الشّرفة

12042150_884925001584182_346059423_nالشّرفةُ

1

كُلّمَا دخل عبدُ المجيدِ يُوسُفُ عليهَا

وجدَ في شُرفتِها غِلالا

يقُول لها أنَّى لكِ هذا ؟!

تقُول هِبةُ البَحر :

الفصلُ فصلُ صَيفٍ

تَباشيرُ الخريفِ تَلوحُ

مِنْ تَخاريم الشّرفةِ

2

يومًا بعدَ يومٍ

فِي بَاكر الصَّباح أو فِي العَشايَا

يَطوفُ عبدُ المَجيدِ على شُجيْراتِ الشُّرفة والزّهَراتِ

يَسقيهنَّ بالقِسط مِنَ الإبريق

واحدةً تِلوَ واحدةٍ

لليَاسَمين نصيبٌ

لشَقائق النّعمان والخُزامَى والقَرنفُل نصيبٌ

للأقحُوانِ للإكليل

ثُمّ يَنزلُ مِنَ الشّرفة يسقِي صَفّ السَّرول

سَيطُول السَّرولُ بعدَ سنينَ

ويُظلّل الشّرفةَ

3

الشّرفةُ مَوعدُها

والبحرُ

لَثَمَاتُ المَوج على حفيفِ فُستانِها

صَافياتٌ ناعماتٌ

لمَساتُ رَمل السّاحل

كهَسْهسةِ النّسيم فِي النّخيل

حانَ قِطافُ العَراجين

مَدّتْ يديْها

فَإذا النّجومُ أقربُ

4

مِنْ شُرفتها أطَلّتْ
بَينها وبينهُ

خطوتان فقطْ
هي الشّمسُ

لو تقدّمَ خطوةً واحدة

كان منها اِحترقْ

هُو البحرُ
لو تقدّمتْ خُطوةً واحدة

فِيهِ كان الغَرقْ

رآها رأتهُ

رأتهُ رآها

وثلاثُ
نُقطْ !

5

مِنْ شُرفتِها راحتْ تَنسابُ

مِثلَ الأنامل تَتَراوحُ عَلى النّاي

اِتّبعَتْ خُطاهُ

لَحِقَتْ بهِ

سارتْ أمامَهُ

وراءهُ سارتْ

على يَمينهِ سارتْ

سارت ْعلى يَسارهِ

تَحسَبُ أنّه لم يَشعُرْ بها

عجبًا

يُوسفُ يَبتعدُ عَنِ الشُّرفةِ

لمْ تَرَ ظِلَّهُ لمْ يُفارقْ ظلّها

معًا دائمًا أبدًا

6

شُرفتُها

لوحةُ سَحابٍ وسِنفُونيّةُ أمواج

ومَدًى

بحرٌ وسماءٌ

شَمسٌ تجري لمُستَقرّ لهَا

ثِمارٌ أزهارٌ

على كلّ شَكل ولونٍ وشَذًى

تَبارَكَ اللّهُ

أحسنُ الخالقين

7

َجلستْ في شُرفتها ذاتَ يوم

رُبّما يُوسُف يَمُرُّ

رأتْ بَالُونةً زرقاءَ

هَبّتْ ريحٌ

طارتِ البالونةُ

مَسكَ الصَّبيُّ بالخيطِ

البالونةُ تعلُوتعلُو

الصّبيُّ يجرييجري

يَجري والبحرَ

اِنفرط الخيطُ مِنْ بَينِ أصابع الصَّبيّ

طارتِ الزّرقاءُ في الزُّرقةِ على الأزرق

رجعَ الصّبيُّ من حيثُ أتَى

جلسَ تحتَ شُرفتِها

وبَكى

8

تحتَ شُرفتها ظلّ يُوسفُ يَنتظرُ

اليومَ أيضًا

ساعِي البريدِ لمْ يطرُقْ بابَها

لا جارٌ ولا جارةٌ

اليومَ أيضًا

الهاتفُ لم يَرِنْ

ولا حتَّى بالخَطإ

9

مرّةً في شُرفتها جرَى الحديثُ

حدّثتهُ عنهُم جميعًا

الذي

والذي

الذي وعدَ أخلفَ

الذي سَافر لم يَعُدْ

والذي تقدّم توقّفَ

حدّثتهُ عنهُم جميعًا

وهو أمامَها

يَذُوبُ صامتًا

10

مَع فِنجانِها جلستْ في شُرفتِها

تَستعذبُ الوقتَ رَشفاتٍ

أينعَ الزّهرُاِعْشَوْشَبَ المَمْشَى

المُصطافُونَ غادرُوا

عادتْ إلى بطحاءِ القريةِ عَصا الشّيخ

وجَلَبَةُ الصِّبيان

اِنتصبتْ حَلَقاتُ المقهى تحتَ زيتُونةِ المَسجِدِ

المُصطافونَ غادرُوا

تَركُوا القريةَ في سُكونها

إلا مِنْ هَدير البَحرعَلى صُخور المِيناءِ

وصَخَبِِ اِنتظار شُرفتِهَا

11

يُوسُفُ غادرَ أيضًا

يَداهَا تُرفرفان إليهِ بالوَداع من شُرفتِها

سلامًا سلامًا

جبينُها وَضّاحٌ

ثغرُها باسِمُ

حالمُ

كأنّهُ وهوَ يبتعدُ

تراهُ عائدًا نَحوَ شُرفتِها
وقبل أن يُغادرَ اِزّيّنَتْ وهِيتَتْ لهُ
ثُمّ قالتْ متَى نلتقي ؟
وأين ؟
فأسرعَ بالجوابِ
ـ الآن وهنا
ورجعَ منَ البابِِ

