ملامح التجديد لدى الشاعر المنير وسلاتي

القصيدة
ــــــــــــــ
لم أغيـّـر أقفالي ومفاتيحي..
مازلتُ أحملُ القِفْلَ ذاتَهُ منذ سنين…
فلا داعي لاتّهام الأبواب بالصدإ..
ولا داعي لاتّهام الخشب الأخْرَس
والتباكي على الحظّ المأزوم..
..اعترفي..أنك أضعت مفتاحي..
في كومة المفانيح…
وقلبُ عبارتي..مستغلقٌ..
فقط أمام طواحين الريح..
…عبثا تحاولين
معالجة قِفل بابي بالسكّين…

من سخرية الأقدار..
أن بابي ..كان مفنوحا دائما…!
*من ديوان ـ نسّاج الضوء ـ
ـــــــ 1 ــــــ
الشّكوى من الدّهر وسوء الحظ من الدنيا والأسف على فقد الأحبّة والخلّان وذكر تخاذل الأقارب والأصدقاء غرض قديم في مختلف دواوين الشّعر العربي فهذا طرفة بن العبد يقول في معلقته وقد تنكّرت عشيرته له :
* وظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَـةً
عَلَى المَرْءِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّـدِ
وهذا أبوفراس الحمداني الذي ظلّ أسيرا لدى الروم فتألّم من تناسيه وإهماله وهو الذي كان يذود عن حماهم حيث يقول
متحسّرا ومذكّرا فضائله :
سَيَذكُرُني قَومي إِذا جَدَّ جِدُّهُم *
وَفي اللَيلَةِ الظَلماءِ يُفتَقَدُ البَدرُ
ومثله المعتمد بن عبّاد الذي كابد هو أيضا الأسر وعرف الخذلان وسوء المُنقلَب بعد عزّ السّلطان حيث يقول شاكيا حاله :
* غَريب بِأَرضِ المغربينِ أَسيرُ
سَيَبكي عَلَيهِ مِنبَرٌ وَسَريرٌ
* وَتَندُبُهُ البيضُ الصَوارِمُ وَالقَنا
وَينهلُّ دَمعٌ بينَهُنَّ غَزيرُ


ـــــ 2 ــــــ
ليس الشّعراء وحدهم قد اِشتكوا من سوء ما تعرضوا له من الغبن والظلم والجحود بل إن الأدباء أيضا قد عبّر بعضهم عن هذه الحالة فوصفوا غربتهم في قومهم حيث صوّر أبو حيان التوحيدي مثلا حالته قائلا :
ـ أمسيتُ غريب الحال، غريب النِحلة، غريب الخلق، مستأنساً بالوحشة، قانعاً بالوحدة، معتاداً للصمت، ملازماً للحيرة، محتملا للأذى، يائساً من جميع من ترى ـ
فنلاحظ أنّ التعبير عن معاني غرض الشكوى من سوء المنزلة كان متواترًا بين هؤلاء الشّعراء وقد ورد لديهم في أنساق تعبيرية متقاربة غير أنّ الشّاعر التونسي المنير وسلاتي لئن طرق هذا الموضوع القديم فقد عبّر عنه بأسلوب جديد من خلال إيحاءات مبتكرة بسردية شعرية تتوالى فيها الصّور وتتوالد من ثناياها المعاني فتبدأ القصيدة بالإخبار أنه لم يغيّر أقفاله و مفاتيحه ليؤكد بهذا ثباته على مبادئه رغم تبدّل الظروف فكأنه مُحصّن من غائلات الدّهر وتمضي القصيدة على نفس المسار مُبديا ثقته في نفسه معتزّا بها متحمّلا مسؤوليته في خياراته وحده دون الآخرين حيث يقول :
لم أغير أقفالي ومفاتيح
مازلت أحمل القفل ذاته منذ سنين
فلا داعي لاتّهام الأبواب بالصّدإ
ولا داعي لاتّهام الخشب الأخْرَس
والتباكي على الحظّ المأزوم
ــــــ 3 ــــــ
ثمّ ينعطف اِتّجاه القصيدة إلى مخاطبة اِمراة في صيغة العتاب داعيا إيّاها بالاِعتراف أنّها هي التي أضاعت المفاتيح وعبثا أنها تحاول فتح قفل بابه بالسكّين لأن بابه كان دائما مفتوحا حيث يقول :
…عبثا تحاولين
معالجة قِفل بابي بالسكّين…

من سخرية الأقدار..
أن بابي ..كان مفنوحا دائما..
هذا الباب المفتوح لدى الشاعر تعبير عن التفاعل الإيجابي معها ومع الآخرين أيضا رغم ما قُوبل به الشاعر من إيلام وما السكّين إلا رمز لكل المعاني السّلبية الخطيرة لكنّ الشاعر قابل كل ذلك بالمسالمة والأريحية و ـ الباب المفتوح ـ هو رمز لقبول الآخر المختلف بل حتّى العدائي أيضا في دعة ووئام
ــــــ 4 ــــــ
القصيدة متعدّدة الرسائل المشفّرة لمن يعنيه الأمر وهي تعبّر عن الثقة والاِعتداد بالنّفس وتلامس بعض المعاني في القصيدة حدود التحدّي لكنها تنفرج بعد ذلك نحو التعبير عن العتاب لتنتهي عند آخرها بالاِنفتاح الإيجابي
فحركة القصيدة تبدأ منبسطة سلسة ثم تتصاعد شيئا فشيئا إلى أن تصل إلى ذروة التأزّم ثمّ تنزل رويدا رويدا وتنفرج عند الخاتمة اِنفراجا مُفاجئا معاكسا لما سبق.
ذلك هو الإيقاع في هذه القصيدة التي تمثّل شاهدا متميّزا يعبّر عن التجديد الشعري
* سُوف عبيد
رادس 11 ـ 1 ـ 2023

