السّبعُون…أو في بلاد الدّينصور


ـــــ السّبعُونأو في بلاد الدّينصور ــــــ

سَنةٌ فِي سَنةٍ يا سَنواتْ

هذه السّبعونَ لاحَت

كيفَ مرّتْ سنواتْ

ذكرياتِي تَتَوالَى

لحَظاتٍ لحظاتْ

لَكانّي الآنَ طفلٌ

تِلكَ أختِي

بعَرُوس منْ قُماش

أرْكَبَتْهَا هَوْدجًا عُودَ قَصَبْ

بأهازيج الغِناءْ

هَدْهَدَتْنِي

والصّدَى تِلْوَ الصّدى

شَقّ المَدى

زَغْرداتٌ زغرداتْ

***

سَنواتٌ سَنواتْ

غَارُنا والحَوْشُ رَحْبٌ

فِيهِ أُولَى الخَطواتْ

عَثَراتٌ عَثراتْ

كمْ سَقَطْنا

ونَهَضْنا

وَسَقَطْنَا

فَوَقَفْنا

ثمّ سِرْنا

فأمامٌ

وأمامٌوأمامْ

وعَلى الشّوْكِ القَدَمْ

أوْ حُفَرْ

لا نُبالي بالخَطرْ

وعَلى حَادِّ الصُخُورْ

كمْ حُفاةً قد جَريْنا

وإذا الأقدَامُ سَالتْ بالدّماءْ

فَبِشِيح وَبِرَمْلٍ نَتَداوَى

مِن أعَال كمْ قَفزْنا

فاِنخَدَشْنا واِنكسَرْنا واِنجَبَرْنا

وأعَدْنا القَفزَ دَوْمًا

بسُرورْ

كمْ قَطَعْناهَا البَرارِي

وسَلَكْنَاهَا البَوادي

في دُروبٍ ودُروب

وتَسلّقنا الجِبال

فَعَجِبْنَا مِنْ رُسُوم 

لغَزالٍ

وَلِفِيلٍ

فِي كُهُوفٍ ومَغَاور

وعَجِبْنا

مِنْ خُطُوطِ ونُقُوشٍ

لأيَائِلْ

بقُرُونٍ مِثْلَ أغْصَانِ الشّجَرْ

وَلِصَيّادٍ بِسَهْم وَرِمَاح

بَيْنَ عُشْبٍ يَتَخَفّى

وَعَجِبْنَا مِنْ رِجَالٍ ونِسَاءٍ

كالعُرَاةِ

فَضَحِكْنا

مَا عَلِمْنا وَقْتذَاكَ

أنّ عَصرًا منْ زَمانٍ قد مَضَى

كانَقَدْ كانَ اِخْضِرَارًا

وَبِغَابَاتٍ تَوالتْ فِي المَدَى

وشِعَابٍ سَامِقَاتٍ

وسُيُولٍ كَالْعَرَمْرَمْ

ثُمّ جَفّتْ

يَا جَنُوبًا صَار قَفْرًا فِي قِفَار

مَا عَلِمْنَا وَقْتذاكْ

أنّ فِي هَذا الجنُوب

كانَ عاشَ الدّينَصُورْ

مُنذُ أحْقابِ الزّمَانْ

فخُطَانَا ـ يَا عَجَبًا ـ

وَطَأَتْ أو شَابَهتْ مِنهُ الخُطَى

كمْ عُصُورٍ قَدْ تَوالتْ وعُصُورْ

يَا زمانًا قدْ مَضَى

سَنواتٍ سَنواتْ

***

سَنواتٌ سنواتْ

بِئْرُنا والدّلوُ فيهَا

فِي نُزُول وصُعُود

والثّقُوبُ

قَطراتٌ قطراتْ

كَمْ سَقَيْنا مِنْ شِياهٍ في الْحِياضِ

وَحَلَبْنا بالأيَادِي

لَبَنًا مِثلَهُ شَهْدُ

كمْ مَلأنا مِنْ دِلاءٍ للرُّعَاةْ

ثمّ سَارُوا فِي الفَيافِي

بِسَوِيقٍ وتُمُور

في المَخالِي

مِزْوَدُ المَاءِ رفيقٌ والسَّراب

***

سَنواتٌ سَنواتْ

كمْ كِلابٍ نَهشَتْنا

كمْ أفَاعٍ لَدَغتنا

فَشُفِينا ونَسِينا

سَنواتٌ سنواتْ

كَمْ عَجَنّا الطّين خَيْلا صَافِناتْ

عَادياتِ ضَابِحَاتْ

وعَلى الكُثبان راحَتْ

سَابقَاتْ

