دار مكتوب

ـ 1 ـ
منذ عشرات السنين وأنا أمرّ على مدينة بوفيشة في ذهابي وإيّابي فهي تقريبا المنفذ الرئيسي نحو وسط وجنوب البلاد التونسية غير أنها بعدما اِمتدت الطريق السيارة أضحت منعزلة قليلا  فاِنزوت عن ضوضاء السيارات والشاحنات  وحتى عن جَلبة المسافرين ليلا نهارا لكنها أصبحت منذ سنوات قليلة مدينة هادئة لا يقصدها إلا من يطلب السلامة والهدوء والسكينة فقد تربّعت هادئة وسط سهل منبسط على مدى البصر بين البحر شرقا والمرتفعات غربا لا ترى من نواحيها حيثما جال بصرك إلا الزّرقة والاِخضرار فمدينة بوفيشة لوحة طبيعية تتبدّل في كل فصل بما في أرضها الخصبة من شتّى الأشجار والغراسات في مختلف ألوان أزهارها وثمارها والمدينة على مسافة ساعة من العاصمة وهي غير بعيدة أيضا عن مدينة سوسة والقيروان
ونابل وزغوان
ـ 2 ـ
جئتها هذه المرة من رادس قاصدا القيروان فعَبَرْتُ عند مدخل المدينة الجسر الصغير وهو الجسر الحديدي الذي أقامه الجيش الوطني عند فيضانات 1969 وما أن تجاوزت الجسر حتى لقيت على يميني _ دار مكتوب _ ولكن ما دار مكتوب هذه ؟
سمعت بدار مكتوب عند وُرود اِسمها في سياق نشاط المقهى الثقافي بها فقلت أذهب وأكتشف هذا الفضاء وهذا النادي فلما دَلفت اِستقبلني بحرارة الترحاب السيد  ظافر كرشاد بمعية السيد عبد الوهاب الهيشري والسيدة سوسن عوني وهم يمثلون المقهى الثقافي الذي يقيم جلساته وندواته في فضاء ـ دار مكتوب ـ الذي حدثني عنه سي ظافر بالتفصيل فإذا به يبحر بي في ثنايا التاريخ كيف لا والرّجل أستاذ في ريعان شبابه متخرج من كلية الآداب بمنوبة وهو أصيل هذه الربوع الفيحاء وقد حباه الله بأريحية ولطف وبسعة معرفة يُدلي بها بأسلوب التشويق فتستزيده ولا ترتوي فدار مكتوب هذه كما حدثني أصلها برج أو معلم ديني يعود إلى العصر الروماني أو البيزنطي مازالت حجارته الصَّلدة الكبيرة على هيئتها الأولى حتى الأقبية والمدارج والردهات وحتى العروة التي تُربط بها الخيول بعضها منقوش في صخر الجدران وقد كان هذا المعلم  في عهد الدولة الحسينية بمثابة محطة اِستراحة لأحد البايات ثم عند الفترة الاستعمارية الفرنسية سكنه أحد المستعمرين من الجالية الأوروبية لأن هذه الجهة  معروفة بحقولها وبساتينها الخصبة فوضع المستعمرون أيديهم عليها وجعلوا من السكان الأصليين عمّالا بأجور زهيدة وفي هذا السياق ربما ورد اِسم _ بوفيشة _ كما أرجح هذا الاشتقاق صديقنا الأستاذ ظافر  _ إلى أصلها الفرنسي وتعني الجذاذة التي كان يكتب فيها المستعمر أسماء العمال التونسيين الذين يصطفون أمام مكتبه
صباح كل يوم جمعة ليتسلموا أجورهم الأسبوعية وأطلقوا عليه اسم بوفيشة
ـ 3 ـ
بعد الاِستقلال وفي منتصف الخمسينيات من القرن العشرين غادر المستعمرون البلاد وعادت الأراضي إلى مالكيها الأصليين ومن بينها العقارات التي في منطقة بوفيشة وقد آل هذا المَعلم الذي كان مقرّ إقامة أحد المستعمرين إلى السيد نور الدين البواب فنفض عنه مظاهر الإهمال واِستصلحه وأبرز للعيان معالمه التاريخية التي كانت مطمورة أو مطموسة فظهرت نفائس هندسته وجعل منه فضاء  متعدّد الاختصاصات ليكون مَزارا سياحيا ومنارة ثقافية فقد اِحتضن المقهى الثقافي الذي يترأسه الأستاذ ظافر كرشاد بمُعاضدة الشاعرين مجدي بن عمر وعبد الوهاب الهيشري  بالإضافة إلى الشاعرة سوسن عوني وتحتضن دار مكتوب أيضا نواةً للمسرح وورشةً للرسم
 فبهذه هذه الدار اِكتسبت مدينة بوفيشة إشعاعا جديدا فصارت قِبلةً للزائرين سواء أولئك الذين يمرّون منها عبر مختلف الطرقات أو من خلال القوافل السياحية التي  تجد في هذا المعلم عبق التاريخ وكذلك جماعات المبدعين والمثقفين والفنانين الذين ينشدون  الهدوء والجمال خاصة أن دار مكتوب هي خير ما يمثل قول الشاعر
يا ضيفنا لو  زرتنا لوجدتنا * نحن الضيوف وأنت رب المنزل

