كتب صديقنا الشاعر والكاتب هادي دانيال المُقيم بتونس منذ أوائل سنوات الثمانينيات من القرن العشرين وهو متابع للحركة الأدبية التونسية عن كثب …كتب ما يلي على صفحته بالفايسبوك بتاريخ 6 اكتوبر 2014 ـ
في التسعيناتِ مِن القرن الماضي سألَتْني صديقة صينيّة كانت تعمل مراسلة لوكالة شينخوا فيتونس باستغراب خجول :
– لماذا التونسيون ينادوننا ساخرين “ياعْلالِش”؟
آلَمَتنِي نَبْرَةُ الألم في سؤالها ، وأجبتها بأنني لا أعرف.
ولكنني بَعْدَ تَفكُّر ، قلتُ لها : يبدو أنّهمُ يَرَونَ مَلامِحَ الصينيين مُتَشابِهَة كما تتشابه ملامِح “العلالِش” (العلالش جَمْع عَلّوش ، والعلّوش تعني باللهجة التونسية الخروف ).
فابتسَمَت حفيدة ماوتسي تونغ قائلة: ولكن حتى نَحن نرى ملامِحَ التونسيين مُتشابِهة ، ولكن لم يَخطر في بالنا أن نجرّدهم مِن بَشَريّتِهِم!.
تَذَكَّرْتُ هذه الحادثة اليوم وأنا أصْغِي إلى أحاديث شبابٍ وكُهُولٍ تونسيين مِحوَرها الوحيد التفاخُر بفنُون ذَبْحِ الخروف وسلْخِه وتقطيعِه ، وكيفيّة مَسْكِه مِن مَكانٍ مُحَدَّد في عُنُقِه ، وتكتيفِه من مقادمه الأماميّة والخلفيّة قبْلَ ذَبْحِه في غَمْرَة التكبيييير.
والأغرب تَواتُر المُلاحَظات بأنَّ عمليّة الذّبْح هذه قد تكون مِن أمْتَع لحظات عيد الأضْحى عندَهم.
وأشير هُنا إلى أنّ كلّ عائلة تونسية حتى لو كانت مِن زوج وزوجة فقط ، تقوم بشراء وذبْح خروف في عيد الأضحى ، ليس مِن أجْلِ التصدُّق بلحمه وعظامه على الفقراء ، فهذا نادراً ما يحدث إنما باتَ الأمْر تقليداً للتظاهُر التنافُسي الذي بات ظاهرة إجتماعيّة مَرَضيّة ليس إلاّ.لكنّ اللافت هُنا أنّ الذّبْح وتفاصيله وطقوسه القاسية بات عنصراً أساساً وخفيَّاً في البناء النفسيّ للتونسيّ .
وقد ذَهَبَ بي التأمُّل في هذا الأمْر إلى مُقارَبَةٍ مؤسِفَة عَن مَدى كونه مَرجعيّة لاختيار التونسيين المُنخرِطين في التنظيماتِ التكفيريّة الإرهابيّة كداعش وجبهة النصرة للقيامِ بعمليّةِ ذَبْحِ خُصُومِهم الذين لايتماهُونَ مَعهم في الإنتماء والهويّة، فلِماذا يتمّ اختيار التونسيّ دونَ غيْره لأداءِ هذا الدّور الأشدّ تَوَحُّشاً إن لم يكن التونسيّ التكفيريّ هُوَ مَن نافَسَ غيْرَه وافتكَّ منْه “شَرَفَ” أداء هذه المهمّة القَذِرَة . فالتونسيّ الذي يرى في الصينيّ المُختَلِف خروفاً، يَرى في الغير ، أي في مَن هو خارج انتمائه التكفيري حتى لوكانَ تونسيَّاً أو عربيا، مُجَرَّدَ “عَلّوشٍٍ” أيضاً وبالتالي يستَحْضر لذبحِهِ كلَّ مَهارات ذبح علّوش الأضحى ، نظراً لأنّه مِن مجتمَعٍ يُدَرِّبُ الشابَّ على ذَبْحِ “العلّوش” بالدَّوافِعِ القيَمِيّة والوظيفيّة التي تجعله يُدَرِّب الفتاة على طَهْو الكسكسي. وقد نُدركُ أكثرَ خطورةَ الأمْر وَظلاله الدّاكِنة وأبعادَه السيكولوجية العميقة في الوجدان الجمعي التونسي ، إذا استذكَرْنا التشبيهَ “الرومنسيّ” المُفْلِقَ في قوْلِ الراحل “صالح القرمادي” أيقونة اليسار التونسي والأستاذ الجامعي ورائد مايسمى “غير العمودي والحر” في الشّعْر التونسي ، في كُتَيّبهِ “الشعريّ” الموسوم ب”اللحمة الحيّة”مُخاطِباً حبيبَتَه:
“أحبّكِ
كما أحبّ كَتِفَ العلّوش
على الكُسْكُسِي”!.