حول سوف عبيد

* من مواليد موسم حصاد 1952 وسُجّل في دفتر شيخ المنطقة بتاريخ يوم 7 أوت 1952 ببئر الكرمة في بلد غُمراسن بالجنوب التونسي درس بالمدرسة الاِبتدائية بضاحية ـ مِقرين ـ تونس العاصمة سنة 1958 ـ بالمدرسة الابتدائية بغُمراسن سنة 1960 ـ بالمدرسة الابتدائية بنهج المغرب بتونس سنة1962 ـ بمعهد الصّادقية بتونس سنة 1964 ـ بمعهد اِبن شرف بتونس سنة 1969 * تخرّج من كلية اﻵداب بتونس بشهادة ـ أستاذية الآداب العربية ـ ثمّ في سنة 1976 بشهادة ـ الكفاءة في البحث ـ حول ـ تفسير الإمام اِبن عَرْفَة ـ سنة 1979 * باشر تدريس اللّغة العربية وآدابها بـ ـ معهد اِبن أبي الضّياف بمنّوبة ـ المعهد الثانوي ببوسالم ـ المعهد الثانوي بماطر ـ معهد فرحات حشاد برادس * بدأ النّشر منذ 1970 في الجرائد والمجلات : الصّباح ـ الملحق الثقافي لجريدة العمل ـ الصّدى ـ الفكر ـ ألِف ـ الحياة الثقافية ـ الموقف ـ الشّعب ـ الرأي ـ الأيام ـ الشّرق الأوسط ـ القدس,,,وبمواقع ـ دروب ـ إنانا ـ المثقّف ـ أنفاس ـ أوتار ـ ألف ـ قاب قوسين ـ … * شارك في النّوادي والنّدوات الثقافية بتونس وخارجها : ليبيا ـ الجزائر ـ المغرب ـ مصر ـ العربية السعودية ـ الأردن ـ سوريا ـ العراق ـ إسبانيا ـ فرنسا ـ إيطاليا ـ ألمانيا ـ بلجيكا ـ هولاندا ـ اليونان ـ * من مؤسسي نادي الشّعر بدار الثقافة ـ اِبن خلدون ـ بتونس سنة 1974 واِنضمّ إلى اِتّحاد الكتاب التونسيين سنة 1980 واُنْتُخِبَ في هيئته المديرة في دورة سنة 1990 أمينا عاما ثم في دورة سنة 2000 نائب رئيس فساهم في تنظيم مؤتمر اِتحاد الأدباء العرب ومهرجان الشعر العربي بتونس سنة 1991 وفي إصدار مجلة ـ المسار ـ وفي تأسيس فروعه وفي تنظيم الندوات والمهرجانات الأدبية وشارك في الهيئة الاِستشارية لمجلة الحياة الثقافية وأسّس منتدى أدب التلاميذ سنة 1990 الذي تواصل سنويا في كامل أنحاء البلاد إلى سنة 2010 ونظّم الملتقى الأوّل والثاني لأدباء الأنترنت بتونس سنتي 2009 و 2010 وأسس نادي الشعر ـ أبو القاسم الشابي ـ سنة 2012 وترأس جمعية ـ اِبن عرفة الثقافية ـ سنة 2013 و2014 وأسس جمعية مهرجان الياسمين برادس 2018 * صدر له 1 ـ الأرض عطشى ـ 1980 2 ـ نوّارة الملح ـ 1984 3 ـ اِمرأة الفُسيفساء ـ 1985 4 ـ صديد الرّوح ـ 1989 5 ـ جناح خارج السرب ـ 1991 6 ـ نبعٌُ واحد لضفاف شتّى ـ 1999 7 ـ عُمرٌ واحد لا يكفي ـ 2004 8 ـ حارقُ البحر ـ نشر إلكتروني عن دار إنانا ـ 2008 ثم صدر عن دار اليمامة بتونس ـ 2013 9 ـ AL JAZIA ـ الجازية ـ بترجمة حمادي بالحاج ـ 2008 10 ـ ألوان على كلمات ـ بلوحات عثمان بَبّة وترجمته ـ طبعة خاصة ـ 2008 11 ـ حركات الشّعر الجديد بتونس ـ 2008 12ـ صفحات من كتاب الوجود ـ القصائد النثرية للشّابي ـ2009 13 ـ oxyde L’âme قصائد مختارة ترجمها عبد المجيد يوسف ـ2015 14ـ ديوان سُوف عبيد ـ عن دار الاِتحاد للنشر والتوزيع تونس2017