أعلام من تاريخ غمراسن

يصف التيجاني أهل غمراسن في رحلته قائلا :

وهُم أَغيَرُ خَلقِ الله على الضّيف وأكرمُهم له فإذا حلّ الغريب لديهم واِستند إليهم جعلوم من رؤسائهم وأنزلوه فوق رؤوسهم وحكّموه في أنفسهم ولديهم الأمن الذي لم يُسمع بمثله في بقعة من بُقع الأرض     ـ  رحلة التيجاني ـ الدار العربية للكتاب ط 1981  ص 174

الإمام محمد بن عَرْفة 

متابعة قراءة أعلام من تاريخ غمراسن

من غرائب المصادفات

 ـــــــــ من غرائب المُصادفات ــــــــــــ

تلقّيت في الأيام الأخيرة رسالة عن طريق بريدي الألكترونية من جامعة مدينة نانسي Nancy في شمال غربي فرنسا يسألني أحد الباحثين فيها بعد أن اِطلع على ديواني المنشور في موقعي من أين أستنبط قصائدي أمِنَ واقع الأحداث أمْ من الخيال ؟ لأنه بصدد إنجاز بحث جامعي

فأجبت أنني أستوحي قصائدي من الواقع والخيال معًا

متابعة قراءة من غرائب المصادفات

نحو مشروع ثقافيّ تونسيّ جديد

ــ 1 ــ

مع سنوات منتصف القرن التاسع عشر ظهر في تونس مشروع حضاري متكامل يتلخّص في مقولة ـ الإصلاح ـ يشمل النّواحي السياسية والاِجتماعية والدّينية والتعليمية وتجلّى ذلك المشروع الحضاري خاصة في قرار تحرير العبيد وفي تأسيس المدرسة الحربية وإعلان الدّستور وتأسيس المدرسة الصّادقية للمزاوجة بين الأصالة التونسية والمدنيّة الأوروبية فنشأ ضمن هذا المشروع الحضاري العام منهج ثقافي متكامل سار على دربه أعلام حملوا مقولاته منهم الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في كتابه ـ أليس الصبح بقريب ـ وفي تفسيره ـ التحرير والتنوير ـ والشيخ عبد العزيز الثعالبي في كتابه ـ روح التحرّر في القرآن ـ وكتابه ـ تونس الشهيدة ـ وكذلك الطاهر الحداد في كتابيه ـ العمال التونسيون ـ و ـ اِمرأتنا في الشريعة والمجتمع ـ وفي الشعر أبو القاسم الشابي ومصطفى خربّف وفي الفنون التشكيلية حاتم المكّي وقد اِنطلقت الحركة الوطنية من أسس ذلك المشروع الثقافي وأدبيّاته وتخرّجت مختلف أجيالها من مؤسّساته
ــــ 2 ــــ

متابعة قراءة نحو مشروع ثقافيّ تونسيّ جديد

ملامح التجديد لدى الشاعر المنير وسلاتي

القصيدة
ــــــــــــــ
لم أغيـّـر أقفالي ومفاتيحي..
مازلتُ أحملُ القِفْلَ ذاتَهُ منذ سنين…
فلا داعي لاتّهام الأبواب بالصدإ..
ولا داعي لاتّهام الخشب الأخْرَس
والتباكي على الحظّ المأزوم..
..اعترفي..أنك أضعت مفتاحي..
في كومة المفانيح…
وقلبُ عبارتي..مستغلقٌ..
فقط أمام طواحين الريح..
…عبثا تحاولين
معالجة قِفل بابي بالسكّين…

من سخرية الأقدار..
أن بابي ..كان مفنوحا دائما…!
*من ديوان ـ نسّاج الضوء ـ
ـــــــ 1 ــــــ
الشّكوى من الدّهر وسوء الحظ من الدنيا والأسف على فقد الأحبّة والخلّان وذكر تخاذل الأقارب والأصدقاء غرض قديم في مختلف دواوين الشّعر العربي فهذا طرفة بن العبد يقول في معلقته وقد تنكّرت عشيرته له :
* وظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَـةً
عَلَى المَرْءِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّـدِ
وهذا أبوفراس الحمداني الذي ظلّ أسيرا لدى الروم فتألّم من تناسيه وإهماله وهو الذي كان يذود عن حماهم حيث يقول
متحسّرا ومذكّرا فضائله :
سَيَذكُرُني قَومي إِذا جَدَّ جِدُّهُم *
وَفي اللَيلَةِ الظَلماءِ يُفتَقَدُ البَدرُ
ومثله المعتمد بن عبّاد الذي كابد هو أيضا الأسر وعرف الخذلان وسوء المُنقلَب بعد عزّ السّلطان حيث يقول شاكيا حاله :
* غَريب بِأَرضِ المغربينِ أَسيرُ
سَيَبكي عَلَيهِ مِنبَرٌ وَسَريرٌ
* وَتَندُبُهُ البيضُ الصَوارِمُ وَالقَنا
وَينهلُّ دَمعٌ بينَهُنَّ غَزيرُ

