الأرشيفات الشهرية: أغسطس 2025

عروس البحر ـ القصيد

عَروسُ البَحـرِ ـ 

إنْ سادَ اللّيل وأسودُه لاَ بُــدَّ اَلشَّــمْسُ تُــبَــــــدِّدُهُ
وتُــنيرُ اَلْـكَـوْنَ أَشِـعُّـتُـها ويَـــجِيءُ اَلْفَــجْـرُ يُجَــدِّدُهُ
فَـتَرَى للأرْضِ وَ قَدْ لَاحَتْ حُـسْـنًـا بِالــنُّـورِتُــنَـضِّـدُهُ
فِي لَوْحاتٍ هِـيَ آيـــاتٌ إِبْــداعُ الـلَّـــهِ تُمــــجِّــــدُهُ
بِــلِسَانِ الطّيْرِ شَــدَا سَحَـرًا سِـرْبًا سِرْبًا يَـتَـهَـجَّـدُهُ
نَــغَمًا وَكَهَمْسِ اَلْبحرِ سَجَا مَا أَرْوَعَ مَـوْجًا هَــدْهَــدَهُ
حُلْمُ الأشواقِ وَقَدْ سَرَحَتْ كَــمْ بَـاتَ اللّيلُ يُــقَيِّـدُهُ
*
وَتُطِلُّ عَرُوسُ البَحْرِ ضُحَى بِـتَمَامِ الحُسْنِ تُجَسِّـدُهُ
سُبْحَانَ اللَّهِ إِذَا أَبْــدَتْ مَــــيَّـاسَ اَلْــقَــدِّ تُـــــؤَوِّدُهُ
فِي ذَاكَ الشَّطِّ وَقَدْ خَطَرَتْ وَالـثَّغْـرُ تـَـبَسَّمَ مَوْرِدُهُ
والشَّـعْرُ تُـعابِــثـُـهُ غَـَنَـجَا طـَــوْرَا يَـْنـحَلُّ فَــتَعْـقِدُهُ
تـَـرْنُـو بِـــجُـفونٍ حَالـمةٍ وَيْــلٌ لِلسَّـهْمِ تُــسَـــدِّدُهُ
نـَحْوَ اَلصَيَّادِ رَمَى شَبَكًا عَـجَبًا لِلصَّيْدِ تَـــــــــصَيَّدَهُ
لمَّا خَصَلاَتٌ قَدْ عَلِقَت مِنْهَا صَاحَتْ تَــتَـنَــــــــجَّدُهُ
لَبَّيْـكِ ! وغاصَ بلا وَجَل وَغِمَـارُ اَلْمَوْجِ يُـجَاهِــــــدُهُ
بِحَنَانٍ أَمْسكَ مِنْ يَدِهَا وَ اَلْجِـيدَ بِـرِفْــقٍ أَسْـــــنَدَهُ
لَكِنْ! تيار البحر عتا بِـهُـبُوبِ رِيـَـاحٍ أَبْــعَــــــــــدَهُ
حـَـتّى بَلَغَـا أَنْـأَى جُـــزُرٍ فـَأَقـــامَ اَلظِـلَّ ومَـــهَّـدَهُ
وَ أَفَاقَتْ مِنْ رَوْعِ فَرَأَتْ لِـفَـتَاهَا وَجْـهَا تَــعْـهَـــــدُهُ
كلُّ الدُّنيا صارتْ جَذْلَى لَـكَأنَّ ربــيـعًا تَشْــهَـــــدُهُ
فَـــهَفَا شَجرٌ و نَمَا ثَــمَرٌ مَـيّـَادُ اَلْغُصْنِ وَ أَمْـلَــــدُهُ
