قنديل باب المنارة…  وجلال المُخ

قنديل باب المنارة…  وجلال المُخ 

خمس مجموعات شعرية دفعة واحدة هديّة سَنيّة فاجأني بها صديقي الشّاعر والأديب جلال المخ وقد أصدرها أخيرا دُفعة واحدة كأنه يتحدّى أزمة النشر والتوزيع وأزمة القراءة ويقول للعالم ها أنا رغم كل هذه العوائق أنشر وأواصل الحضور وهذه الدواوين الخمسة الأخيرة هي :
ـ اُكتب ما أنا بكاتب
ـ كان ما كاد يكون
ـ من سفر التكوين
ـ البارحة بتّ بلا قصيد
ـ جراحي تسمع صوتي
جلال المخ يُعتبر من أغزر الأدباء التونسيين إنتاجًا إذ في رصيده أكثر من ثلاثين عنوانا شعرًا وقصةً ودراساتٍ وترجمةً باللغتين العربية والفرنسية وبهذه المناسبة أتساءل أين المتابعة الإعلامية وأين الدّراسات النقدية في الصحف والمجلات وأين الأطروحات الجامعية في مختلف الكليات التونسية التي من المفروض أن تهتمّ بالأدب التونسي وتواكب أدباءه الذين ترسخت مسيرتهم لتقف على خصائصهم وإضافاتهم ولكن مع الأسف كأن الدراسات النقدية والجامعية تدير ظهرها للأدب التونسي إلا بعض الاِستثناءات التي لا تجد متابعة ولا اِهتمامًا

