آخرُ ما قرأت ـ 1 ـ

آخرُ ما قرأت ـ 1 ـ

ـ 1 ـ

بلَوريات ـ مجموعة شعرية جديدة للشّاعر والقصّاص محمد بن جماعة الذي يواصل نحت بصماته ويجعل من البساطة في شعره أغوارا عميقة وأبعادا لا متناهية فينطلق من العادي المتداول والمُعاش ليجعل منه حقولا خصبة من الدلالات والرموز كقوله

في المدرسة وأنا طفل فقير

مسكتْ بيدي صديقتي الثريّة

أخذتني إلى دكان قريب

اشترت لي هلكة ـ الفيل ـ

صُمت بعدها عن الطعام

لحلاوتها

وكذلك خين نقرأ قوله

في المقهى

يجلس مراهق

يرتشف قهوته

يستلّ رجولته من جمرة السيجارة

ولأن الواقع الجديد يما فيه من مستحدثات أضخت ملازمة لحياتنا اليومية فقد تأثر الشاعر بها وجعلها من أهم العناصر في صُوره الشعرية حيث يقول مثلا

أنا لست أنا

أناكائن فايس بوكي

أداعب فأرة

أنْستني ملمسَ يديكِ

فكم هي بليغة هذه الصورة التي جعغل فيها الشاعر الإنسان المعاصر يفقد بعده الإنساني الإصيل ويصبح متفاعلا إلى أبعد الحدود مع الآلة..,هذه إدانة صارخة للواقع الجديد الذي أصبحنا نحيا فيه ربما بشعور كائن آخر غريب يشبه كل شيء إلا الإنسان…

ـ 2 ـ

جنازة سماوبة ـ للروائيّة الصينية ـ شينران ـ وهي من مواليد 1958 وهاجرت إلى لندن بعد أن عملت سنواتٍ عديدةً مُقدِّمةَ برامجَ اِجتماعيةٍ في الإذاعة الصينية وقد ترجم هذه الرواية من الفرنسية الأديب عبد المجيد يوسف والرواية بطلتها زوجةٌ شابة تمضي في رحلة إلى بلاد التّبت لتبحث عن زوجها الذي انقطعت الصلات به في وقائع غزو الصين لبلاد التبت تلك البلاد التي تعتبر سقف العالم فتمضي الكاتبة في تصوير معاناة الناس والتأكيد على تحدياتهم للطبيعة الشّرسة وما ألطفها بالنسبة للمآسي التي سردتها

والقصة في أبعادها هي اِنتصار للقيم الإنسانية الخالدة وإدانة للأنظمة التسلطية التي تستمد قهرها للشعوب من خلال المفاهيم التي رسختها عصور الجهل فالمرأة الصينية في الأرياف مازالت تعتقد ان زوجها بمثابة الإلاه وقد أكدت ذلك الكاتبة شينران في إجابتها عن هذا السؤال ـ  كانت الصينيات يعتقدن – ولا زلن يعتقدن في الريف – أن أزواجهن آلهة. هل لاحظتِ تغيراً كبيراً بين وضع المرأة الصينية حين كنتِ تقدمين برنامجك الإذاعي ووضعها الحالي في المجتمع؟

فأجابت شينران قائلة : الصين بلد مترامية الأنحاء، تقريباً في حجم أوروبا بأكملها، وهناك فجوة عظيمة بين المد والأرياف. لذا تختلف توجهات الصينيات وفقاً لموقعهن أو حتى الجيل الذي ينتمين إليه. وفي الأغلب لا تختلف رؤية ساكنات المدن للحياة عمّن يعشن في الغرب لأنهن حصلن على قدر من التعليم. ولكن الريفيات الفقيرات لا زلن يعشن بالمعتقدات والتصرفات التقليدية ذاتها التي اِعتنقتها الأجيال السابقة.