و النّخلُ تَهادَى في سَعَفٍ بِـاَلْعِذْقِ تَدَلَّى عَـــسْجَدُهُ
وَالزّرعُ تَـمَايَـلَ مُمْتَلِـئًا بِاَلْحَبِّ قَــريبٌ مَحْصَــــــدُهُ
وَبِسَاط العُشْبِ جَرَى مَرْحًا بِــزُهُورِ اَلْوَشْيِ تُـزَرِّدُهُ
حَتَّى الْبِيدُ اِخْضَرَّتْ لَهُمَا وَ يَــمَامُ اَلْأَيْــكِ يُــغَـــرِّدُهُ
إِثْـنَانِ وَمِنْ طَــيْرٍ شَــهَدَا وَ العُرْسُ اللّيلةَ مَـوعـدُهُ
وَ بِـوَافِرِ صَــيْدٍ أَمْــهَرَهَا وَكَـبَـــدْرٍ بَاتَـتْ تُـــسْــعِدُهُ
زَمَنا عـاشَا أحلَى حُـلُمٍ إِذْ طابَ اَلْعَيْشُ وَ أَرْغَـــدُه
*
وَ أَتَتْ يَومًا فَبَكَتْ أَسَــفًا لاَبُــــدَّ الدَّهـرُ يـُـنَــكِّـدُهُ
قالت: اليم يناديني فالـمَــرْءُ وَمـَا يَـتَــــــــعَـــوَّدُهُ
سَأَعُودُ قريبًا لا تَحْــــزَنْ لابُـــدَّ العَهْدَ نُــــجَـــدِّدُهُ
وَجَمَ الصَّيَّادُ وَ لَم يَنْبُسْ وهَــوَى صَرْحٌ قد شَــيَّـدَهُ
وَاِحْلَوْلَـكَتِ الدّنيَا حُــزْنًا وَبَـكَى في الـوَرْدِ تَـوَرُّدُهُ
وَمَضَتْ فِي الأَزرقِ سابحةً لحِقَ الصيُّادُ يُعَـــربدُهُ
يَا هذا البَحْرُ أَعِدْ إِلْـــفي فأجابَ بمَوج يُــــــزْبدُهُ
البَحرُ بِـــمَا فيه مُــلْـكِي فَالـلُّـؤْلُـؤُ لِي وَ زَبَرْجَـدُهُ
وَاَلْحُورِيَّـاتُ حَرِيمٌ لِــي مَا مِنْ أَحَدٍ يَـتَـقَــــصَّدُهُ
فإذَا رَعْـدٌ وَ إِذا بـَــرْقٌ وَكلابُ البحرِ تُـــــطَارِدُهُ
إِيَّــاكَ إذنْ يــومًا مِـــنِّي وَتَـعَالَى اَلْمَـوْجُ يُـصعِّـدُهُ
قَـفَـزَ الصّـــيّادُ على لَـوْح وَ سَــوادُ اللّيلِ يُــغَـمِّدُهُ
حتَّى أَلْـقَـاهُ اَلْمَوْجُ عَــلَى جُـلْمُودِ الـصَّخْرِ يُوَسِّـدُهُ
وَإِذَا اَلْجُلْمُودُ جَرَى دَمْـــعًا لـصدى بـــيت قد ردّدهُ
يَا لَــيْلُ الصَّبُّ مَتَى غَدُهُ أَقِـيَـامُ اَلسَّاعَـةِ مَــوْعِـدُهُ ؟