فكيف لا تهتم كليات الآداب المنتشرة في البلاد بآثار أدباء تونسيين أفذاذ مثل محمد العروسي المطوي ومحمد المرزوقي ومنوّر صمادح و الميداني بن صالح ومُحي الدّين خريف ورضوان الكوني والطاهر الهمامي ومحمد المختار جنّات وعبد الله مالك القاسمي وعلالة حواشي حلاج البلاد وغيرهم من الذين فارقونا وأتمّوا مسيرتهم الأدبية هؤلاء وغيرهم لماذا لا نجد آثارهم في دروس تلك الكليّات وأطروحاتها وبحوثها في مختلف المستويات ناهيك عن الأدباء الأحياء الذين مضوا في مسيرتهم مسافات طويلة مثل حسن نصر وعز الدين المدني وحسونة المصباحي و محمد الحبيب الزناد وفضيلة الشابي وجميلة الماجري ومحمد علي اليوسفي ومنصف الوهايبي ومحمد الغزي وعلي دَب ومحمد رضا الكافي وبشير المشرقي ويوسف رزوقة ونافلة ذهب وحياة الرايس وبنت البحر ونجاة العدواني  وفوزية العلوي ومسعودة أبو بكر ومحمد عمار شعابنية وعبد المجيد يوسف ومراد العمدوني وسليم دولة وحافظ محفوظ وجلال المخ وسالم اللبان وصلاح الدين الحمادي وشمس الدين العوني وحسين القهواجي ومحمد الهتدي الجزيزي ومنير الوسلاتي وغيرهم كثير… ؟ الجواب بسيط إنّه يتمثّل في غياب اِستراتيجية الاِعنتزاز بالثقافة الوطنية عامة ومنها الاِعتزاز بإسهامات الأدباء التونسيين الذين يواجهون جبهتين كبيرتين متنفّذتين في الدّواليب الإعلامية والثقافية وفي التعليم بمختلف مستوياته فأمّا الجبهة الأولى فإنها تعتبر أن المشرق العربيّ هو الأصل الذي لا ينبغي للتونسيين أن يخرجوا عن فلكه كي يظلّوا دائما تابعين له فالأدب التونسي لدى أصحاب هذه النّظرة يعتبرونه هامشا وظلا للمشرق لا غير …أمّا الجبهة الثانية فإنّها تعتقد أن الغرب مُمثَّلا في الثقافة الفرنسية يجب أن يكون هو الوجهة وهو المثل الأعلى الذي لابدّ أن يُحتذى… والرّأي عندنا أنّ تونس تظل لا شرقية ولا غربية بالرّغم من أن تاريخها عرف حضارات عديدة متلاحقة والحقيقة الدّامغة أن التونسيين كان لهم دائما عبر التاريخ التميّز والإضافة في خضمّ هذه الحضارات بداية من رواية ـ الحمار الذهبي ـ لأبوليوس إلى ـ اِعترافات ـ أوغسطين في العصر الرّوماني إلى إسهامات اِبن رشيق وعلي الحصري واِبن خلدون وابن عرفة  قديما إلى تفرّد ـ تفسير التحرير والتنوير للشّيخ ابن عاشور ـ وديوان أغاني الحياة للشابي ـ وكتاب اِمراتنا في الشريعة والمجتمع للحداد ـ ورواية السّد وفصول حدّث أبو هريرة للمسعدي  ـ ورواية الدقلة في عراجينها ـ وغيرها من الإبداعات المتميّزة في العصر الحديث….ولكن ـ في بني عمّك رماح….وقنديل باب المنارة الذي لا يضيء إلا للغرباء….مثلما يقول المثل التونسي…
في هذه الأسلاك الشائكة تظهر الخمسة دواوين هذه التي جاءت كأنها سلسلة متشابهة الشكل واللّون والرسوم ممّا يجعلها تحفة فنّية بديعة حسنة الإخراح والتنسيق فبدأت بديوان ـ جراحي تسمع صوتي ـ التي اِستهلّها الشاعر بقصيدة ـ اِنتحار شياطين الشعر ـ فإذا القصيدة تبدو كأنها رحلة عجيبة في وادي عبقر من جرّاء اِقتفائه آثار السندباد ليخلص إلى أن الشعر الجديد المنتشر في هذا العصر لا يمتّ بصلة إلى الشعر الذي عرفته شياطين الشعر في وادي عبقر حيث يقول :
لا تنسبوا كلامكنّ إلى إلهامنا
جورا وباطلا
فنحن اِنقرضنا بعد عصور من العطاء
وهذا الزمن لم يعد زماننا
ولكن بقية القصائد في هذا الديوان أثبتت لي أن الشاعر جلال المخ نسيجُ وحده في ما قرأت له من قصائد بما فيها من شجون وجودية ضمّنها إيحاءات من مختلف الثقافات والسياقات لذلك تمنّيت أن تكون بعض الكلمات مشكولة شكلا تاما لتتيسّر قراءتُها أو عليها إحالة لشرحها على الهامش
إنّ مثل هذا الشّعر يتطلّب قارئا مُلمّا بكثير من المٌتون العربية والعالمية فليس سهلا أن تقرأ لجلال المخ الذي كتب فبه الأستاذ فتحي جوعو قائلا ـ  لشعر جلال المخّ مذاق خاص في أسلوبه و نبرة متميّزة تعكسه وتعبّر عن شخصه و قناعاته و هواجسه لكنها في نفس الوقت وبنفس الحدّة تعانق الإنسانية و تتبنّى قضاياها وهواجسها ومعاناتها فهو حين يكتب لا يكتب لذاته الفردية بل يكتب للإنسانية جمعاء…
لجلال المُخ قصيد بعنوان الوصيّة ورد في ديوانه ـ البارحة بتّ بلا قصيد ـ وهو من الدواوين الخمسة الأخيرة  وقد بدأه بقوله :
إن متّ يوما بينكم
وهل أموت يا ترى؟
فبالله عليكم
عند ذَرفكم دموع التماسيح
لا تقولوا : فارس من فرسان من فرسان الحرف ترجل
فكم أكره هذه العبارة
وكم أمجّية تكرارها البارد
الذي يرتطم بجدران الروتين
وأسوار التصنّع والعادة الجنائزية…
ـ جلال المخ ـ شاعر تونسي آخر يحتفي وحده بالرحيل قبل الأوان ….ويكتب وصية الوداع