12

كمْ يلزمُ مِن عَصر وكمْ لابُدَّ من مِصْرٍ

و مِنْ حِبرٍ ومِنْ سَطر

كيْ يصفَ أحلامَ شُرفتِهَا

واِنثيالَ طيفِها

قَدُّهَا ألِفٌ

الباءُ بَسمتُها

الخاءَ خدُّها

بِالهَاءِ خَتمَ رَسْمَ أبجديّةِ البَهاءِ

فلاحَ فِي الآفاق قَوسُ قُزح

13

أتمَّ ـ لِيُونَارْدُو ـ المُوناليزَا ـ

وبلمسَةٍ أخيرةٍ أكمَل اللّوحةَ

نظرَ فيها مَليّا

فأيقَنَ

أنَّهُ رسَمَ شُرفتَهَا!

هِرقلة ـ رادس / صيف خريف 2014

حول سوف عبيد

* من مواليد موسم حصاد 1952 وسُجّل في دفتر شيخ المنطقة بتاريخ يوم 7 أوت 1952 ببئر الكرمة في بلد غُمراسن بالجنوب التونسي درس بالمدرسة الاِبتدائية بضاحية ـ مِقرين ـ تونس العاصمة سنة 1958 ـ بالمدرسة الابتدائية بغُمراسن سنة 1960 ـ بالمدرسة الابتدائية بنهج المغرب بتونس سنة1962 ـ بمعهد الصّادقية بتونس سنة 1964 ـ بمعهد اِبن شرف بتونس سنة 1969 * تخرّج من كلية اﻵداب بتونس بشهادة ـ أستاذية الآداب العربية ـ ثمّ في سنة 1976 بشهادة ـ الكفاءة في البحث ـ حول ـ تفسير الإمام اِبن عَرْفَة ـ سنة 1979 * باشر تدريس اللّغة العربية وآدابها بـ ـ معهد اِبن أبي الضّياف بمنّوبة ـ المعهد الثانوي ببوسالم ـ المعهد الثانوي بماطر ـ معهد فرحات حشاد برادس * بدأ النّشر منذ 1970 في الجرائد والمجلات : الصّباح ـ الملحق الثقافي لجريدة العمل ـ الصّدى ـ الفكر ـ ألِف ـ الحياة الثقافية ـ الموقف ـ الشّعب ـ الرأي ـ الأيام ـ الشّرق الأوسط ـ القدس,,,وبمواقع ـ دروب ـ إنانا ـ المثقّف ـ أنفاس ـ أوتار ـ ألف ـ قاب قوسين ـ … * شارك في النّوادي والنّدوات الثقافية بتونس وخارجها : ليبيا ـ الجزائر ـ المغرب ـ مصر ـ العربية السعودية ـ الأردن ـ سوريا ـ العراق ـ إسبانيا ـ فرنسا ـ إيطاليا ـ ألمانيا ـ بلجيكا ـ هولاندا ـ اليونان ـ * من مؤسسي نادي الشّعر بدار الثقافة ـ اِبن خلدون ـ بتونس سنة 1974 واِنضمّ إلى اِتّحاد الكتاب التونسيين سنة 1980 واُنْتُخِبَ في هيئته المديرة في دورة سنة 1990 أمينا عاما ثم في دورة سنة 2000 نائب رئيس فساهم في تنظيم مؤتمر اِتحاد الأدباء العرب ومهرجان الشعر العربي بتونس سنة 1991 وفي إصدار مجلة ـ المسار ـ وفي تأسيس فروعه وفي تنظيم الندوات والمهرجانات الأدبية وشارك في الهيئة الاِستشارية لمجلة الحياة الثقافية وأسّس منتدى أدب التلاميذ سنة 1990 الذي تواصل سنويا في كامل أنحاء البلاد إلى سنة 2010 ونظّم الملتقى الأوّل والثاني لأدباء الأنترنت بتونس سنتي 2009 و 2010 وأسس نادي الشعر ـ أبو القاسم الشابي ـ سنة 2012 وترأس جمعية ـ اِبن عرفة الثقافية ـ سنة 2013 و2014 وأسس جمعية مهرجان الياسمين برادس 2018 * صدر له 1 ـ الأرض عطشى ـ 1980 2 ـ نوّارة الملح ـ 1984 3 ـ اِمرأة الفُسيفساء ـ 1985 4 ـ صديد الرّوح ـ 1989 5 ـ جناح خارج السرب ـ 1991 6 ـ نبعٌُ واحد لضفاف شتّى ـ 1999 7 ـ عُمرٌ واحد لا يكفي ـ 2004 8 ـ حارقُ البحر ـ نشر إلكتروني عن دار إنانا ـ 2008 ثم صدر عن دار اليمامة بتونس ـ 2013 9 ـ AL JAZIA ـ الجازية ـ بترجمة حمادي بالحاج ـ 2008 10 ـ ألوان على كلمات ـ بلوحات عثمان بَبّة وترجمته ـ طبعة خاصة ـ 2008 11 ـ حركات الشّعر الجديد بتونس ـ 2008 12ـ صفحات من كتاب الوجود ـ القصائد النثرية للشّابي ـ2009 13 ـ oxyde L’âme قصائد مختارة ترجمها عبد المجيد يوسف ـ2015 14ـ ديوان سُوف عبيد ـ عن دار الاِتحاد للنشر والتوزيع تونس2017