قصيدة الزّورق الورقيّ

اَلــزّوْرَقُ اَلْـوَرَقِيُّ

.إلى كمال العيّادي

 

هِي فِي اَلْبَحْرِ…هُو فِي الحِبْرِ

إذنْ :

سَلامًا لِلأزرَقِ فِي المَاء

سلامًا لِلأبيضِ فِي المَوْج

سلامًا زُلالاً

لَا المِلحُ فيه وَ لا حتّى زَبَدٌ !

صَافياتٌ …حَسْبُ التَّحَايَا ـ خَالصَاتٌ

أَوْ لاَ تكُونْ !

و بِمِلْءِ اَلْأحْضَان نَحْو اليمِ

عَبْرَ الأعْماقِ…على مَدَى الْبِحارِ المُحِيطات

أَجِيءُ بَيْنَ الماءِ والهواءِ مُنْسابًا

كالسّمَك الطّائِرِ و كالطّائِر السّابِح

مِنْ رِيحٍ إِلَى رِيحِ

وَ مِن تَيّار إلى تَيّار

بِلاَ جَناح ، بِلاَ شِرَاعٍ ، بِلاَ مِجْداف

وَلا بَوْصَلَة

إلاَّ الْأصْدافُ دَليلِي والدَّلاَفِينُ

هُنالِك … عِنْدَ خَليج نَاءٍ وَصَلْتُ

أَمْلَسَ اَلْحَصَى اِصْطَفَيْتُ

و عند تَلَامُسِِ البَحْر وَاَلسّاحِلِ

وَقفْتُ أنْتَظِرُ

كَالإسْفَنْجَةِ تَحْتَ الشّمْس

تَمُرُّ اَلصّباحَاتُ واَلْعَشَايَا

والشّمسُ تَجْري إلى مُسْتَقَرٍّ لَها وراءَ حِجابِ الأُفق

أَنْتظرُ…

زَوْرَقِي وَرَقِي

حَمَلْتُ فِيهِ كُلَّ ما كَانَ

وَكُلَّ مَا سَوْفَ يَكُونُ

فَاِقْرَئِي نَقَائشَ بَدْءِ الخَلِيقةِ

علىفي كُهُوفِ اَلْأَوّلينَ القُدامَى مِنْ قَبْلِ الطُّوفَانِ

و تَأمّلِي رُسُومَ الحيَوانِ فِي اَلْمَغَاوِر

مَغَاور الشِّعَابِ وَ أعَالِي الجِبَال

اُنظُرِي… تَرَيْ…هَا قَدْ مَضَى

ذَاكَ الغَزالُ

كَيف يا تُرى قَدْ هلكْ

ذاك السَّمكْ ؟

زَوْرَقِي وَرَقِي

مِنْ بَرْدِي النّيلِ إلى كاغِذِ الصّينِ

ومن طُومَار أنُو شَرْوَان

إلَى رَقْشِ القَيْروَان

اِقْرَئي

عَلى ريشِ نَعَامِ الصّحراءِ الكُبْرى

وعلى ريشِ الهُنود الحُمْرِ

وَفِي صَمْغِ الهِنْدِ بالمِسْك والزّعْفَرَان

اِقرَئِي

اِقرئي اِسْمِي تَرَيْ رَسْمِي عَلى طِين ألوَاحِ بَابِل

فِي نَقائشِ المِسلّاتِ فِي وَادِي المُلوك

وَفي لُؤلؤةِ خَاتَمِ كِيلُوبَتْرَا

اِقرئِي

زَوْرقِي وَرَقِي

اِقرئي

خُطوطَ تِدْمَرَ وَحِنّاءَ زَنّوبِيَا

نَقْطَ اَلْمِسْكِ على وَرْدِ خَدِّ هِنْدٍ

تَخَارِيمَ تِيجَانِ المَرْمَرِ فَوْق أعْمِدَةِ قَرطاجةَ

شَبابِيكَ اللُّجَيْنِ على صَرْح بَلْقِيسَ

ثُمّ… و بِعَينيكِ تَـيْـنِـكِ اِقْرَئِي اَلشّاهِدةَ

عَلى قَبرِ جُنديٍّ مَجهُولٍ

أَوْ على لَوْحةِ تِمْثالِ قَبْرٍ جَماعيٍّ

لِمَا مَضَى…أوْ لِمَا هُوَ آتٍ…آتٍ

إنِّي هُنا…سَأظَلُّ

إذا مَا تَعِبْتُ :

هَدْهَدَةُ البَحْرِ أُرْجُوحَةٌ فِي اِنْسِيَابِ اَلنّسيمْ

يُغْريني اِنكسارُ المَوجةِ الجَذلَى :