إنها رواية جديرة بالقراءة لأنها نافذة نطل منها على منطقة نائية من العالم لا نعرف عنها الكثير

ـ 3 ـ

عشق واحد ـ للشّاعرة التونسية فريدة صغروني وقد نشرت هذا الإصدار الأول باِعتباره باكورة نصوصها التي تتراوح من التعبير عن الوجدان الذاتي المكلوم إلى تصوير بعض المظاهر الاِجتماعية بما فيها من معاناة ومظالم ونقرأ أيضا نصوصا شعرية ترصد بألم الأوضاع العريية المترديّة وتستبطن التاريخ فتستحضر بعض الرموز الوضاءة في تراثنا الزاهر

إنّ قصائد البوح في هذه المجموعة بادية بوضوح من خلال المقدمة إذْ تنطلق من تجربة ذاتية مأساوية فاَكتسبت قيمة الشهادة من ناحية وحقّقت بكتابتها ملاذا من ناحية أخرى فالشّعر يمكن أن يكون إذن تعويضا وسندا عمّا نفقده أو عمّا نحلم به ومن هذه الزاوية يمكن أن تمثّل الكتابة بَلسمًا وراحةً نفسية يستعيد بها صاحبها توازنه ليواصل الحياة حيث تقول من البدء

لم أقرّر في يوم أن أكون شاعرة

ولم أكن أنوي قطّ أن أكون كذلك

ولكنّ القدر بجبروته وبقدريّة قدرته

بسخرية لعبته وبحكمته

هو من قرّر ذلك

فكتبت عن عشقي

الموت والحياة

الحب والثورة والغضب

عن القدر والزمان

الطفولة والمرأة والإنسان

الليل والصبح والشجر

وقد قدّم لهذا الكتاب الشّعري الأديب الدكتور منوّر نصري فلاحظ أن البُعد التربويّ البيداغوجيّ ظاهر بجلاء في كثير من النصوص بالإضافة إلى الاِهتمام الجليّ بالهواجس الوطنية والعربية وفي المقدّمة إلماحات نقدية مهمّة مثل تساؤله الطريف عن الفرق بين طريقة قراءة الشعر والنثر وكذلك كيف يمكن لنا التمييز بين النصوص السردية والنصوص الشعرية عندما تغيب المميزات الشكلية من وزن وقافية وإيقاع .

والكتاب الشعريّ ـ عشق واحد ـ لفريدة صغروني قد جمع أنواعا مختلفة من أشكال النصوص الأدبية ولعلها بذلك قد هتكت الحواجز الشكلية في سبيل التعبير عن وجدانها االعارم في خضمّ ما لاقته من مِحن فكانت الكلمات لها زورق النجاةأوَليس الأدب مأساة أو لا يكون !

ومن النصوص الشعرية المتميّزة التي قرأتها ـ صاحبة العجلة ـ الذي تقول فيه

ليست صاخة العجلهْ

من أمرها على عجلهْ

ها أنا أمامكم من أدفع العربهْ

ذات العجلهْ

فتنتصر  الشاعرة  فيه للمرأة الكادحة وإلى قيم العمل والكرامة مع إدانة واضحة للمجتمع الذي تخاطبه قائلة

يكاد ينكسر من همّه

من ظلمه ظهري

ولكن هِمّتي حصينة عن القهر

وكبريائي

منيعة عن الكسر

عصيّة انا على دهري

فأنا لست منك يا شعبي !

ليست الشاعرة فريدة صغروني الأولى والوحيدة التي ثارت على شعبها فقد سبقها أبو القاسم الشابي في ذلك منذ عشرات السنين في قصيدة ـ النّبي المجهول ـ