حول سوف عبيد

* من مواليد موسم حصاد 1952 وسُجّل في دفتر شيخ المنطقة بتاريخ يوم 7 أوت 1952 ببئر الكرمة في بلد غُمراسن بالجنوب التونسي درس بالمدرسة الاِبتدائية بضاحية ـ مِقرين ـ تونس العاصمة سنة 1958 ـ بالمدرسة الابتدائية بغُمراسن سنة 1960 ـ بالمدرسة الابتدائية بنهج المغرب بتونس سنة1962 ـ بمعهد الصّادقية بتونس سنة 1964 ـ بمعهد اِبن شرف بتونس سنة 1969 * تخرّج من كلية اﻵداب بتونس بشهادة ـ أستاذية الآداب العربية ـ ثمّ في سنة 1976 بشهادة ـ الكفاءة في البحث ـ حول ـ تفسير الإمام اِبن عَرْفَة ـ سنة 1979 * باشر تدريس اللّغة العربية وآدابها بـ ـ معهد اِبن أبي الضّياف بمنّوبة ـ المعهد الثانوي ببوسالم ـ المعهد الثانوي بماطر ـ معهد فرحات حشاد برادس * بدأ النّشر منذ 1970 في الجرائد والمجلات : الصّباح ـ الملحق الثقافي لجريدة العمل ـ الصّدى ـ الفكر ـ ألِف ـ الحياة الثقافية ـ الموقف ـ الشّعب ـ الرأي ـ الأيام ـ الشّرق الأوسط ـ القدس,,,وبمواقع ـ دروب ـ إنانا ـ المثقّف ـ أنفاس ـ أوتار ـ ألف ـ قاب قوسين ـ … * شارك في النّوادي والنّدوات الثقافية بتونس وخارجها : ليبيا ـ الجزائر ـ المغرب ـ مصر ـ العربية السعودية ـ الأردن ـ سوريا ـ العراق ـ إسبانيا ـ فرنسا ـ إيطاليا ـ ألمانيا ـ بلجيكا ـ هولاندا ـ اليونان ـ * من مؤسسي نادي الشّعر بدار الثقافة ـ اِبن خلدون ـ بتونس سنة 1974 واِنضمّ إلى اِتّحاد الكتاب التونسيين سنة 1980 واُنْتُخِبَ في هيئته المديرة في دورة سنة 1990 أمينا عاما ثم في دورة سنة 2000 نائب رئيس فساهم في تنظيم مؤتمر اِتحاد الأدباء العرب ومهرجان الشعر العربي بتونس سنة 1991 وفي إصدار مجلة ـ المسار ـ وفي تأسيس فروعه وفي تنظيم الندوات والمهرجانات الأدبية وشارك في الهيئة الاِستشارية لمجلة الحياة الثقافية وأسّس منتدى أدب التلاميذ سنة 1990 الذي تواصل سنويا في كامل أنحاء البلاد إلى سنة 2010 ونظّم الملتقى الأوّل والثاني لأدباء الأنترنت بتونس سنتي 2009 و 2010 وأسس نادي الشعر ـ أبو القاسم الشابي ـ سنة 2012 وترأس جمعية ـ اِبن عرفة الثقافية ـ سنة 2013 و2014 وأسس جمعية مهرجان الياسمين برادس 2018 * صدر له 1 ـ الأرض عطشى ـ 1980 2 ـ نوّارة الملح ـ 1984 3 ـ اِمرأة الفُسيفساء ـ 1985 4 ـ صديد الرّوح ـ 1989 5 ـ جناح خارج السرب ـ 1991 6 ـ نبعٌُ واحد لضفاف شتّى ـ 1999 7 ـ عُمرٌ واحد لا يكفي ـ 2004 8 ـ حارقُ البحر ـ نشر إلكتروني عن دار إنانا ـ 2008 ثم صدر عن دار اليمامة بتونس ـ 2013 9 ـ AL JAZIA ـ الجازية ـ بترجمة حمادي بالحاج ـ 2008 10 ـ ألوان على كلمات ـ بلوحات عثمان بَبّة وترجمته ـ طبعة خاصة ـ 2008 11 ـ حركات الشّعر الجديد بتونس ـ 2008 12ـ صفحات من كتاب الوجود ـ القصائد النثرية للشّابي ـ2009 13 ـ oxyde L’âme قصائد مختارة ترجمها عبد المجيد يوسف ـ2015 14ـ ديوان سُوف عبيد ـ عن دار الاِتحاد للنشر والتوزيع تونس2017