متابعة قراءة ملامح التجديد لدى الشاعر المنير وسلاتي

مع الشاعر عبد الحكيم زرير

ظلّ الأدب العربيّ المنطوق والمكتوب باللّسان اليوميّ على هامش الأدب العربيّ الفصيح  بالرّغم من إبداعاته الزّاخرة بالقيم الفنيّة والاِجتماعية إنّه أدب الحياة في أدقّ تفاصيلها النابضة بالشّجون والمعاناة
من آخر ما سمعت من القصائد قصيدة _ البالة _ للشاعر عبد الحكيم زرير في نادي القراءة بجمعية ابن عرفة وهي قصيدة من الشعر التونسي باللغة اليومية وـ البالة ـ كلمة سائرة على اللسان التونسي وهي كلمة مشتقة من أصلها الفرنسي من فعل emballer وتعني ذلك الكيس الذي يلفون فيه الثياب المستعملة والتي أصبحت أكوامها منشورة في كامل أسواق البلاد وغزت حتى الساحات والشوارع الرئيسية في العاصمة تونس حيث تسمع الباعة ينادون بأعلى الأصوات _ م البالة ..م البالة…م البالة…أي أن هذه الثياب حضرت للتوّ فترى القوم رجالا ونساء وشبابا مقبلين عليها يتفحصونها ويختارون ما يناسبهم من مختلف قطع الملابس وأنواعها من الحذاء إلى القبعات ومن الثياب الداخلية إلى المعاطف ومن الحقائب إلى النظّارات وقد يظفر أحدهم أحيانا بقطع من الملابس جديدة لم تستعمل أبدا وعلامة المحلّ أو المصنع ما تزال مثبّتة عليها .

متابعة قراءة مع الشاعر عبد الحكيم زرير

ذكرى مع الشّاعرين مختار اللغماني وعبد الحميد خريّف

ـ 1 ـ
من الطرائف التي عشتها مع أصدقائي الشعراء في أجواء حميمية وإنسانية ظلت راسبة تبعث البهجة والحنين في ذاكرتي رغم ما كان فيها من مواقف صعبة أو محرجة أحيانا  لا بأس أن  أحدثكم عن الأمسية الشعرية التي برمجها لنا سنة 1974 أحد أصدقائنا من الشعراء الأعضاء بنادي الشعر بدار الثقافة اِبن خلدون والذي كان يدرُس معنا بكلية الآداب بتونس فاِقترح علينا أن ينتقل نادي الشعر إلى دار الثقافة بنابل لنقيم بها أمسية شعرية بناء على دعوة اِتصل بها من مديرها فكان هذا الاقتراح من صديقنا تحوّلا تاريخيا في نشاطنا الأدبي الذي كنا نطمح أن يكون مشعا خارج العاصمة وأبعد من أبوابها حتى نلتقي بجمهور الشباب وغيرهم من الذين لا تصل إليهم قصائدنا خاصة في المناطق النائية فكان تنظيم تلك الأمسية أوّل خروج لنا من العاصمة لنقرأ نصوصنا خارج أبواب مدينة تونس وقد تكفّل صديقنا الشاعر بتنظيم جميع التفاصيل كيف لا ! وهو اِبن ولاية نابل وصاحب العلاقات الوثيقة بالصحف النّافذة وصاحب الكلمة المسموعة لدى الدوائر الإعلامية وقتذاك لذلك اِنفتحت لنا أبواب أمانينا على مصراعيها ورفرفت بنا أحلامنا الوردية فصديقنا أكّد أنّنا سنحظى باِستقبال بهيج من ممثلي السلطة الجهوية وقد طمأننا أنه إذا اِمتد الوقت المخصص للقراءات فلا بأس علينا ولا نحن نحزن لأنّ  العشاء سيكون بأحد الفنادق الفاخرة في الولاية بل حتى المبيت سيكون متوفّرا  لمن أراد ذلك..

متابعة قراءة ذكرى مع الشّاعرين مختار اللغماني وعبد الحميد خريّف

الماء في شعر مختار اللّغماني

إنّ قراءة النصوص الشعرية قراءة دلالية تؤدّي إلى الوقوف عند مراكز اهتمام نعتبرها نوافذ هامة للدخول في الكون الشعر لتلك النصوص واستكشاف مدلولاتها في خصم حضورها اللغوي والإيحائي والرمزي.