حول سوف عبيد

* من مواليد موسم حصاد 1952 وسُجّل في دفتر شيخ المنطقة بتاريخ يوم 7 أوت 1952 ببئر الكرمة في بلد غُمراسن بالجنوب التونسي درس بالمدرسة الاِبتدائية بضاحية ـ مِقرين ـ تونس العاصمة سنة 1958 ـ بالمدرسة الابتدائية بغُمراسن سنة 1960 ـ بالمدرسة الابتدائية بنهج المغرب بتونس سنة1962 ـ بمعهد الصّادقية بتونس سنة 1964 ـ بمعهد اِبن شرف بتونس سنة 1969 * تخرّج من كلية اﻵداب بتونس بشهادة ـ أستاذية الآداب العربية ـ ثمّ في سنة 1976 بشهادة ـ الكفاءة في البحث ـ حول ـ تفسير الإمام اِبن عَرْفَة ـ سنة 1979 * باشر تدريس اللّغة العربية وآدابها بـ ـ معهد اِبن أبي الضّياف بمنّوبة ـ المعهد الثانوي ببوسالم ـ المعهد الثانوي بماطر ـ معهد فرحات حشاد برادس * بدأ النّشر منذ 1970 في الجرائد والمجلات : الصّباح ـ الملحق الثقافي لجريدة العمل ـ الصّدى ـ الفكر ـ ألِف ـ الحياة الثقافية ـ الموقف ـ الشّعب ـ الرأي ـ الأيام ـ الشّرق الأوسط ـ القدس,,,وبمواقع ـ دروب ـ إنانا ـ المثقّف ـ أنفاس ـ أوتار ـ ألف ـ قاب قوسين ـ … * شارك في النّوادي والنّدوات الثقافية بتونس وخارجها : ليبيا ـ الجزائر ـ المغرب ـ مصر ـ العربية السعودية ـ الأردن ـ سوريا ـ العراق ـ إسبانيا ـ فرنسا ـ إيطاليا ـ ألمانيا ـ بلجيكا ـ هولاندا ـ اليونان ـ * من مؤسسي نادي الشّعر بدار الثقافة ـ اِبن خلدون ـ بتونس سنة 1974 واِنضمّ إلى اِتّحاد الكتاب التونسيين سنة 1980 واُنْتُخِبَ في هيئته المديرة في دورة سنة 1990 أمينا عاما ثم في دورة سنة 2000 نائب رئيس فساهم في تنظيم مؤتمر اِتحاد الأدباء العرب ومهرجان الشعر العربي بتونس سنة 1991 وفي إصدار مجلة ـ المسار ـ وفي تأسيس فروعه وفي تنظيم الندوات والمهرجانات الأدبية وشارك في الهيئة الاِستشارية لمجلة الحياة الثقافية وأسّس منتدى أدب التلاميذ سنة 1990 الذي تواصل سنويا في كامل أنحاء البلاد إلى سنة 2010 ونظّم الملتقى الأوّل والثاني لأدباء الأنترنت بتونس سنتي 2009 و 2010 وأسس نادي الشعر ـ أبو القاسم الشابي ـ سنة 2012 وترأس جمعية ـ اِبن عرفة الثقافية ـ سنة 2013 و2014 وأسس جمعية مهرجان الياسمين برادس 2018 * صدر له 1 ـ الأرض عطشى ـ 1980 2 ـ نوّارة الملح ـ 1984 3 ـ اِمرأة الفُسيفساء ـ 1985 4 ـ صديد الرّوح ـ 1989 5 ـ جناح خارج السرب ـ 1991 6 ـ نبعٌُ واحد لضفاف شتّى ـ 1999 7 ـ عُمرٌ واحد لا يكفي ـ 2004 8 ـ حارقُ البحر ـ نشر إلكتروني عن دار إنانا ـ 2008 ثم صدر عن دار اليمامة بتونس ـ 2013 9 ـ AL JAZIA ـ الجازية ـ بترجمة حمادي بالحاج ـ 2008 10 ـ ألوان على كلمات ـ بلوحات عثمان بَبّة وترجمته ـ طبعة خاصة ـ 2008 11 ـ حركات الشّعر الجديد بتونس ـ 2008 12ـ صفحات من كتاب الوجود ـ القصائد النثرية للشّابي ـ2009 13 ـ oxyde L’âme قصائد مختارة ترجمها عبد المجيد يوسف ـ2015 14ـ ديوان سُوف عبيد ـ عن دار الاِتحاد للنشر والتوزيع تونس2017