آخرُ ما قرأتُ

غُمراسن – جذور وأجنحة – للدكتور محمد عبازة

ـ 1 ـ

كَمْ مَنزِلٍ في الأرضِ يألفُهُ الفَتى — وحَنينُهُ أبداً لأوَّلِ مَنزِلِ

ذلك بيتُ الشاعر أبي تمّام وهو يُعبّر عن حنينه وشوقه إلى مسقط رأسه ومرابع طفولته أمّا صديقنا محمد عبازة فحنينه لمدينته غمراسن التي اِفتتح كتابه حولها بهذين البيتين لشاعر من غمراسن هو أيضا من المتيّمين بها

كمْ مِنْ بــــــلادٍ كلّها مَــفاتــنْ * لكــنَّ قلبي حُبُّــهُ غُمــراسِـــنْ

فَباِسمِها مَعنى كريم النّــــاسِ * أكرمْ بِهمْ فكلّهُُم مَــــحاســـنْ  

والكتاب  صدر في الآونة الأخيرة في نحو ثلاثمة وخمسين صفحة مملوءة السّطور ومن الحجم المتوسّط ومُحلّى بصُور عديدة وبغلاف عليه صورة لأحد رسوم الكهوف البدائية الكائنة في أحد شِعاب غمراسن تلك البلدة الضاربة جذورها منذ أقدم العصور والمتربّعة في وسط الجنوب الشّرقي للبلاد التونسية وهي الآن أضحت مدينة فتغيّر فيها كلّ شيء تقريبا حتّى كادت يد الإنسان المعاصر فيها تطمس شواهدها التاريخية التي مرّت بها على توالي العهود فبدأ يتلاشى حتّى ما ظلّ راسبًا في ذاكرة الأجيال ناهيك عن القيم الأصيلة التي عُرف بها الغُمراسنيّ وهو ـ كغيره ـ قد زحفت عليه وجرفته قيم هذا العصر الاِستهلاكية…

وتَوَجُّسًا من أن تفعل مِمحاة النسيان والتلاشي فعلها اِنبرى محمد عبازة لإصدار هذا التأليف وكأنه يريد إنقاذ ما يمكن إنقاذه حفاظا على الذاكرة وكأنه أيضا يريد ردّ الجميل لموطنه الأصلي اِعترافا له بالفضل ووفاء للبيئة التي نشأ فيها في تلك الرّبوع وهو لئن صرّح بذلك في المقدّمة إلا أنه ما اِنفكّ يُذكّر بها عند كل سياق يتحدث فيه عن خصائص أهل غمراسن في محتلف فصول الكتاب الذي أهداه ـ وفاء وتقديرا ـ إلى السيّد حسن بن جمعة أوّل مدير تونسي لمدرسة غمراسن الاِبتدائية وإلى السيّد محمد الهادي صماط المعلّم الذي درّسه اللغة العربيّة وجعله يكتشف على صغر سنّه المسرح ومحتلف المعارف والفنون .

ـ 2 ـ

نصف الكتاب تقريبا مخصّص لتاريخ منطقة غمراسن من حيث اِشتقاق التسمية ومعانيها مع اِستعراض لمصادر تاريخية عديدة قديمة ومعاصرة تبحث في تاريخ الجنوب الشرقي التونسي فعاد حتى إلى هيرودوت اليوناني في وصفة لسكان شمال إفريقيا واِستنتج بعض الإلماعات الطريفة حول تسمية بعض القبائل في المنطقة غير أن صديقنا تجنّب عن قصد الخوض في المسائل العروشية كي يبتعد عن مختلف الحساسيات القبلية والجهوية وهو لم يفصّل الحديث في مكوّنات أهالي غمراسن أيضا تجنّبا للنّعرات التي كانت سائدة في وقت من الأوقات ويريد بذلك تجاوزها بعدم ذكرها أو حتّى الإشارة إليها لأنّ الظروف الحالية تتطلب المزيد من التلاحم والاِبتعاد عن كلّ ما يفرّق .

أما النّصف الآخر من الكتاب فهو وصفٌ وتحليلٌ لبعض مظاهر العِمران ولحياة التّرحال بين النواحي المحيطة بغمراسن حسب الفصول ثمّ تناول المؤلف المسكن واللّباس والمآكل والأفراح والأتراح والفلاحة والتعليم وغيرها من المسائل وخصّص حيّزا أكبر للهجرة نحو العاصمة تونس وبقية المدن والجهات في البلاد وكذلك نحو خارجها وخاصة نحو الجزائر وفرنسا وغيرهما مؤكدا على أهميّة حرفة الفطائر التي اِشتهر بها أهالي غمراسن ولاحظ أنهم أصبحوا يمارسون مِهَنًا أخرى فاِنتشروا مثلا في فرنسا وفرضوا عاداتهم الغذائية في محلاتهم على الفرنسيين .