وشعر مختار اللغماني في مجموعة ” أقسمت على اِنتصار الشمس ” تتبعنا في معاني قصائده وصورها ظاهرة التعبير عن العطش والبحث عن الماء فهو يقول في قصيدته الأولى:”التعبير عن الغربة”( ص.7.)

عيناي الضيقتان واسعتان جوع

يابستان ياشفتان عطش

عيناي مسافران ضائعان يبحثان عن ينبوع؟

هل صدفة أننا نلاحظ الصلة الوثقى بين كلمة (ماء) وكلمة (أمّ) فإذا كانت الأمّ مصدر الإنسان فإن الماء هو أصل الحياة وقد حفلت اللغة العربية في معجمها بهذين الكلمتين حيث أنها نشأت واِنتشرت وسادت في أصقاع هي من أشد الأقاليم حاجة إلى الماء بل إن الحضارة الإنسانية ظهرت حول الينابيع والأنهار الدافقة التي على ضفافها عرف الإنسان الفلاحة والثقافة فِانبثقت الحضارات الأولى بين دجلة والفرات والنّيل حتى عمّت العالم عبر العصور وعبر الأودية والسّواحل أيضا.

متابعة قراءة الماء في شعر مختار اللّغماني

قراءة في قصيد صفوان بن مراد

الصّديق ـ صفوان بن مراد ـ من أقدم الأصدقاء فقد تعارفنا على مقاعد معهد الصّادقية في النصف الأول من ستينيات القرن العشرين عندما كنا نتابع بشغف أستاذنا البشير العريبي وهو يحدثنا عن بخلاء الجاحظ وعن زيارة طه حسين إلى تونس وعن – حتّى – التي ظلت في صدر أحد اللغويين القدامى بعد أن مات وما زلتُ أذكر كيف خرجنا من الأقسام مع كوكبة من التلاميذ والطلبة صائحين ثائرين في أيام حرب جوان 1967 ومن وقتها اِشتعل فينا فتيل الحسّ الثوريّ على الأوضاع السائدة في الأوطان العربية فأقبلنا بحماس على قراءة الشعراء المجدّدين مثل عبد الوهاب البياتي ونزار قباني وبدر شاكر السياب وسليمان العيسى الذي عرّفني به صديقي صفوان بن مراد وقد كان يكتب قصائد فيها الكثير من وشائج الوجدان العارم بالشجون العربية وأتذكّر في ما أتذكّر أننا عندما كنا ندرس في شعبة الآداب بمعهد ابن شرف جاء معمر القذافي في زيارته الأولى إلى تونس في شتاء 1970 فخرجنا دون إذن من الإدارة وحرصنا أن نكون من بين الحشود في اِستقباله هو والزعيم بورقيبة فوقفنا عند مرور الموكب مرّتين الأولى عند مروره من باب الجزيرة ثم جرينا مسرعين في أسواق المدينة العتيقة المزدحمة وأنهجها الضيقة لنلتقيه مرة ثانية عند باب سويقة ورفعنا المطريّة السّوداء وقد كتب عليها صفوان بالطباشير الأبيض بخطه الجميل – تحيا الثورة العربية –

متابعة قراءة قراءة في قصيد صفوان بن مراد

الرّأس


ـــــ الرّأس ـــــ


رَأسِي هَذَا
مُدَوَّرٌُ مُكَوَّرٌ
كُرَةُ قَدَمْ
يَحْمِلُ حُرُوبَ وَمَجَاعَاتِ اَلْعَالَم
وَكُلَّ مَا فِي اَلْعَالَم مِنْ ألَمْ
*
رَأْسِي هَذَا
مُرَبَّعٌ مُسْتَطِيلٌ
صُندُوقٌ قَدِيمٌ
مُلَفَّقُ الْألوَاحْ
بِالْقِصْدِير وَالْمَسَامِير
وَبإكْسِير الْجِرَاحْ
*
رَأسِي هَذا
أسْوَدُ أبْيَضُ
رُقْعَةُ شِطْرَنْج
بَيَادِقُهَا غَارقَةٌ فِي اَلدَّمْ
فُرْسَانُهَا يُسَوِّهَا اَلْهَرَمْ
*
تَعَالَوْا يَا أطْفَالَ الْعَالَم
هَذَا رَأسِي
فَاِلْعَبُوا بهِ
بَيْنَ أرْجُلِكُمْ !
ـ سُوف عبيد 1972