في مقهى المِرعِي

******** في مقهى المِرعي ********
هو مقهى صغير بل صغير جدا يعترضك وأنت صاعد أو نازل في نهج جامع الزيتونة بمدينة تونس العتيقة وفيه تتذوّق نكهة الشاي الأخضر بالنعناع أو فنجان قهوة بسكّر زائد أو بقليل السكّر… في هذا المقهى كنت أجلس وأنا تلميذ في الصادقية ثمّ وأنا تلميذ في معهد ابن شرف ثم وأنا طالب في كلية الأداب بالقصبة ….لي في هذا المقهى ذكريات لاتنسى حيث كنت أجلس فيه أيضا لنيل قسط من الراحة عندما كنت أحلس على مدى عشرات السنين للمطالعة والبحث في رحاب دار الكتب الوطنية التي كانت بسوق العطارين واليوم مررت بها عندما فاجأني المطر فقلت لا بأس من تناول كأس شاي أخضر مُنعنع فجلست حِذو شيخ جليل من زمان كنت أصادفه يسير الهُوينى في زيّه التونسي الأصيل من الشاشية الحمراء إلى لحفته البيضاء التي يتعمّم بها إلى جبته وبرنسه وبلغته وعكازه مع قفّته البيضاء فقلت هذه مصادفة ثمينة لأعرف هذا الشيخ وما كدت أستوي إلى جانبه حتى بادرني بالترحاب

وسُرعان ما جرى الحديث بيننا بسلاسة بعد أن أبديت له تقديري ومعرفتي له منذ سنوات عديدة وإعحابي باِلْتزامه بلباس زيّه التونسي الأصيل وإعجابي بمُحافظته على السّير حيث كنت ألقاه واثق الخُطى في كل الفصول مهما كان الطقس فبدا على أسارير وجهه السّرور والاِبتهاج وهذا ما شجّعني على الاِستزادة من حديثه فعرفت أنه جاوز التسعين وأنه من أهالي مدينة ـ كسرى ـ وسألني حينذاك ـ كالمُمتحن ـ عن موقعها وهل أعرفها ؟ فنزل سؤاله عليّ بردا وسلاما فقلت له ـ عجبا يا حاج من لا يعرف كسرى لا يعرف تونس ! ـ وكأني أردت تأكيد معرفتي إيّاها قلت له ـ يا حسرتاه على كسرى القديمة العالية حيث المدرسة الاِبتدائية التي تقع على يسار الطريق وأمامها يوجد منزل ـ عم عمّار العمايري رحمه الله ـ والد صديقي محمد على العمايري وهو من أعزّ أصدقائي وقد تذوّقت مرات عديدة تين سانيته اللذيذ …عندئذ هَشّ سي الحاج وبَشّ وقال أنا درست في تلك المدرسة التي تأسّست سنة 1926 وعائلة العمايري تنتمي إلى نفس العرش الذي أنتمي إليه ثمّ مضى سيدي الحاج يسرد مسيرته الدراسية التي بدأها بحفظ جزء كبير من القرآن الكريم ثم درس الاِبتدائي في تلك المدرسة غير أن اِمتحان الشهادة الاِبتدائية أجراه في مدينة الكاف ثمّ اِلتحق بالعاصمة لمواصلة تعليمه الثانوي وبعد تخرّجه من مدرسة ترشيح المعلّمين قضّى سنوات في التدريس ثم اِلتحق للعمل بإدارة سكّة الحديد فشيخنا إذن متقاعد منذ أكثر من ثلاثين سنة وعرف في مختلف أطوار حياته أغلب جهات البلاد بمُدنها وقُراها فيحدّثك عنها مدينة مدينة وقرية وقرية حتى عن مختلف خصائص أهلها في العادات والتقاليد ناهيك عمّا تمتاز به تاريخيا وجغرافيا بما في ذلك النواحي الاقتصادية والعمرانية بالإضافة إلى أهم طبائع أهلها

إن الجلوس إلى هذا الشيخ ـ مَتّعه الله بالصحة والعافية وطول العمر ـ مُتعة وإفادة فهو كتاب تونسي مفتوح عندما تُنصت إليه ساعة من الزمن خير من الجلوس إلى بعض أدعياء الأدب والثقافة وهم يخوضون في أمور الجوائز والتكريمات والدّعوات…
** إضافة
قرأ صديقي الأستاذ محسن العوني هذا النص فأرسل لي تعليقه مشكورا :
شكرا عزيزي الأستاذ سوف ..مقالك ممتاز و مداد قلمك صدق وأصالة واحتفاء بهما وابتعاد عن الافتعال والتصنّع .. هذا الشيخ الجليل صديقي وهو من سكّان الزهراء واسمه الحبيب خلف الله وأعرف أولاده (أحدهم معلّم واسمه شوقي)..وتلك طريقته في الحديث سؤال واختبار و وسبر للأغوار ونباهة.. فإذا وجد محاورا مميزا مثلك لم يتردد في فتح مغارة علي بابا ..ذكريات ومواقف وخبرات و..و..كنت أجالسه ذات صباح في مقهى آدم المقابل للعمارة التي بناها أولاده عمارة خلف الله ولاحظ قطرة عرق تنحدر من جبيني في ذلك الصباح الربيعيّ الحار فما كان منه الا أن أمسك طرف حرامه الأبيض النظيف وطفق يمسج جبيني في حركة عفوية طافحة بسخاء الروح ..أراك تُحسن انتقاء أصدقائك وأرانا نملك أصدقاء مشتركين من غير أن ندرك لأن مقاييسنا في اختيارهم واحدة : الأصالة والصدق .

