عرفتُ صديقي حَمدي منذ أكثر من ثلاثين عاما طالبًا جادًّا في معهد فرحات حشاد برادس فكان من وقتذاك مُحبّا للأدب وللثقافة رغم اِختصاصه التقني وشاءت الأقدار أن يتجدّد الاِتصال بيننا بفضل الأنترنت حتى التقينا منذ ثلاث سنوات في هذه الضاحية فإذا ذلك الشاب ـ بفضل عزمه وصبره ونباهته ـ قد تمكن من الهجرة ثمّ الاِِستقرار في بلاد الإفرنج هو وعائلته في كنف عيشة رغدة لكنه وهو الذي تمكن من التأقلم في البيئة الفرنسية قد ظل مرتبطا بتونس ومنتميا إلى تراثه في جوانبه المُنيرة والإنسانية ممّا جعله في نصوصه الشعرية التي يكتبها بالعربية مُعبّرا بعفوية وصدق عن حنينه لموطنه ومتمسّكا بجذوره فاللغة العربية بالنّسبة إليه هي الخيط السّحري الذي يشدّه إلى ذاته وهو حريص أيضا على أن يظل أبناؤه وبناته منتمين إلى تونس الخضراء…ولكن
ولكن عندما رافقتُه مع نَجليه إلى القنصلية ليستخرج لهما بطاقة الهويّة التونسية رأيتُ صفّا طويلا وقد وقف فيه الصّغير والشاب والشّيخ من الجنسين بل وفيه الرّضيع وحتّى الذي في كرسيّ العجلات
يا سبحان الله
هل مكتوب على التونسيّ أن يقف مُنتظرا السّاعات الطّوال في الحرّ والقَرّ سواءً في تونس للحصول على تأشيرة الدخول إلى فرنسا أو في فرنسا أمام القنصلية التونسية لاِستخراج مختلف أوراقه الوطنية
نعم…التونسي غريب مرتين
غريب في وطنه وغريب خارج وطنه
وعندما لا نرى تونسيا واحدا يقف منتظرا أمام سفارة أو قنصلية تونسية في بقية بلدان العالم
يومذاك يمكن أن نتحدّث عن الكرامة الوطنية،