ـ 3 ـ

كتاب غمراسن ـ جذور وأجنحة ـ كتاب تاريخ وحضارة ولغة وأدب وهو كتاب سيرة ذاتية أيضا بما فيه من ذكريات وشهادات شخصية وهذا ما يجعله يجمع بين الإفادة والإمتاع ويفتح مسائل عديدة قابلة لوجهات نظر أخرى وقد ضمّن الدكتور محمد عبازة عند اِستعراضه لبعض الآراء حول تاريخ الجنوب الشرقى من لدن مختلف المؤرخين والباحثين موقفه المخالف لبعض الأطروحات فبدا منتصرا لموطنه ومعتزّا باِنتسابه له ومدافعا عن خصائصه ومميزاته.

فالكتاب يُمثّل إذن إنجازا مُهمّا بما فيه من تجميع ومراجع وملاحظات يمكن أن تكون عتباتٍ لأبواب تفتح المجال على دراسات مختصة في نواح أخرى من  غمراسن وما حولها وفي حبّ الأوطان يتنافس المتنافسون….

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خطايا السّراب ـ للشّاعرة حسناء وفاء الجلاصي

ـ 1 ـ

اِنتقل نادي الشّعر باِتحاد الكتّاب التونسيين يوم الجمعة 1 مارس 2019 إلى بيت الصديق الشاعر والأديب عبد المجيد يوسف بمدينة حمام سوسة اِحتفاء بشفائه من وعكته الصحيّة التي ألزمته مقرّ إقامته وقد كانت مناسبة لطيفة ونادرة إذ قرأ الشعراء والشاعرات قصائدهم مهداة إلى الصديق العزيز ومن بينهم الشاعرة السيدة حسناء وفاء الجلاصي التي قرات قصيدا من ديوانها الأوّل ـ خطايا السّراب ـ  وقد قدّمه لها الشاعر الشاذلي القرواشي الذي رأى ـ أن ما يميّز هذا الديوان هو قدرة الشاعرة على تأسيس عالم خاص بها حيث نجدها تدور في فلك جملة من المفردات تُحيلنا إلى نسق من الصور والمعاني يكوّن عالما يمتلك فرادنه ـ ص ـ 9 ـ

يبدو أن قصائد هذا الديوان تمثّل تُرجمان أشجان عميقة لعلّ نصوص الإهداءات الواردة في مُفتتحه بمكن أن تكون إشارات لكثير من هذه الأشجان

خقائب الغرباء لا تشبه

إلا حقائب الغرباء

وكل غضاضات الماء

ماهي إلا أحلام استشعرتها

من زمن فات

فكل شيء يأتي بعد فوات الأوان

هذه موسيقاي القديمة

ما زالت  تعزف  لحن انكسار الحلم

الذي يسبح في فوضى حواسّك

وينعى الحروف المتماهية

في ذكراك ـ ص 18 ـ

ـ 2 ـ

لعلّ إهداء الشّاعرة  الديوان إلى ذكرى أخيها يفسّر مثل هذا الأسى حيث تقول في نص الإهداء

ـ إليك ـ

لا أريد سوى الوقوف عند شاعدة قبرك

بعدك أعتنق الأرق

واعتكف الحزن

كل الفوانيس بعدك انطفأت

فلم أعد مخصنة بك…أخي

الشاعرة إذن متّشحة يالأحزان وموغلة في كآبتها وتعبّر عن اِنسداد الآفاق حيث تفول

لم أع حينها أنّ البدايات والنهايات سواء

بتّ بديمومة من الحزن ـ 19 ـ

ـ 3 ـ 

ولكنّ هذه القتامة الضّاربة من حول الشاعرة نرى في آخر نفقها شمعة تضيئ فتبدو خيط أمل حين تخاطب ابنها في بوح قائلة

أفتّش عنّي بين ركام

خضّبه الأسى

أنت من فتح أخداق الفجر

ونام بظلّي

أنت كينونة الهمسات وسليل القوافي

ترسم لشرودي أنفاسا

وتضيء نجمي الآفل ص ـ 25 ـ

ـ 4 ـ 

ـ خطايا السراب ـ عنوان يحمل أبعادا مثخنة بالجراح والمرارات لكأنّ قصائده اعترافات ومكاشفات أو ابتهالات تشفي الأوجاع والضّنى فالكتابة شفاء ودواء….ربّما…السيدة حسناء وفاء الجلاصي صوت شعريّ جديد قادم من بعيد يبشّر بمستقبل إبداعي نرجو أن يكون إضافة نوعية في المكتبة الشعرية التونسية التي نعتبرها رافدا من روافد الشعر العربي….ومن سار على الدّرب وصل…

