مجلس السّكلمان

http://www.almothaqaf.com/a/memoir02/950744

السّكلمان أو ـ بخور مريم ـ زَهرة نادرة جميلة لطيفة شذيّة تراها ذات بتلات رقيقة متعدّدة الألوان وهي من الزهور الجبلية التي لا مثيل لها في برّ البلاد التونسية ولا تنبت إلا في غابة جبل – بو قرنين – الذي تنبسط بين سفحه وساحل بحره مدينة حمام الأنف في تناسق بديع الألوان كأنها قوس قزح يلوح من خضرة الجبل وبياض سطوح المنازل وحمرة قرميد الفيلات وزرقة الخليج وصفرة شمس الضحى وهي تبدو من ناحيته فإذا أنت أمام لوحة تَبارك الله أحسن الخالقين

عندما أقصد مدينة حمام الأنف من ناحية تونس العاصمة أو رادس سواء بالسيارة أو بالقطار لابدّ أن ألتفت إلى يميني قبل الوصول لأرى جبل بوقرنين ـ يقابلني بقرنيه وبينهما الثلمة الكبيرة التي ورد في المخيال الشعبي أنها حدثت بسبب ضربة سيف عليّ بن أبي طالب عندما كان يقارع الكافرين وللّه في خلقه شؤون ولكن يا سيّدنا عليّ كرّم الله وجهك بعد صولاتك وجولاتك في جيش الأعداء عاد العرب والمسلمون يضرب بعضهم رقاب بعض طمعًا في الحكم وتفرّقوا سَبَهْلَلَا وكلّ منهم يدّعي أنه على حق وأن الآخرين على باطل وهم إخوان الشياطين يا سيّدنا عليّ كرّم الله وجهك قد أمسى العرب المسلمون منذ قرون وقرون وعصور وعصور في أسفل السّافلين فلا علوم ولا صناعة ولا فلاحة ولا نظام ولا عدل إلا الخراب والتخريب

خراب قصر الباي خراب الحديقة التي أمامه خراب مبنى الحمّام خراب الكازينو خراب حوض السّمك والنّخيل الذي كان صفوفا صفوفا قطعوا اغلبه فيا حسرة على حمّام الأنف التي كانت في عهدها الزّاهر مثالا للنظافة والنظام والجمال والحضارة يا حسرتاه على الغابة في الجبل فقد غزتها البناءات  وهي التي صدرت فيها قوانين منع البناء ولكن حاميها حراميها وضاعت دماء الأشجار هدرا وتفرّقت بين المجلس البلديّ وإدارة الغابات ووزارة البيئة….إلخ…إلخ….

وبينما أنا في شجوني إذ بي أجدني في محطة حمام الأنف فنزلت من القطار وما كدت أغادر النفق حتى اِستقبلني صديقي الشاعر عبد الحكيم زريّر هاشّا باشّا ولكن بدون مصافحة ولا أحضان فنحن في زمن الكورونا يا صديقي وتكفي الاِبتسامة والكلمة الطيّبة وما في القلب يصل إلى القلب وصديقنا حكيم هذا من المتيّمين بحبّ حمام الأنف فقد نشأ فيه منذ الصغر وله أمتع ذكريات شبابه في أرجائها بين بحرها وجبلها فتسمعه متحدّثا عن جولاته وصولاته فيها بحنين وحرقة كلما مررنا بمكان يقول كان وكانت… فيذكر السّاعةَ الكبيرة التي كانت وسط المدينة وهي ساعة أرقامها من الأزهار والورود على بساط عشب يانع ويذكر الحوض من الفسيفساء وفيه سابحاتُ الأسماك الملوّنة أمام الكازينو…الكازينو… يا حسرتاه على الكازينو…!! ويضرب ـ حكيمُو ـ كفّا على كفّ في أسف ونكد ونحن نصل إلى الكرنيش الذي قطعوا نخيله فلم تبق من صفوفه إلا نخلات هنا وهناك لست أدري كيف ماتزال صامدة أمام هجومات ـ ياجوج وماجوج من الوندال والمغول والتاتار وأعراب بني هلال والذين يشبهونهم من الاِنتهازيين بعد الاِستقلال والثورجيين على أنواعهم وأشكالهم بعد 2001….خراب….خراب

فما الذي أتى بي إلى حمام الأنف إذن ؟

إنّه مجلس السّكلمان يا حبيبي ! وأكرم به من مجلس والبحر أمامك والجبل وراءك والنّسيم عليل والفصل خريف معتدل وأنت في أنس الأحبّة بين حديث يشمل آخر الأخبار السّياسية والاِجتماعية وبين اِستذكار الطرائف الأدبية والشعرية وبين التدقيقات التاريخية واللغوية وواسطة عقد هذا المجلس هو الصديق الأديب والشاعر والمترجم جلال المُخ الحريص على الحضور من منتصف النهار إلى الثانية ظهرا كامل أيام الأسبوع حتى في العطل والأعياد ـ حسب ما سمعت ـ حتى وإن لم يحضر أصدقاؤه الأدباء فلديه مُريدون عديدون من حمّام الأنف يسعون إليه في شغف واِحترام وصاحبنا هو أيضا من عشّاق حمّام الأنف ومن متيّميها وقد تَرجم عشقه هذا في كتاب عنها أصدره منذ سنوات والغريب الغريب والعجب العُجاب أن هذا الكتاب لم تقتن منه البلدية ولا نسخة واحدة فلاتحدّثني عن رواج الكتاب وتوزيعه في حمام الأنف ولا في غيرها ورغم هذا الجحود وهذا الإهمال فإنّ ـ جلال المخ ـ أصدر أكثر من أربعين كتابا في شتى الأجناس الأدبية باللغة العربية والفرنسية وهو يمثل واسطة العقد في نادي ـ إضافات ـ الذي يجتمع مرتين في الشهر في دار الثقافة وقد اِحتفى هذا النادي بعشرات الأدباء والشعراء والمثقفين من تونس وغيرها من الزائرين والمقيمين العرب وهو ناد يقوم على الجهود الذاتية طبعا ويضمّ نخبة من أقلام حمام الأنف من بينهم خاصة أذكر ـ عبد الحكيم زرير ـ فتحي جوعو ـ صالح الطرابلسي ـ فتحي جوعو. ـ هشام الخلادي ـ عمر سبيكة ـ منيرة الشطّي ـ علي بوزميطة