حول سوف عبيد

* من مواليد موسم حصاد 1952 وسُجّل في دفتر شيخ المنطقة بتاريخ يوم 7 أوت 1952 ببئر الكرمة في بلد غُمراسن بالجنوب التونسي درس بالمدرسة الاِبتدائية بضاحية ـ مِقرين ـ تونس العاصمة سنة 1958 ـ بالمدرسة الابتدائية بغُمراسن سنة 1960 ـ بالمدرسة الابتدائية بنهج المغرب بتونس سنة1962 ـ بمعهد الصّادقية بتونس سنة 1964 ـ بمعهد اِبن شرف بتونس سنة 1969 * تخرّج من كلية اﻵداب بتونس بشهادة ـ أستاذية الآداب العربية ـ ثمّ في سنة 1976 بشهادة ـ الكفاءة في البحث ـ حول ـ تفسير الإمام اِبن عَرْفَة ـ سنة 1979 * باشر تدريس اللّغة العربية وآدابها بـ ـ معهد اِبن أبي الضّياف بمنّوبة ـ المعهد الثانوي ببوسالم ـ المعهد الثانوي بماطر ـ معهد فرحات حشاد برادس * بدأ النّشر منذ 1970 في الجرائد والمجلات : الصّباح ـ الملحق الثقافي لجريدة العمل ـ الصّدى ـ الفكر ـ ألِف ـ الحياة الثقافية ـ الموقف ـ الشّعب ـ الرأي ـ الأيام ـ الشّرق الأوسط ـ القدس,,,وبمواقع ـ دروب ـ إنانا ـ المثقّف ـ أنفاس ـ أوتار ـ ألف ـ قاب قوسين ـ … * شارك في النّوادي والنّدوات الثقافية بتونس وخارجها : ليبيا ـ الجزائر ـ المغرب ـ مصر ـ العربية السعودية ـ الأردن ـ سوريا ـ العراق ـ إسبانيا ـ فرنسا ـ إيطاليا ـ ألمانيا ـ بلجيكا ـ هولاندا ـ اليونان ـ * من مؤسسي نادي الشّعر بدار الثقافة ـ اِبن خلدون ـ بتونس سنة 1974 واِنضمّ إلى اِتّحاد الكتاب التونسيين سنة 1980 واُنْتُخِبَ في هيئته المديرة في دورة سنة 1990 أمينا عاما ثم في دورة سنة 2000 نائب رئيس فساهم في تنظيم مؤتمر اِتحاد الأدباء العرب ومهرجان الشعر العربي بتونس سنة 1991 وفي إصدار مجلة ـ المسار ـ وفي تأسيس فروعه وفي تنظيم الندوات والمهرجانات الأدبية وشارك في الهيئة الاِستشارية لمجلة الحياة الثقافية وأسّس منتدى أدب التلاميذ سنة 1990 الذي تواصل سنويا في كامل أنحاء البلاد إلى سنة 2010 ونظّم الملتقى الأوّل والثاني لأدباء الأنترنت بتونس سنتي 2009 و 2010 وأسس نادي الشعر ـ أبو القاسم الشابي ـ سنة 2012 وترأس جمعية ـ اِبن عرفة الثقافية ـ سنة 2013 و2014 وأسس جمعية مهرجان الياسمين برادس 2018 * صدر له 1 ـ الأرض عطشى ـ 1980 2 ـ نوّارة الملح ـ 1984 3 ـ اِمرأة الفُسيفساء ـ 1985 4 ـ صديد الرّوح ـ 1989 5 ـ جناح خارج السرب ـ 1991 6 ـ نبعٌُ واحد لضفاف شتّى ـ 1999 7 ـ عُمرٌ واحد لا يكفي ـ 2004 8 ـ حارقُ البحر ـ نشر إلكتروني عن دار إنانا ـ 2008 ثم صدر عن دار اليمامة بتونس ـ 2013 9 ـ AL JAZIA ـ الجازية ـ بترجمة حمادي بالحاج ـ 2008 10 ـ ألوان على كلمات ـ بلوحات عثمان بَبّة وترجمته ـ طبعة خاصة ـ 2008 11 ـ حركات الشّعر الجديد بتونس ـ 2008 12ـ صفحات من كتاب الوجود ـ القصائد النثرية للشّابي ـ2009 13 ـ oxyde L’âme قصائد مختارة ترجمها عبد المجيد يوسف ـ2015 14ـ ديوان سُوف عبيد ـ عن دار الاِتحاد للنشر والتوزيع تونس2017