حول سوف عبيد

* من مواليد موسم حصاد 1952 وسُجّل في دفتر شيخ المنطقة بتاريخ يوم 7 أوت 1952 ببئر الكرمة في بلد غُمراسن بالجنوب التونسي درس بالمدرسة الاِبتدائية بضاحية ـ مِقرين ـ تونس العاصمة سنة 1958 ـ بالمدرسة الابتدائية بغُمراسن سنة 1960 ـ بالمدرسة الابتدائية بنهج المغرب بتونس سنة1962 ـ بمعهد الصّادقية بتونس سنة 1964 ـ بمعهد اِبن شرف بتونس سنة 1969 * تخرّج من كلية اﻵداب بتونس بشهادة ـ أستاذية الآداب العربية ـ ثمّ في سنة 1976 بشهادة ـ الكفاءة في البحث ـ حول ـ تفسير الإمام اِبن عَرْفَة ـ سنة 1979 * باشر تدريس اللّغة العربية وآدابها بـ ـ معهد اِبن أبي الضّياف بمنّوبة ـ المعهد الثانوي ببوسالم ـ المعهد الثانوي بماطر ـ معهد فرحات حشاد برادس * بدأ النّشر منذ 1970 في الجرائد والمجلات : الصّباح ـ الملحق الثقافي لجريدة العمل ـ الصّدى ـ الفكر ـ ألِف ـ الحياة الثقافية ـ الموقف ـ الشّعب ـ الرأي ـ الأيام ـ الشّرق الأوسط ـ القدس,,,وبمواقع ـ دروب ـ إنانا ـ المثقّف ـ أنفاس ـ أوتار ـ ألف ـ قاب قوسين ـ … * شارك في النّوادي والنّدوات الثقافية بتونس وخارجها : ليبيا ـ الجزائر ـ المغرب ـ مصر ـ العربية السعودية ـ الأردن ـ سوريا ـ العراق ـ إسبانيا ـ فرنسا ـ إيطاليا ـ ألمانيا ـ بلجيكا ـ هولاندا ـ اليونان ـ * من مؤسسي نادي الشّعر بدار الثقافة ـ اِبن خلدون ـ بتونس سنة 1974 واِنضمّ إلى اِتّحاد الكتاب التونسيين سنة 1980 واُنْتُخِبَ في هيئته المديرة في دورة سنة 1990 أمينا عاما ثم في دورة سنة 2000 نائب رئيس فساهم في تنظيم مؤتمر اِتحاد الأدباء العرب ومهرجان الشعر العربي بتونس سنة 1991 وفي إصدار مجلة ـ المسار ـ وفي تأسيس فروعه وفي تنظيم الندوات والمهرجانات الأدبية وشارك في الهيئة الاِستشارية لمجلة الحياة الثقافية وأسّس منتدى أدب التلاميذ سنة 1990 الذي تواصل سنويا في كامل أنحاء البلاد إلى سنة 2010 ونظّم الملتقى الأوّل والثاني لأدباء الأنترنت بتونس سنتي 2009 و 2010 وأسس نادي الشعر ـ أبو القاسم الشابي ـ سنة 2012 وترأس جمعية ـ اِبن عرفة الثقافية ـ سنة 2013 و2014 وأسس جمعية مهرجان الياسمين برادس 2018 * صدر له 1 ـ الأرض عطشى ـ 1980 2 ـ نوّارة الملح ـ 1984 3 ـ اِمرأة الفُسيفساء ـ 1985 4 ـ صديد الرّوح ـ 1989 5 ـ جناح خارج السرب ـ 1991 6 ـ نبعٌُ واحد لضفاف شتّى ـ 1999 7 ـ عُمرٌ واحد لا يكفي ـ 2004 8 ـ حارقُ البحر ـ نشر إلكتروني عن دار إنانا ـ 2008 ثم صدر عن دار اليمامة بتونس ـ 2013 9 ـ AL JAZIA ـ الجازية ـ بترجمة حمادي بالحاج ـ 2008 10 ـ ألوان على كلمات ـ بلوحات عثمان بَبّة وترجمته ـ طبعة خاصة ـ 2008 11 ـ حركات الشّعر الجديد بتونس ـ 2008 12ـ صفحات من كتاب الوجود ـ القصائد النثرية للشّابي ـ2009 13 ـ oxyde L’âme قصائد مختارة ترجمها عبد المجيد يوسف ـ2015 14ـ ديوان سُوف عبيد ـ عن دار الاِتحاد للنشر والتوزيع تونس2017