فَإذا كلّتْ أَرَحْنا

وجَلسْنا في الظّلالِ

لا نُبالِي

كمْ شَدَدْنا من حِبَالٍ

لِلْأراجيحِ صباحًا

أوْ مَساء

فَترَانا فِي الأعَالِي

بينَ أغصانٍ وريحْ

لكَأنّا قَدْ صَعِدْنا بجَناح وجناح

فِي الفَضاءْ

***

سَنواتٌ سنواتْ

كمْ بَنيْنا من صُخُور عَرباتْ

بسُقُوفٍ مِنْ جَريد

مِقْودٌ كانَ خَشبْ

والفَرامِيلُ عُلَبْ

كمْ بِلادٍ وبلادٍ أوْصَلتْنا

طُرقاتٌ طرقاتْ

وتَدُورُ العَجلاتْ

دَوَرانَ السّنواتْ

***

سَنواتٌ سنواتْ

سَنةٌ في سنةٍ حتّى بَلغتُ السّادسة

ذاكَ فَجرٌ

لاحَ نُورًا وجهُ أمّي 

مِثلَ شَمسٍ في شُروق 

رَجُلًا أصبحتَ قالتْ

كُنْ كذئبٍ عندمَا تلْقَى الذّئابْ

جَمَلًا كُنْ عندمَا تلْقَى الصِّعابْ

وَرَنَتْ لي مِنْ بَعيدْ

في اِلْتِيَاعْ

تلكَ أمّي

دَمَعَاتٍ كَفْكَفَتْهَا

لَمَعتْ مثلَ اللآلي

وأشَارتْ بالوَدَاعْ

لَكأنّي بعدَ أمّي

سِرْتُ وحْدِي في ضَياعْ

***

سَنواتُ سَنواتْ

كَم زَهَوْنا في نَجاح هَانئِينْ

وضَحِكْنا

ضَحَكاتٍ ضَحَكاتْ

كمْ رَسَبْنا في اِمتحان

آهِ من دَرس الحِسابْ

فَمَعَ الصّفْر العقابْ

يا عَصَا رُدّي صِبانا

وأعِيديهِ الزّمان

لا نُبالي

رغمَ وَجْعِ الضّرباتْ

ضَربَاتٍ ضَربَاتْ

***

سَنواتٌ سنواتْ

قدْ مَشَيْنا 

طرقاتٍ طرقاتْ

وتَعِبْنااِسترحْنا

اِنتصَرْنااِنهَزمْنا

وبَكَيْنا الحَسَراتْ

دَمَعَاتٍ دَمعاتْ

ورَسَمْنا

وَمَحَوْنَا

مَا اِرْتكبْنا في الزّوَايا

مِنْ خَطايَا

وطوَيْنا الصّفحاتْ

ذِكرياتٍ ذكريات

***

أبْصَرَتْني صَفحَةُ المِرآةِ ضَاءَتْ

فَاجَأتْني بمَشِيبِي

لا أبَالِي

كُلُّ شَيْباتِي قَصَائد

وحَكايَا

واِنتِظارْ

فَاكتُبِِيهَا واُنشُريهَا يا مَرايَا

فِي مَحَطّات القِطار 

فَحَياتِي كَكِتابٍ

بسُطور مِنْ سَحابٍ

هَطلتْ أمطارَ حِبرٍ

صَارَ بَحْرًا

فَكتبْتُ الكلِمَاتْ

دمعاتٍدمعاتْ

إنّمَا العُمرُ حِكايهْ

بِبدَايهْ

ونِهَايهْ

هَذهِ السّبعُونَ حَلّتْ

فَبِطُولٍ وبعَرْض قَدْ مَلأنَا الصَّفحاتْ

صَفحاتٍ صَفحاتْ

كيفَ مَرّتْ سَنواتْ ؟

ذِكرياتٌ ذِكرياتْ

وأعُدُّ السّنواتْ

سَنواتٍ

سَنواتِ

سَنواتْ

حول سوف عبيد

