الذي قال لا للكراسي…مصطفى الفيلالي

مصطفى الفيلالي…الذي قال لا للكرسي
سُوف عبيد

ـ 1 ـ
كنت ألتقيه من حين إلى آخر وهو يسير في شوارع مدينة رادس فأبادر بتحيته باِحترام فيردّ بلطف ومَن في رادس لا يعرف سِي مصطفى الفيلالي الذي تراه كأيّها الناس يقضي شؤونه اليومية فاِختلاطه بمختلف أصنافهم وأجيالهم لم يزده لديهم إلا تقديرا وتبجيلا وإنك تراه وقد تجاوز التسعين حَوْلا نشيطا في خَطوه أنيقا في هندامه العصريّ أو التّونسي بلا خُيلاء ولا كبرياء يحمل قُفّته ويشتري بضاعته منتظرًا دوره ويُحيّي هذا  ويقف مع ذاك ثمّ يمضي إلى سيّارته
كنتُ أحيانا أصادف سِي مصطفى الفيلالي في مَحلّ ـ الببلينات ـ يراجع فصلا من أحد فصول كتبه ليكون جاهزا كأحسن ما يكون للطبع فالرّجل ولئن اِشتهر سياسيا من الرّعيل الأوّل لوزراء حكومة الاِستقلال بالإضافة إلى نشاطه النقابي والتّربوي فإنه كاتب يل أديب أيضا ذو أسلوب بليغ فقارئ كتبه المتنوّعة المضامين والمتراوحة بين السّيرة الذاتية والتأملات الفكرية والأطروحات السياسية والاِقتصادية والدّينية يستشّف من قلمه أنه مثقّف من طراز رفيع ومن كتبه نذكر ـ أمّ حامد ـ مانعة… أيّام قرية الجبل ـ مجتمع العمل ـ موائد الإنشراح…
ـ 2 ـ
إنّ الأستاذ مصطفى الفيلالي ينتمي إلى جيل من المثقفين التونسيين الذين عاصروا الحركة الوطنية فاِنخرطوا في مختلف مراحلها وتعبيراتها شأنَ عددٍ كبير من الأدباء مثل علي البلهوان ومحمود المسعدي ومحمد المرزوقي ومنوّر صمادح فعرف أغلبهم مَعْمَعَان السياسة واِكتوى الكثير منهم بجمر الحكم بعد الاِستقلال لكنّ سي مصطفى الفيلالي عرف كيف يخرج من أتّونها واِنزلاقاتها سالمًا مرفوع الرأس فليس من السّهل أبدا أن يرفض كرسيّ رئاسة الحكومة التونسية عندما حَظِيَ بإجماع الفاعلين السياسيين سنة 2013 ورشّحوه لهذه المهمّة الجسيمة حيث قال أبو العتاهية في المهدي العباسي عندما بُويع بالخلافة :

أَتَتــهُ الخِلافَــــــةُ مُنقادَةً * إلَيـــهِ تُجَــــرِّرُ أَذيــالَها
وَلَــم تَـــكُ تَصلُحُ إِلّا لَـهُ * وَلَـــم يَــكُ يَصلُـحُ إِلّا لَها

لكن ّ سِي مصطفى أدرك برأيه الثاقب وبحنكة خبرته وكذلك بصفاء سريرته أنّ هذا الكرسيّ ـ لا يصلح له ولا به ـ وفي هذا الموقف تبدو وطنيّة الرّجل وصدقه ونبله فما أعظمه من مثقّف نادر الوجود خاصة في هذه السنوات التي اِختلط فيها الحابل بالنّابل مثل قول الشاعر القديم :

لقد هزُلت حتّى بدا مِنْ هُزالها * كُلاها وحتّى سامَها كلّ مُفلسِ

ـ 3 ـ
وقد حضرتُ منذ سنوات بدار الشباب برادس ندوة حول ـ الزعيم الحبيب بورقيبة ـ وقد أدلى فيها الأستاذ مصطفى الفيلالي بشهادنه فيه فصرّح بين الحاضرين وأكّد أن الحبيب بورقيبة كثيرا ما يستشير أعضاده ووزراءه وأنه لا يجد حرجًا في تغيير رأيه او موقفه في مسألة من المسائل بعد الإنصات إلى مختلف الآراء فيتراجع عن فكرته إذا تبيّن له الأصلح والأنسب وقد رأى سي مصطفى أنّ يعض الأخطاء التي عرفتْها البلاد في عهد بورقيبة لا يتحمّل وزرها يورقيبة وحده وإنّما المسؤولية يتحمّلها معه أيضا جميع الذين كانوا من حوله في أخذ القرارات وتنفيذها .
إنّها لَعَمْري شهادةٌ نادرة من رجُل دولة ما أحوج تونس لأمثاله !!

