– 1-
– من النّغم الخفيّ – للشّاعرة هدى صدّام
-بعد نصف قرن أو يكاد صدر للشاعرة التونسية هدى صدام مختارت من أشعارها التي ظلت شبه منسية والحال أن الشاعرة تعتبر من أولى الشاعرات التونسيات المعاصرات ولعلها هي الثانية بعد الشاعرة زبيدة بشير ثم تليها الشاعرة فضيلة الشابي والشاعرة هدى صدام أصيلة القيروان وهي من أسرة عريقة سليلة مجد وأدب ولا شك أن ظروف نشأتها قد ساعدتها على ترسيخ موهبتها ورعت شاعريتها على أسس المعايير التقليدية للقصيدة فنقرأ لغة صافية شفافة وصورا موحية تنضح بعاطفة زاخرة بوهج المعاناة فأغلب قصائد هدى صدام مرايا لحالاتها الوجدانية بما فيها من ظلال شجونٍ ثخينة وأحلام دفينة غير أننا نلاحظ سِمة واضحة في كثير من القصائد ألا وهي الاعتزاز بالنفس ربما يصل إلى حدود الأنفة ويتجاوزها إلى الكبرياء… هي كبرياء الأنثى في غنجها أحينا وفي تحديها أحيانا…كيف لا وهي الشاعرة المالكة لأعنّة الفصاحة والمعتزة بالقيروان التي أهدتها هذا الديوان قائلة – إلى القيروان نبع العشق والشعر والأحلام
وإن القصيدة التي اِختارت لها الشاعرة عنوان – حب وكبرياء – تعبّر بوضوح عن أهم خصائص شعرها معنى ومبنى والتي تقول في أولها
أحلى الهوى ما كان في الأعماق
نارًا تشب خفية الإحراق
حلو عذاب العاشقين وإنني
من ناهلي إبريقه الدفاق
فاهدأ فؤادي يا أخا الإخفاق
فسدى تحرق في لظى الأشواق
ذلك هو الكون الشعري لهدى صدام إذ يعيدنا إلى الينابيع الأولى للقصيدة العربية في دفقها وصفائها وحرارة صدقها .
ـ 2 ـ الشيخ مسعود ـ للأديب محمد الأزغب
بين قولة ـ اللغة الفرنسية منفى ـ وقولة ـ إن اللغة الفرنسية غنيمة حرب ـ راح الكتّاب في بلدان المغرب العربي يواصلون مسيراتهم الأدبية والفكرية معتبرين أن رسالة الكتابة أنبل و أشمل من اللغة التي بها يكتبون حيث جعلوا منها وسيلة إبلاغ أشمل مدى و أبعد آفاقا ،خاصة و قد تجاوز أغلبهم محنة الكتابة بالفرنسية و عقدتها نحو اِعتبارها نافذة يطلون منها على العالم لإبلاغه مباشرة شجونهم وشؤونهم متمثلين بحكمة ـ وخاطب القوم بما يفهمون ـ
و رغم أن الأديب التونسي محمد الأزغب بدأ النشر سنة 1952 باللغة العربية على جريدة الصباح و هو في أول تعليمه الثانوي فإنه ظل محجما عن النشر طيلة دراسته ثم على مدى مدة اِنخراطه في الجيش الوطني بعد ذلك إلى أن أحيل على التقاعد فبادر إثر ذلك مباشرة إلى نشر روايته الأولى باللغة الفرنسية ـ المهاجر ـ ثم واصل النشر تباعا حتى بلغ جملة ما صدر له إلى سنة2007 سبعة كتب ما بين روايات وقصص قصيرة وخواطر ويوميات وغيرها
ومن بين ما صدر له رواية ـ الشيخ مسعود ـ وهي تتحدث عن فترة الحرب العالمية الثانية إلى حدود اِستقلال تونس و ظهور الحركة الوطنية المسلحة في منطقة غمراسن بالجنوب الشّرقي من الجنوب التونسي الذي كان خاضعا للحكم العسكري المباشر طيلة عهد الاِستعمار الفرنسي حبث تولّى الشيخ مسعود المسؤولية الأولى في منطقته القائمة على العصبيّات القبلية بما فيها من تحالفات وتناقضات ومنافسات فكان عليه الفصل في القضايا الخاصة والعامة بما يقتضيه العرف والعادة و كان عليه أن يتعامل مع الواقع الاِستعماري بما كان فيه من قوة وبطش فاِستطاع في أغلب الأحيان بفضل ذكائه و دهائه أن يُجنب الأهالي ردود فعل الجيش الفرنسي و أن يُخفي آثار الوطنيين بإبعاد الشبهات عنهم أو إعلامهم قبل مداهمتهم وقد صورت الرواية في غضون تفاصيلها المجتمع البدوي ودقائق عاداته في حياته اليومية من المسكن واللباس والأدوات المنزلية إلى المأكل و المشرب و أدوات الزينة لدى المرأة و عادات الأفراح و الأتراح بالإضافة إلى ذكر أسماء الأمكنة بمنطقة غمراسن بحيث أن الرواية يمكن أن تعتبر وثيقة تاريخية سجّلت فيها عهدا من تاريخ تونس المعاصر ليس من السّهل الكتابة في تفاصيله دون السقوط في بعض المزالق الخاصة باِعتبار أن شخصية الشيخ مسعود شخصية واقعية قد وُجدت فعلا وأن قراءتها التاريخية قد تختلف بحسب المنطلقات المتنوّعة ـ وربّما المتناقضة ـ لدراسة تلك المرحلة الهامّة من تاريخ تونس المعاصر ,