أحلام الأسفار
أنا أعتقد جازما أنّ الرسم كان من اِستنباط المرأة زمن العصور الأولى من التاريخ فعندما كان الرّجل يذهب للصّيد ولقطف الثّمار بعيدا عن المغاور فإنّ المرأة التي تظل فيها كانت ترسم الحيوانات التي مضى القوم لصيدها من غزلان وأيائل وبقر وحشيّ وغيرها كتلك الرسوم التي كنا نراها في كهوف شعاب ـ غمراسن ـ بالجنوب التونسي وأجزم أيضا بالنسبة للشعر أنّ أول ما فيل منه كان على لسان اِمرأة ودليلي في ذلك أنّني كنتُ أسمع أمّي وهي تغنّي بينما كنت أتوسّد رُكبتها وهي ترحي القمح والشّعير برحى الصوّان…
تلك أحلامي كانت تتراءى لي وأنا أتنقّل متأمّلا بين لوحات الفنّانة التشكيلية والشّاعرة
رجاء محجوب نقاس ـ إيدلويس ـ المعروضة بنادي الطاهر الحداد في يوم بارد ممطر شتائي باِمتياز فإذا بالألوان المُشرقة الزّاهية التي على اللّوحات تبعث في الوجدان البهجة والاِنشراح فهي تحتفل بالمرأة اِحتفالا بهيّا ففي كل لوحة تجدها بشعرها االأسود لطويل المُرسَل مرّة جدائل متهدّلة ومرّة خصلات مرفرفة ومرة كخيوط الشّمس لكأن الرسّامة تؤكّد على اِمراة واحدة ولكن في حالات مختلفة ولعل لوحة الأربع نساء الواقفات بجانب بعضن في اللون الأزرق والوردي والأسود والأبيض ويبدو خلفهنّ رجل غير واضح الملامح هذه اللوحة قابلة لقراءات عديدة فمثلا يمكن أن ترمز للفصول الأربعة أو لتغيّر نفسية المرأة ولمراجها أو لعلّها تعبّر عن تنوّع الحالة لدى الإنسان بصفة عامة كما يمكن أن ترمز للتغيّر والتبدّل والتنوّع والتعدّد عامة وذلك هو سرّ جمال هذه اللوحة وأما إذا أدخلنا في الحُسبان ملامح الرجل الواقف من الخلف فسيذهب بنا التحليل إلى مجالات أخرى من الإيحاءات فالاِحتفال بالمرأة واضح وجليّ في أغلب اللوحات ومن بينها لوحة القُبلة ـ هكذا أسمّيها ـ وفيها أرهار متناثرة حمراء من ـ شقائق النعمان ـ على بساط من العشب الأخضر اليانع وفي أعلى اللوحة مثل بياض زهرة اللوز وفي وسط هذه الألوان الزاهية المشرقة عناقٌ وقبلةٌ بين حبيبين وطبعا الحبيبةُ خصلاتُ شعراها مرفرفةٌ حتى تكاد تتّصل بأغصان شجرة اللوز مما يجعل من اللوحة سنفونيةً من الحبّ والجمال والاِنسجام …كذلك الفنّ او لا يكون…!
* سُــوف عـبـيــد