حول سوف عبيد

* من مواليد موسم حصاد 1952 وسُجّل في دفتر شيخ المنطقة بتاريخ يوم 7 أوت 1952 ببئر الكرمة في بلد غُمراسن بالجنوب التونسي درس بالمدرسة الاِبتدائية بضاحية ـ مِقرين ـ تونس العاصمة سنة 1958 ـ بالمدرسة الابتدائية بغُمراسن سنة 1960 ـ بالمدرسة الابتدائية بنهج المغرب بتونس سنة1962 ـ بمعهد الصّادقية بتونس سنة 1964 ـ بمعهد اِبن شرف بتونس سنة 1969 * تخرّج من كلية اﻵداب بتونس بشهادة ـ أستاذية الآداب العربية ـ ثمّ في سنة 1976 بشهادة ـ الكفاءة في البحث ـ حول ـ تفسير الإمام اِبن عَرْفَة ـ سنة 1979 * باشر تدريس اللّغة العربية وآدابها بـ ـ معهد اِبن أبي الضّياف بمنّوبة ـ المعهد الثانوي ببوسالم ـ المعهد الثانوي بماطر ـ معهد فرحات حشاد برادس * بدأ النّشر منذ 1970 في الجرائد والمجلات : الصّباح ـ الملحق الثقافي لجريدة العمل ـ الصّدى ـ الفكر ـ ألِف ـ الحياة الثقافية ـ الموقف ـ الشّعب ـ الرأي ـ الأيام ـ الشّرق الأوسط ـ القدس,,,وبمواقع ـ دروب ـ إنانا ـ المثقّف ـ أنفاس ـ أوتار ـ ألف ـ قاب قوسين ـ … * شارك في النّوادي والنّدوات الثقافية بتونس وخارجها : ليبيا ـ الجزائر ـ المغرب ـ مصر ـ العربية السعودية ـ الأردن ـ سوريا ـ العراق ـ إسبانيا ـ فرنسا ـ إيطاليا ـ ألمانيا ـ بلجيكا ـ هولاندا ـ اليونان ـ * من مؤسسي نادي الشّعر بدار الثقافة ـ اِبن خلدون ـ بتونس سنة 1974 واِنضمّ إلى اِتّحاد الكتاب التونسيين سنة 1980 واُنْتُخِبَ في هيئته المديرة في دورة سنة 1990 أمينا عاما ثم في دورة سنة 2000 نائب رئيس فساهم في تنظيم مؤتمر اِتحاد الأدباء العرب ومهرجان الشعر العربي بتونس سنة 1991 وفي إصدار مجلة ـ المسار ـ وفي تأسيس فروعه وفي تنظيم الندوات والمهرجانات الأدبية وشارك في الهيئة الاِستشارية لمجلة الحياة الثقافية وأسّس منتدى أدب التلاميذ سنة 1990 الذي تواصل سنويا في كامل أنحاء البلاد إلى سنة 2010 ونظّم الملتقى الأوّل والثاني لأدباء الأنترنت بتونس سنتي 2009 و 2010 وأسس نادي الشعر ـ أبو القاسم الشابي ـ سنة 2012 وترأس جمعية ـ اِبن عرفة الثقافية ـ سنة 2013 و2014 وأسس جمعية مهرجان الياسمين برادس 2018 * صدر له 1 ـ الأرض عطشى ـ 1980 2 ـ نوّارة الملح ـ 1984 3 ـ اِمرأة الفُسيفساء ـ 1985 4 ـ صديد الرّوح ـ 1989 5 ـ جناح خارج السرب ـ 1991 6 ـ نبعٌُ واحد لضفاف شتّى ـ 1999 7 ـ عُمرٌ واحد لا يكفي ـ 2004 8 ـ حارقُ البحر ـ نشر إلكتروني عن دار إنانا ـ 2008 ثم صدر عن دار اليمامة بتونس ـ 2013 9 ـ AL JAZIA ـ الجازية ـ بترجمة حمادي بالحاج ـ 2008 10 ـ ألوان على كلمات ـ بلوحات عثمان بَبّة وترجمته ـ طبعة خاصة ـ 2008 11 ـ حركات الشّعر الجديد بتونس ـ 2008 12ـ صفحات من كتاب الوجود ـ القصائد النثرية للشّابي ـ2009 13 ـ oxyde L’âme قصائد مختارة ترجمها عبد المجيد يوسف ـ2015 14ـ ديوان سُوف عبيد ـ عن دار الاِتحاد للنشر والتوزيع تونس2017