* من مواليد موسم حصاد 1952 وسُجّل في دفتر شيخ المنطقة بتاريخ يوم 7 أوت 1952 ببئر الكرمة في بلد غُمراسن بالجنوب التونسي درس بالمدرسة الاِبتدائية بضاحية ـ مِقرين ـ تونس العاصمة سنة 1958 ـ بالمدرسة الابتدائية بغُمراسن سنة 1960 ـ بالمدرسة الابتدائية بنهج المغرب بتونس سنة1962 ـ بمعهد الصّادقية بتونس سنة 1964 ـ بمعهد اِبن شرف بتونس سنة 1969 * تخرّج من كلية اﻵداب بتونس بشهادة ـ أستاذية الآداب العربية ـ ثمّ في سنة 1976 بشهادة ـ الكفاءة في البحث ـ حول ـ تفسير الإمام اِبن عَرْفَة ـ سنة 1979 * باشر تدريس اللّغة العربية وآدابها بـ ـ معهد اِبن أبي الضّياف بمنّوبة ـ المعهد الثانوي ببوسالم ـ المعهد الثانوي بماطر ـ معهد فرحات حشاد برادس * بدأ النّشر منذ 1970 في الجرائد والمجلات : الصّباح ـ الملحق الثقافي لجريدة العمل ـ الصّدى ـ الفكر ـ ألِف ـ الحياة الثقافية ـ الموقف ـ الشّعب ـ الرأي ـ الأيام ـ الشّرق الأوسط ـ القدس,,,وبمواقع ـ دروب ـ إنانا ـ المثقّف ـ أنفاس ـ أوتار ـ ألف ـ قاب قوسين ـ … * شارك في النّوادي والنّدوات الثقافية بتونس وخارجها : ليبيا ـ الجزائر ـ المغرب ـ مصر ـ العربية السعودية ـ الأردن ـ سوريا ـ العراق ـ إسبانيا ـ فرنسا ـ إيطاليا ـ ألمانيا ـ بلجيكا ـ هولاندا ـ اليونان ـ * من مؤسسي نادي الشّعر بدار الثقافة ـ اِبن خلدون ـ بتونس سنة 1974 واِنضمّ إلى اِتّحاد الكتاب التونسيين سنة 1980 واُنْتُخِبَ في هيئته المديرة في دورة سنة 1990 أمينا عاما ثم في دورة سنة 2000 نائب رئيس فساهم في تنظيم مؤتمر اِتحاد الأدباء العرب ومهرجان الشعر العربي بتونس سنة 1991 وفي إصدار مجلة ـ المسار ـ وفي تأسيس فروعه وفي تنظيم الندوات والمهرجانات الأدبية وشارك في الهيئة الاِستشارية لمجلة الحياة الثقافية وأسّس منتدى أدب التلاميذ سنة 1990 الذي تواصل سنويا في كامل أنحاء البلاد إلى سنة 2010 ونظّم الملتقى الأوّل والثاني لأدباء الأنترنت بتونس سنتي 2009 و 2010 وأسس نادي الشعر ـ أبو القاسم الشابي ـ سنة 2012 وترأس جمعية ـ اِبن عرفة الثقافية ـ سنة 2013 و2014 وأسس جمعية مهرجان الياسمين برادس 2018 * صدر له 1 ـ الأرض عطشى ـ 1980 2 ـ نوّارة الملح ـ 1984 3 ـ اِمرأة الفُسيفساء ـ 1985 4 ـ صديد الرّوح ـ 1989 5 ـ جناح خارج السرب ـ 1991 6 ـ نبعٌُ واحد لضفاف شتّى ـ 1999 7 ـ عُمرٌ واحد لا يكفي ـ 2004 8 ـ حارقُ البحر ـ نشر إلكتروني عن دار إنانا ـ 2008 ثم صدر عن دار اليمامة بتونس ـ 2013 9 ـ AL JAZIA ـ الجازية ـ بترجمة حمادي بالحاج ـ 2008 10 ـ ألوان على كلمات ـ بلوحات عثمان بَبّة وترجمته ـ طبعة خاصة ـ 2008 11 ـ حركات الشّعر الجديد بتونس ـ 2008 12ـ صفحات من كتاب الوجود ـ القصائد النثرية للشّابي ـ2009 13 ـ oxyde L’âme قصائد مختارة ترجمها عبد المجيد يوسف ـ2015 14ـ ديوان سُوف عبيد ـ عن دار الاِتحاد للنشر والتوزيع تونس2017