفى يحي وهو في عقده التاسع ما يلي:

الصّبا له أريجه وكذلك المراهقة والشباب والكهولة أما الشيخوخة فهي داء لا دواء له. شخصيا أمقتها ولكني أجاريها ولا أجد لها أيّ طعم بل طعمها ترياق وحنظل نرى الشهد ولا نستطيع أكله ونرى الورد ولا نستطيع قطفة ويرانا الجمال فيفرّ هاربا من أمامنا.

هذه تحية لأديب تونسي أعتبره مثالا في العطاء وتقديرا له على مسيرته الجديرة بالدراسة متمنيا له المزيد من الإبداع في كنف الصحة والعافية وطول العمر

لا تحسب عُمرك بالسّنوات وإنما بالذكريات ولا تحسب ثروتك بالمال بل بالأصدقاء كما يقول المثل السويدي

***

سُوف عبيد ـ تونس