أَنْ أنِخْ و أَرِحْ

فَأَغْفُو وَ أُسْلِمُ الأرضَ رأسي

عَلَى حَريرِ اَلرّملِ جَنْبِي

من الأقاصي أَتصنَّتُ وَقعَ خُطاكِ

كأنّي أراكِ :

تَتْبَعُكِ الفراشاتُ نَشْوَى

أَسرابُ القَطَا

واَلْحَمامْ…

إنّي هُنا…

تَنْسَابُ حَوْلي رَفْرَفَةٌ تَمِيسُ

مِن الْمدَى إِلَى الْمَدَى

والأزرقُ المُمتدُّ والسّماءْ

مَا أَعظَمَهُ مِحْبرةً

أَخُوضُها سطرًا وسطرًا

بِفَيْضِ الكلامْ !

مِجْذافِي قَلمي

وَرَقي زَوْرقي

اَلْأَلِفُ إِلْفِي … عَلَى البياضِ البَاءْ

الجِيمُ اِنْعِطافُ المَوجِ عَلى السّاحلِ

الدّالُ دَليلي إِذْ أَرَى :

شَجرٌ باسقٌ ذَاك فِي المَدى…

فَمَنْ قال هذا الأزرقُ ماء ؟!

إنّي هُنا …

قريبًا سَتَمُرُّ آخرُ قوافلِ اللّيل

مِنْ نُجومٍ وَامِضاتٍ ومَحاراتٍ سارياتٍ

وَ عِند غَزْلِ الخيطِ الأبيضِ بِالخيطِ الأَسودِ

سَتُطَرِّزُ نجمةُ القُطب بِاَلْيَوَاقِيتِ حُرُوفِي

هِي الّتي أَنامِلُها حَفيفُ الوردِ وَقَطرُ النّدى

و إلى خدِّ الأرضِ أُسْنِدُ خدّي

و أنام…

أحلم :

بِكْرُ الْينابيعِ الزُّلَالِ

تَجْري مِنْ بَين أصابعي رَقراقةً

أَرْوَت اَلسَّباسِبَ واَلْبِيدَ وكُلَّ وادِي غيرِ ذِي زرعٍ

هِيَ ذِي الظّلالُ والدَّوالي

والعَصافيرُ من جَميعِ الْجهاتِ قادمةٌ خفّاقةٌ

على كلِّ جناحْ

فَلَا أقفاصٌ ولا قناصٌ ولا شِباكْ

أحلمُ :

أُلَاعِبُ فَرَسَ النّهرِ يَحمِلُني مَرِحًا

إلى القُطب الشّماليِّ …

هُناك …في البياضِ الطّاهرِ

أَتمرّغُ على ناعمِ الثّلج الدّافِئ…

أحلُمُ في ما أحلُمُ :

حُوريّةُ اَلْمَوْجِ تدعُوني إلى الأَعماق

تُخَبِّلُني في شَعرها إلى قَاعِ أَقصى المُحيطات

هُنالك مَرَجُ البَحريْنِ فيه الأَحِبّةُ

رأيتُهم إثنيْن إثنيْن يَلتقيان

يُراقصُهُمْ صِغَارُ السّمكِ

أقول لَهُمْ :سلامًا سلامًا

وَ مِنْ ثَمَّةَ أَصْعَدُ مُجَنِّحًا بِبُراقِ اَلْوَجْدِ

إِلَى أَعْلَى اَلْأَعَالي

فَوْقَ المَجرّات و النّجُوم

فَأُطِلُّ على الكون…

مِنْ هنالك

أَلْتَمِسُ قَبَسًا مِنْ لهَب الْمِشكاة

ثُمّ أَنْزِلُ حانياً عَليْه فِي كفِّي

لِأُضِيءَ الدّنيَا مِن جَديد…

فتعُودُ الحياة

إِلَى الأرضِ الجميلة…!