مجلس السكلمان أو هكذا أسمّيه أقصده من حين إلى ﻵخر لأجد فيه متعة السّماع وأقطف منه جمّ الفوائد من أناس ظرفاء أحبّوا الأدب ولا شيء غير الأدب !

حول سوف عبيد

* من مواليد موسم حصاد 1952 وسُجّل في دفتر شيخ المنطقة بتاريخ يوم 7 أوت 1952 ببئر الكرمة في بلد غُمراسن بالجنوب التونسي درس بالمدرسة الاِبتدائية بضاحية ـ مِقرين ـ تونس العاصمة سنة 1958 ـ بالمدرسة الابتدائية بغُمراسن سنة 1960 ـ بالمدرسة الابتدائية بنهج المغرب بتونس سنة1962 ـ بمعهد الصّادقية بتونس سنة 1964 ـ بمعهد اِبن شرف بتونس سنة 1969 * تخرّج من كلية اﻵداب بتونس بشهادة ـ أستاذية الآداب العربية ـ ثمّ في سنة 1976 بشهادة ـ الكفاءة في البحث ـ حول ـ تفسير الإمام اِبن عَرْفَة ـ سنة 1979 * باشر تدريس اللّغة العربية وآدابها بـ ـ معهد اِبن أبي الضّياف بمنّوبة ـ المعهد الثانوي ببوسالم ـ المعهد الثانوي بماطر ـ معهد فرحات حشاد برادس * بدأ النّشر منذ 1970 في الجرائد والمجلات : الصّباح ـ الملحق الثقافي لجريدة العمل ـ الصّدى ـ الفكر ـ ألِف ـ الحياة الثقافية ـ الموقف ـ الشّعب ـ الرأي ـ الأيام ـ الشّرق الأوسط ـ القدس,,,وبمواقع ـ دروب ـ إنانا ـ المثقّف ـ أنفاس ـ أوتار ـ ألف ـ قاب قوسين ـ … * شارك في النّوادي والنّدوات الثقافية بتونس وخارجها : ليبيا ـ الجزائر ـ المغرب ـ مصر ـ العربية السعودية ـ الأردن ـ سوريا ـ العراق ـ إسبانيا ـ فرنسا ـ إيطاليا ـ ألمانيا ـ بلجيكا ـ هولاندا ـ اليونان ـ * من مؤسسي نادي الشّعر بدار الثقافة ـ اِبن خلدون ـ بتونس سنة 1974 واِنضمّ إلى اِتّحاد الكتاب التونسيين سنة 1980 واُنْتُخِبَ في هيئته المديرة في دورة سنة 1990 أمينا عاما ثم في دورة سنة 2000 نائب رئيس فساهم في تنظيم مؤتمر اِتحاد الأدباء العرب ومهرجان الشعر العربي بتونس سنة 1991 وفي إصدار مجلة ـ المسار ـ وفي تأسيس فروعه وفي تنظيم الندوات والمهرجانات الأدبية وشارك في الهيئة الاِستشارية لمجلة الحياة الثقافية وأسّس منتدى أدب التلاميذ سنة 1990 الذي تواصل سنويا في كامل أنحاء البلاد إلى سنة 2010 ونظّم الملتقى الأوّل والثاني لأدباء الأنترنت بتونس سنتي 2009 و 2010 وأسس نادي الشعر ـ أبو القاسم الشابي ـ سنة 2012 وترأس جمعية ـ اِبن عرفة الثقافية ـ سنة 2013 و2014 وأسس جمعية مهرجان الياسمين برادس 2018 * صدر له 1 ـ الأرض عطشى ـ 1980 2 ـ نوّارة الملح ـ 1984 3 ـ اِمرأة الفُسيفساء ـ 1985 4 ـ صديد الرّوح ـ 1989 5 ـ جناح خارج السرب ـ 1991 6 ـ نبعٌُ واحد لضفاف شتّى ـ 1999 7 ـ عُمرٌ واحد لا يكفي ـ 2004 8 ـ حارقُ البحر ـ نشر إلكتروني عن دار إنانا ـ 2008 ثم صدر عن دار اليمامة بتونس ـ 2013 9 ـ AL JAZIA ـ الجازية ـ بترجمة حمادي بالحاج ـ 2008 10 ـ ألوان على كلمات ـ بلوحات عثمان بَبّة وترجمته ـ طبعة خاصة ـ 2008 11 ـ حركات الشّعر الجديد بتونس ـ 2008 12ـ صفحات من كتاب الوجود ـ القصائد النثرية للشّابي ـ2009 13 ـ oxyde L’âme قصائد مختارة ترجمها عبد المجيد يوسف ـ2015 14ـ ديوان سُوف عبيد ـ عن دار الاِتحاد للنشر والتوزيع تونس2017