 

 

حول سوف عبيد

* من مواليد موسم حصاد 1952 وسُجّل في دفتر شيخ المنطقة بتاريخ يوم 7 أوت 1952 ببئر الكرمة في بلد غُمراسن بالجنوب التونسي درس بالمدرسة الاِبتدائية بضاحية ـ مِقرين ـ تونس العاصمة سنة 1958 ـ بالمدرسة الابتدائية بغُمراسن سنة 1960 ـ بالمدرسة الابتدائية بنهج المغرب بتونس سنة1962 ـ بمعهد الصّادقية بتونس سنة 1964 ـ بمعهد اِبن شرف بتونس سنة 1969 * تخرّج من كلية اﻵداب بتونس بشهادة ـ أستاذية الآداب العربية ـ ثمّ في سنة 1976 بشهادة ـ الكفاءة في البحث ـ حول ـ تفسير الإمام اِبن عَرْفَة ـ سنة 1979 * باشر تدريس اللّغة العربية وآدابها بـ ـ معهد اِبن أبي الضّياف بمنّوبة ـ المعهد الثانوي ببوسالم ـ المعهد الثانوي بماطر ـ معهد فرحات حشاد برادس * بدأ النّشر منذ 1970 في الجرائد والمجلات : الصّباح ـ الملحق الثقافي لجريدة العمل ـ الصّدى ـ الفكر ـ ألِف ـ الحياة الثقافية ـ الموقف ـ الشّعب ـ الرأي ـ الأيام ـ الشّرق الأوسط ـ القدس,,,وبمواقع ـ دروب ـ إنانا ـ المثقّف ـ أنفاس ـ أوتار ـ ألف ـ قاب قوسين ـ … * شارك في النّوادي والنّدوات الثقافية بتونس وخارجها : ليبيا ـ الجزائر ـ المغرب ـ مصر ـ العربية السعودية ـ الأردن ـ سوريا ـ العراق ـ إسبانيا ـ فرنسا ـ إيطاليا ـ ألمانيا ـ بلجيكا ـ هولاندا ـ اليونان ـ * من مؤسسي نادي الشّعر بدار الثقافة ـ اِبن خلدون ـ بتونس سنة 1974 واِنضمّ إلى اِتّحاد الكتاب التونسيين سنة 1980 واُنْتُخِبَ في هيئته المديرة في دورة سنة 1990 أمينا عاما ثم في دورة سنة 2000 نائب رئيس فساهم في تنظيم مؤتمر اِتحاد الأدباء العرب ومهرجان الشعر العربي بتونس سنة 1991 وفي إصدار مجلة ـ المسار ـ وفي تأسيس فروعه وفي تنظيم الندوات والمهرجانات الأدبية وشارك في الهيئة الاِستشارية لمجلة الحياة الثقافية وأسّس منتدى أدب التلاميذ سنة 1990 الذي تواصل سنويا في كامل أنحاء البلاد إلى سنة 2010 ونظّم الملتقى الأوّل والثاني لأدباء الأنترنت بتونس سنتي 2009 و 2010 وأسس نادي الشعر ـ أبو القاسم الشابي ـ سنة 2012 وترأس جمعية ـ اِبن عرفة الثقافية ـ سنة 2013 و2014 وأسس جمعية مهرجان الياسمين برادس 2018 * صدر له 1 ـ الأرض عطشى ـ 1980 2 ـ نوّارة الملح ـ 1984 3 ـ اِمرأة الفُسيفساء ـ 1985 4 ـ صديد الرّوح ـ 1989 5 ـ جناح خارج السرب ـ 1991 6 ـ نبعٌُ واحد لضفاف شتّى ـ 1999 7 ـ عُمرٌ واحد لا يكفي ـ 2004 8 ـ حارقُ البحر ـ نشر إلكتروني عن دار إنانا ـ 2008 ثم صدر عن دار اليمامة بتونس ـ 2013 9 ـ AL JAZIA ـ الجازية ـ بترجمة حمادي بالحاج ـ 2008 10 ـ ألوان على كلمات ـ بلوحات عثمان بَبّة وترجمته ـ طبعة خاصة ـ 2008 11 ـ حركات الشّعر الجديد بتونس ـ 2008 12ـ صفحات من كتاب الوجود ـ القصائد النثرية للشّابي ـ2009 13 ـ oxyde L’âme قصائد مختارة ترجمها عبد المجيد يوسف ـ2015 14ـ ديوان سُوف عبيد ـ عن دار الاِتحاد للنشر والتوزيع تونس2017